صرف موظفين في صيدا والشركة تتذرّع بـ”الخسارة”


2019-12-03    |   

صرف موظفين في صيدا والشركة تتذرّع بـ”الخسارة”

تداول سكان مدينة صيدا عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الأخيرين دعوة إلى مقاطعة فرع فرن “وودين بايكري”(Wooden Bakery) في صيدا. وأتت هذه الدعوة على خلفية خبر فصل الشركة خمسة من موظفيها يوم الجمعة الماضي بسبب تردّي وضعها المالي و”خساراتها المتراكمة”.

أتى الرد سريعاُ من شركة “ديستريبيوشن سوليوشنز” (Distribution Solutions) من خلال بيان رسمي شرحت فيه أن “لا علاقة لشركة وودين بايكري بواقعة إنهاء عمل بعض الأجراء لدى شركة DS، وإن العاملين في شركتنا غير مرتبطين إطلاقاً بالشركة المذكورة”. ففي مدينة صيدا فرع واحد لأفران “وودين بايكري”، لا يديره مجلس إدارة “وودين بايكري” الأساسي بل هو مشغّل بموجب امتياز (Franchise) لصالح شركة “ديستريبيوشن سوليوشنز” العائدة ملكيّتها لرامي مزهر، مدير الشركتين في صيدا.

تسوية أم طرد تعسّفي؟

صباح يوم الجمعة، استدعى مدير الشركة بحضور محاميه ومدير العمليات في الشركة خمسة موظفين ـ أربعة لبنانيين وسوري ـ إلى اجتماع أبلغهم فيه نيّة الشركة فصلهم عن العمل. فوجئ الشباب بهذا القرار الذي أتى من دون سابق إنذار. وبعد أخذٍ ورد، وقّع أربعة منهم على براءة ذمّة مقابل تعهّد الشركة بدفع راتب الشهر الذي مضى ودفع راتب شهر واحد كتعويض فيما رفض موظّف خامس التوقيع.

يقول محامي الشركة الذي رفض ذكر اسمه، أنّ ما فعلته الشركة “هو تسوية ولا يعتبر طرداً تعسفياً نظراً لتردّي وضع الشركة المالي”. ولكن رئيس قسم التحرير والدراسات في “المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين” أسعد سمور يشرح لـ”المفكرة” أنه “وفقاً للمادة 50 من قانون العمل، الفقرة واو، على الشركة أن تقدم كتاباً إلى وزارة العمل لتثبت أنها تعاني من عجز مالي. وبعد دراسة تجريها الوزارة، تصدر قرارها الذي قد يسمح بالصرف ضمن آليات محددة على المؤسسة أن تلتزم بها وإلا يعتبر الصرف تعسّفياً”. وفي حالة “ديستريبيوشن سوليوشنز” يقول محاميها فإنها “لم تتقدم بكتاب إلى وزارة العمل”.

مواجهة بين الموظفين والشركة في وزارة العمل  

يوضح محمد القرص (23 عاماً) أحد الموظفّين الذين وقعوا على براءة الذمّة إنّ “المدير أكّد لنا أنّ قرارهم هذا أتى بعد استشارة وزارة العمل وبأنّه يحق لنا أخذ شهر واحد من التعويض فقط”. وعلى مضض وقّع محمد الذي يعمل في الشركة منذ حوالي 4 سنوات متنقلاً بين وظائف عدّة كان آخرها مندوب مبيعات: “أحسن ما يبطل يطلعلي شي. فلم يكن لديّ أي علم بما ينصّ عليه قانون العمل وهذه المرة الأولى التي أصادف فيها موقفاً كهذا”.

أما الموظف الخامس الذي لم يوقّع على براءة الذمّة علي الصيّاد (43 عاماً)، فيقول إنّه رفض ذلك لأنّه مطّلع على قانون العمل ويعرف حقوقه. ويقول علي: “قدّمت معطياتي إلى وزارة العمل وقالوا لي أنّ لي حقوقاً يمكنني تحصيلها وطلبوا مني تعيين محامٍ”.

وتحدّث علي إلى زملائه وقرروا أيضاً رفع شكوى لدى وزارة العمل. وكتب محمد على “فايسبوك”: “تم رفع دعوى (شكوى) بحق هالشركة الظالمة ومش حنخاف لأنه صاحب الحق سلطان. ممنوع نقبل بالظلم بقى وممنوع نتنازل عن حقوقنا كمواطنين أوّلاً وكعمّال وعاملات ثانياً”.

وسيكون الموظفون اللبنانيون الأربعة المصروفون على موعد مع جلسة في وزارة العمل نهار الأربعاء في الحادي عشر من الجاري، بحضور محامي الشركة ورئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال كاسترو عبد الله الذي وعدهم الدفاع عنهم.

صاحب الشركة يوضح..

يوضح صاحب الشركة رامي مزهر، من جهته، لـ”المفكرة” أنه “يصعب عليّ بصفتي صاحب الشركة أن يحصل ما حصل ولكنّني مضطر على فعل ذلك كي لا تشمل الخسارة عدداً أكبر من الموظفين. إذ وصلت الشركة إلى مرحلة الخيار بين الإقفال وبالتالي صرف حوالي 15 موظفاً أو صرف 5 موظفين فقط”.

يروي مزهر أنّه اشترى امتياز “وودين بايكري” من حوالي سنة ونصف بقروض من المصرف: “عمري 39 سنة وعم أسّس حالي كمان. كنت اقترضت مبلغاً كبيراً من أحد المصارف من أجل فتح هذه الشركة وكنت أتمنى أن يكون حالها أفضل من ذلك لكننا بتنا نخسر شهراً بعد شهر”.

غير أنّ علي القرص الذي يبدو أنّه اطّلع على قانون العمل، ينتقد مزهر على “طرده الموظفين الأقدم في الشركة وترك الموظفين الجدد”. فالمادة 50 من قانون العمل الفقرة “واو” تنصّ على أنّ “على صاحب العمل أن يبلغ وزارة العمل والشؤون الاجتماعية رغبته في إنهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذه، وعليه أن يتشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء تراعى معه أقدمية العمل في المؤسسة واختصاصهم وأعمارهم ووضعهم العائلي والاجتماعي وأخيراً الوسائل اللازمة لإعادة استخدامهم”.

فعلي مثلاً هو مدير المبيعات في الشركة ورب أسرةٍ لثلاث أولاد والمعيل الوحيد لوالدته المسنّة، ويعمل في الشركة منذ حوالي 4 سنوات أيضاً، وبالتالي فإنّ الشركة لم تراع أيّاً من الشروط التي تنصّ عليها هذه المادة لدى صرفه.

بين حقوق العمال وأرباح الشركات

ليست “ديستريبيوشن سوليوشنز” أول شركة تصرف موظفين في الآونة الأخيرة أو تخفّض معاشاتهم بحجّة “الخسارة” خلال الأسابيع الماضية فقد سبقتها إلى ذلك شركات عديدة. وبحسب المادة 50 الفقرة “واو” من قانون العمل أيضاً فإنّه “يجوز لصاحب العمل إنهاء بعض أو كلّ عقود العمل الجارية في المؤسسة إذا اقتضت قوة قاهرة أو ظروف اقتصادية أو فنّية هذا الإنهاء كتقليص حجم المؤسسة أو استبدال نظام الإنتاج بآخر أو التوقف نهائياً عن العمل”. ويلفت سمّور إلى أنّ المفهوم السائد للخسارة لدى الشركات في لبنان هو “التراجع في حجم الأرباح التي اعتادت تسجيلها” وبالتالي فهذا لا يعدّ بالضرورة مبرراً قانونياً لفصلها موظّفين.

وفي هذا الإطار، يُشار إلى الدراسة التي أنجزتها المفكرة القانونية سنة 2019 حول أحكام مجالس العمل التحكيمية في بيروت وجبل لبنان سنة 2018، حيث يقتضي التنويه بأمرين أساسيين هما:

١- تشدد إجتهاد مجالس العمل التحكيمية على الطابع “الجوهري” لشرط إبلاغ وزارة العمل والتشاور معها قبل إنهاء عقود العمل لأسباب إقتصادية، وإلاّ يعتبر هذا الإنهاء بمثابة صرف تعسفي من الخدمة يتحمّل مسؤوليته صاحب العمل وفق أحكام الققرة (أ) من المادة 50 من قانون العمل. لا بل وقد أظهرت الدراسة أنّ الإجتهاد لم يكتف حتى بإعلان إفلاس بعض الشركات صاحبات العمل لإعتبار الصرف مبرراً، بحيث فرض في هذه الحالة أيضاً على الشركة المفلسة التقيّد بالشروط الشكلية المذكورة. فإعلان إفلاس صاحب العمل “لا يعفيه عن التعويض على [الأجير] عن فسخ عقد عمله وعن مهلة الإنذار طالما أنه لم يتقيد بشرط الفقرة (و) من المادة 50 عمل”.

٢- إصرار الإجتهاد على أنّه في حال لم توافق وزارة العمل على برنامج صاحب العمل لإنهاء بعض عقود العمل لديه (وهي تالياً لم تصدق على صحة أوضاعه الإقتصادية أو على درجة عُسرها لتبرير إنهاء العقود) وعدم التوصل مع الوزارة إلى إتفاق حول الوسائل اللازمة لإعادة إستخدام الأجراء المصروفين من الخدمة، فلا يحق لصاحب العمل أن يضع عملية الصرف قيد التنفيذ وإلاّ يكون في حالة مخالفة لمنطوق الفقرة (و) من المادة 50 المذكورة، وبالتالي يكون الصرف مستنداً إلى سبب غير صحيح ومن قبيل التجاوز أو الإساءة في إستعمال حق الفسخ. وقد ذهب الإجتهاد في عدة قرارات إلى التذكير بأن “نية المشترع تتعدى الإجراءت الشكلية إلى تقييد حرية صاحب العمل لمنعه من الإنفراد في عملية الصرف لدواعٍ إقتصادية تتعلق بكيفية عمل مؤسسته”.

وهنا تبرز الحاجة إلى نقابات فعّالة وحقيقية تحمي الموظفين والعمال وترفع وعيهم بحقوقهم. ووفقاً لسمّور “نحتاج إلى نقابات فعالة  قادرة على حماية العمال وتدفع باتجاه تعديل القوانين كي تكون مؤاتية لظروف العمال. أما العمل النقابي الحالي فيبقى وهمياً جراء قرار الحكومة، منذ التسعينيّات، بتفريغ النقابات وتحويلها إلى نقابات وهمية، فالعمل النقابي يحمي حقوق العمال ويدفع باتجاه سياسات اقتصادية أكثر عدالة وتوزيع أكثر عدالة للثروات”.

الشركة ترفع دعوى قدح وذمّ على أحد المصروفين

في حديثه إلى “المفكرة” اتهم محامي الشركة علي الصيّاد بأنّه شنّ حملة تشويه سمعة ضد الشركة من خلال منشورات ضدّها على صفحته على فيسبوك. واليوم الإثنين تبلّغ علي وزوجته رولا من غرفة الأمور المستعجلة في صيدا أوراق دعوى رفعتها شركة “ديستريبيوشن سوليوشنز” تطلب فيها من المحكمة إلزامهما بإزالة التدوينات المتعلقة بالشركة ودفع تعويض بقيمة 5 ملايين ليرة عن كل مخالفة يتم فيها التعرّض لسمعة المستدعية.

وفي وقائع الدعوى تلفت الشركة إلى أنّه “نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بكافة القطاعات في لبنان وتهدد باستمرارية المؤسسات التجارية والمتوسطة والصغيرة، الأمر الذي ينطبق على حالة المستدعية التي شهدت انخفاضاً مأساوياً في مداخيلها ومبيعاتها بحيث لم يعد بإمكانها تغطية الأعباء والمصاريف المترتّبة عليها”.

وتتابع أنّه “نظراً إلى ما تقدّم لم يبق أمام المستدعية سوى اتخاذ القرار مرغمة بالاستغناء عن خدمة عدد من العاملين لديها”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني