سعادة الشامي في حوار مع “المفكرة القانونية”: يجب توقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد قبل أيلول


2022-07-26    |   

سعادة الشامي في حوار مع “المفكرة القانونية”: يجب توقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد قبل أيلول

“تنفيذ أجندة صندوق النقد”، هي التهمة الأولى التي حملها نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي بمجرد تسميته إلى هذا المنصب. مسيرته المهنية المهنية أوحتْ بهذا الاتهام، هو الذي تنقّل بين صندوق النقد وتدريس الاقتصاد في الجامعة الأميركية والعمل في بنك الكويت الوطني، مروراً بالأمانة العامة لهيئة الأسواق المالية. كلها مراحل راكمتْ من خبرة رئيس الوفد اللبناني المفاوض مع صندوق النقد لكنها زادت من الأسئلة بشأن اختياره.

ربطاً بطرح اسمه في حكومة سعد الحريري، ثم لاحقاً في حكومة حسان دياب قبل تثبيت اسمه في حكومة نجيب ميقاتي، ثمة ما يوحي أن خيطاً واحداً يربط بين هذه التسميات. بمعنى آخر، هل ثمة من طرح اسم الشامي من الخارج أو الداخل؟ يجيب سريعاً: لا أعرف، انطلاقاً من أحداً لم يتواصل معه أو يبلغه بأمر من هذا القبيل. الأهمّ أنه يؤكد أنّ أحداً لم يتّصل به طيلة فترة تفاوضه مع صندوق النقد ناصحًا أو موجّهًا لا من الداخل ولا من الخارج. وهو لذلك يُصرّ على أن عمله يتسّم بالاستقلاليّة، وهي استقلاليّة يدعمها رئيس الحكومة، على ما يؤكّد. 

ملف التفاوض مع صندوق النقد هو الشغل الشاغل لسعادة. يدرك أن الطريق طويل وصعب، لكنه متأكد أن اللبنة الأولى للخروج من الأزمة هي الاتفاق النهائي مع الصندوق. يأمل أن يتمّ هذا الاتفاق في أيلول، لأنّه يخشى أن يطيّر الدخول في استحقاق الانتخابات الرئاسيّة، كل الاستحقاقات. 

لديه مجموعة من اللاءات التي لا يحيد عنها. أهمّها لا لتحميل عموم اللبنانيّين مسؤولية الأزمة التي تسبب بها بعضهم. بمعنى أوضح، هو يُعارض استعمال موجودات الدّولة لإطفاء خسائر المصارف ومصرف لبنان وكبار المُودعين. هذا لا يعني أنه يرفض كلّ ما يتعلق باستثمار هذه الموجودات بالمطلق، بل على العكس، يعتبر أنه من المفيد استثمارها في إطار من العدالة الاجتماعية من خلال تعزيز الرعاية الصحية والتعليم أو حتى لرفد الموازنة بالأموال التي تستعمل بشكل عادل. 

في المُقابل، يعتبر الشامي “صندوق التعافي” فكرة واعدة لاستثمار رأس مال المصارف والأسهم التي سيحصل عليها كبار المُودعين في المصارف من خلال الـBail in. مع ذلك، لم تتبلور الفكرة بشأنه، لكنه يجزم أنّ لا رابط بينه وبين الصّندوق السياديّ الذي تُسوّق له جمعيّة المصارف والمرفوض تماماً.

وهو إذ يؤكد أنّ الاّتفاق مع صندوق النقد ثابت ومستمرّ، يستغرب اعتبار الحديث عن تطوير الاتفاق أو تعديله بمثابة نسفٍ له. التطوير بديهي ويتعلّق بتوفّر المعلومات مع تقدّم الوقت. لكن ما لا يقبل التعديل بالنسبة إليه، هو تراتبية المسؤولية عن الخسائر. المصارف تتحمّل المسؤوليّة الأولى وكذلك مصرف لبنان، بعدها تأتي الدولة، لكن ليس من خلال موجوداتها بل من خلال الاكتتاب بسندات الخزينة، وبعدها يأتي كبار المُودعين. 

يقول الشامي إن لا مشكلة لديه مع الجمعية، بالرغم من أنها تهاجمه. على العكس، هو يتفهّم سعي المتضررين من الخطة لنسفها، لكنه يؤكد أنها ستكون في النهاية لمصلحة الجميع، ولمصلحة المصارف حتى. فهي الفرصة الوحيدة لإعادة عجلة العمل وإنقاذ البلد من الأزمة المتفاقمة، ولكي تعود المصارف إلى ممارسة وظيفتها الفعلية، أي إقراض القطاع الخاص وتحفيز الاقتصاد. 

يحذّر الشامي من الاستمرار في هدر الوقت. ويقول إنّ تأثير ذلك كارثيّ. وهذا يعني البدء فوراً بإنجاز الإجراءات المطلوبة من الصندوق تمهيداً للتّوقيع النهائيّ. لكنه يصرّ على التفاؤل، انطلاقاً من “أننا بلد صغير ونملُك طاقات بشرية كبيرة”. ولكي تكتمل عناصر التفاؤل، لا بدّ من وجود إرادة جامعة يمكن أن تنقذ البلد. لذلك من المهمّ إنجاز كل الإصلاحات المطلوبة سريعاً. وإذا سارت الأمور كلّها على ما يرام، يمكن أن نبدأ بتلمّس طريق الخروج من الأزمة خلال سنوات قليلة. 

فيما يلي نصّ المقابلة كاملًا مع الشامي:

المحور الأول: سعادة الشامي، دوره 

المفكرة القانونية: لمع اسمكم كاختصاصيّ من خارج القوى السياسية. كيف تعرّفون عن أنفسكم؟ وما هي السيرة التي خولتكم إشغال هذا المنصب؟ وهل أنّ تعيينكم كنائب رئيس حكومة كان مرتبطا بالتفاوض مع صندوق النّقد الدّولي. كيف تقيّمون اليوم عملكم في هذا الإطار؟ 

سعادة الشامي: نعم التعيين مرتبط بشكل أساسيّ بالدّور الذي يُفترض أن أؤدّيه بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي. أنا وافقت على التوزير من أجل أداء هذا الدور، الذي أعتقد أنه يمكنني أن أفيد بلدي من خلاله. وبشكل أدقّ، لو عُرض عليّ أي منصب وزاري آخر لما كنت وافقت. فهدفي ليس المنصب بحد ذاته، بل ما يمكنني أن أقدّمه من خلاله. وهذا لا يعني أنّني لم أدرك حجم الصعوبات التي يمكن أن تعترض طريقي. فالتحديات كبيرة نظراً للأزمة غير المسبوقة التي يشهدها لبنان وهي غير مسبوقة في التاريخ الحديث، لناحية شموليّة الانهيار وتعدّد أوجُهه، بشهادة الكثيرين. 

المفكرة القانونية: ما هي أهم العراقيل والعوائق التي واجهتكم من داخل الحكومة أو من خارجها؟ 

الشامي: بدأ الوفد المفاوض، الذي أترأسه ويضمّ وزير المالية ووزير الاقتصاد وحاكم مصرف لبنان (بالإضافة إلى مستشار رئيس الجمهورية الذي يحضر معظم الاجتماعات) فور حصول الحكومة على الثقة في أيلول 2021، وانتهت هذه المفاوضات في 7 نيسان 2022 بالاتفاق على مستوى الموظفين. ومع أن الخطّة أقرّت في 20 أيار الماضي، وهي آخر جلسة لمجلس الوزراء، حيث أشدّد على أن الخطة التي وُزّعت على الوزراء قبل ثلاثة أسابيع من إقرارها، لم تشهد معارضة جدّية من أي طرف حكوميّ. وحتى الذين تحفّظوا على الاتفاق أو عارضوه سهّلوا إقراره. نعم لقد اعترض بعض الوزراء وتحفّظ وزير واحد، إلا أنّ الخطة أقرّت. أعتقد أن الجميع وصلوا إلى قناعة أنه لا بدّ من هذا الاتفاق. علماً أنني أُؤكّد أن الصندوق ليس المُخلّص للبلد، لأن نجاح أي برنامج إصلاح اقتصادي يتعلّق بالدرجة الأولى بمدى جدية السلطات المحلية. ولكن الاتفاق مع الصندوق في الوقت الراهن هو المفتاح الوحيد لكل الأبواب التي تسمح بالخروج من الأزمة. وهذا ما يدركه الجميع. بشكل أدق، وحده الاتفاق مع الصندوق سيُشجّع الدول والمنظمات المختلفة على مساعدة لبنان، فهؤلاء يعتبرون أن الاتفاق مع الصندوق يشكل نوعاً من الضمانة لنجاح عملية الإصلاح ومن دونها لن يهتم أحد بمساعدتنا. 

المفكرة القانونية: تميّزتم عن سائر الوزراء والقوى السياسية في مواجهة جمعية المصارف. ما الذي فرض عليكم هذه المواجهة؟ وهل تجدون دعماً داخل الحكومة وتحديداً من رئيسها أو القوى السياسية الوازنة في هذه المواجهة؟ 

الشامي: في البداية أريد أن أؤكد أن القطاع المصرفي هو قطاع مهم جداً لأيّ نهوض اقتصادي وأنه ليس من أهدافي على الإطلاق مواجهة المصارف (وأنا أتيت من هذا القطاع). بل أن بعض أصحاب المصارف، وهم برأيي قلة، قرّروا مواجهتي لمجرد الاختلاف بالرأي تارة ببيانات موجّهة ضدّي بالشخصي وتارة من خلال بيانات من مصادر أخرى بالنيابة أو بالوكالة أو بواسطة بعض وسائل الإعلام. مع ذلك، من الطبيعي أن تشهد أي خطة بهذا الحجم ردود أفعال متفاوتة، لكني أؤكد على دعم رئيس الحكومة لكل ما تقوم به اللجنة. وأنا قبل وأثناء التفاوض، التقيت معظم القطاعات الاقتصادية واستمعتُ إلى آرائها. لكن في النهاية البلد في أزمة ضخمة وعلى صانعي القرار أن يتّخذوا القرارات المناسبة، وهي لا بدّ أن تشهد معارضين ومؤيدين. ومن هذا المنطلق، عارضتْ بعض المصارف الخطة مطالبة بتحميل الدولة كل الخسائر، بدلاً من تحميل أصحاب المصارف ومصرف لبنان المسؤولية الأولى من دون إغفال مسؤولية الحكومات التي تعاقبتْ على مرّ السنين. فلقد ناديتُ باحترام تراتبية المسؤوليات وهذا معيار عالمي يُعتمد في الحالات المشابهة ومتّفق عليه من الجميع، وقلت مراراً أنّه لا يمكنني أن أحيد عن هذا المبدأ. فلا يمكن أن تُخسِّر المُودعين قبل أن تُخسِّر أصحاب المصارف. وبالتالي، على الجميع أن يُدرك أن الهدف في النهاية هو مصلحة البلد، لا مصلحة فئة. الخسارة وقعتْ، ولكن المطلوب اليوم البحث عن سبل للإنقاذ. بشكل أدقّ، المطلوب من الجميع التضحيّة من أجل نهوض البلد مجدداً. وعندما أقول ذلك، لا أكون ضدّ القطاع المصرفي بل ضدّ سعي البعض للتنصّل من المسؤولية، علماً أن للمصارف مصلحة أساسيّة في إطلاق الخطة المالية، تمهيداً لعودة القطاع إلى الحياة. لكن ينتظر أن تعود هذه المرة إلى الحياة من خلال دوره الطبيعيّ المتمثّل في إقراض القطاع الخاص بدلاً من الدول والبنك المركزيّ. وهذا لا يعني أن الدولة لا يجب أن تتحمل مسؤولية، لكن إمكاناتها محدودة، والخسارة مقدّرة ب 72 مليار دولار، أي ما يقارب الناتج المحلي الإجمالي ضرب 3.5 مرات. ولذلك، هي ستشارك في تحمّل الخسائر بالقدر الممكن. 

المفكرة القانونية: من برأيِكم يتحمل مسؤولية الأزمة المالية الحاصلة؟ وهل هي الجهات نفسها التي تسببت بالأزمة هي التي تعيق الوصول إلى الحلول؟ 

الشامي: نعم السلطة السياسية تتحمل مسؤولية كل السياسيات الخاطئة التي أدّت إلى الأزمة. وهي تتحمّل أيضاً مسؤولية الفساد المُستشري في كل مفاصل الدولة. لكن في الوقت نفسه أنا لست قاضياً حتى أحاكم من هم السبب. أنا عليّ أن أعمل على تحضير خطّة للخروج من الأزمة بالمعطيات والظروف المتوفّرة، إلا إذا كان لدى أحد أيّ خطة بديلة. نعم، أنا لا أستغرب أن يعمل من تسبّب بالأزمة لعرقلة الخروج منها، حتى لو كان ذلك على حساب مصلحتهم. ففي النهاية، المطلوب أن يبقى البلد، وللجميع مصلحة في ذلك. وأعتقد أن الأغلبية وصلتْ إلى نتيجة مفادها أن لا خيار سوى التعاون مع صندوق النقد الدولي للخروج من الأزمة. 

المحور الثاني: الخطّة الماليّة؟  

المفكّرة القانونية: أقرّيتم الخطة الماليّة التي تُشكّل الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء قبل الانتخابات النيابية. هل لا تزال الخطة قائمة، في ظل رفضها من قبل المصارف وما يسمّى الهيئات الاقتصادية. والأهمّ، هل ما تزال قائمة في ظلّ دعوة رئيس الحكومة للنّواب، في اجتماع لجنة المال والموازنة بتاريخ 30 حزيران 2022، إلى نسيان الخطّة؟ وهل تؤثّر التعديلات المطروحة على مضمون الاتفاق المبدئي والإصلاحات المطلوبة، ولماذا لم ترسل التعديلات إلى اللجنة حتى اليوم؟  

الشامي: الخطة قائمة طبعاً، وليس هناك من خطة جديدة. رئيس الحكومة لم يدعُ إلى نسيان الخطة، لكنه عرض بعض الأفكار التي يتمّ التداول بها، وذلك من قبل تطوير بعض الخطوط العريضة التي رسمتْها هذه الخطة. وهذا أمر طبيعي. فالخطّة ليست مقدّسة وهي ستخضع للتطوير المستمرّ، تبعاً لتطوّر المعطيات المرافقة مع مرور الوقت. على سبيل المثال، عندما نتحدّث عن إصلاح القطاع المالي والمصرفي وعن إعادة الملاءة للمصرف المركزي، فمن البديهي أن يُصار لاحقاً إلى درس الآليات والتفاصيل المتعلّقة بهذا الأمر. وهذا تتناوله المحادثات حالياً، استعداداً لمرحلة التوقيع النهائي. لكن مهما طرأ على الخطة من تطوير في أوقات لاحقة، فهي لن تحيد عن الركائز التي تعتمد عليها، وأبرزها: 

  • السياسة المالية يجب أن تكون سياسة سليمة ومتأنّية، بحيث يكون العجز مضبوطُا على المدى المتوسّط بما لا يؤدّي إلى زيادة الدين. 
  • عدم المسّ بالنفقات الاجتماعية، من صحة وتعليم ومحاربة فقر وغيرها، إضافة إلى التأكيد على ضرورة الإنفاق على البنية التحتيّة المتهالكة. 
  • إصلاح مؤسسات القطاع العام، ولاسيما قطاع الكهرباء.
  • الحوكمة ومحاربة الفساد.
  • توحيد أسعار الصرف، وإعادة الاعتبار إلى الهدف الأساسي من السياسات النقدية، أي استقرار الأسعار ولجم التضخّم.
  • إصلاح القطاع المصرفي وحماية ما أمكن من الودائع. والخطة تقضي بحماية نحو 88% من المودعين (الودائع التي تقلّ عن 100 ألف دولار وأول 100 ألف دولار من الودائع التي تتخطى هذا المبلغ). ونحن في صدد البحث عن كيفية حماية ال 12% الباقين من المودعين.

المفكرة القانونية: ما هي قابلية تنفيذ الخطّة بما يتّصل بحقوق المودعين وبخاصة لجهة ضمان تسديد 100 ألف دولار من ودائعهم، والتي يتخطّى مجموعُها 40 مليار دولار، فيما كل موجودات المصرف المركزي مع الذهب لا تزيد عن 28 مليار دولار؟ 

الشامي: حسب تقديراتنا، فإنّ كلفة تغطيّة الـ100 ألف دولار هي حوالي 28 مليار دولار من الودائع. وهذا يفترض أن يتمّ من خلال الوقت. وطبعاً لا نتحدث عن دفعها دفعة واحدة، فلا يوجد قطاع مصرفي، حتى ولو كان سليماً، قادر على تسديد هذا المبلغ دفعة واحد وهذا مرتبط بقانون الكابيتول كونترول الذي يُفترض أن يُنظّم السحوبات والتحويلات، والأهمّ أنّ وجود خطّة مُترافقة مع الإصلاحات المطلوبة سيسمح بإعادة الثقة. وعندها لن يكون هنالك حاجة لسحب كل الودائع، خاصة إذا اقترن ذلك مع دفع فوائد معقولة.  

المفكرة القانونية: كيف سيتمّ تغطية الخسائر التي تقدّرونها ب 72 مليار دولار؟

الشامي: يُفترض أن تُساهم الدولة بنحو 2.5 مليار دولار عبر سندات خزينة توضع لدى مصرف لبنان. ويُساهم مصرف لبنان ب 5 مليار دولار حددت على أنها رأسماله وبعض أصوله، فيما تدفع المصارف رأسمالها المقدّر حالياً ب 12 مليار دولار. أما بالنّسبة للخسائر المتبقيّة، فإننا ما نزال نعمل على إيجاد الحلول المطلوبة ومن ضمنها تحويل قسم من الودائع الكبيرة إلى مساهمة في المصارف.

المفكرة القانونية: يُعاب على الخطّة ابتعادها عن أمور أساسيّة مثل الاهتمام بالتنميّة الاجتماعيّة ككل، والتركيز على دعم الفئات الأكثر فقراً، هل هذا التوجّه مُرتبط بعقيدة صندوق النقد، التي تتعامل مع الأرقام من دون دراسة تأثيرها على المجتمع؟

الشامي: نحن في الاتفاق مع صندوق النقد نركزّ على وضع الأسس لتعافي الاقتصاد، وبالتالي المطلوب تأمين استقرار ماكرو اقتصادي كقاعدة للتعافي، لأنه، على سبيل المثال، لا يمكن الحديث عن نموّ في ظلّ استمرار التضخّم، ولا يمكن الحديث عن تفعيل الاستثمار من دون استقرار. وتأكيداً على أن التنمية المجتمعية والاقتصادية هي أساس عملنا، أشرْنا إلى ذلك في مقدمة مذكرة التفاهم بوضوح، لناحية السعي إلى تأمين بيئة مشجّعة على النمو وعلى تعزيز الاقتصاد.

المفكرة القانونية: ذكر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي صندوق التعافي الذي يُفترض أن يُؤخذ بعين الاعتبار في الخطة المعدّلة. وقد رأى البعض أنّ هذا الصّندوق هو مرادف للصّندوق السياديّ، هل تؤكّدون هذا التوجه؟ ومن سيتحمل مسؤولية هذه الخسائر في حال العمل به؟ 

الشامي: صندوق التعافي لم يتبلور بعد، وحتى الآن هو مجرد فكرة غير نهائيّة. لكنه في مُطلق الأحوال، ليس بديلاً للصندوق السيادي غير الموجود أصلاً. فأنا أؤكد أن الصندوق السيادي الذي يُطالب به البعض هي فكرة ممكنة لإدارة أصول الدولة بطريقة فعالة ولكن ليس للتعويض على المصارف. فهي من هذه الناحية فكرة غير واقعيّة لأن الهوّة كبيرة جداً بالمقارنة مع موجودات الدولة. فحتى لو تمّ استثمار هذه الموجودات ووضع عائداتها في صندوق، فإنها لن تأتي بأكثر من مليار دولار سنوياً. وثانياً لأنها فكرة غير عادلة، فمن خلالها تستثمر أموال كل اللبنانيين لتغطية خسائر جزء منهم. فإذا أردت أن تستثمر موجودات الدولة بشكل عادل، يجب أن تذهب عائداتها إلى الموازنة، بحيث يتم استثمارها لتطوير قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية وتحسين الأجور، بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية من خلالها. أما صندوق التعافي الذي ندرسه، فهي مسألة أخرى لا علاقة لها بأملاك الدولة لا من قريب ولا من بعيد. فالفكرة أن تتمّ تغذيته من أصول القطاع المصرفي، ومن الودائع التي تفوق 100 ألف دولار، وتحويل بعض الودائع إلى أسهم في المصارف (Bail in). كما يمكن تغذيته من الفائض الأولي في الميزانية إذا تخطّى هذا الفائض 2% من الناتج المحلي (يذهب منها 50% إلى الصندوق)، شرط وجود نموّ لا يقلّ عن 3%، وبما لا يتعارض مع استدامة الدين.

المفكرة القانونية: لكن لماذا يتم التركيز دائماً على أولوية استدامة الدين، بدلاً من أن تكون إطفاؤه؟

الشامي: مسألة استدامة الدين هي مسألة أساسية في حياة الدول، فهذه الاستدامة تعني أن الدولة قادرة على الاستمرار في خدمة الدين دون اللجوء إلى إجراءات قاسية وموجعة للناس. فعلى سبيل المثال، إذا أرادت دولة ما أن تخدم ديونها لن يكون ذلك ممكناً من دون إجراءات من قبيل التوقف عن دفع الرواتب لأنه لا يوجد أيّ مجتمع قادر على تحمّل هذه التّبعات  يكون التوجّه إلى ضمان قدرة الحكومات على تسديد خدمة الدين، وهو ما يسمّى باستدامة الدين.

المفكرة القانونية: كان هنالك بحث في إمكانية حسم الفوائد المرتفعة التي حصل عليها بعض المُودعين، إضافة إلى إعادة الأموال التي حُوّلت بعد الأزمة من الليرة إلى الدولار وإلى الليرة مجدداً، لماذا لم يؤخذ هذا الأمر بعين الاعتبار؟ 

هذا لأمر لم تتضمنه الخطّة لأن مصرف لبنان أكد، في البداية، وجود صعوبة في إحصاء هذه الأموال وتقديرها، لكننا مع ذلك لا نزال ندرس إمكانية تطبيقها، وهذه الخطوة يمكن أن تُخفّض الخسائر بشكل ملحوظ.

المفكرة القانونية: أعلن حاكم مصرف لبنان مؤخراً عن كمية الذهب الموجودة لدى مصرف لبنان. هل لديكم معطيات تجزم بصحة هذه الأرقام؟ 

الشامي: لا معطيات لدي عن صحة الأرقام أو عدمها، لكن ما أعرفه أنه يتم حالياً التدقيق بالأصول الأجنبية في مصرف لبنان يجري الآن ونحن بانتظار نتيجة التدقيق. 

المحور الثالث: ورشة الإصلاحات التشريعية

المفكّرة القانونية: بالعودة إلى الاتفاق المبدئيّ مع صندوق النقد الدولي، ما الذي تحقّق منه؟ وما هي المطالب التي يفترض بلبنان تنفيذها قبل الحصول على موافقة مجلس إدارة الصندوق؟ 

الشامي: ثمة إجراءات مطلوبة من عدد من الجهات، وهذه الجهات هي: المجلس النيابي، مجلس الوزراء، مصرف لبنان، والمصارف. بالنسبة للحكومة، فقد أنجزت ما عليها، أما فيما خص مجلس النواب فهناك مشاريع قوانين السرية المصرفية والموازنة والكابيتال كونترول، ونعمل على إنجاز مشروع قانون هيكلة المصارف وإحالته إلى المجلس قريباً… والمطلوب أيضاً من مصرف لبنان توحيد سعر الصرف وإجراء التدقيق بالأموال الأجنبية، فيما يفترض تقييم  أكبر 14 مصرفاً من قبل شركات تدقيق دولية موثوقة .

المفكرة القانونية: خلال عمل اللجنة الفرعية للجنة المال والموازنة على اقتراح السرية المصرفية، لحظنا مسعى لتفريغ الاقتراح من مضمونه من خلال فرض عدم رجعية القانون. ما الذي أفشل هذه المحاولة؟ وهل كان للصندوق موقف حاسم في هذا الشأن؟ هل تخشون تكرار هذه المحاولة قبل تصويت البرلمان على القانون؟ 

الشامي: من الصعب تمرير القانون من دون مفعول رجعي على الحسابات التي يتم التحقيق بها، لأن ذلك يعني عدم فعالية القانون. أنا على الصعيد الشخصي لا أؤيّد التعديل الذي حصل في مسألة الحسابات والخزائن المرقّمة، بحيث أبقت اللجنة على هذه الخدمة التي لم تعد موجودة في أغلب دول العالم. وأعتقد أن الصندوق لن يوافق على هكذا تعديل ولكن سيناقش هذا القانون في الهيئة العامة وتُحسم وجهته.  

المفكرة القانونية: كيف تفسّرون الاستعجال في اقتراح السرية المصرفية في الولاية الجديدة مقابل تراجع الحديث عن الكابيتال كونترول الذي هو الآخر أحد بنود الاتفاق المبدئي؟ وهل تأخير الاقتراح يتصل بأمور لم تحسم بعد في المفاوضات مع الصندوق؟ 

الشامي: فيما يتعلق بقانون الكابيتال كونترول، لا أعرف سبب تأخيره، علماً أن اللجان المشتركة سبق أن طلبت ملاحظات صندوق النقد على الاقتراح الذي سبق أن قُدّم. ولكن نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب أطلق مجموعة من اللقاءات والاجتماعات مع مختلف القطاعات للوقوف على رأيها في سعي منه للوصول إلى اتفاق على المشروع. 

المفكرة القانونية: ما الذي يُعيق وفق رأيكم إقرار مشروع الموازنة لسنة 2022 التي انقضى أكثر من نصفها؟ وهل تؤيدون رفض لجنة المال إقرارها، قبل توحيد أسعار الصرف المحددة فيها؟ وهل صحيح أن وزارة المالية سلّمت اللجنة هذه الأرقام، وما هو السعر الموحد؟

الشامي: بشأن الموازنة، فإن للجنة المال الحقّ أن تطلب توضيحات أو استفسارات من وزارة المالية. أما بالنسبة لسعر الصرف، فقد حُدّد على أساس 20 ألفاً للدولار عند إعداد الموازنة، لكن ليس ضرورياً أن يُطبق على جميع بنود الموازنة بالنسبة نفسها وهذا أمر طبيعي. أولاً، لا بدّ من الفصل بين سعر الصرف في البلد والموازنة، وهذا يحدث بشكل دائم في الدول التي لديها سعر صرف متحرّك. فطبيعة النفقات تختلف. وبالتالي من الطبيعي أن لا يُعتمد سعر صرف موحّد للنفقات. على سبيل المثال، إذا كان هناك نفقات بالدولار، فمن الطبيعي أن ترتفع تلك النفقات بشكل أكبر. علماً أن العجز المُحدّد في الموازنة والمقدّر ب10 آلاف مليار ليرة، سيمول من مصادر خارجية، بمعنى أنه سيكون ممنوعاً على مصرف لبنان أن يموّل عجز الموازنة. ولذلك يجب إيجاد موارد إضافية لأي زيادة في النفقات حتى نحافظ على العجز المتفق عليه. أما بالنسبة لرد وزارة المالية، فما أعرفه أنها سلمت اللجنة التوضيحات المطلوبة. 

المفكرة القانونية: أين أصبح مشروع قانون هيكلية المصارف؟ وما هي الإشكاليات الأساسية حوله؟ وهل تعتبر أن إعادة هيكلة القطاع المصرفي يجب أن تشمل مصرف لبنان أيضاً؟ 

الشامي: حكماً مصرف لبنان مشمول بإعادة الهيكلة. لم ننته بعد من المشروع، لدقة هذا الموضوع وصعوبته، فهو مؤلف من شقين تقني وقانوني وتعديل القوانين التي تحكم عمل المصارف، علماً أن مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف تعمل على هذا القانون بالتعاون مع صندوق النقد ويُفترص أن ننجز الأمر في أسرع وقت ممكن. وأكثر من ذلك يُفترض أن نُنجز كل الإجراءات المسبقة المطلوبة من صندوق النقد قبل أيلول لكي نتمكن من توقيع الاتفاق النهائي قبل الدخول في فترة الانتخابات الرئاسية. 

المحور الرابع: خلاصة  

المفكرة القانونية: بصراحة، ما هي توقّعاتكم بشأن إمكانية الخروج من الأزمة؟ وما هي العوامل التي قد تسهم في ذلك أو تعيق تحقيقه؟ 

الشامي: أعتقد أنه يوجد إمكانية جدّية للخروج من الأزمة. فنحن في النهاية بلد صغير ونملك طاقات بشرية كبيرة. وبالرغم من أن الفجوة كبيرة، إلا أن وجود إرادة جامعة يمكن أن تنقذ البلد. لكن المشكلة الأساس أن الوقت ثمنه مرتفع جداً، وقد خسرنا ما فيه الكفاية. لذلك من المهم إنجاز كلّ الإصلاحات المطلوبة. فالعمل الفعلي يُفترض أن يبدأ بعد توقيع الاتفاق النهائي. وإذا سارتْ الأمور كلها على ما يرام، يمكن أن نبدأ بتلمّس طريق الخروج من الأزمة خلال فترة قصيرة حتى ولو كان الانتهاء من تداعياتها قد يحتاج إلى سنوات. 

المفكرة القانونية: كلمة أخيرة؟ 

الشامي: أعمل بكل جهد ومهنية لإنجاز الاتّفاق وإخراج البلد من أزمته. أعمل كذلك وفق قناعاتي وبشكل مستقلّ. هذا ممكن إن وجدت الإرادة السياسيّة الجامعة. كما أؤكّد أن لا خطّة مثاليّة في المطلق، ولا يمكن لأيّ خطة أن تنال الإجماع، لكن في نهاية المطاف على أصحاب القرار اتخاذ القرار والسير به، وليتحمّل كل منا مسؤولية أفعاله.

انشر المقال

متوفر من خلال:

البرلمان ، أحزاب سياسية ، مصارف ، منظمات دولية ، تشريعات وقوانين ، قرارات إدارية ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني