عقد من المحاكمات والاعتقالات: علاء عبد الفتاح لم يهزم بعد


2022-11-13    |   

عقد من المحاكمات والاعتقالات: علاء عبد الفتاح لم يهزم بعد
من صفحة محامي علاء، خالد علي.

في 6 نوفمبر 2022، انطلقت فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP 27) المنعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية بحضور عدد كبير من قادة ورؤساء دول العالم. وعلى الرغم من أهمية المسائل المطروحة للنقاش خلال النسخة الحالية للمؤتمر، وما تتضمنه من إشكاليات مصيرية تتعلق بمستقبل الكوكب بأكمله، تصدرت قضية المدون والناشط السياسي علاء عبد الفتاح أشهر السجناء السياسيين في مصر عناوين كافة التغطيات الإعلامية المصاحبة للمؤتمر وفعالياته على المستويين الدولي والمحلي على حدّ سواء. فمع اليوم الأول لانعقاد المؤتمر الأممي، وضع علاء عبد الفتاح حياته على المحك أملًا في استرداد حريته المسلوبة، وذلك بامتناعه عن شرب الماء نهائيًا، كخطوة تصعيدية للإضراب عن الطعام الذي كان قد بدأه قبل أكثر من ستة أشهر. ففي 2 أبريل 2022، بدأ علاء إضرابًا كاملًا عن الطعام لحين تنفيذ مطلبين رئيسين: أولًا: انتداب قاضي تحقيقات للتحقيق في كافة الشكاوى والبلاغات المتعلقة بكافة الانتهاكات التي تعرض لها منذ القبض عليه في سبتمبر 2019. وثانيًا: حقه في الحصول على زيارة من القنصلية البريطانية له في محبسه للتداول في المسارات القانونية المتاحة أمامه، وذلك بعد حصوله على الجنسية البريطانية مؤخرًا.

أثارت قضية علاء عبد الفتاح وظروف محبسه تعاطف آلاف المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي. كما حظيت بدعم سياسي وإعلامي غير مسبوق من قبل مسؤولين غربيين رفيعي المستوى، بالإضافة إلى العديد من المطالبات الدولية التي تطالب بالإفراج عن علاء من قبل مسؤولين أممين، ومنظمات حقوقية، ووكالات إعلام من مختلف أنحاء العالم. في المقابل، تبنّت أجهزة الدولة المصرية خطابًا سياسيًا وإعلاميًا يمكن وصفه على أقل تقدير بأنه مليء بالمغالطات والأكاذيب، وذلك من أجل السيطرة على حالة الدعم الدولي والمحلي غير المسبوق. فعلى المستوى السياسي، أكد عدد من المسؤولين المصريين في أكثر من مناسبة أن علاء ليس سجينا سياسيا، بل سجين جنائي يقضي عقوبة بعد حصوله على محاكمة عادلة ومنصفة، كما أنه يحظى بكامل الرعاية الصحية اللازمة خلال فترة احتجازه. من جهة أخرى، وعلى المستوى الإعلامي، أطلقت أجهزة الإعلام الرسمية حملة موسعة تروج فيها أن علاء عبد الفتاح هو أحد المحرضين الرئيسيين ضد الدولة المصرية والقوات المسلحة والشرطة. كما تعالى أيضًا اتّهام الاستقواء بالخارج واستخدام الجنسية البريطانية كوسيلة للضغط على الحكومة المصرية، بدلا من استنفاذ الإجراءات القانونية التي يكفلها القانون المصري في مثل تلك الحالات. لذلك فإننا نرى أنه من الواجب علينا تفنيد هذه الأكاذيب، وسرد بعض الحقائق المتعلقة بالمسار القضائي والقانوني المصاحب للمحاكمات التي واجهها علاء عبد الفتاح خلال العقد الماضي، وكذلك الظروف والانتهاكات التي صاحبت تلك الرحلة الطويلة داخل أروقة المحاكم والسجون المصرية.

من هو علاء عبد الفتاح؟

علاء عبد الفتاح هو أحد أبرز المدونين والنشطاء المصريين في فترة الحراك السياسي الأهم في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، والتي بدأت عام 2005 وتميزت بظهور عدد من الحركات السياسية الشبابية التي ساهمت بشكل كبير في اندلاع ثورة يناير 2011. ونظرًا لكونه متخصصا في مجال برمجة المعلومات، شارك علاء في إدارة العديد من المنصّات والمدوّنات التي كانت تنادي بحرية التعبير وفتح المجال العام. تمّ القبض على علاء للمرة الأولى أثناء مشاركته في الاحتجاجات المصاحبة لحركة استقلال القضاء في مايو 2006، ولكن تمّ الإفراج عنه لاحقًا بعد أن أمضى 45 يوم رهن الاعتقال.[1] ومع اندلاع ثورة يناير، أصبح علاء أحد أشهر وجوه الحركة الديمقراطية التي دافعت عن أهمية التمسك بخيار الدولة المدنية في مواجهة صعود حركات الإسلام السياسي. كما ساهم في عدد من المبادرات السياسية التي ظهرت خلال تلك الفترة، وأبرزها مبادرة “اكتب دستورك” التي سعت إلى تمكين أكبر عدد من المواطنين في عملية صياغة دستور 2012.

علاء عبد الفتاح ورفضه للمحاكمات العسكرية: أحداث ماسبيرو 2011

في أكتوبر 2011، قررت النيابة العسكرية حبس علاء عبد الفتاح على ذمة التحقيق لمدة 15 يوماً، على خلفية اتهامه مع أخرين بالتحريض والاشتراك في التعدي على أفراد القوات المسلحة وإتلاف معدات تخص القوات المسلحة والتظاهر والتجمهر وتكدير الأمن والسلم العام في أحداث ماسبيرو، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 25 من المتظاهرين الأقباط بعد الاشتباك مع قوات الجيش. أتّخذ علاء موفقًا رافضًا للمحاكم الاستثنائية التي شهدتها تلك الفترة ورفض المثول وقتها أمام القضاء العسكري كونه مدنيا ولا يجوز محاكمته أمام قاضيه غير الطبيعي. ونظرًا لرفض قطاع عريض من الحركة المدنية في مصر لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، تمّ الإفراج عن علاء في ديسمبر 2011 بعد أن قضى قرابة الشهرين رهن الاحتجاز. كما أحالت النيابة العسكرية القضية لنيابة أمن الدولة العليا، التي أضافت للتهم الموجهة لعلاء الشروع في القتل بغرض الإرهاب، وأسقطت تهم التحريض ضد المؤسسة العسكرية. لاحقًا، تم إحالة القضية للنيابة العامة، وأمر النائب العام وقتها عبد المجيد محمود بانتداب قاضي تحقيق  لهذه القضية، والذي بدوره أمر بالأفراج عن علاء بضمان محل إقامته.

أحداث مجلس الشورى: خمس سنوات سجن في أول تطبيق لقانون التظاهر

في 26 نوفمبر 2013 نظمت مجموعة “لا للمحاكمات العسكرية” وقفة احتجاجية أمام مجلس الشورى مقر انعقاد لجنة الخمسين المنوطة بكتابة الدستور، للمطالبة برفض المادة التي تسمح بمحاكمة المدنيين عسكرياً. ولكن بعد دقائق من بداية الوقفة، عمدت قوات الشرطة إلى فض الوقفة بالقوة وألقت القبض على 24 من المشاركين فيها في التطبيق الأول لقانون التظاهر الذي كان قد تم إقراره قبل يومين فقط من تلك الواقعة.[2] وعلى الرغم من عدم مشاركة علاء عبد الفتاح في هذه الوقفة، تم القبض عليه بعد يومين، واتهامه بالدعوة للتظاهر دون ترخيص. وفي أولى جلسات القضية أمام محكمة الجنايات في 23 مارس 2014، تم إخلاء سبيل علاء وآخرين على ذمّة القضية بعد قضاء قرابة الأربعة أشهر في الحبس الاحتياطي. وفي 11 يونيو 2014، وأثناء دخوله إلى معهد أمناء الشرطة (مقر المحاكمة)، قضت محكمة جنايات القاهرة غيابيًا، وبشكل مفاجئ، بمعاقبة علاء عبد الفتاح و25 متهما آخرين، بالسجن 15 عامًا وتغريمهم جميعًا مبلغ 100 ألف جنيه. وهو الأمر الذي دفع قوات الأمن للقبض على علاء من أمام المعهد فور صدور الحكم بزعم تنفيذ الحكم الغيابي. وأثناء إعادة إجراءات المحاكمة واستئناف الحكم الصادر بالحبس لمدة 15 عامًا، دخل علاء عبد الفتاح في 18 أغسطس 2014 إضرابًا مفتوحًا عن الطعام احتجاجًا على استمرار حبسه بالرغم من قبول طلب إعادة إجراءات المحاكمة. وهو الإضراب الذي شاركه فيه عدد من المسجونين السياسيين أيضًا خلال تلك الفترة للمطالبة بالإفراج عنهم. ونتيجة لذلك، قررت المحكمة في جلسة 15 سبتمبر 2014، إخلاء سبيل علاء عبد الفتاح، وأثنين أخرين  بضمان مالي 5 آلاف جنيه، كما تنحّت هيئة المحكمة عن نظر القضية لاستشعارها للحرج، بعد 28 يومًا من إضرابهم عن الطعام. لاحقًا، وبعد أقل من شهرين تم القبض على علاء مرة أخرى على ذمة القضية، وظل محتجزًا حتى أصدرت المحكمة حكمها في فبراير 2015 بالسجن خمسة سنوات لكلاً من علاء عبد الفتاح والناشط أحمد عبد الرحمن وتغريمهما 100 ألف جنيه، مع وضعهم تحت المراقبة لخمس سنوات أخرى.

سبتمبر 2019: محكمة استثنائية وفقًا لقانون الطوارئ وخمس سنوات أخرى

تم الإفراج عن علاء عبد الفتاح في 28 مارس 2019 بعد قضائه كامل عقوبة الحبس لمدة خمس سنوات. ومنذ ذلك اليوم أصبح علاء مُجبرًا على قضاء 12 ساعة يوميًا (من ال 6 مساءً وحتى ال 6 صباحًا) لمدة خمس سنوات أخرى داخل قسم الدقي، تنفيذَا لعقوبة المراقبة الشرطية التي تضمنها حكم محكمة الجنايات في قضية أحداث مجلس الشورى. وعلى الرغم من هذا الوضع غير الإنساني، والذي يفتقد إلى أبسط معايير العدالة تم القبض على علاء مرة أخرى من داخل قسم الدقي أثناء تنفيذه لعقوبة المراقبة في سبتمبر 2019. وجاء القبض على علاء هذه المرة ضمن حملة اعتقالات غير مسبوقة شملت عددا كبيرا من الناشطين والحقوقيين من ضمنهم محمد الباقر محامي علاء، والذي تم القبض عليه داخل النيابة أثناء حضوره للتحقيق مع علاء وأخرين. ومنذ ذلك الحين ظل علاء رهن الحبس الاحتياطي لمدة عامين على ذمة التحقيقات في القضية رقم 1365 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، حيث وجهت له الاتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة. وخلال مدة العامين، عانى علاء عبد الفتاح من ظروف احتجاز قاسية، تضمنت تعنتا شديدا من إدارة سجن طرة تجاه كل ما يخص الظروف المصاحبة لمحبسه، كمدة التريض المسموح بها، وأنواع الأكل والكتب المسموح بدخولها له في محبسه، بالإضافة إلى حرمانه من الحصول على أبسط الأدوات كالاحتفاظ بساعة يد أو راديو، وذلك بالمخالفة لكافة القوانين واللوائح المنظمة لأوضاع السجون في مصر. وهو الأمر الذي أدى إلى تدهور حالته النفسية بشكل كبير، إلى درجة التي جعلته يفكر في التخلص من حياته نتيجة يأسه من تحسين ظروف حبسه الانفرادي في سجن شديد الحراسة 2 بمجمع سجون طره.

وفي أكتوبر 2021، وبعد عامين من الحبس الاحتياطي تمت إحالة علاء عبد الفتاح، والمحامي محمد الباقر، والمدون محمد أكسجين إلى المحاكمة الجنائية بتهمة نشر الأخبار الكاذبة. وهو الاتهام الذي تم توجيهه إلى علاء استنادا إلى بوست يتضمن الإشارة إلى إحدى وقائع التعذيب في أحد السجون كان قد قام بإعادة نشره على موقع الفيسبوك. ونظرت القضية محكمة جنح أمن دولة طوارئ التجمع الخامس، وهي إحدى المحاكم الاستثنائية المنشئة وفقًا لأحكام قانون الطوارئ. ومن الجدير بالذكر أن أحداث المحاكمة شهدت عددا من الخروقات التي تعصف بضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، لم يتم السماح لفريق الدفاع الخاص بعلاء من تصوير ملف القضية حتى يقدم دفاعه على الوجه الأمثل، كما لم يتم السماح للمحامين بمقابلة علاء لمناقشة خطط دفاعهم. وهي كلها من الأمور الإجرائية المسلّم بها في أي محاكمة جنائية عادلة. مع الأخذ في الاعتبار أيضًا أن أحكام محاكم أمن الدولة هي أحكام نهائية لا يجوز الطعن على الأحكام الصادرة منها، وفقًا لأحكام قانون الطوارئ. وعليه، وفي ظل تلك الظروف، قضت المحكمة في 20 ديسمبر 2021 على علاء عبد الفتاح بعقوبة السجن لمدة 5 سنوات. علاوة على ذلك، وبعد كل تلك الانتهاكات، تم الاعتداء على علاء بالضرب في محبسه في مايو 2022 من قبل بعض قوات الأمن في السجن، حين كان مكبّلاً لا يستطيع الدفاع عن نفسه. وهو الأمر الذي دفع عائلته ومحاميه بالتقدم بعدد من البلاغات والشكاوى لنقل علاء من سجن طره شديد الحراسة إلى سجن آخر. وبالفعل، تمّ نقل علاء في مايو 2022 إلى سجن وادي النطرون بعد ضغوط حقوقية وإعلامية.

حالة علاء الصحية

حتى كتابة تلك السطور لم تتمكن أسرة علاء من زيارته أو الاطمئنان على حالته الصحية، على الرغم من محاولتهم اليومية مع إدارة سجن وادي النطرون للسماح لهم برؤيته أو الحصول على أي دليل مادي يؤكد أن علاء ما زال حيًا وبصحة جيدة. بل وصل الأمر أن مسؤولي سجن وادي النطرون رفضوا السماح لوالدة علاء بالانتظار عند بوابات السجن، ورفضوا تسلم خطاب كانت قد كتبته إلى مدير السجن، وآخر إلى علاء. كذلك، لم تسمح قوات الأمن لمحامي علاء من زيارته في محبسه، على الرغم من وجود تصريح رسمي من النائب العام يسمح بهذه الزيارة. فقد تذرعت إدارة السجن بأن تاريخ التصريح قد أنتهى، ويجب الحصول على تصريح جديد يحمل نفس تاريخ الزيارة. من جهة أخرى، وفي أول رد فعل رسمي يوضح حالة علاء الصحية، أصدرت النيابة العامة بيانًا تؤكد فيه أن حالة علاء الصحية جيدة بناءً على كشف طبي أجرته له إحدى اللجان الطبية المتخصصة. وأن التحاليل والفحوصات أسفرت عن أن علاماته الحيوية جميعها في حدودها الطبيعية، كما أنَّ رسم القلب في إطاره الطبيعي؛ مما يشير إلى أن إضرابه عن الطعام والشراب أمرٌ مشكوك في صحته.

علاء لم يهزم بعد

في النهاية، لا يحاول هذا المقال الاشتباك مع وجهة نظر النيابة العامة فيما يخص وضع علاء الصحي، ولا المجادلة في شرعية وبداهة الحقوق الأساسية التي يطالب بها علاء وأسرته وداعميه، وعلى رأسها الإفراج الفوري عنه. بل حاولنا في هذا المقال سرد الحقائق المثبتة، ولا شيء غير الحقائق، وذلك من أجل دحض الأكاذيب التي يتم الترويج لها فيما يخص علاء عبد الفتاح وشيطنته واعتباره عدو الدولة الأول. إن حالة الدعم غير المسبوق التي حظيت بها قضية علاء عبد الفتاح تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن علاء لم ولن يصبح مجرد سجين يحمل رقما في قضية ويقضي عقوبة. علاء، وأفكاره، وكتابته أصبحت جزءا لا يتجزأ من تاريخ الحركة المدنية الحديثة في مصر، ومرجعا أساسيا لفهم التركيبة السياسية والاجتماعية لأكثر اللحظات المرتبكة التي شهدتها مصر بعد هزيمة ثورة يناير. أو ربما، مثل علاء، لم تهزم بعد.


[1] في مايو 2005، قرر نادي قضاة مصر عدم الإشراف على الانتخابات البرلمانية اعتراضًا على  تعديل بعض أحكام قانون السلطة القضائية. وهو الأمر الذي أدى إلى القبض على عدد من القضاة وإحالتهم للمحاكمة التأديبية، مما دفع  باقي أعضاء السلطة القضائية للدخول في اعتصام مفتوح  صاحبه احتجاجات شعبية واسعة دعما للقضاة.

[2] قانون رقم 103 لسنة 2013 قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية. صدر في 24 نوفمبر 2013.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، تحقيقات ، أجهزة أمنية ، حرية التعبير ، مقالات ، مصر ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني