في الذكرى ٣٣ لإختطاف المربي محيي الدين حشيشو


2015-09-18    |   

في الذكرى ٣٣ لإختطاف المربي محيي الدين حشيشو

في 15-9-1982، تم اختطاف السيد محيي الدين حشيشو من منزله في صيدا. منذ ذلك الحين، باشرت زوجته كاتبة المقال نضالا قضائيا للوصول الى الحقيقة ومحاسبة الفاعلين. في 2013، وبعد نضال مرير أمام محكمة الجنايات في صيدا، صدر حكم بتبرئة المتهمين الثلاثة في القضية على خلفية الشكّ. فقدمت استدعاء نقض لا يزال عالقا أمام محكمة النقض منذ ما يقارب سنتين. بمناسبة الذكرى 33 لاختطاف حشيشو، تنشر المفكرة خواطر الكاتبة بشأن القضية وهي خواطر تعبر بعمق عما يختلجها من تساؤلات حول عمل المنظومة القضائية وقدرتها في انصافها بعد هذا الزمن الطويل من الانتظار.كل التحية للكاتبة التي حملت على كتفيها من خلال قضيتها وطوال سنوات وزر قضايا المفقودين وذويهم في لبنان (المحرر).
 
جملة كنت أقرأها في قصر العدل كل مرة أحضر فيها إلى المحكمة طيلة ٢٢ عاما.
في كل مرة كنت أعد نفسي أن أصل إلى هذا العدل يوما ما.
لم يأت هذا العدل وكان صدور الحكم بخصوص المخطوف محيي الدين حشيشو تبرئة المتهمين تحت رقم ١٩٥/٢٠١٣.
جاء الحكم المنتظر منذ ٣١ عاما على إختطافه جد مخيب للحقيقة والشفافية إذ لجأ القضاء إلى إغفال وإهمال دليل أساسي و لم يذكره وهو ضلوع أحد المتهمين في الجريمة. فقد أغفل القضاء ما إعترف به عند إستجوابه بأنه كان يقود سيارة والده من نوع بيجو ٤٠٤ ستيشن بيضاء و ذلك في محضر المحكمة بتاريخ ٥٦٢٠٠٨.
 
هذا الإعتراف يشكل بالواقع إعترافا بإرتكاب جرم الخطف. كما أنه ثابت في الملف أن سيارة بيجو ستيشن ٤٠٤ بيضاء كانت من ضمن السيارات التي إستخدمها الخاطفون وهي السيارة التي تم بها إقتياد محيي الدين عند إختطافه من منزله.
 
١- ماذا يعني أن يغفل القضاء هذا الدليل الأساسي ولا يأتي على ذكره من قريب أو بعيد في الحكم الذي صدر بتبرئة الخاطفين؟ وقد تقاطعت هذه الإفادة بالتي أدليت بها في إستمارة لوزارة الداخلية سنة ١٩٨٣. وهذا ما أكده أحد الشهود حيث قال: يوم حادثة الخطف شاهدت ٣ سيارات أذكر إحداها بيجو ستيشن بيضاء. الإفادة مسجلة في ٢٩١٢٠٠٩ محضر صفحة ٤٥ مما يؤكد أن هذه إحدى سيارات الموكب التي أشرت إليها عندما قدمت الدعوى.
 
يقول الشاهد: السيارات مرت أمام منزلي الذي يبعد ٥٠ مترا عن منزل حشيشو. علمنا أثناء ذلك أنه تم إختطاف حشيشو.
 
رغم أهمية هذا الدليل تجنّبت المحكمة ذكره والخوض فيه.
 
٢- تناقضات الحكم:

  أ-  التناقض في التعليل لجهة القول بعدم ثبوت التقيد بمنع التجول والقول في الآن نفسه إستمرار المروحيات الإسرائيلية بالدعوة إلبه. إن هذا لتشويه للحقيقة والمستندات التي قدمت للمحكمة.
 
  ب- إفادة أحد الشهود المصدقة من كاتب العدل بتاريخ ٨٧٢٠٠٥. يقول داغر: إستيقظت على صوت مكبرات الصوت وكانت تدعو لمنع التجول غداة مقتل بشير الجميل في ١٥٩١٩٨٢.
 
  ج- إفادتي أمام لجنة المخطوفين المسجلة بتاريخ ١٨٨١٩٨٣ رقم ٥١٣د و التي جاء فيها: كان جميع سكان الحي في منازلهم و على الشرفات و ذلك بسبب منع التجول الذي أعلن فيذلك اليوم من قبل الإحتلال الإسرائيلي.
 
  د- جريدة السفير حيث أوردت في حينه أن الجيش الإسرائيلي فرض منع التجول في صيدا والجوار طيلة ٧ أيام حدادا على مقتل بشير الجميل.
 
  ه- التأكيد على منع التجول وإنكار ذلك في الحكم عندما سُئِل المتهم أن السير كان طبيعيا يوم قدومه من لبعا الى عبرا، أجاب أنه لا يستطيع الإجابة على هذا السؤال وذلك أثناء إستجوابه بتاريخ ٥٦٢٠٠٨.
 
٣- أهملت المحكمة الأدلة القاطعة وإستندت إلى إفادات كاذبة ومتناقضة تبريرا لتواجده من موقع الجريمة.
– أدلى المتهم  بإفادة كاذبة حكما أمام القاضي جوزيف سماحة في ٢٩٢٢٠٠٠ ليس بإمكان أحد تصديقها. يقول المتهم: بتاريخ ١٤ أيلول كنت طالبا في الجامعة. كان لدينا إمتحان لأن الإمتحانات كانت قد أُرجئت بسبب الإجتياح الإسرائيلي. وبعد حوالي يومين على إثر إغتيال بشير الجميل قصدت مبنى الجامعة لمعرفة الإجراءات التي إتخذت من أجل إكمال الدراسة.
 
في إفادة ثانية بتاريخ ٢٠٤٢٠٠٦ محضر صفحة ٢١ أمام القاضي أكرم بعاصيري قال حرفيا: بتاريخ ١٤ أيلول ١٩٨٢ يوم إغتيال بشير الجميل كنت أقيم في لبعا. حضرت من لبعا إلى الجامعة اليسوعية في البرامية كي أخضع لإمتحان نهاية السنة. خضعت بالفعل لهذا الإمتحان وعند خروجي من الجامعة سمعت بأمر الإنفجار الذي أودى بحياة بشير الجميل. وبعد يومين حضرت إلى الجامعة للإستفسار عن موعد الإمتحان. وعند عودتي رأيت (يذكر اسم أحد الشهود) واقفا أمام منزله مع مجموعة من الناس.
 
في إفادة ثالثة محضر صفحة ٣٧ بتاريخ ٥٦٢٠٠٨ أمام القاضي أكرم بعاصيري يقول: في ١٤ أيلول ١٩٨٢ أجريت إمتحانا في الجامعة ورجعت في ١٥ أيلول ١٩٨٢ لأستفسر عن باقي الإمتحانات.
 
إن التناقض في الإفادات من قبل المتهم يجعله عاجزا تماما عن إعطاء أي مبرر لتواجده في موقع الجريمة في لحظة حصولها، علما بأن الدروس في الجامعة كانت قد توقفت منذ الإجتياح الإسرائيلي في ٦٦٨٢ وفق ما صرح به المتهم أمام القاضي ولم تعين أية إمتحانات.
 
وعندما يقول كنت أتحدث مع (الشاهد س.)، شاهدت سيارات تحمل مسلحين يشهرون سلاحهم وقال أن وجوه بعضهم مألوفة لديه.
 
إن تصرف المتهم خلق آنذاك إنطباعا لدى (الشاهد س.) و والده (المتوفي) بأنه ضليع في الخطف. هذا ما تبين في إفادة (الشاهد س.) التي جاء فيها أن والده أعطى إسم المتهم للمساعدة على كشف خيوط الخطف. ويقول (الشاهد س.) أيضا في إفادته: سألوني عن منزل حشيشو فأجبت: ساكن في الحي الفوقاني و دخلت مرعوبا إلى البيت لأنه تهيأ لي أن أمرا سيحصل لمحيي الدين وواضح أن الخطف وقع بعد دقائق.
 
بعد كل الإفادات المتناقضة التي أدلى بها المتهم يَثْبُتُ وصوله إلى مكان الجريمة و في زمانها بمعيّة سائر الخاطفين في موكبهم.
 
وبعد كل هذه الأدلة، صدر الحكم بإعلان براءة المتهمين مما هو منسوب اليهم و لعدم كفاية الأدلة. أود أن أقول للمحكمة التي اصدرت الحكم: ألا يكفي وجودي مع أولادي الأربعة لحظة الخطف ومشاهدة كيف وضع محيي الدين في السيارة الستيشن البيضاء بعد أن دخل معه أحدهم و معه سلاحه إلى غرفة النوم لتغيير ثيابه وكيف كان المسلحون يشهرون سلاحهم على كل من حاول من الجيران إستطلاع ما يحدث لاثبات الاتهام؟
 
وأخيرا لا بد إلا أن أقول شكرا و عذرا من القضاة المحترمين الذين نظروا في هذه القضية طيلة هذه السنوات السادة: طنوس مشلب، جوزيف سماحة، أكرم البعاصيري، عماد الزين، عدنان عضوم، عبد الغني الحجار ونسيب إيليّا.
 
ولن أنسى أن أحدا القضاة، والذي أتحفظ عن ذكر إسمه، وهو كان مناوبا عن القاضي المسؤول لجلسة واحدة: لو كان الموضوع يعود لي لأصدرت الحكم الآن. الجميع يعرفني ولا أخاف من أحد.
 
عذرا لكم جميعا لأن الحكم صدر و أنا أجزم بأنه ليس كما كنتم تتوقعون و لأن قضيتي شغلتكم على مدى ٢٢ عاما إستمعتم خلالها للكثير من الإستجوابات وسطرتم مئات الصفحات. أخيرا أقول أن الحق لا يضيع ووراؤه مطالب. وكما كان يردد محيي الدين:إن الزبد يذهب جفاء وأما ما ينفع الناس يبقى في الأرض. ومهما تدخل من رجال دين وسياسيين لتبرئة الجناة. والآن أنا لا أزال أنتظر البت في القضية من قبل محكمة التمييز الجزائية في بيروت بعدما قدمت بواسطة وكيلي إستدعاء نقض في ٤١٠٢٠١٣ على أمل أن يكون عادلا كما هو شعار قصور العدل: العدل أساس الملك.

الصورة من ارشيف المفكرة القانونية

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، مساواة ، اختفاء قسري ، فئات مهمشة ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني