في العتمة (2): أصحاب المولّدات: “اللي مش عاجبو ينطر الدولة”


2022-11-03    |   

في العتمة (2): أصحاب المولّدات: “اللي مش عاجبو ينطر الدولة”
بشامون ليلاً (تصوير علي نجدي)

في الجزء الأول من هذا التحقيق عرضنا شهادات الناس الرازحين تحت سيف انقطاع التيار الكهربائي من جهة وارتفاع فاتورة الموتير من جهة أخرى كما نعرض شهادات لمواطنين يعيشون حرفياً في العتمة بعدما عجزوا عن دفع فواتير الموتير. كما تناولنا الضريبة البيئية للمولّدات التي تسبب الانبعاثات الخارجة منها الأمراض ومنها أمراض الجهاز التنفّسي والحساسية وصولاً إلى السرطان.
في الجزء الثاني نستعيد محاولات التنظيم التي قامت بها الوزارات المعنية وفشلها في حماية المستهلك وضبط الأسعار في ظلّ استقواء أصحاب المولّدات والزبائنية التي جعلتهم أسياداً على الدولة والناس يفرضون شروطهم وأسعارهم وبالتالي يفرضون على الناس نمط عيش معيّناً.


2022-2010 مسار تنظيم عمل المولدات إمعان في مخالفة القانون


قبل كل شيء، يعتبر وجود المولّدات الخاصة وعملها من الناحية القانونية مخالفاً لمرسوم إنشاء مؤسسة كهرباء لبنان رقم 16878 الصادر في تاريخ 10/07/1964 الذي ينصّ على أنّه “يُعهد بإنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية في جميع الأراضي اللبنانية إلى مصلحة مستقلة تتخذ اسم مصلحة كهرباء لبنان”. ولكن نتيجة عجز كهرباء لبنان عن القيام بهذا الدور بدأت المولّدات بالظهور لتغطية فترات التقنين الطويلة.
ومع انتشار المولّدات بشكل كبير حيث بلغ أعلى رقم لها 7000 في العام 2017، اتخذت الوزارات المعنية (الطاقة والاقتصاد والداخلية والبيئة) قرارات وأصدرت تعاميم في محاولة لتنظيم وجودها الذي بات أمراً واقعاً ولكن يبقى مخالفاً للقانون. وخالفت القرارات الصادرة أيضاً القانون لا سيّما لجهة منح أصحاب المولّدات امتياز الجباية الذي هو حكر على أشخاص القانون العام.
أولى المحاولات بدأت عام 2011 حين أصدر وزير الطاقة والمياه الأسبق جبران باسيل الذي أعلن عن ما يسمّى “التسعيرة التوجيهية” التي بلغت حينها 350 ألف ليرة لكل 5 أمبير لتصحيح الأسعار وتوحيدها “تتيح للمواطن والبلدية محاسبة أصحاب المولدات، لكن في الوقت نفسه تراعي حقوق أصحاب المولدات”، بحسب باسيل. حينها اعتبر عدد من النواب أنّ ما تقوم به الوزارة مخالفاً لمرسوم إنشاء مؤسسة كهرباء لبنان رقم 16878، لذا وضع مجلس الوزراء في جلسة عقدت في تاريخ 14-11-2011 آلية عمل مشتركة، وزعت أدوارها بين الوزارات الثلاثة: وزارة الطاقة المسؤولة عن وضع التسعيرة والضوابط، وزارة الاقتصاد المسؤولة عن مراقبة تطبيق القرارات والقوانين بالإضافة إلى وزارة الداخلية والبلديات ومهمتها تأمين المؤازرة وتلقي الشكاوى.
بعدها بادرت وزارة الطاقة إلى عقد سلسلة اجتماعات ولقاءات مع البلديات وأصحاب المولّدات والوزراء المعنيين وشركات استيراد المازوت، للوصول إلى طريقة احتساب تسعيرة منصفة للجميع. إلاّ أنّ محاولة التنظيم هذه جوبهت بالمعارضة من قبل أصحاب المولدات الذين رفضوا بداية تسعيرة وزارة الطاقة المحددة.
في العام 2017، وضع وزير الاقتصاد السابق رائد خوري في سلسلة قرارات وتعاميم آلية تصريح للمولّدات وتزويد المواطنين بفواتير واضحة ومفصّلة وإرسال السجلّات شهرياً إلى قلم مديرية حماية المستهلك أو مصالح الاقتصاد والتجارة في المحافظة، ما يعني منحهم امتياز جباية الرسوم بشكلٍ مخالفٍ للدستور لا سيما المادة 89 منه التي تنص على “أنّه لا يجوز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار إلّا بموجب قانون وإلى زمن محدود”.
وفرض الوزير على أصحاب المولّدات تركيب عدادات ومنع تقاضي تعرفة مسبقة من المشترك “لأن التعرفة الشهرية يجب أن تكون مرتبطة بكمية الكيلوات التي تم صرفها وفقاً لتسعيرة وزارة الطاقة الشهرية”.
ورغم أنّ قرارات الوزير تستند في حيثياتها إلى قانون حماية المستهلك، إلّا أنّها حمّلت المشترك كلفة تركيب العدادات وكلفة التمديدات لذلك في مخالفة للقانون نفسه الذي استندت إليه. كذلك فرض الوزير لاحقاً على كل مشترك دفع تأمين بقيمة 100 ألف ليرة عن كل خمسة أمبير يضاف إليها 75 ألف ليرة عن كل أمبير إضافي وقدّ ضافت هذه الخطوة إلى جيوبهم مبالغ إضافية.
وفي اتصالٍ مع مستشار وزير الطاقة خالد نخلة، اعتبر آلية “العداد” عادلة ومنصفة لجهة كمية الاستهلاك “يعني الواحد بيدفع على قد ما بيصرف، مش إذا حدا مسافر أو بيطلع خارج منزله بدو يدفع وهو مش عم يصرف”، حينها أيضاً ثارت حفيظة أصحاب المولدات مجدداً كون العدادات تحدّ من أرباحهم.
في البداية لم يلتزم أصحاب المولّدات ولكن يروي نخلة أنّ الوزير خوري في حينها ضرب بيد من حديد، فطلب تأمين المؤازرة الأمنية لمراقبي جمعية حماية المستهلك ورجال أمن الدولة، وتم تحويل كثر من أصحاب المولدات إلى القضاء المختص. حينها فقط التزم بعض أصحاب المولّدات بتركيب مولّدات وبالتسعيرة بينما لا يزال كثر خارجين عن سلطة القانون نتيجة كونهم محميين من أحزاب أو أصحاب نفوذ.
في العام 2019، نصّ قانون الموازنة 144/2019 في المادة 70 على “أنه يتوجّب على صاحب المولّد الالتزام بالتسعيرة المحددة من قبل وزارة الطاقة والمياه”. ولكن أيضاً لم يلتزم جميع أصحاب المولّدات.
ويشير نخلة إلى أنّ الأزمة الاقتصادية الحالية والانقطاع شبه الكلّي للكهرباء منحا أصحاب المولّدات قوّة إضافية “هلق هنّي ماسكين الناس برقابها، الدولة ما فيها كهرباء وبيعرفوا إنّه الناس بحاجتهم”

أصحاب المولّدات للوزارات: “قراراتكم بلّوها واشربوا ميّتها”


يقول “علي” صاحب أحد المولدات لـ”المفكرة” إنّ السبب الأساسي في فوضى التسعيرات وساعات التشغيل مردّه إلى تسعيرة وزارة الطاقة غير المُنصفة بحق أصحاب المولّدات: “تسعيرة الوزارة خاسرة بالنسبة إلنا كرمال هيك كل واحد بيسعّر مثل ما بده”. والمشكلة الأساس برأيه أنّ العلاقة التي تحكم القطاع ككلّ مبنيّة على دراسة “خشبية” فما زالت الوزارة تحتسب سعر الكيلوواط بحسب مواصفات المازوت الأحمر المستورد من الجزائر، وهو مازوت كثيف على حد قوله، في حين أنّ المازوت الذي يتم استيراده اليوم هو مازوت أوروبي “خفيف”، ويفسّر أنّ 28 ملليتراً من المازوت الجزائري كانت كفيلة بتشغيل كيلوواط بالساعة، أما مع المازوت الأوروبي فالكيلواط الواحد يحتاج إلى 38 ملليراً، من هنا فإنّ التسعيرات لا تواكب التعديلات الحاصلة.
كلام صاحب المولّد يخالفه مستشار وزير الطاقة والمياه، خالد نخلة الذي يفسّر في اتصالٍ مع “المفكرة”، أن تحديد التسعيرة يتم عبر احتساب استهلاك الشهر الفائت وليس المقبل، عبر احتساب معدل سعر المازوت بحسب التسعيرات الصادرة عن مديرية النفط خلال أيام الشهر، وتتضمّن تسعيرة الوزارة كلفة التوزيع وفاتورة “تهالك” أو استخدام المولد (تسعّر بالدولار عبر احتساب معدل سعر صرف السوق الموازي خلال أيام الشهر)، فيصبح لدى الوزارة سعر الكيلوواط في الساعة ويضاف إليها 10% ربح لصاحب المولّد، على ألّا تقلّ ساعات التشغيل عن 16 ساعة باليوم الواحد. أما المناطق المرتفعة (التي تزيد عن 700 متر) فيكون هامش ربحها حوالي 20%. ويشرح نخلة أنّه كلّما ارتفعنا عن الساحل كلّها ينقص الأوكسيجين وتزيد كمية المحروقات التي يستهلكها المولّد لاكتمال عملية الحرق. إلّا أنّه بحسب رصد “المفكرة” للتسعيرات بدا ملفتاً أنّ الفاتورة ترتفع في الساحل عنها في المناطق التي يزيد ارتفاعها عن 700 متر، ما يؤكد على مزاجية أصحاب المولدات في فرض التسعيرة.
كذلك يشكو صاحب المولّد “علي”، ممّا وصفها بـ “الثغرة الأساسية التي تكبّد أصحاب المولدات خسائر إضافية” وهي العدادات التي فرضت الدولة اعتمادها، فهذه العدادات مدوّن عليها عبارة “هدر 5 واط”، أي أنّه إذا ما استهلك الزبون 100 كيلوواط فإن العداد يسجل تلقائياً 95، بحسب ما يقول. ويتابع أنّ صاحب المولّد هو من يتحمّل هذه النسبة عن جميع المنازل التي تستخدم العداد بينما يجب تحميلها للمستهلك، مقترحاً الحلّ برفع هامش ربح صاحب المولد من 10% إلى 15% ، وبهذه الطريقة تكون تسعيرة الوزارة منصفة لجهة احتساب خسارة “هدر” العدادات.
ويضيف صاحب المولّد أنّه منذ تم رفع الدعم عن المحروقات، أصبح يتوجّب على أصحاب المولّدات شراء المحروقات بالدولار الفريش بحسب سعر صرف السوق الموازية، بينما يتوجّب عليهم استيفاء قيمة فواتيرهم من الزبائن بالليرة اللبنانية، والتي تحتسبها الوزارة على سعر صرف دولار 34 ألف ليرة، مستفسراً بالتالي عن هامش الربح الذي يمكن لصاحب المولد تحقيقه طالما أنّه يدفع ثمن المازوت بالدولار الفريش، “يعني منشتري المازوت بالدولار والوزارة بتحسب سعر الكيلوواط على سعر صرف واطي و بالليرة اللبنانية”.
وهنا يوضح نخلة أنّ الوزارة سبق واستشارت هيئة التشريع والاستشارات، التي أكدّت أن على المستهلك النهائي أن يسدد فاتورة المحروقات بالليرة اللبنانية.
أما عن اختلاف التسعيرة بين صاحب مولد وآخر فاعتبر علي أنّ المسؤولية تتحمّلها الدولة، “فلو أنّ هناك تسعيرة عادلة تلائم جميع تكاليف صاحب الموتور وتحقق له هامشاً من الربح الحقيقي، لالتزام الجميع بالتسعيرة، لكن اليوم كل يغني على ليلاه فالتسعيرات لا تحقق أرباحاً بل توقع صاحب المولد بالخسارة”.
وهذا ما ينفيه نخلة الذي يعتبر أنّ تسعيرة الوزارة تدرّ أرباحاً “معتدلةً” وليست خيالية كما اعتاد أصحاب المولدات تحصيله قبل الأزمة، مضيفاً أنّ أصحاب المولدات لم يرضوا يوماً بفرض فاتورة “لا قبل الأزمة ولا بعدها”، بل كانوا دائماً معارضين لأي خطوات تصحيحية تقوم بها الوزارة “أصحاب المولدات لازم يرضوا بالربح القليل ما في إمكانية تحقيق أرباح خيالية مثل قبل الأزمة”.

الرقابة على عاتق وزارة الاقتصاد والبلديات تحاول


يقول مدير عام وزارة الاقتصاد، محمد أبو حيدر، في اتصالٍ مع “المفكرة”، إنّ الوزارة عاجزة عن مراقبة أكثر من 4000 مولّد كهربائي في لبنان، في ظلّ عدد مراقبين لا يتجاوز 50 مراقباً في وزارة الاقتصاد، علماً أنّ هؤلاء لا تقتصر مهمتهم على مراقبة المولّدات بل تتعدّاها إلى مراقبة أصحاب السوبرماركت والصيدليات والملاحم وغيرها.
ودعا أبو حيدر وزارة الداخلية إلى تحمّل مسؤولياتها من خلال البلديات لفرض الرقابة على أصحاب المولدات، معتبراً أنّ للبلديات دور في تنظيم شؤون البلديات ومراقبة تطبيق القوانين، وأنّ الوزارة حوّلت عدداً من المخالفين إلى القضاء الذي اتخذ قراراً بتسليم البلدية شؤون إدارة المولّدات، إلّا أنّ عدداً كبيراً من البلديات ترفض استلام شؤون المولّد لعجزها عن توفير الطاقم البشري.
وهذا ما أكده، محمد البابا، عضو بلدية صيدا، المدينة التي شهدت في شهر تموز الفائت توتراً بين أصحاب المولدات من جهة واللجان الشعبية من جهة ثانية، بعدما أصر أصحاب المولدات استيفاء فواتيرهم بالدولار من دون الالتزام بتسعيرة وزارة الطاقة. وتمّ تشكيل لجان شعبية تتلقّى شكاوى المواطنين وتواكبهم لتقديم شكاوى لدى المخافر. كما تقدّم النائب أسامة سعد بإخبار ضد أصحاب المولّدات أمام النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب. وقد استدعى النائب العام الاستئنافي رهيف رمضان أصحاب المولّدات، وطلب منهم التوقيع على تعهّد بالالتزام بالتسعيرة التي تحدّدها وزارة الطاقة، كما أوقف عدداً منهم. وطبعاً ردّ عدد من أصحاب المولدات بإطفائها اعتراضاً، وبحسب البابا سرعان ما عادوا إلى ممارساتهم القديمة. وأضاف أنّ معظم أصحاب المولدات في صيدا يحصّلون ربحاً يتخطى 25% من قيمة استهلاك المشترك، في حين أنّ وزارة الطاقة حددت هامش الربح بـ 10%.
يقول مدير مصلحة المؤسسات المصنّفة في بلدية بيروت، المهندس باسم العويني، إنّه من الصعوبة بمكان إلزام أصحاب المولدات بالتقيّد بالقوانين والتعاميم، فالبلدية غالباً ما تقوم بعملها من خلال إجراء الكشف وتسطير المحاضر والإنذارات، إلّا أنّ المشكلة الأساسية هي بعدم صدور أحكام قضائية رادعة تجبر أصحاب المولّدات على التقيّد بالقوانين. وأفاد أنه في الظروف الراهنة والانقطاع التام لكهرباء الدولة، فإنّ كثير من القرارات والقوانين الرادعة لا تصبّ في مصلحة المواطن. وفي حادثة تختصر الواقع، ثارت ثائرة المواطنين بعدما قامت البلدية بختم مولدات مخالفة بالشمع الأحمر: “طلعت الصرخة علينا، لأنه راحت الكهرباء وفي ناس حاطة أجهزة اوكسيجين وراح الإنترنت”.
وبحسب العويني فإنّ عدد المولّدات ضمن نطاق بلدية بيروت العقارية بلغ لغاية أيار العام 2022 حوالي 110 موزعاً، ذلك ضمن مسحٍ أجرته قيادة شرطة بيروت، بعدما كان عددها في العام 2017 لا يتجاوز 83 مولداً.
في برج حمود التزمت البلدية أحد المولّدين العاملين في المنطقة بعدما زاد صاحبه التقنين كثيراً وارتفعت صرخة السكان من الأسعار. ولكن يقول أحمد وهو أحد سكان الحي إنّ صاحب المولّد محسوب على الجهة المسيطرة على البلدية “يعني الجماعة ببعضهن”. وتتقاضى البلدية الفواتير من الناس الذين لمسوا انخفاضاً فيها كما لمسوا انخفاضاً في ساعات التقنين.

انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، تحقيقات ، الحق في الحياة ، لبنان ، مقالات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني