فواتير الكهرباء معلقة حتى تحديد مصرف لبنان سعر الدولار؟


2023-10-21    |   

فواتير الكهرباء معلقة حتى تحديد مصرف لبنان سعر الدولار؟

3 تريليون ليرة هو المبلغ المسجّل في حساب مؤسسة كهرباء لبنان لدى مصرف لبنان الذي لا يسمح لها باستعماله إلّا وفق ما يراه مناسباً. حجّته عدم التأثير سلباً على سعر الصرف. وبالرغم من أنه سبق أن اتُفق معه على تحويل ما تحتاجه المؤسسة من دولارات على سعر منصة صيرفة، إلا أن هذا الاتفاق سقط سريعاً بسبب تراجع المصرف عن موقفه وإعلانه أنه سيحوّل أموال المؤسسة على سعر صيرفة زائد 20%. قرر المصرف ونفّذ. وكانت الحجة حينها أن الفارق شاسع بين سعر الدولار على منصة صيرفة (نحو 43 ألف ليرة) وبين سعره في السوق (نحو 80 ألف ليرة). 

احتسب سعر دولار الكهرباء، لشهريْ تشرين الثاني وكانون الأول 2022، بـ54 ألف ليرة، بالرغم من أن سعر صيرفة لم يزد عن 44 ألفاً. في فواتير الشهرين التاليين، انقلب الموقف، وارتفع سعر دولار الكهرباء إلى 104 آلاف ليرة، بالرغم من أنّ سعر الدولار حتى في السوق السوداء لم يتخطَ 89 ألف ليرة. هكذا ببساطة تحمّل المشتركون زيادة تصل إلى 15% عن سعر السوق من دون أن يتراجع المصرف عن هذه الزيادة. لا بل أكثر من ذلك، حاز هذا الرفض على دعم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومن خلفه “لجنة تقييم خطة الكهرباء” التي رفضت في الاجتماع الذي عقد في 21/8/2023، طلب المؤسسة إلغاء 20% في الفواتير التي تسبق فاتورة حزيران 2023. وهذا الرفض اقترن برفض اللجنة تخفيض الرسوم، التي تبيّن، بعد تطبيق زيادة التعرفة، أنّها ظالمة لفئات واسعة من المستهلكين. فالمؤسسة كانت اقترحت أن يتمّ، بدءاً من فاتورة آذار، تخفيض الكلفة الثابتة من الفاتورة بنحو 50% بالنسبة للمشتركين بعدادات 15 و20 أمبير وبنسبة أقلّ بالنسبة للاشتراكات الأخرى، بحيث يُلغى رسم التأهيل مقابل تعديل طفيف لرسم الاشتراك، على أن يُزاد سعر الكيلوواط المدعوم في الشطر الأول نحو سنت واحد أو اثنين. ودعتْ اللجنة إلى الاستمرار في التخفيض المحدود الذي كانت المؤسسة طبّقته على فاتورتيْ كانون الثاني وشباط (حسم 25% من بدل التأهيل وبدل الاشتراك واحتساب سعر الكيلو واط بالنسبة للاستهلاك غير المدعوم على سعر 26 سنتاً بدلاً من 27 سنتاً). 

حتى اليوم، لم تصدر سوى فواتير آذار ووفق التعرفة نفسها، مع فارق وحيد هو إصدار الفاتورة لشهر واحد فقط. لكن المشكلة التي أرختْ بظلالها وغطّت على مسألة التعرفة، هي توقّف مصرف لبنان، بعد تسلّم وسيم منصوري للحاكمية بالوكالة، عن تأمين الدولارات للمؤسسة بحسب الاتفاق المسبق، علماً أن هذا الاتفاق ظلّ منقوصاً بسبب تحكّم المصرف بالمبلغ الذي يوافق على تحويله (حوّل بموجب الاتفاق ما مجموعه 40 مليون دولار). وهو ما أدّى إلى أزمة  بعدما رفضت شركة “برايم ساوث” المشغّلة لمعمليْ دير عمار والزهراني الاستمرار في عملها بسبب عدم الحصول على مستحقّاتها. ولم تُحلّ المشكلة إلا بعد تعهد ميقاتي للشركة بتأمين مبلغ الـ 7.5 ملايين دولار المستحق على “مؤسسة كهرباء لبنان”، والتزم بتسديد مستحقاتها الشهرية المقبلة بالعملة الأجنبية “ولو من جيبتي”. 

مع توقف المركزي عن تأمين الدولارات للمؤسسة، كان البديل الذي وافقت عليه اللجنة هو دفع مستحقّات المورّدين بالليرة على أساس سعر صيْرفة. علماً أن هؤلاء ربطوا موافقتهم على الآلية بعد توسع الفارق بين سعر السوق وسعر صيرفة عن 7000 ليرة. لكن المشكلة التي برزت تتعلق بعدم سماح مصرف لبنان للمؤسسة بالسحب من حسابها سوى وفق مبلغ حدده هو بما يقدر ب5 ملايين دولار أسبوعياً (بالليرة حسب سعر صيرفة) بحجة عدم ضخّ كميات كبيرة من العملة الوطنية في السوق. 

قبل ذلك، كان وزير الطاقة قد دعا إلى تأمين استقلالية المؤسسة عن المصرف المركزي، من خلال أمر من اثنين: إما أن تكون المؤسسة قادرة على جباية الفواتير بالدولار، أو أن يُسمح لها بأن تشتري، بالليرات التي تجمعها، دولارات تستخدمها لسداد ثمن الفيول. وبالفعل، راسلت وزارة الطاقة هيئة الاستشارات والتشريع في 28/8/2023، طالبةً رأيها بالخيارين المطروحين، أي:

  • معرفة ما إذا كانت المؤسسة مخوّلة شراء الدولار من السوق، حيث أنها أصبحت تملك في حسابها ما يوازي 40 مليون دولار مودعة بالليرة في حسابها في مصرف لبنان، وهي غير قادرة على تحويلها إلى الدولار للإيفاء باستحقاقاتها لجهة تسديد مستحقات الموردين ومقدمي الخدمات ودفع ثمن الفيول.
  • مدى جواز تسعير كهرباء لبنان الفاتورة بالدولار وتخويل المشترك الحقّ بالتسديد بالليرة على سعر الصّرف. وقد اقترحت المؤسسة في هذا السياق صيغتيْن لتسديد الفاتورة: إما أن تلحظ المؤسسة قيمة الفاتورة بالدولار مع إيراد عبارة “يمكن دفع المبلغ المستحقّ بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار في السوق الموازية”. وإما إيراد القيمة بالدولار “أو ما يعادله بالليرة على أساس سعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق الموازية”. 

في رأيها الصادر في 12/9/2023، أشارت هيئة الاستشارات إلى أنه يجوز لكهرباء لبنان الفوترة بالعملة الأجنبية استناداً إلى المادة 87 من قانون موازنة 2022، بشرط أن تتضمن الفاتورة القيمة بالليرة أيضاً. 

ذلك الشرط أربك المؤسسة. أن تصدر الفاتورة بالدولار وبالليرة معاً يعني أنه يتوجب عليها أن تحدد سعر الصرف الذي على أساسه تتم الجباية. فعلى أي أساس ستحدد السعر؟ ومن سيتحمل الخسارة في حال اختلاف السعر بين تاريخ الإصدار وتاريخ التحصيل؟ ولحلّ جزء من هذه المشكلة، أي مسألة تحديد السعر، راسل المدير العام للمؤسسة كمال حايك مصرف لبنان طالباً منه تحديد سعر الصرف الواجب اعتماده لتسعير خدمات الكهرباء في 28/8/2023. فقراءة المؤسسة للمادة 87 من القانون المذكور (“… إذا اقتضت الضرورة معالجة الليرة اللبنانية بأي عملة أجنبية بالنسبة لبدلات بعض الخدمات، فيكون ذلك إلزامياً وفقاً لتسعيرة يحددها مصرف لبنان”) تشير إلى أن المصرف هو الجهة المسؤولة عن تحديد سعر الدولار للخدمات مثل الكهرباء والماء والاتصالات… 

لم يرد المصرف على مراسلة “كهرباء لبنان”، فأعادت مراسلته مجدداً (26/9/2023)، متسلحة باجتماع عقد في السراي حضره رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان بالإنابة ومدير عام وزارة المالية ومدير عام كهرباء لبنان، وبرأي هيئة التشريع والاستشارات. 

في 3/10/2023، جاء الجواب من مدير القطع والعمليات الخارجية نعمان بدور كأنه لم يأتِ، إذ أشار إلى أن “مصرف لبنان يقوم بشراء الدولارات من السوق المحلي آخذاً بالاعتبار كمية العرض المتوافرة، كذلك حجم السيولة بالليرة بشكل لا يؤثر سلباً على سعر الصرف المتداول. ويتغير سعر الدولار الذي سيتم شراؤه وفق هذه الآلية حسب تغير كميات الدولارات المعروضة وحجم السيولة”. وإضافة إلى هذه الفقرة التي لا تقول شيئاً، أورد بدّور مثالاً زاد الأمور تعقيداً: بتاريخ 3/10/2023 يشتري مصرف لبنان دولارات أميركية بسعر 89650 ليرة للدولار. وقد سجل آخر سعر صيرفة في 31 تموز 2023 بـ 89650 ليرة.

ما سبق يؤكّد أنّ حاكميّة مصرف لبنان ترفض تولّي مهمة تحديد سعر الدولار للخدمات، على ما تنص عليه المادة 87 من موازنة 2022. وبالتالي تواجه المؤسسة معضلة في السير برأي هيئة الاستشارات لكونها غير قادرة على إصدار فواتير تتضمن القيمة بالدولار والليرة معاً، طالما أنها لا تستطيع تحديد سعر صرف الدولار ولا يوجد لديها مرجعٌ تعتمِد عليه لتحديد هذا السعر. لذلك، لا تتردد مصادر المؤسسة بالتأكيد أنّه لولا هذه المعضلة، لكانت أنجزتْ إصدار الفواتير بالدولار. علماً أن هذه الخطوة لا تبدو سهلة بالنسبة لعاملين في المؤسسة. إذ أنها تطرح سلسلة من الإشكاليات، أبرزها تحوّل نحو 1400 جابٍ إلى صرّافين. إذ عندها لن يكون بمقدور المؤسسة التحقق مما إذا كان المشترك يدفع بالدولار أو بالليرة. ومع افتراض عودة التذبذب إلى سعر العملة، فإن الجابي سيكون حاضراً لتحويل المبالغ التي يجيبها من الدولار إلى الليرة أو بالعكس بحسب تقلبات سعر الصرف. والأمر نفسه قد تلجأ إليه شركات الخدمات التي يمكن أن تتحول إلى شركات صرافة أيضاً، في ظل عجز كهرباء لبنان عن ضبط هذه المسألة. وفيما الحل الأبرز يبقى في التخلص من القيمة النقدية للفاتورة، بحيث يمكن عندها الدفع “أونلاين” أو عبر نقاط متخصصة أو حتى عبر الجباة الذين يكفي عندها أن سلموا المشترك إيصالاً يثبت دفعه للفاتورة، ما يمكن أن يقلص القبض النقدي إلى الحدّ الأدنى ويقلل بالتالي هوامش التلاعب، إلا أن هذا الحل لا يبدو ممكناً في الوقت الراهن خاصة أنه يحتاج إلى تعديل قانوني. إلى ذلك الحين، ثمة اقتراحات عدة يتمّ التداول بها مثل شراء آلة قبض يتمّ وصلها بالإنترنت عبر شريحة خطّ خلوي، على أن يحمل كل جابٍ آلة لدى زيارته للمشتركين يسجل عليها مباشرة المبلغ والعملة التي يدفعها الزبون، لتذهب إلى خادم مركزي لدى المؤسسة يضمن لها معرفة طريقة دفع كل مشترك. 

وفيما لم يبت بهذا الاقتراح أو غيره بعد، تبقى المشكلة الأبرز في الجهة التي ستُحدّد سعر الدولار في ظل رفض مصرف لبنان القيام بهذه المهمة علماً أن كهرباء لبنان ومن خلفها وزارة الطاقة تبدو مصرة على إصدار فواتير نيسان 2023 بالدولار. وفي سبيل ذلك قد تتأخر هذه الفواتير. فإلى متى وهل سيتراجع المصرف عن رفضه ويفرج عن سعر للدولار تعتمده المؤسسة؟

انشر المقال

متوفر من خلال:

مصارف ، قرارات إدارية ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني