ضحايا 4 آب: ماذا تخبرنا الأرقام عنهم؟


2021-08-06    |   

ضحايا 4 آب: ماذا تخبرنا الأرقام عنهم؟
الدمار في حي الكرنتينا (تصوير داليا خميسي)

وَلَّد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، كارثة إنسانية على صعيد لبنان، وبخاصّة العاصمة، كما خلَّف عدداً كبيراً من الضحايا الذين فقدوا أرواحهم/ن سواء لحظة الكارثة أو على مدى الأسابيع والأشهر التي تلت الانفجار. تقدّم هذه المقالة قراءة في ملامح الضحايا بناء على معطيات جمعتها “مبادرة العدالة الاجتماعية والاقتصادية – معاً” نتيجة عمل استقصائي واسع للتعرّف على قصص هؤلاء.

عدد الضحايا يتصاعد: “معاً” تحصي 218 ضحية

على إثر الانفجار، أصدرت وزارة الصحة لائحتين بأسماء الضحايا، إحداهما في السابع من آب، والأخرى في الثالث من أيلول أي بعد شهر على الانفجار. تضمّنت الأولى أسماء 152 ضحية، من بينهم عدد كبير من الجثث المجهولة الهوية وعدد من المغالطات. أمّا الثانية، فاحتوت على 191 ضحية بينها اثنتان مجهولتا الهوية. كما رفعت القوى الأمنية لائحة بأسماء 207 ضحايا إلى الهيئة العليا للإغاثة.[1]

أمام هذا الواقع، تمكّنت “مبادرة العدالة الاجتماعية والاقتصادية – معاً” من إحصاء حوالي 218 ضحية، وهو رقم يتجاوز العدد الرسمي للضحايا، ونتاج عمل استقصائي واسع قام به فريق من الصحافيين وشمل كافة الأراضي اللبنانية وطال الخارج والاغتراب. وقد نتج عن هذا العمل إصدار كتاب “رماد حي” الذي يتضمّن مجموعة من الروايات ويحتوي على قصص 214 ضحية.

ويعكس عدد الضحايا ومكان تواجدهم/ن عند وقوع الانفجار وفئاتهم/ن العمرية والجندرية والجنسية وقائع اجتماعية سابقة للانفجار، مثل العمالة المحدودة الأجر، أو الديموغرافيا العمرية في بيروت، والعمالة الأجنبية والمهاجرة على الأراضي اللبنانية، لا سيّما اللجوء السوري. لذا، بدا من المهمّ تحليل بيانات الضحايا على ضوء المعلومات المتوفّرة عن 214 ضحية شملها إحصاء “معاً” الأوّلي، كونها تحمل مؤشرات تتخطّى ظرف الانفجار وتُعتبر بمثابة صورة عن واقع المجتمع اللبناني.

مكان تواجد الضحايا: الانفجار يفجّر أمان المنزل والعمل

أظهر بحثنا أنّه لدى وقوع الانفجار، كان 66 ضحية متواجدين في منازلهم/ن، و61 ضحية كانوا متواجدين داخل حرم المرفأ معظهم/ن في إطار ممارسة عملهم، و40 ضحية كانوا في مكان عملهم/ن خارج حرم المرفأ و26 ضحية كانوا في مستشفيات المنطقة، في حين أنّ 12 من الضحايا كانوا متواجدين في محيط المرفأ ظرفياً أو لأسباب مختلفة، ولم نتمكّن من تحديد مكان تواجد 9 من الضحايا.

من ناحية مواقع تواجد الضحايا، نرى أنّ 61 منهم كانوا موجودين داخل حرم المرفأ لأسباب متعدّدة، معظهم في إطار ممارسة عملهم في المرفأ (58) في حين كان 3 أشخاص يمارسون الصيد داخل حرم المرفأ. أما لجهة طبيعة عملهم، فنجد 13 شخصاً في الخدمة العسكرية (8 منهم في الجيش، 3 في المديرية العامّة للأمن العام، عنصر في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وعنصر في المديرية العامّة لأمن الدولة)، ونجد أيضاً 14 إطفائياً قضوا خلال محاولة إخماد النيران، 10 منهم ينتمون إلى فوج إطفاء بيروت، و4 إلى فرقة إطفاء المرفأ. أمّا معظم المتواجدين في حرم المرفأ فكانوا من العمّال حيث يصل مجموعهم إلى 31 شخصاً، 7 منهم بحّارون. وإذا شملنا الموّظفين، يعتبر معظم الضحايا المتواجدين داخل المرفأ من ذوي الدخل المحدود، وعددهم يصل إلى 43. يعكس هذا الأمر طبيعة الأشغال التي يقوم بها هؤلاء داخل المرفأ، ومحدودية الأجور بخاصّة في ظلّ الأزمة الاقتصادية وتدنّي سعر صرف الليرة اللبنانية.

ومن ناحية الفئات الجندرية والجنسية للضحايا المتواجدين داخل المرفأ، فإنّه من أصل 61 شخصاً متواجدين في المرفأ، نجد فقط امرأتين، وهما أسمهان صرّوف بو رجيلي التي تعمل في شركة شحن، وسحر فارس المنتمية إلى فوج الإطفاء. أما من حيث الجنسيات، فتتصدّرها الجنسية اللبنانية، ويصل العدد إلى 48. ونجد أيضاً 9 رعايا سوريين، ومواطناً أثيوبياً هو هايلي مريم ديميسي ريتا الذي يعمل على متن باخرة سياحية.

أما بالنسبة للضحايا الذين كانوا متواجدين في مكان عملهم/ن خارج المرفأ لدى وقوع الانفجار، فيصل عددهم إلى 40 ضحية، من ضمنهم 10 من العاملين/ات في المطاعم، من طُهاة ونُدُل، و4 عاملات أجنبيات يعملن في الخدمة المنزلية وقُتلن في منازل أصحاب عملهن.

ويبلغ عدد المتواجدين في منازلهم، 66 غالبيّتهم من اللبنانيين (50) ومن النساء (38). ويصل عدد الضحايا من المرضى الذين كانوا يتلقّون علاجاً في مستشفيات المنطقة إلى 16، بالإضافة إلى 5 زوّار كانوا يتفقّدون ذويهم. إضافة إلى ذلك، وصل عدد الممرّضات اللواتي قضيْن في الانفجار إلى 5، وهنّ ميراي جرمانوس ولينا بو حمدان وجيسي قهوجي داوود وجاكلين جبرين وجيسيكا بزدجيان.

أما المارّون ظرفياً في المنطقة المجاورة للمرفأ، فهم 8 ضحايا، فيما كان 3 من الضحايا جالسين في مطاعم المنطقة، وشخص كان يمارس الرياضة في أحد النوادي.

جنسيات الضحايا: اللبنانيون أوّلاً يليهم السوريّون

تتصدّر الجنسية اللبنانية جنسيات الضحايا، حيث يصل عدد اللبنانيين بينهم إلى 163 والأجانب إلى 51 من أصل 214. بعدهم، يأتي الضحايا السوريون/ات الذين يبلغ عددهم 30، يليهم الرعايا البنغلادشيون (6)، ثمّ الفليبينيات (3)، والمصريون (3)، والإثيوبيون/ات (2)، وشخص من كلّ من فلسطين وباكستان وإيران وهولندا وألمانيا وأستراليا وفرنسا. وثمّة أيضاً عدد كبير من اللبنانيين/ات الأرمن في صفوف الضحايا اللبنانيين/ات يصل عددهم إلى 13، بالإضافة إلى الراهبة صوفي خوسروفيان، وهي إيرانية أرمنية.

يعود ارتفاع عدد الضحايا السوريين/ات إلى لجوئهم/ن إلى لبنان لا سيّما خلال السنوات الماضية، ولكونهم قُتلوا خلال عملهم داخل المرفأ وفي الجوار أو في المنازل التي يقطنون فيها في محيط المرفأ. ومعظم الضحايا الأجانب هم عمّال وعاملات مهاجرون أو لاجئون من ذوي الدخل المحدود إن كانوا من الجنسية السورية (23) أو البنغلادشية (6) أو المصرية (3)، وهم من العمّال في أشغال مختلفة سواء في مطاعم الجوار أو محطات الوقود أو المحال التجارية. وهؤلاء كانوا معرّضين للفقر المدقع بفعل تدنّي أجورهم بشكل هائل بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية، ممّا أدى أيضاً إلى الحدّ من إمكانية إرسال المال لذويهم في بلادهم، بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي. يطبّق الأمر نفسه على العاملات في الخدمة المنزلية اللواتي قضين في الانفجار (4)، وهنّ ثلاثة فلبينيات وأثيوبية، وقد توفّين في المنازل التي يعملن فيها.

ومن حيث الجنسية الفلسطينية، نجد ضحيّة واحدة، وهو محمد دغيم الذي يعمل كمزيّن نسائي. أما باقي الجنسيات، فتتوزّع على الشكل التالي: باكستاني، وهو زولباب الساجد على، ابن عامل باكستاني في المرفأ؛ هولندية، وهي هيدويغ والتمانس موليير، زوجة السفير الهولندي في لبنان؛ ألمانية، وهي غابرييل كونهلي رادتكي، موظفة في السفارة الألمانية في لبنان؛ فرنسي، وهو جان-مارك بونفيلس، مهندس معماري؛ وأسترالي، وهو الطفل آيزاك سيدني أوهليرز، أحد أصغر ضحايا الانفجار.

 

النسب العمرية والجندرية: حصّة كبيرة للمسنّين والفئة العاملة

من أصل 214 ضحية تمّ إحصاؤها، نجد 144 ذكراً و70 أنثى. ومعظم الإناث اللواتي قضين كنّ في منازلهنّ (38)، بفعل الطبيعة السكنية للمنطقة المجاورة للمرفأ، بالإضافة إلى 4 عاملات في الخدمة المنزلية توفين في منازل أصحاب عملهنّ.

من حيث البنية العمرية للضحايا، نجد 10 قاصرين/ات، 49 ضحية تتراوح أعمارهم/ن ما بين الـ19 والـ30، 58 ما بين الـ31 والـ45، 30 ما بين الـ46 والـ60، و56 ضحية تبلغ أكثر من 60 سنة من العمر، ولم نتمكن من تحديد عمر 11 من الضحايا.

يعود سبب ارتفاع عدد المنتمين/ات إلى الفئة العمرية العاملة أي 19 حتى 60 عاماً إلى تواجد عدد كبير من العمال والعاملات في المرفأ وضواحيه المنتمين إلى تلك الفئات العمرية. أما كثافة الفئة المتقاعدة والمسنّة أي ما فوق 60 عاماً، فقد يعود سببها إلى الطبيعة السكنية لمنطقة الأشرفية – الرميل – المدوّر وكون سكّانها من المتقدّمين في العمر بشكل خاص.

بالنسبة للقاصرين/ات (10) نجد 5 ذكور و5 إناث، ثلاثة منهم تحت عمر الخمس سنوات (وهم الرضيع قصي فادي رمضان وايزاك سيدني أوهليرز واليكساندرا نجّار)، وسبعة منهم بين الخمسة و18 عاماً وهم بيسان الطيباتي (6 سنوات)، جود الحاج صطيف (13 سنة)، زولباب ساجد علي (14 سنة)، سيدرا الكنو (15 سنة)، الياس الخوري (15 سنة)، ومحمد ياسر الصليبي (17 سنة).

أما بالنسبة للفئات العاملة، أي من 19 حتى 60 عاماً، نجد 138 ذكراً و30 أنثى، ممّا يعكس طبيعة الأعمال المزاولة من قبل الضحايا بخاصّة داخل المرفأ، وتدنّياً نسبياً في انخراط المرأة في سوق العمل.

وبالنسبة للمتقاعدين/ات والمسنّين/ات، الذين تتخطّى أعمارهم/ن الستين، فهذه الفئة هي الوحيدة التي يتخطّى عدد الضحايا الإناث الذكور فيها. فمن أصل 56 ضحية، نجد 30 أنثى و26 ذكر، و51 منهم توفّي في البيوت والمستشفيات.

الخلاصة

تعكس تلك الأرقام حجم الفاجعة التي أصابت لبنان على الصعيد البشري مع مقتل أكثر من 214 شخصاً. في الوقت عينه، يشهد لبنان إحدى أشدّ أزماته، حيث أُصيبت مداخيل العائلات بحدّة، في ظلّ انكشاف هشاشة أنظمة الحماية الاجتماعية. وبالتالي، تتخطّى الخسارة رقم الضحايا، وتصل تداعياتها إلى نحو مئة عائلة فقدت معيليها، معظمهم كانوا أصلاً من ذوي الدخل المحدود. وفي لبنان كما في الدول الأخرى، أصابت الفاجعة عائلات قُتل أبناؤها، وهم كانوا يزاولون أعمالهم بغية تأمين مردود أضحى هزيلاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية، لتصبح نهايتهم على يد انفجار إجرامي، ونظام يحصّن المجرم ضدّ أي مساءلة ومحاسبة.

  1. نبيلة غصين، عصارة حراك أهالي ضحايا وجرحى ومتضرّري التفجير: تجمّعات متضافرة في وجه السّلطة، المفكرة القانونية، حزيران 2021
انشر المقال

متوفر من خلال:

لا مساواة وتمييز وتهميش ، مساواة ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، عمل ونقابات ، مجزرة المرفأ ، بيئة ومدينة ، سياسات عامة ، الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، الحق في السكن ، ملكية خاصة ، فئات مهمشة ، لبنان



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني