عين العدو على حولا: 15 شهيدًا والبيت الذي يَسلم من القذائف قد تصله النيران 


2024-06-14    |   

عين العدو على حولا: 15 شهيدًا والبيت الذي يَسلم من القذائف قد تصله النيران 
الدمار في حولا

عندما عاد حسين مرتضى إلى قريته لتشييع رفيقيه الشهيدين محمد وعلي قاسم في الثالث من شهر حزيران، لم يكن يعلم أنّها المرة الأخيرة التي يزور فيها حولا، ولم يكن يعلم أنّ الحزن وألم الفراق هما، في كثير من الأحيان، قاتلان كقذيفة أو كصاروخ. فلم يكد يمضي يومان على رحيل صديقيه حتى توقّف قلبه من شدّة الحزن، ليصبح الشهيد رقم 15 الذي يسقط من بلدة حولا وحدها خلال العدوان الإسرائيلي المستمرّ منذ الثامن من شهر تشرين الأول العام 2023 على الجنوب اللبناني. ومن بين الشهداء ستة مدنيين هم: إضافة إلى الشهداء حسين مرتضى ومحمد وعلي قاسم، الشهيدين حسين موسى حسين والعريف في قوى الأمن الداخلي علي نمر مهدي اللذين قتلا في غارة إسرائيلية في تاريخ 9 شباط الفائت، والشهيدة ناصيفة مزرعاني التي قضت في بداية كانون الأول العام الماضي ولم تكن قد غادرت حولا حتى أيّام الاحتلال الإسرائيلي.

ومؤخرًا، بعد استشهاد الأخوين قاسم، نزح عدد كبير من أبناء القرية الذين كانوا لا يزالون صامدين، ولم يبقَ فيها سوى قلّة قليلة.

يقول رئيس بلدية حولا، شكيب قطيش، إنّ عشرات المنازل دُمّرت في البلدة بشكل كلّي وجزئي، والتهمت الحرائق الناتجة عن القذائف الإسرائيلية عشرات الدونمات من أحراجها وأراضيها الزراعية. وناشد قطيش عبر “المفكرة” المعنيين بتحمّل مسؤوليّاتهم  بتأمين سيارة إطفاء دائمة للبلدة كي تسارع إلى إطفاء الحرائق التي تشتعل يوميًا. ويؤكد أنّ الخطر من وصول النيران إلى المنازل بات محتملًا، “يعني البيت لي عم يزمط من القذائف رح توصلّوا النيران”، مؤكدًا أنّ إمكانيات رجال الدفاع المدني محدودة.

وحولا، جارة فلسطين وشريكتها في النضال والدم، تدفع منذ قيام الكيان الإسرائيلي في العام 1948 ثمن موقعها الجغرافي المحاذي لمستوطنة كريات شمونة التي بنيَت على أنقاض بلدة الخالصة الفلسطينية ووجود موقع “العباد” الاسرائيلي في خراجها، ويدفع أبناؤها حياتهم ثمنًا لصمودهم في أرضهم. ففي 31 من شهر تشرين الثاني العام 1948 ارتكب العدو الإسرائيلي أوّل مجزرة في لبنان وكانت في حق أبناء حولا حيث قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 90 شخصًا من أبناء القرية. يومها سقط لكلّ عائلة من عائلات حولا شهيد وأكثر في المجزرة، ونشأت أجيالها على المقاومة والصمود.

قلب حسين لم يتحمّل القهر  

لا يكاد يمر أسبوع على أبناء حولا إلّا ويفجعون بسقوط شهيد منهم نتيجة القصف الإسرائيلي، ولم تكد البلدة تلملم جراحها على فقدانها الشقيقين قاسم، حتى فجعت برحيل حسين مرتضى، الشاب “المحب والعطوف” كما نعته الكثير من أبناء بلدته، وربما أكثر ما هو مؤلم في رحيل حسين، انه غادر نتيجة الوفاء والحب والحزن.

يقول والده حمد مرتضى في اتصالٍ مع “المفكرة”، إنّه على الرغم من نشأة ولده في بيروت، إلّا أنّه كان شديد التعلّق بالقرية، وقد ساهم عدم إيجاده عملًا بعد تخرّجه من الجامعة اللبنانية، في اتخاذه قرارًا بالانتقال للاستقرار في حولا. وبعد بدء العدوان الإسرائيلي، رفض حسين النزوح إلى بيروت، مختارًا البقاء إلى جانب أصدقائه وأبناء قريته الذي قرروا الصمود. يضيف الوالد أنّ ابنه نجا أكثر من مرة من قذائف إسرائيلية وأنقذ حياة عدد من الأطفال عبر حملهم والهرب بهم إلى منازل آمنة، ولم يغادر القرية إلّا مع اشتداد حدّة الاعتداءات قبل ثلاثة أشهر، فقرر النزوح إلى المدينة تاركًا قلبه وروحه وضحكاته في أزقّة القرية. وعبثًا حاول إقناع صديقيه محمد وعلي قاسم بمغادرة القرية إلّا أنّهما كانا يرفضان، إلى أن استشهدا في 2-6-2023. يتابع الوالد بأنّه توجّه مع حسين إلى حولا للمشاركة في التشييع وكان حسين من أوّل الحاملين للنعش، وفي الطريق إلى المقبرة، سقط حسين أرضًا وقام مسعفو الدفاع المدني بإسعافه، إلّا أنّه رفض الذهاب إلى المستشفى قبل الانتهاء من مراسم التشييع. ولاحقًا أصيب بنوبة قلبية ما استوجب نقله إلى مستشفى تبنين. وفي اليوم التالي عادت العائلة إلى بيروت وفور وصولهم أصيب حسين بأزمة قلبية أخرى أودت بحياته.

“حملت نعوش كل رفاقي”

كما غادر الراحل حسين حولا بصعوبة وبعد أشهر من العدوان، كذلك فعل معظم النازحين عنها، غادروها على مراحل. صمدوا لفترة طويلة حين كان القصف على خراجها وتلالها وحتى حين قصف قلب الضيعة كان النازحون عنها لا يزالون قلّة. ومع تكثيف إسرائيل قصفها للبلدة واستخدامها القنابل الفوسفورية التي سببت الكثير من الحرائق فيها، ازدادت وتيرة النزوح. ومؤخرًا، بعد استشهاد الأخوين قاسم، أصبح الصامدون هم القلّة.

من الذين صمدوا طويلًا في حولا حسن الذي بقي في البلدة رغم مناشدة عائلته اليومية له بالمغادرة. إلّا أنّه بقي هناك يوثّق بالفيديو الدمار في القرية ويساعد الصامدين ويؤمّن لهم حاجيّاتهم من القرى الآمنة نسبيًا. إلّا أنّه قرر مغادرة القرية بعد استشهاد عدد كبير من أصدقائه وأبناء البلدة. “حملت نعوش كل رفقاتي على كتافي ودفنتهم بايدي، من بعدهم صارت الضيعة حزينة وكئيبة، كيف ما ببرم بتذكرهم، ضليت لساعد العالم هلق ما بقى في عالم نساعدها”، يقول حسن في اتصال مع “المفكرة”. ويضيف أنّ أخطر ما يحدث اليوم إضافة إلى الدمار الكبير هي الحرائق التي تلتهم الأحراج، حيث يشبّ يوميًا حريق نتيجة القصف ويتعاون أبناء القرية مع عناصر الدفاع المدني على إخماده بصعوبة وجهد كبيرين وبمعدّات قليلة جدًا.

حريق تسبّبت به قذائف الفوسفور الإسرائيلية في قلب حولا
إخماد الحرائق بطرق بدائية نتيجة نقص المعدات

سنيّة آخر الصامدات

ومن القلّة الصامدة في حولا حتى اليوم سنيّة. تستيقظ كلّ صباح، ترتّب منزلها وتحضّر طبختها، وتذهب إلى دكّانها حيث تمضي بقية نهارها بانتظار أي زائر. تقول لـ”المفكرة” إنّ حولا باتت شبه فارغة، وإنّ الباقين قلّة لا يتجاوز عددهم ستة أشخاص، “بظرف أسبوع مات شي 6 شباب، والناس فلّت بعد موت محمد وعلي قاسم، ما بقا في حدا”.

تؤكّد سنيّة أنّها تفتح متجرها يوميًا كرمى لعيون الناس الصامدة وعناصر الجيش المرابطين في المنطقة. تحاول جاهدة تأمين مستلزمات الصمود من خبز ومعلّبات ومشروبات باردة وسكاكر وبطاطس وبصل من القرى المجاورة لها خاصة بلدة شقراء. لكن اليوم بات تأمينها صعبًا مع اشتداد العدوان وقلّة حركة الناس. “قبل كنتي تلاقي سيارة رايحة على شقرا نوصّيهم على خبز ومعلّبات وغيرها، هلّق ما في سيارات عم تروح إلّا كلّ كذا يوم”، تضيف. وتؤكّد بإصرار على رفضها النزوح حتى لو بقيت وحدها في القرية.

الدمار في حولا

انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، تحقيقات ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات ، جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني