غياب الاستراتيجية الوطنية لدعم ذوي الاحتياجات الخاصّة يعمّق اللامساواة في لبنان في ظلّ الانهيار


2021-12-08    |   

غياب الاستراتيجية الوطنية لدعم ذوي الاحتياجات الخاصّة يعمّق اللامساواة في لبنان في ظلّ الانهيار

عام 2000 تفاءل الكثيرون بالقانون 220 الخاص بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصّة في لبنان، ولكن بعد بعد مرور 21 عاماً على إقراره، تصدُق عليه مقولة “حبر على ورق”، فهو لم يغيّر شيئاً في حالة اللامساواة التي تتعمّق يوماً بعد يوم، وصولاً إلى الانهيار الاقتصادي والمالي حين باتت حتى الحقوق الأساسية في التعليم، والصحة والعمل بعيدة المنال. وأمام هذا الواقع، وفي ظلّ غياب فاضح للدولة، بدأت الجهات المانحة في البحث عن حلول ظرفية ومؤقتة للتخفيف من حدّة الأزمة والأعباء على العائلات التي تضمّ شخصاً على الأقل من ذوي الاحتياجات الخاصّة، حيث أطلقت اليونيسيف ومنظمة العمل الدولية بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي “منحة وطنية جديدة لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان”. 

تكشف أليسيا سكوارشيلا ممثلة الاتحاد الأوروبي أنّ 20 ألف أسرة ستستفيد من المنحة البالغة 20 مليون دولار على مدى سنتين. وتؤكد رداً على سؤال لـ “المفكرة القانونية” أنّ “20 ألف أسرة ليس عدداً كافياً، وهناك جهود للوصول إلى عدد أكبر في المستقبل”. وحول آلية توزيع المساعدات، تلفت إلى أنّ الحكومة الممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية وبالتعاون مع المجتمع المدني هي من ستقوم بتحديدها تحت إشراف الجهات المانحة، مشيرةً إلى جهود تبذل لمساعدة المجتمع اللبناني ككل وليس ذوي الاحتياجات الخاصّة فقط، إلى جانب مساعدة الحكومة على بناء نظام مؤسّساتي قويّ للحماية الاجتماعية للمستقبل ليؤمّن الخدمات لكافة الناس، وعدم الاكتفاء بالبرامج التي تنتهي في يوم معيّن. كما دعت إلى حوار بين الحكومة والمجتمع المدني الذي يمكنه أن يحاسب الحكومة.

الحقوق أولوية 

نهار الخميس 2 كانون الأوّل، أطلقت اليونيسيف وشركاؤها في منظمة العمل الدولية والاتحاد الأوروبي برنامج منحة ذوي الاحتياجات الخاصّة، حيث أكّدت يوكي موكو ممثلة اليونيسيف في لبنان على أولوية الحقوق المتّصلة بشريحة ذوي الاحتياجات الخاصّة، وتحديداً فيما يتّصل بلبنان، مشيرةً إلى “حالة حرجة يعيشها الأطفال في لبنان بسبب المعاناة من عدم تأمين الحاجات الأساسية”، و”تزداد معاناة الأسر التي لديها طفل على الأقلّ من ذوي الاحتياجات الخاصّة”. كما أنّ “الأشخاص ذوي الإعاقة هم الأكثر عرضة لعدم الاستخدام، الأمر الذي يفاقم حالة الفقر في أوساطهم، ويفقدهم فرصة الوصول إلى الخدمات الأساسية”، وبالتالي “تزيد الصعوبات في العائلات التي يوجد فيها أكثر من شخص من ذوي الإعاقة”. وحسب يوكي موكو، يكتسي وضع أسس لنظام وطني للحماية الاجتماعية، وإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة،  أهمية كبيرة لسدّ الفجوات القائمة. 

كما أعلنت عن زيارة إلى السراي الحكومي لتقديم اقتراح مشروع “الخطة الوطنية للحماية الاجتماعية” إلى رئاسة الحكومة، وينتظر الفاعلون الدوليّون تعليقات الحكومة على هذا المشروع الذي يؤسّس لوضع إطار عمل لقيام خطة الحماية الاجتماعية على المستوى البعيد. وفي الانتظار، تشير يوكي إلى إطلاق الحكومة المنصّة لتسجيل العائلات المستفيدة من البطاقة التمويلية، والتي تؤمّن مساعدة مالية للمواطنين. وتلفت إلى أنّ لبنان لا يتمتّع بخطط وطنية للأطفال، أو منح خاصّة بذوي الإعاقة على غرار دول العالم. لذلك فإنّ لبنان بحاجة إلى خطط طارئة للمساعدة الاجتماعية، وصولاً إلى أنظمة دائمة ذات طابع مؤسّساتي حكومي، والتي ما زال لبنان يفتقد إليها.  

تهدف منحة الإعاقة والمموّلة من الاتحاد الأوروبي إلى تأمين دخل إضافي لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة للمساهمة في الحصول على الخدمات الأساسية، وتأتي لتشكّل مع مبادرة “حدّي” بالإضافة إلى بناء أسس اجتماعية لمعاش شيخوخة اجتماعي، خطوات ضرورية وعاجلة في اتجاه الوصول إلى استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية. وتأمل يوكو بدء صرف هذه المنحة في عام 2022 بالتعاون مع الحكومة اللبنانية والمجتمع المدني الذي يمثل الجمعيات المهتمة بالأشخاص ذوي الإعاقة.

ورداً على سؤال يتّصل بالمبلغ الذي ستحظى به كل عائلة، ومستوى شفافية توزيع المنح المالية من خلال الحكومة اللبنانية، تشير موكو لـ “المفكرة” إلى أنّ منحة الأشخاص ذوي الإعاقة ستدخل ضمن النظام الوطني للحماية الاجتماعية، وتحديد آلية التوزيع وكميّتها سيكون من اختصاص الحكومة اللبنانية، وتتطلّع إلى أن تعلن الحكومة عن ذلك في فترة مبكرة من العام المقبل، حيث يفترض أن يحصل كلّ شخص من ذوي الإعاقة على المنحة، وأن تتمكّن الجهات الرسمية من بناء نظام دائم للمساعدة. وفيما يتّصل بالشفافية، أكّدت للمديرة الإقليمية لمنظمة العمل الدولية ربا جرادات أنّ هذا المشروع سيخضع لمعايير الشفافية التي تطبّقها المنظمات الدولية. 

دعم ظرفي 

في موازاة المعاناة التي تعيشها العائلات، هناك المؤسسات التربوية والتأهيلية التي تواجه صعوبات في تأمين المصاريف التشغيلية والاستمرارية. من هنا كان السؤال عمّا إذا كانت المنح ستشمل تلك المؤسسات، فتجيب السيدة موكو بأنّ “الشراكة الحالية تهدف لتأمين دعم للأفراد، وتأمين تنشئة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصّة في كنف أسرهم، لذلك فإنّ الشركاء سيناقشون مع وزير الشؤون الاجتماعية آليّة حصول هؤلاء على حاجاتهم الأساسية”، وتعتقد أنّ المسار طويل للوصول إلى أفضل حماية للأشخاص ذوي الإعاقة ودعم الأسر. 

أما فيما يتعلّق بتوقيت “المساعدة الظرفية والطارئة”، وما إذا جاءت متأخّرة نظراً إلى المعاناة المتأصّلة للأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان، والتي لم يتمكّن قانون 220/2000 من تأمين أي امتيازات أو تحقيق أي شكل من أشكال التمييز الإيجابي في مجالات الصحّة، والعمل، والتعليم من أجل دعمهم وتمكينهم في المجتمع، تُقرّ موكو بجدّية هذا الأمر، وتلفت إلى أنّ “العمل لا يجب أن يكون ظرفياً، وفي معرض اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، وإنّما يجب تسليط الضوء على الصعوبات التي يواجهونها في عدم الوصول إلى خدمات الصحة والتعليم التي تفاقم معاناة الأطفال، أو الدخول لسوق العمل”.   

لبنان في مأزق

تضمّن إطلاق برنامج المنح الاجتماعية مداخلة تشخيصية لمنظمة العمل الدولية على لسان المديرة الإقليمية ربا جرادات التي أشارت إلى “عجز اللبنانيين عن تأمين الحاجات الأساسية”، وحسب تقديرات الإسكوا فقد تضاعف معدل الفقر في لبنان من 42% في عام 2019، إلى 82% في عام 2021، فيما أثّر الفقر المدقع على أكثر من ثلثي السكّان في لبنان، وكان التأثير الأكبر على الفئات المهمّشة والضعيفة. ولفتت إلى أنّ المسح الذي أجرته منظمة العمل الدولية أظهر أن ثلاثة أرباع هذه الفئات يعملون بشكل غير رسمي ولا يتمتّعون بالحماية الاجتماعية أو مزايا التوظيف الأخرى. وأظهر المسح أنّ نصف العاملين يتقاضون ما دون 750 ألف ليرة لبنانية، كما لا يساهمون أو يتمتعون بخدمات الضمان الاجتماعي. كما “ازدادات بـ 91% نسبة المسنّين الذين يعيشون على دخل منخفض بين عامي 2019- 2020”.

انطلقت جرادات من هذه المعطيات لتركّز على أهمية إقامة نظام للحماية الاجتماعية للتصدّي لتداعيات الأزمة المتواصلة، التي تؤدّي إلى زيادة أوجه عدم المساواة الاجتماعية بشكل عام، ومعاناة كبار السن والأطفال، وذوي الإعاقة. وأقرّت أنّ هذه المعاناة ليست بجديدة، فحتى قبل الأزمة كانت 60% من الأسر التي لديها فرد من ذوي الاحتياجات الخاصّة، تحتاج إلى إنفاق إضافي بقيمة 30 – 40% للعيش بمستوى مشابه للأسر الأخرى، وعدم القدرة على الوصول إلى خدمات التعليم وسوق العمل يعرقل إدماجهم في المجتمع. لذلك تعتقد جرادات أنّ هناك ضرورة لتقديم مساعدات عاجلة وإعانة فورية للأشخاص ذوي الإعاقة، وصولاً إلى التأسيس لنظام يؤمّن الحماية الاجتماعية لجميع الفئات.

فجوة تشريعية تحول دون حماية الجميع     

على هامش المؤتمر أجرت “المفكرة” مقابلة مع السيدة جرادات التي تحدثت عن وضع حرج يعيشه لبنان، حيث “أظهرت الأزمة الفجوات لأنه اتّضح عدم وجود أنظمة لحماية الفئات المستضعفة”، مشيرةً إلى أنّ أغلب الحلول تحتاج إلى تمويل. 

تُقر جرادات أنّ 20 مليون دولار غير كافية لتأمين كافة حاجيّات ذوي الاحتياجات الخاصّة في لبنان، إلّا أنّها قادرة على مساعدة 20 ألف أسرة هي الأشدّ تأثّراً. وتجزم أنّ “المؤسّسات الدولية ترفض السماح باستغلال مشاريع الدعم في الانتخابات المقبلة، لذلك هناك إصرار على تأمين العدالة في الوصول للدعم وتطبيق معايير الشفافية، وأن تكون آلية الاختيار واضحة بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية”. وعن موعد استفادة أسر ذوي الاحتياجات الخاصّة من المنحة الاجتماعية، تدعو جرادات إلى إنجاز الآليّة بسرعة، وتأمل بدء الاستفادة في بداية العام المقبل 2022.   

تلمّح جرادات إلى عدم استفادة لبنان من الاستشارات الفنية التي يمكن أن تقدمها المنظمة للدول. وتقول “المنظمة تقدّم المساعدة التقنية على المستوى الإقليمي والدولي من خلال وضع المعايير، ومن ضمنها ذوي الاحتياجات الخاصّة، والمساعدة في مجال السياسات والاستراتيجيات بناء لطلب الدولة، حيث يتمّ توظيف خبراء المنظمة للعمل مع الدولة”. وتؤكّد أنّ “المنظمة بدأت بالعمل مع الحكومات اللبنانية المتعاقبة بدءاً من سبعينيات القرن الماضي، تاريخ تأسيس المكتب الإقليمي للمنظمة في بيروت، وأدى اعتماد الموقع والقرب المكاني هنا إلى تواجد دائم لخبراء المنظمة، الأمر الذي يؤمّن للدولة اللبنانية والشركاء الاجتماعيين أي أصحاب العمل والعمال سهولة التواصل معهم، والحصول على المشورة الفنية”. 

تعتقد جرادات أنّ هناك حاجة لإصلاح وتطوير التشريعات الاجتماعية اللبنانية، وتحديداً قانون العمل العائد إلى عام 1946 الذي يجب أن يؤمّن حماية إضافية للعمال وفق معايير “العمل اللائق”، مشددةً على ضرورة إعادة النظر في الحد الأدنى للأجور في ظل الأزمة الحالية، وكذلك نظام نهاية الخدمة في القطاع الخاص “الذي يعتبر الأسوأ في العالم” حيث خسر التعويض 90% من قيمته، وبالتالي تحويله إلى نظام تقاعد لضمان مستقبل الأجراء وتأمين ضمان الشيخوخة. 

دور استشاري للمجتمع المدني اللبناني

تؤكد رئيسة الاتّحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً سيلفانا اللقيس على “الدور الاستشاري الذي أدّته الجمعيات الممثلة للأشخاص المعوقين، حيث بدأت باجتماعات دورية مع منظمة العمل الدولية واليونيسيف منذ حوالي السنة، إلى جانب جهود المناصرة”. وتأمل اللقيس عبر “المفكرة” الإسراع في اتخاذ الإجراءات التي تؤمّن المساواة ودمج شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة. وتطالب الدولة اللبنانية بالمصادقة على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادقت عليها 185 دولة، إلّا أن لبنان لم يصادق عليها حتى الآن بالرغم من أنّ الحكومة أكدت منذ 8 سنوات على التزامها بمضامين الاتفاقية في إطار المراجعة الدورية لحقوق الإنسان. وتعتبر اللقيس أنّ المصادقة على هذه الاتفاقية يشكّل المدخل لتكريس حقوق الأشخاص المعوّقين ومساواتهم مع كافة المواطنين بسبب شمولية الاتفاقية التي تقرّ الحق في السكن، التعلّم، العيش بالمجتمع، الاستقلالية، العمل، الترفيه، التنقل، وغيرها من الحقوق. بالإضافة إلى وجوب التوقيع على البروتوكول الإضافي الذي ينصّ على آلية الرقابة ومتابعة تطبيق الاتفاقية، من خلال إنشاء شبكة وطنية، وبرمجة عمليات التطبيق التي تطال كافة مؤسسات الدولة.   

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، حركات اجتماعية ، منظمات دولية ، تشريعات وقوانين ، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ، لبنان



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني