طلاب لبنانيون في أوكرانيا يضربون عن الطعام.. هل تضعهم الدولة اللبنانية ضمن أولويّاتها؟


2020-04-17    |   

طلاب لبنانيون في أوكرانيا يضربون عن الطعام.. هل تضعهم الدولة اللبنانية ضمن أولويّاتها؟

ترتفع أصوات الطلاب اللبنانيين في أوكرانيا ودول أخرى في شرق أوروبا وروسيا مطالبة بالعودة إلى لبنان أسوة بالطلاب الآخرين في دول أوروبية أخرى. ويشعر هؤلاء الطلاب بالظّلم وإهمال الدّولة لهم بعد قيامها بإجلاء طلاب من دول أخرى وتركهم يواجهون الجوع والمرض وكأنّهم مواطنون درجة ثانية.

ويعاني هؤلاء أكثر من غيرهم نظراً إلى أنّ غالبيّتهم ينتمون إلى عائلات من ذوي الدخل المحدود أرسلت أبناءها وبناتها إلى هذه الدول نظراً إلى انخفاض كلفة التعليم أو المعيشة في تلك الدولة. ولكن مع ارتفاع سعر صرف الدولار أصبح المبلغ القليل الذي كانت ترسله هذه العائلات كبيراً جداً وأعلى من قدرتها المادّية. وما يفاقم الأمر هو تشديد المصارف القيود على التحويلات بالدولار إلى الخارج من دون استثناء الطلاب من القرار، وذلك على الرغم من وعود جمعية المصارف التزام تحويل المبالغ المالية المناسبة للطلاب اللبنانيين المقيمين في الخارج طبعاً مع اشتراط أن يكون الأهل يملكون حساباً مصرفياً. يضاف إلى ذلك، الإرباك الذي يصيب العملاء بسبب مزاجية المصارف في فتح أبوابها وإغلاقها.

ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية وتوقّف الكثير من المؤسسات عن العمل بسبب انتشار فيروس كورونا أصبح العديد من الأهالي غير قادرين على إرسال أية مبالغ إلى أبنائهم في الخارج أو يرسلون إليهم مبالغ زهيدة لا تكفيهم قوت يومهم.

ونظراً إلى تدهور أوضاع المساكن الجامعية في هذه الدول، يعيش معظم الطلاب في شقق يتشاركونها مع بعضهم. ولكن يؤكّد العديد من الطلاب أنّه مع تراجع أوضاعهم المادية ترك العديد منهم شققهم وانتقلوا للعيش في شقق مزدحمة مع طلاب آخرين لتخفيف الكلفة. ومع إغلاق الجامعات أبوابها وانتقالها إلى التعليم عن بعد أصبح بقاء الطلاب في الخارج غير مبرر ويرتّب أكلافاً على أهاليهم هم في غنى عنها في ظل الوضع الاقتصادي السيئ في لبنان. (المحرر)

15 طالباً يضربون عن الطعام في أوكرانيا  

في أوكرانيا التي ينتشر فيها كورونا في ظل إمكانات صحية ضعيفة، أعلن طلاب لبنانيون الإضراب عن الطعام "بسبب الأوضاع المعيشية والصحية الصعبة وتقاعس الدولة عن الإلتزام بوعدها من ناحيتي إرسال طائرات لإجلائهم وتسهيل التحويلات المصرفية" وفق بيان أصدرته صفحة "طلاب لبنان في اوكرانيا" على فيسبوك.

في حديث لـ"المفكرة" يقول محمد فياض أحد المشاركين في الإضراب، وهو طالب طب في العاصمة كييف: "يبلغ عدد المضربين عن الطعام 15 طالباً يتوزّعون على مدن أوكرانية عدّة وعلى فروع الطب والصيدلة والهندسة. ومطالبهم الأساسية هي أولاً، إيفاء المصارف بوعدها بالسماح للأهالي بتحويل الدولارات على سعر الصرف الرسمي، وثانياً، وضع أوكرانيا ضمن أولويات البلدان التي يفترض إجلاء اللبنانيين منها".

يبلغ عدد الراغبين بالعودة وفق السفير اللبناني في أوكرانيا علي ضاهر حوالي 700 طالب يتوزّعون على مدن أوكرانية عدة (الأعداد الأكبر في كييف، وخاركيف، وبتروفسك) وحتى الآن لا يزال موعد الرحلة إلى لبنان غير محدد. ولكن غدي خوري مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية اللبنانية يقول لـ"المفكرة" إنّ: "المؤكد أن هناك طائرة ستتكفل مؤسسة الوليد بن طلال بتكاليفها، على أن يتم اختيار الأسماء بالتعاون بين المؤسسة والسفارة اللبنانية في أوكرانيا". أما عن المعايير التي سيتم اعتمادها لاختيار الأسماء فيوضح خوري: "ستكون الأولوية للفتيات وطلاب السّنتين الأولى والثانية (بسبب عدم إجادتهم اللغة وتأجيل الجامعة صفوفهم للعالم المقبل) بالإضافة إلى الحالات الصحية الصعبة".

أما عن احتمال تسيير رحلات أخرى إلى أوكرانيا، فيقول خوري: "الرحلة الثانية في حال نظمت لن تكون مجانية، لذلك لا نعرف بعد إن كان بمقدور الطلاب دفع تكاليفها أم لا. لذلك، سنترك الأمر للمستقبل لنعرف مصير هذه الخطوة".

ومن الحالات الصحّية الصعبة التي تطلب العودة إلى لبنان بشكل طارئ، طالب صيدلة – سنة ثالثة يدرس في مدينة خاركيف (رفض ذكر إسمه) كان يعاني من السرطان (في الغدد الليمفوية) قبل ثلاث سنوات، لكنه أنهى علاجه العام الماضي. يختبر الشاب منذ أسبوعين عوارض تشير إلى احتمال تجدّد مرض السرطان عنده، لكن لا سبيل للتأكّد من ذلك سوى عبر إجراء صورة مخصّصة للصدر في مستشفى في كييف تبعد عنه 700 كيلومتر. ويقول الشاب لـ"المفكرة" إنه "من المستبعد بالنسبة لي السفر إلى كييف بسبب تفاقم الإصابات بالكورونا هناك وسوء وضع المستشفيات بشكل عام، ما يمكن أن يعرّض مناعتي للخطر. وبالتالي لا سبيل لي سوى العودة إلى لبنان من أجل إجراء الصورة". ويخشى الشاب من أنّه "مع كل يوم أقضيه هنا يزيد احتمال تفاقم المرض عندي أكثر".

المشكلة بدأت قبل الكورونا

ولكن أوضاع الطلاب الآخرين ليست أفضل بكثير، فوفق علي ملحم وهو طالب طب في مدينة بتروفسك: "الأوضاع ساءت بشكل كبير خلال الشهر الماضي وهي مرشحة للتدهور من الآن حتى تأمين طائرة العودة. نحن نسمع يومياً عن تعرّض لبنانيين للطرد من منازلهم وهناك أكثر من 40 طالباً تم فصلهم من الجامعة بسبب عدم دفع الأقساط بينما هناك آخرون مهددون بعدم السماح لهم بالإنتقال إلى صفوف أعلى. قبل أيام كاد أحد الطلاب أن يمزّق جواز سفره اللبناني بعد طرده من منزله، وقد زاد غضبه لدى رؤيته كيف تقوم الحكومة الأوكرانية بإجلاء رعاياها من حول العالم وبدون استثناءات".

تبدو أحوال الطلاب اللبنانيين في أوكرانيا مرآة للوضع المتأزّم الذي يمرّ به لبنان منذ أشهر. ويقول طالب الهندسة في مدينة أوديسا فراس الساحلي: "بالإضافة للذين خسروا أعمالهم بسبب الأزمة الإقتصادية، كثرٌ من الأهالي يتلقّون رواتبهم بالليرة اللبنانية وأصبحوا مجبرين على مضاعفة المبلغ الذي كانوا يرسلونه سابقاً. لذلك هناك نسبة كبيرة من الطلاب يريدون العودة من أجل توفير المال على أهلهم، علماً أنّ أكثرية الطلّاب هنا لا يعيشون في السكن الجامعي بسبب حالته السيئة، بل في بيوت يتم تشاركها أحياناً بين ستة وسبعة طلاب بسبب عجزهم عن دفع إيجار شقة بمفردهم".

أكثرية الطلاب الذين تحدثت إليهم "المفكرة" شددوا على أنّ انتشار فيروس كورونا ليس سبب المشكلة بل هو عامل ساعد على تسليط الضوء على قضيّتهم. وتوضح لينا كوراني (طالبة طب): "نحنا لسنا مهددين بسبب فيروس كورونا بل بسبب عدم إيفاء المصارف بوعودها حول تحويل الدولار بالسعر الرسمي، وبسبب خسارة أهالينا وظائفهم. هناك معلومات خاطئة أيضاً يتناقلها البعض عن مجيئنا بمنح دراسية وهذا غير صحيح، فنحن ندفع سنوياً الأقساط والرسوم الجامعية وهناك طلاب مهددون اليوم بالفصل في حال لم يدفعوا ما هو مترتّب عليهم".

وأدّى تضارب المعلومات حول رحلة العودة إلى التباس عند الطلاب. وتقول كعفراني: "يجب أن نعرف موعد الرحلة في وقت مسبق لأن غالبية الطلاب يستأجرون شققاً مع آخرين وعليهم إعلامهم بموعد مغادرتهم. كما أنّ البعض يعيش في مدن بعيدة كما هو الحال معي. فمدينتي تبعد 800 كيلومتر عن المطار وليس هناك أيّ مواصلات عامة وفي الأحوال العادية أحتاج للسفر ليوم كامل كي أصل إلى كييف". وتضيف: "يقول البعض إنّه سيتم التعاقد مع باصات خاصة لنقلنا بالتعاون مع السفارة اللبنانية، لكن في حال لم يحصل ذلك، عليّ أن أدفع 300 دولار للتاكسي الواحدة!".

الطلاب في دول شرق أوروبا الأخرى ليسوا أفضل حالاً

يختار اللبنانيون التعليم في أوكرانيا بسبب التكلفة المنخفضة للفروع العلمية فيها بالمقارنة مع الجامعات الخاصة في لبنان. ينطبق هذا على بلدان أخرى كانت جزءاً من الإتحاد السوفييتي سابقاً مثل بلاروسيا، وروسيا وجورجيا، مع العلم أنّ روسيا هي الوحيدة التي تقدّم المنح للطلاب اللبنانيين عبر المركز الثقافي الروسي (هناك بعض المنح تصل عبر الأحزاب).

يقول الطالب مهدي منصور الذي يدرس الطب في موسكو ويعيش في السكن الجامعي: "الإصابات بفيروس كورونا تتكاثر بسرعة كبيرة في موسكو وقد وصلت مؤخراً إلى السكن الجامعي. يعيش عشرات الطلاب اللبنانيين في المساكن الجامعية وهم مهددون بسبب اضطرارهم لمشاركة المطبخ نفسه والحمامات نفسها مع القاطنين في الغرف الأخرى في الطابق نفسه". ويضيف أنّه "قبل يومين تم تسكير عدة مساكن جامعية بسبب انتشار فيروس كورونا، ما يعني منع الطلاب من الدخول والخروج إلى المبنى، وبدأت إدارة الجامعة بإدخال وجبات الطعام عبر موظفين مخصصين. أخبرني أحد الطلاب أنه في حال أراد أن يطلب الطعام من الدكان فهناك إحتمال أن ينتظر لأيام قبل أن يأتي دوره! لا أعرف متى سيصل الفيروس إلى المبنى الذي أعيش فيه، لكن يبدو أن ذلك سيحصل قريباً".

ويقول الدكتور ماهر عبد الله الذي يعيش ويعمل في موسكو، لـ"المفكرة" إنّ أكثرية الطلاب موجودون في السكن الجامعي بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات في موسكو و"الحكومة الروسية تؤمن الطبابة للجميع بشكل مجاني وتتعامل مع المرض بطريقة شبيهة لما حصل بالصين. كما أن هناك مؤسسات إجتماعية روسية تؤمن الدعم لشرائح الطلاب، وبشكل خاص في المدينة الجامعية وليس هناك خوف عليهم". ويضيف أنّ الجالية اللبنانية عبر "البيت اللبناني" بتعداد الطلاب اللبنانيين الموجودين بشكل أساسي في موسكو وسان بطرسبرغ وبلغ عددهم بين 800 و1000 طالب وقدمت مساعدات عينية ومادية للمحتاجين منهم.

ولكن ليس جميع الطلاب اللبنانيين في روسيا يدرسون بمنح أو يعيشون في السكن الجامعي، فعلى غرار أقرانهم في أوكرانيا يتشارك العديد من الطلاب شققاً سكنية لتخفيف العبء المادي عنهم ويرسل أهلهم إليهم الحوالات المالية. ويقول عباس شدّاد طالب الطب ـ سنة رابعة في روسيا في فيديو نشرته الصحافية صبحية نجّار على صفحتها على تويتر إنّ إغلاق الجامعات في روسيا وانتقال التعليم إلى الإنترنت يجعل بقاءهم غير مبرر خصوصاً أنّه مع ارتفاع سعر صرف الدولار ترتفع قيمة التحويلات التي يرسلها أهاليهم إليهم لدفع بدل الإيجار وتكاليف المعيشة علماً أن العديد من الأهالي لا يعملون في ظل انتشار الكورونا في لبنان أو لا يجنون ما يكفي من المال نظراً إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية. ويؤكّد الطلاب في الفيديو أنّ مطلبهم الوحيد هو أن تؤمّن الدولة اللبنانية لهم العودة بأسعار مقبولة.

أما في بيلاروسيا، فالحياة لا تزال طبيعية ولم تعلن حالة الطوارئ بعد، رغم أنّ عدد الإصابات بدأ يفوق الأربعة آلاف إصابة (40 وفاة). وفق عباس نحلة، طالب الطب في مدينة فيتبسك، لا خيار للطلاب اللبنانيين الذين يبلغ عددهم حوالي 500 طالب موزعين على مدينتين بشكل أساسي (مينسك وفيتبسك)، سوى ارتياد الجامعة يومياً مثل باقي الطلاب، ما يعني تكلفة عالية يجب دفعها على أدوات التعقيم وقلق دائم من التقاط الفيروس في وسائل النقل العامة والصفوف الجامعية. ولكن كما الطلاب اللبنانيين في كل مكان تبقى المشكلة الأساسية هي عدم قدرة الأهل على تحويل الأموال بالأسعار الباهظة الحالية للدولار، ما اضطر البعض وفق نحلة "لترك البيوت التي يعيشون فيها والبقاء مع آخرين في ظروف سيئة، أو بيع أغراضهم وكومبيوتراتهم، لاستكمال الأسابيع المقبلة قبل أن يتمكّن  أهلهم من إرسال النقود لهم عبر وسترن يونيون".

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني