قراءة في خريطة التحالفات في انتخابات نقابة المهندسين الأحد: الأحزاب تطبخ تحالفاتها و”النقابة تنتفض” تعلنها بوضوح


2021-07-17    |   

قراءة في خريطة التحالفات في انتخابات نقابة المهندسين الأحد:  الأحزاب تطبخ تحالفاتها و”النقابة تنتفض” تعلنها بوضوح

تتميّز انتخابات نقابة المهندسين الأحد المقبل، 18 تموز 2021، عن غيرها من الاستحقاقات السابقة أنّها تجري في أسوأ المراحل التي يمرّ فيها لبنان سياسياً واقتصادياً ومعيشياً مع انهيار الليرة إلى مستوى غير مسبوق. ولعبت المتغيّرات السياسية على الساحة اللبنانية التي انطلقت شرارتها مع 17 تشرين الأول 2019 دوراً هامّاً في صعود قوى مناهضة لأحزاب السلطة فرضت نفسها بقوّة على الساحة الانتخابيّة في مقدّمها ائتلاف “النقابة تنتفض” الذي اكتسح انتخابات النقابة في المرحلة الأولى بفوزه بـ 221 مهندساً من 232 رشحّهم في مجلس المندوبين البالغ عدد مقاعده 283 مقعداً.

تجري هذه الانتخابات هذا العام لانتخاب نقيب المهندسين، وأربعة أعضاء  لمجلس النقابة يشكّلون رؤساء أربعة فروع هي: المهندسون المدنيون الاستشاريون، المهندسون المعماريون الاستشاريون، المهندسون الموظفون والمتعاقدون في الدولة والبلديات والمصالح المستقلّة والمؤسسات العامة، والمهندسون الزراعيون وذوو الاختصاصات المختلفة. وسيكون هناك خمسة مرشحين عن كل فرع، جرى ترشيحهم من خلال انتخابات المرحلة الأولى التي حصلت في 27 حزيران 2021. كما سيجري انتخاب ستّة أعضاء ممثلين عن الهيئة العامّة لعضوية مجلس النقابة، فيكون العدد 10 أعضاء لمقاعد شاغرة، مع العلم أنّ العدد كان من المفترض أن يكون 5 فقط لو لم يحصل التأجيل الذي طال أمده، لتحصل الانتخابات بعد سنة كاملة انتهت خلالها مدة عضوية 5 أعضاء آخرين. ويجري أيضاً انتخاب عضوين للجنة إدارة الصندوق التقاعدي، كما انتخاب ثلاثة أعضاء للجنة مراقبة الصندوق التقاعدي.

الأحزاب تتحالف من تحت الطاولة

كما تجري العادة تترك الأحزاب القرار النهائي لحسم تحالفاتها للّيلة التي تسبق الانتخابات، برغم أنّ المعطيات تؤكّد حصر المنافسة بين ثلاثة مرشحين لمنصب النقيب، الأول عارف ياسين الذي يمثل ائتلاف “النقابة تنتفض” وتمّ اختياره بعد مناظرة علنية حصلت يوم الاربعاء الفائت بينه وبين مرشّحين اثنين انتهت إلى فوزه بأكثرية التقييم، إضافة إلى لائحة مكتملة للمرشحين لـ”النقابة تنتفض” عن المقاعد الشاغرة التي تشملها الانتخابات.

إضافة إلى ياسين، يبرز اسم المرشح المهندس عبدو سكريّة كمستقل، وهو من الأسماء التي يبحث فيها كل من حزب الله والتيار الوطني الحر الذي لم يرشح منذ البداية أي اسم لمنصب النقيب. وكان مرشحا حزب الله المهندسيّن حسن حجازي وعدنان عليان قد سحبا ترشيحيهما للمنصب.

والمرشح الثالث هو المهندس باسم العويني الذي يمثل تيار المستقبل في نقابة المهندسين، وهو يشغل منصب نائب النقيب في المجلس الحالي لنقابة المهندسين، بعد تأكيد المهندس محمد فتحة لـ”المفكرة” سحب ترشحه صباح أوّل من أمس الخميس وهو مدعوم من تيار المستقبل، مشيراً إلى أنّ الأخير ماض في ترشيح العويني لمنصب النقيب. وتتّجه حركة “أمل” لدعم الخيار النهائي لتيار المستقبل، وكان مرشحها المهندس مصطفى فواز قد سحب ترشحه لمنصب النقيب قبل نحو أسبوع. ويُفسر البعض ترشيح اسمين في تيار المستقبل أنّه ناتج عن اختلافات في الرأي بين المحازبين داخل التيار.

أمّا القوات اللبنانيّة فقد حسمت نيتها بعدم ترشيح أي اسم لمنصب النقيب وتركت لمحازبيها حرية التصويت للشخص الذي يريدونه، فيما سحب الحزب الاشتراكي مشاركته في الانتخابات بالمطلق عبر بيان أصدره يوم الثلاثاء في 13 تمّوز أعلن فيه أنّ الحزب “يطلق مقاربة جديدة في العمل النقابي، تعبيراً عن حالة اعتراض على مسار السنوات الماضية في (مختلف النقابات المهنية) النقابات التي كانت فيها للأسف أسيرة حسابات حزبية وسياسية حيناً، وطائفية ومذهبية أحياناً أخرى”. وكما انسحب الاشتراكي أيضاً من عضويته في الاتحاد العمالي العام، تشير المعلومات إلى نيّته الانسحاب من مختلف النقابات المهنية إنّما ليس العمل النقابي بشكل عام وهذا ما يشير إليه البيان المذكور، إذ يلفت إلى أنّ الحزب سيطلق برنامجه قريباً في “نقابة المهندسين وسيضعه برسم النقيب ومجلس النقابة العتيدين والعمل بموجبه من خلال رسم خطط طويلة الأمد لحماية المهنة وصناديق النقابة ونظامي الاستشفاء والتقاعد وخطوات استراتيجية ترسم مستقبل النقابة لامد طويل”.

ومن جهة موازية، حاول ائتلاف “مهندسون مستقلون” تعويم” اسم المهندس سامر سليم لمنصب نقيب المهندسين، إنّما باتت فرصه تتضاءل، وبحسب مقرّبين منه فإنّ الائتلاف “يبحث في سحب ترشحه ودراسة الخيارات الأخرى”.

بالنسبة لعضوية المجلس في الهيئة العامة، تبحث بعض الأحزاب في ترشيح أسماء، بعدما حسم الأمر بالنسبة للأعضاء من ممثلي الفروع الأربعة. ثلاثة أسماء لصالح “النقابة تنتفض” ضمنت دخولها إلى المجلس بنجاحها بترشيح 15 شخصاً في الفروع الأول والثاني والسابع خلال المرحلة الأولى من الانتخابات، وخمسة  لصالح تيار المستقبل في الفرع الرابع. وأمّا بالنسبة لممثلي الهئية العامّة وعددهم ستة، تقوم بعض الأحزاب في البحث بالأسماء النهائية التي سيتم تأكيد ترشيحها في الانتخابات، من بينها لائحة مدعومة من تيار المستقبل وحركة “أمل”، فيما نشرت “النقابة تنتفض” لائحة مكتملة قبل يومين.

والجمعة صباحاً انسحب المرشح الوحيد لحزب الله عن مقاعد الهيئة العامّة في مجلس النقابة المهندس عدنان عليان، ولم تعلن القوات اللبنانية بعد الأسماء التي تدعم ترشيحها عن الهيئة العامّة، إنّما تؤكد المعلومات أنّها ستخوض الانتخابات في لوائح لأشخاص غير حزبيين، فيما سحب التيار الوطني الحر كافة أسماء مرشحيه عن مقاعد الهيئة العامّة. لكن ذلك لا يعني أنّ الأحزاب ليس لديها مرشحين كافين للهيئة العامة، إنّما قد يحصل التوافق على أسماء في الليلة الأخيرة قبل الانتخابات.

في هذا الصدد، يؤكد المهندس حسن حجازي المرشح السابق لمنصب نقيب المهندسين أنّه سحب ترشحه لأنّه لا يريد الدخول في الصراعات السياسية. وحجازي من المهندسين المنخرطين في العمل السياسي في حزب الله، يؤكد أنّ الحزب لم يحسم أمره بعد بالنسبة للاسم النهائي الذي سوف يدعمه والبحث جارٍ مع التيار الوطني الحر. ولكن ماذا لو ذهب حليفه الآخر حركة أمل إلى دعم ترشيح باسم العويني المنتمي إلى تيار المستقبل، يؤكّد حجازي استبعاد الحزب لهذا الخيار.

من جهته، يؤكد المهندس بسام نصرالله، ممثل التيار الوطني الحر بأنّ التيار يبحث في دعم المرشح عبدو سكرية إنّما لم يحسم الأمر بعد، ومع ذلك يؤكّد استبعاد أي اسم حزبي، أي أنّ التيار لن يدعم خيار تيار المستقبل نهائياً.

بدوره يؤكد المرشح السابق عن حركة أمل المهندس مصطفى فوّاز بأنّ “أمل” تتجه إلى دعم خيار تيار المستقبل.

ومن جهة أخرى، يؤكد فوّاز أنّ “النقابة هي ساحة لقاء وعمل مهني”، مع تأييده “للتنوع السياسي داخلها”. ويشدد على أنّ “العمل السياسي مهم إنّما حذار أن تتحول نقابة المهندسين إلى متراس، إذ أن لها دوراً وطنياً جامعاً كما تشكل ساحة حوار تشجع على الديموقراطية”. بدوره، يؤكّد حجازي تبنّيه لبرنامج انتخابي يسمح للنقابة بأن تمارس دورها الوطني الذي يجمع جميع المهندسين”. ويلفت إلى الحاجة إلى هذا الدور في قطاعات مختلفة، ذاكراً “التنمية في البلاد من خلال الكهرباء والمياه والنقل وكافة القطاعات التي تحتاج لخبرة المهندسين”. ويشرح أكثر، “هذا يفسّر الدور الوطني للنقابة، نحن خارج النقابة نقوم بعمل حزبي معلن إنما في الداخل عملنا علمي وتقني يكمن في المصلحة الوطنية”.

فرص المعارضة أقوى

يتمتع ائتلاف “النقابة تنتفض” بفرص كبيرة في النجاح في الانتخابات، خصوصاً مع احتدام المعركة عند تحديد الأسماء النهائية لمرشحي أحزاب السلطة. والاسم الوحيد صاحب الفرص الأكبر في المواجهة مع أي منافس حزبي هو مرشح الائتلاف المهندس عارف ياسين.

تميّز هذه الانتخابات عن سابقاتها يفسّره المهندس بشّار عبد الصمد ببعض الأسباب الرئيسية، منها “الظروف السياسية في البلاد والأزمة الاقتصادية الحادّة، ثانياً، خروج المعارضة السياسية لأحزاب السلطة من روحية 17 تشرين 2019 الذي انبثق عنه تجمّع مهنيين ومهنيات ومن رحمه ولد ائتلاف “النقابة تنتفض” الذي يضم 23 مجموعة، والذي يُشكل اليوم حالة مفصلية مختلفة عن سابقاتها من الحركات الاعتراضية كونها مجموعات متنوعة أيديولوجياً لكنها تجتمع على القضية نفسها كون أفرقائها يشتركون في الضرر الذي لحق بهم، وعلى الرغم من الاختلافات فإنّ هذا التجمّع تمكن من تخطيها”. وفي السبب الثالث يذكر عبد الصمد “عدد المقاعد التي يتم التنافس عليها، كونها المرّة الأولى التي نشهد تنافساً على عشرة مقاعد ونقيب في آن معاً، حيث غالباً ما يكون الاستحقاق الانتخابي لا يتعدّى انتخاب مرشحين عن 4 مقاعد، لكن التأجيل المتكرر أدى  إلى ارتفاع أعداد المقاعد المنتهية ولايتها.

ويربط عبد الصمد التطورات وصعود المعارضة المتمثلة بـ”النقابة تنتفض” بتراكمات عدّة خلال السنوات السابقة أدت إلى ارتفاع صوت معارض لأحزاب السلطة داخل النقابة، مشيراً إلى الإحباط الذي يسيطر على المهندسين كمتضرريين من السياسات التي أودت بالبلاد إلى ما هي عليه. وعليه دفع الإحباط بالمهندسين إلى البحث عن خيار بديل عن أحزاب السلطة لتمثيلهم في النقابة.

من جهته، يُضيف المهندس الزراعي علي درويش المرشح لعضوية مجلس النقابة عن الفرع السابع بأنّ “هذه الانتخابات تقوم على كسر العرف المعتمد في نقابة المهندسين، حيث اعتمدت من الثمانينات عرف المداورة بين المسلم السني والمسيحي لمنصب نقيب المهندسين”. وبالتالي، فإنّ المرشح عارف ياسين هو عابر لهذا العرف الذي طالما تنكّر للحاجة لانتخاب نقيب كفوء يمثل جميع المهندسين لا طوائفهم أو أحزابهم”.

تراكمات من المعارضة السياسية في نقابة المهندسين

يستعيد عبد الصمد تاريخ نقابة المهندسين مشيراً إلى أنّها “تتميز عن غيرها من النقابات المهنية بالتنوع الداخلي في التوجهات والرؤى السياسية لدى المنتمين إليها، وبخاصّة وجود دائم للمعارضة السياسية التي ترفض أحزاب السلطة”. ويُضيف، “لطالما خاضت مجموعات معارضة للأحزاب الانتخابات بشكل قوي، وتمكّنت مرّات من الوصول في الفترة الممتدة من نهاية الحرب الأهلية إلى اليوم”. ويستعيد عبد الصمد معارك عدّة خاضتها قوى معارضة منذ التسعينيات عقب انتهاء الحرب الأهلية اللبنانيّة إلى يومنا هذا، بدءاً من معركة انتخاب النقيب الراحل عاصم سلام في العام 1995، ومعركة طاحنة خاضها وخسرها المعماري ميشال عقل أمام النقيب الأسبق سمير ضومط عام 1999، وفي العام 2002 نجح المهندس صبحي البساط بالوصول إلى منصب نقيب المهندسين بفوزه ضمن لائحة معارضة تنافست مع لائحة مدعومة من الرئيس الراحل رفيق الحريري. وفي 2014 وفي معركة قوية، خسر المهندس المستقل عصام بكداش الانتخابات أمام إيلي بصيبص”. يذكر عبد الصمد كل هذه الاستحقاقات ليؤكد أنّ الانتخابات في نقابة المهندسين لطالما شهدت معارك طاحنة، وإن كانت المعارضة أحياناً تستقطب بعض الأحزاب السياسية التي تجد أنّ من مصلحتها دعمها (أي المعارضة)، إنّما يدلّ ذلك على الحضور القويّ للمعارضة السياسية في نقابة المهندسين بشكل يميّز هذه النقابة عن غيرها من النقابات. ويصل عبد الصمد إلى مرحلة انتخاب النقيب جاد ثابت، الذي أتى في مرحلة سياسية لافتة في العام 2017، التي سبقها مزاج شعبي محبَط وساخط على السلطة السياسية تُرجم في تظاهرات “طلعت ريحتكم” خلال أزمة النفايات في العام 2015، وحينها ربح ثابت الانتخابات أمام مرشح التيار الوطني الحر الذي يمثل رئيس الجمهورية.

ومن جهة أخرى، يلفت عبد الصمد إلى “أنّها المرة الأولى التي يتم فيها التنافس على عشرة مقاعد ونقيب دفعة واحدة منذ ثلاثين عاماً”، كما أنّ المعارضة اليوم غير مدعومة من أي حزب من أحزاب السلطة.

من جهته، يتحدّث درويش عن أنّ “المهندسين والمهندسات متضررون سواء على الصعيد المهني أو على الصعيد الوطني ككل”. ويلفت إلى أبرز الأمور التي تقلق المهندس اليوم في ظل الانهيار الاقتصادي، وهي “صندوق الاستشفاء وصندوق التقاعد، كون عائدات الصندوقيّن محجوزة لدى المصارف وقد خسرت قيمتها أمام انهيار سعر العملة”. وبالتوازي، فإنّ “المهندس يحتاج لحلول بديلة ورؤية جديدة لإدارة هذه الأزمات، خاصّة وأنّ التعامل اليوم مع شركات التأمين لم يعد كما في السابق، ومن هنا كرّس ائتلاف النقابة تنتفض أولوية لإدارة هذه الأزمة من خلال برنامج انتخابي مفصّل يتبنّى، إلى جانب موضوع الاستشفاء والتقاعد، مواضيع هامّة كالبحث في تأمين مدخرات للنقابة عبر الاستئمار بالمكان المناسب، وإيجاد فرص عمل للمهندسين وغيرها من الأمور”. وانطلاقاً ممّا عرضه درويش، يؤكّد أنّ “انتخابات نقابة المهندسين ليست فقط عملاً مهنياً لتحسين أوضاع المهندسين، إنّما هي مشروع سياسي، دوره الانخراط في عملية الدفاع عن المجتمع وإنقاذه”.

 في الختام لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه المرحلة تسجّل حذراً شديداً في التعامل مع هذه الانتخابات، بخاصّة بعد التوترات التي شهدها الشارع اللبناني يوم الخميس بعد إعلان الرئيس الأسبق سعد الحريري عزوفه عن تشكيل الحكومة. وتُعد هذه أبرز التحديات التي تواجهها الانتخابات مع ما يرافقها من قطع طرقات وانقطاع مادة البنزين من محطات الوقود ما يمكن أن يعرقل وصول المهندسين إلى مركز النقابة في وطى المصيطبة يوم غد الأحد.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، أحزاب سياسية ، نقابات ، حركات اجتماعية ، حرية التجمّع والتنظيم ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، انتفاضة 17 تشرين ، حراك 2015



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني