سميرة عزام تموت بعد أكثر من 6 ساعات على أبواب المستشفيات


2022-09-02    |   

سميرة عزام تموت بعد أكثر من 6 ساعات على أبواب المستشفيات

اختارت طالبة الطب، سميرة عزام (21 عاماً)، سنة ثالثة في الجامعة اللبناينة، أن تدرس المهنة التي تنقذ حياة الناس، لكنها لم تجد من ينقذ حياتها، فماتت في لبنان بتاريخ 25 أب 2022، فقط لأن عائلتها لم تكن تملك المال الكافي ولا العملة الصعبة (الدولار) لمعالجتها، وبالتالي إنقاذ حياتها لتكمل تخصصها وتصير الطبيبة التي تحلم. وعليه، حملت عائلة سميرة ابنتها ودارت بها على ثلاث مستشفيات إلى أن استسلمت عضلة قلبها المصابة بالتهاب، وقضت. واقع اختصره والد سميرة، كميل عزام، بالقول: “صرنا عايشين بمسلخ، ابنتنا ماتت نحن وعم ننقلها من مستشفى لمستشفى”.

بدأت مأساة موت سميرة وعدم توفير حقها بالعلاج نحو السادسة من عصر الخميس 25 أب 2022، حين رفضت المستشفى اللبناني الجامعي، الجعيتاوي، إدخالها غرفة العناية الفائقة قبل تأمين مبلغ 2000 دولار أمريكي. بعدها تمنعت مستشفى بعبدا الحكومي عن استقبالها بذريعة عدم وجود المعدات الطبية اللازمة، أما مستشفى رفيق الحريري الجامعي فتحججوا بعدم وجود أماكن شاغرة، أما مستشار وزير الصحة فقد وعد بالمساعدة وذهب ولم يعد، وفق ما أكدت عائلة سميرة للمفكرة.   

وزارة الصحة التي فتحت تحقيقاً بالحادثة، طلبت من عائلة عزام كتابة تقرير يتضمن تفاصيل الواقعة، وأكد مدير العناية الطبية فيها الدكتور جوزيف حلو، في اتصالٍ مع “المفكرة” أن الوزارة بصدد إجراء تحقيقٍ بالحادثة وأن تقريراً سيصدر عنها الأسبوع المقبل. بدورها، أصدرت مستشفى رفيق الحريري الجامعي بتاريخ 26-8-2022 بياناً، يناقض رواية العائلة، لتبرر فيه عدم استقبالها سميرة عزام. واعتبرت مستشفى الجعيتاوي، في إتصال مع “المفكرة”، أن الأزمة المالية تنطبق على جميع المستشفيات، وأن المبلغ التي طلبته ليس بكبير.

روايات مختلفة والضحية واحدة  

يفيد التقرير الصادر عن العائلة أنه في الأربعاء بتاريخ 24 -8-2022، استيقظت سميرة وهي تعاني من آلام في رقبتها وكتفيها، فاستدعت العائلة طبيباً إلى المنزل، وطلب نقلها إلى المستشفى لإجراء عدد من الصور والفحوصات.

 اختارت عائلة عزام نقل ابنتها إلى مستشفى الجعيتاوي نحو السادسة مساء، كون سميرة خضعت فيها لفترة تدريب كطالبة موفدة من الجامعة اللبنانية. هناك أجريت لها  الفحوص اللازمة، وظهر إصابتها بالتهاب على غشاء القلب، وقرابة  الساعة الثامنة والنصف مساءً، أبلغت الطبيبة المناوبة العائلة أنّه يتوجب  إدخالها إلى المستشفى لتلقّي العناية اللازمة، وعليه، طلب الموظف في الطوارئ  2500 دولار أميركي، كوديعة مالية ، ثم خفّضّها الى 2000 دولار امريكي، إلاّ ان المبلغ لم يكن متوفراً. وبحسب والد سميرة فان المستشفى رفضت إدخال سميرة إلى العناية قبل توفير المبلغ المطلوب، فقرر نقلها إلى مستشفى آخر.

 المسؤول الطبي في مستشفى الجعيتاوي، الدكتور ناجي ابي راشد، لم ينكر في إتصالٍ مع المفكرة، وجوب  تأمين المبلغ كشرط أساسي لإدخال سميرة العناية، محاولاً إلقاء اللوم على الأهل الذين بادروا “من تلقاء نفسهم ومن دون مناقشة” نقلها إلى مستشفى أخر، بعد أن وقعوا على ورقة تحملهم مسؤولية نقلها وإخراجها من الجعيتاوي. وقال أن المستشفى حذرت الأهل من وجود خطورة على حياتها، وبالتالي، وبحسب أبي راشد، فإن المستشفى “لا تتحمل المسؤولية”، من دون أن يفسر كيف ترفض مستشفى مريضة تتوقف حياتها على العلاج، فحاول والدها العاجز عن تأمين المبلغ إنقاذ ابنته عبر كسب الوقت على أمل إدخالها إلى مستشفى تستقبلها وتباشر بالعلاج. يقول والد سميرة “كان يفترض بالمستشفى إعطاء أولوية لحياة المريض على المال”، ولم تمنعه من الخروج من المستشفى عبر إعفائه من شرط دفع المبلغ مسبقاً. وبرر أبي راشد ذلك بحال البلاد والأزمة الإقتصادية ، معتبراً “أن المبلغ الذي طلبته الجعيتاوي قليل نسبة للمبالغ التي تطلبها بقية المستشفيات، وأن استقبال المستشفى لسميرة مجدداً هو خير دليل على حسن نيتها، في إشارة إلى أن الجعيتاوي استقبلتها بعد تأمين مبلغ 1000 دولار كدفعة أولى”.

ووفق تقرير العائلة، أنها، وبعد عجزها عن إدخال سميرة إلى مستشفى الجعيتاوي، لم يكن من حلّ أمامها سوى اللجوء إلى مستشفى حكومية فتوجّهوا بها الى مستشفى بعبدا الحكومي، حيث اعتذرت الطبيبة المناوبة عن إستقبالها لعدم امتلاك المعدّات المطلوبة، فتوجه الأهل الى مستشفى رفيق الحريري الجامعي.

في الحريري سميرة تختنق والموظف “روحوا تشكوا”

دخل والد سميرة برفقة أبناء عمتها إلى المستشفى، فيما أبقيت سميرة مع والدتها في السيارة. اطلعت الطبيبة المناوبة، يرافقها ثلاثة أطباء آخرين على التقارير الطبية، وطلبت منهم إدخال سميرة الى العناية، وبعد توجه الأهل إلى مكتب الدخول طلب منهم الموظف التكلّم مع الممرض المناوب في قسم الطوارئ، إلاّ أن الأخير رفض استقبال سميرة لعدم وجود أماكن شاغرة. وعلى الرغم من شرح دقة الحالة وخطورتها، أصر الموظف على عدم استقبالها، وفق العائلة. ولدى تعنت العائلة أكثر، قام الموظف باهانتهم وطلب المؤازرة الأمنية من عنصر الجيش المتواجد أمام الباب الذي أخرجهم من المستشفى، وقال لهم الموظف “روحوا على الإدارة تشكّوا”.

وفي اتصال لـ”المفكرة” مع كارلوس مسعد، إبن عمة سميرة  الذي كان برفقتها، شرح أنه خلال النقاش مع موظف الطوارئ كانت الطبيبة حاضرة، ولم تبادر إلى التدخل، ولم يتمكنوا من التواصل مع الإدارة في ساعة متأخرة من الليل. وحاول مسعد أن يشرح للموظف أن جميع الإجراءات الطبية في الطوارئ قد تم إنجازها في مستشفى الجعيتاوي، وأن الدخول إلى الطوارئ هو مجرد إجراء روتيني للعبور إلى العناية الفائقة، إلاّ أن الموظف بقي على رأيه.

ويفيد بيان مستشفى الحريري  أن الفريقُ الطبيّ في المستشفى الحريري ” طلب من والد الشّابة الإنتظار قليلاً الى حين إيجاد مكانٍ للمريضة داخل الطوارئ بسبب كثافة عدد المرضى، حيث تخطّت القدرة الإستيعابية لقسم الطوارئ، 32 مريضاً، إلاّ أن الوالد غضب، مقرراً مغادرةَ المستشفى”، الأمر الذي نفاه أقارب سميرة.

إدارة مستشفى الحريري أبلغت “المفكرة” أن المستشفى تلتزم بالبيان الصادر عنها، والذي تم وضعه من قبل لجنة قامت بإجراء تحقيق مع الموظفين وبعد الإطلاع على شريط كاميرات المراقبة الموجودة في المكان.

مستشار الوزير “عاجز” عن المساعدة

ويقول كارل مسعد،  إبن عمة سميرة لـ”المفكرة” انهم بعد عجزهم عن إدخالها إل مستشفى الحريري، تواصلوا مع مستشار وزير الصحة، نادر حبقة، الذي أكّد إزدحام الطوارئ في الحريري واعداً بمساعدتهم، لكن طال الإنتظار وساءت حال سميرة، فقرروا العودة إلى الجعيتاوي مجدداً بعدما وفق على استقبالها مقابل 1000 دولار على أن يُستكمل المبلغ المتبقي لاحقاً “أما المستشار حبقة فنسي أمر سميرة”، إلاّ أنه، بحسب أقاربها، “تأثر جداً في اليوم الثاني، عند انتشار خبر وفاتها”.

في قسم الطوارئ في الجعيتاوي حيث بقيت سميرة ووالدتها لغاية الساعة الثانية والنصف صباحاً ساءت حالها، ولم يتمكن الطاقم الطبي من إنقاذها، لتفارق الحياة عند الساعة السابعة والربع صباحاً.

وبحسب التقرير فإن العائلة لا تعلم حقيقة إذا تلقّت سميرة العناية اللازمة خلال الليل أو أن الإجراءات الطبيّة المتّخذة كانت كافية، وبرأيهم  “لو ذلّل العائق المادي الذي فرضته المستشفى لما كانت سميرة تنقّلت لأكثر من ست ساعات بالسيارة من مستشفى الى آخر وتدهورت حالتها”.

ويقول والد سميرة ، نقلاً عن والدتها، أن طبيب القلب لم يأت لمعاينتها في الجعيتاوي برغم خطورة حالتها، بل كان على تواصل مع الطبيبة المناوبة عبر الهاتف، وان المستشفى تعاملت معهم كمؤسسة تجارية، “مستشفى الجعيتاوي قالت علناً يا مندفع مصاري يا ما منفوت ع العناية”. من جهةً ثانيةً يشرح الأب كيف أن المستشفى أصرت على دفع تكاليف الفحوصات الأولية والصور بالدولار فقط، ولم يرض موظف الدخول تحويل دولار واحد إلى الليرة اللبنانية ، “طلع حساب الفحوصات حوالي 151 دولار، ما كان معنا دولار واحد (فوق ل 150 دولاراً) فقلنا للموظف خوذ لبناني قد سعر صرف الدولار، فلم يقبل، اضطرينا نروح نضيع وقت لنبرم مين معه دولار واحد”.

سميرة لن تكون الأخيرة التي ترحل بسبب عدم تأمين الحق بالعلاج، فمع كل حالة وفاة يضعنا الموت أمام الحقيقة القاسية أن سكان هذه البلاد من الفقراء ومحدودي الدخل وممن لا يملكون الدولار الفريش والوساطة الفعّالة باتوا فاقدين للحق في الحياة نفسها، وعن تأمين أدنى مقومات العيش الكريم وأدنى حدود الإحساس بالأمان.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، لبنان



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني