ديوان المحاسبة يُوثّق الهدر في قطاع الاتصالات (2): أوجيرو نموذج لهدر المال بلا محاسبة


2022-04-15    |   

ديوان المحاسبة يُوثّق الهدر في قطاع الاتصالات (2): أوجيرو نموذج لهدر المال بلا محاسبة
المصدر: من صفحة أوجيرو - فيسبوك

أصدر ديوان المحاسبة تقريرا شاملا أعدّته الغرفة الرابعة (رئاسة القاضية نيللي أبي يونس وعضوية المستشارتيْن نجوى الخوري ورانية اللقيس) عن شبهات الهدر والفساد في قطاع الاتصالات. صحيح أن أغلب المعلومات سبق أن كُشفت في أوقات سابقة، لاسيما في لجنة الاتصالات النيابية وفي الديوان نفسه أو في التفتيش المركزي أو في هيئة الاستشارات والتشريع، إلا أن التقرير يُشكّل أشمل دليل إدانة للقيّمين على قطاع لطالما وُصف بأنه نفط لبنان، ليتبيّن أنه شكّل بئر نفط لكثير من المسؤولين والنافذين المرضي عنهم سياسياً. نشرنا في حلقة أولى مقالا حول شبهات الفساد في قطاع الخلوي. نتناول في هذا المقال الهدر الحاصل في مؤسسة أوجيرو والهيئة الناظمة للقطاع (المحرر).  

إضافة إلى تناوله قطاع الخلوي تفصيلياً، تطرّق تقرير ديوان المحاسبة حول قطاع الاتصالات إلى الهيئة الناظمة للقطاع وإلى هيئة أوجيرو. ولم يكن مفاجئاً أن يتضمن التقرير توثيقاً لعشرات المخالفات المرتكبة من إدارة أجيرو ومن وزارة الاتصالات. كما استعاد استشارات وقرارات سابقة صدرتْ عن مرجعيات رقابية عديدة بشأن أوجيرو. وقد أجمعتْ على وجود مخالفات تشكّل هدراً للمال العام. وفيما لم تتحرّك أيّ جهة لضبط هذه المخالفات أو معاقبة مرتكبيها، يأتي تقرير الديوان ليعيد تسليط الضوء على المخالفات المرتكبة، ولا سيما الجزائية منها، داعية الجهات المعنية، قضائية وإدارية، إلى تحمّل مسؤولية اتخاذ الخطوات اللازمة لوقف التمادي في المخالفة ومعاقبة المسؤولين عنها. ولذلك، أحاط الديوان مجلس النواب علماً بالمخالفات المرتكبة من قبل وزراء الاتصالات المتعاقبين، لاسيما بعد العام 2012. وأبلغ النيابة العامة التمييزية والنيابة العامة لدى الديوان بالمخالفات المثارة ضمن التقرير والتي “يقتضي في حال ثبوتها الادعاء بها أمام المحاكم المختصة”. كما دعا وزارة الاتصالات إلى التقيّد بالتوصيات الواردة في متن التقرير.

يعيد الديوان التأكيد في تقريره الصادر في 4/5/2021، على أنّ الإنفاق في أوجيرو جرى خارج الأطر التعاقدية خلال الأعوام 2017، 2018، 2019 و2020. واعتبر أنّ العمل ضمن إطار تعاقدي كان ليؤدي إلى الحفاظ على الربح المتراكم لدى هيئة أوجيرو خلال أكثر من 10 سنوات والبالغ 160 مليون د.أ. كما خلص إلى أن ذلك استتبعه مخالفات قانونية عديدة، منها:

  • تنفيذ الأعمال من دون لجان استلام ومن دون مراقبة ديوان المحاسبة السابقة أو المؤخرة ومن دون علم مراقب عقد النفقات لدى وزارة الاتصالات ومن دون علم كل من المحتسب المركزي ورئيس دائرة المحاسبة في وزارة الاتصالات، ومن دون ظهور هذه النفقات في قيود وزارة الاتصالات أو قيود وزارة المالية.
  • الإنفاق خارج نطاق تسيير المرفق العام (تغيير لوغو أوجيرو وشراء سيارات جديدة، وتغيير نظام الفوترة، وتوقيع عقود استشارية، إضافة إلى إجراء دراسات لإعادة الهيكلة وتوظيف 800 مياوم، وغيرها من النفقات التي لا تدخل ضمن مقتضى المهام المطلوب تنفيذها من قبل الهيئة).
  • استفادة المدير العام ومديري أوجيرو من سلسلة رتب ورواتب جديدة خلال العام 2012 خلافاً لمرسوم زيادة غلاء المعيشة رقم 2012/7232.
  • الاستمرار بالتوظيف وتوقيع عقود المستشارين خلافاً للمادة 21 من القانون رقم 2017/46 تاريخ 2017/8/21 التي تمنع جميع حالات التوظيف والتعاقد إلا بقرار من مجلس الوزراء بناء على تحقيق تجريه إدارة الأبحاث والتوجيه.
  • تمّت غالبية عقود المستشارين مع موظفين في وزارة الاتصالات أو في هيئة اوجيرو سبق أن أحيلوا إلى التقاعد مما يشكل مخالفة لأحكام المادة 68 من نظام الموظفين التي تحظّر التعاقد مع الموظف المتقاعد أو استخدامه في أية إدارة عامة أو مؤسسة عامة أو بلدية.
  • التعاقد مع أحد عضويْ الهيئة لديها بصفة مستشار مما جعله يتقاضى راتبيْن بشكل مخالف للقوانين والأنظمة النافذة. كما تعاقدتْ مع ابنه بصفة مستشار أيضاً مع ما يثيره هذا الأمر من شكوك حول الزبائنية وسوء استغلال السلطة.

وذكّر التقرير بالمخالفات المثارة من قبل هيئة التشريع والاستشارات والنيابة العامة المالية والنيابة العامة لدى ديوان المحاسبة والتفتيش المالي في التفتيش المركزي، والتي لم يتم القيام بأي إجراء بشأنها.

هيئة الاستشارات: مخالفات جزائية

بتاريخ 2019/1/30، تقدّمت وزارة الاتصالات بكتاب طلبتْ بموجبه الى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل إبداء رأيها بمشروع عقد مصالحة منظّم مع هيئة أوجيرو لغاية دفع مبلغ بقيمة 108 مليارات ليرة يُمثّل كلفة الأعمال التي نُفّذت من قبل هيئة أوجيرو خلال عام 2017. وأرفقت الوزارة طلبها بجدول مفصّل للنفقات. وبنتيجة دراستها لمشروع عقد المصالحة والمستندات المرفقة به ظهر لهيئة التشريع والاستشارات أن المبلغ موضوع المصالحة يتناقض مع المبلغ الوارد في مشروع عقد سابق كان قد عُرِض على الهيئة وقيمته 176 مليار ليرة، فطلبت الهيئة بتاريخ 2019/2/19 إيداعها كامل الفواتير المُثبتة للنفقات. وبعد ورودها بتاريخ 2019/7/4 واستئناف دراستها، أصدرت هيئة التشريع والاستشارات الاستشارة رقم 2019/917 بتاريخ 2019/10/8 بعدم الموافقة على السير بمشروع عقد المصالحة بعدما تكشف لها الكثير من التفاصيل التي تنمّ عن مخالفات وتجاوزات وفقاً للآتي:

  • عدم مبادرة مدير عام هيئة أوجيرو إلى طلب توقيع عقد الصيانة طيلة عام 2017 ليتم عرضه على رقابة ديوان المحاسبة وفقاً للأصول، ثم انتظاره تسعة أشهر ليطلب توقيع عقد مصالحة قيمته 176.6 مليار ليرة لبنانية.
  • حوالي 68 مليار ليرة هو الفارق بين قيمة مشروع العقد المعروض على هيئة التشريع والاستشارات في شهر تشرين الثاني 2017، وذلك المعروض في شهر كانون الثاني 2019 (108 مليار ليرة)، وذلك عن الأعمال عينها التي نفّذتها هيئة أوجيرو لصالح وزارة الاتصالات خلال عام 2017. الأمر الذي أثار لدى هيئة التشريع والاستشارات التساؤل عما إذا كانت هذه المبالغ ومبالغ إضافية أخرى قد تمّ إنفاقها بالفعل ولم يتمّ تضمينها مشروع عقد المصالحة، أو جرى ترحيلها بشكل غير قانونيّ إلى عام 2018.
  • إنفاق هيئة أوجيرو للأموال النقدية المتوفّرة لديها لتنفيذ الأشغال خارج أية أحكام تعاقدية ترعى هذا الإنفاق. ما طرح تساؤلاً حول مصادر التمويل التي لجأت إليها للإنفاق على الأشغال خلال عام 2017 ومدى قانونية اللجوء إلى هذه المصادر، خاصةً أن وزارة الاتصالات لم تؤمّن هكذا موارد حسبما ينصّ عليه النظام المالي لهيئة أوجيرو.
  • إيفاد المدير العام لهيئة أوجيرو موظفي الهيئة خلال عام 2017 في 93 مهمة إلى خارج البلاد، بكلفة إجمالية قاربت 400 مليون ليرة (بالرغم من أن هذه الرحلات لا يُفترض أن تكون جزءاً من مهمة تسيير المرفق العام ). إضافة إلى تضمين مشروع عقد المصالحة مبلغاً بقيمة مليار و247 مليون ليرة (خلافاً لمبدأ تسيير المرفق العام)، صُرف على رعاية المؤتمرات والنشاطات الاجتماعيّة والرياضيّة والإعلانيّة، وعلى متابعة مواقع التواصل الاجتماعي (الخدمات التسويقية مع النادي الرياضي في بيروت، دعم النشاط الرياضي في ساحة ساسين في الأشرفية، رعاية نشاطات مؤسسة منى بسترس في الأشرفية، إعلانات في مجلة الهديل، رعاية مهرجانات صيدا، إعلانات في مجلة رانيا، رعاية بطولة الاستقلال في لعبة الميني فوتبول، ودعم الجناح اللبناني في معرض برشلونة خلال عام 2017).
  • إنفاق مليار ليرة على عقود خدمات استشارية لـ12 شخصاً خلال عام 2017. وقد تبيّن أن أغلب ما دُفع لهؤلاء يزيد عن مستحقاتهم الفعلية لذلك العام.
  • إنفاق 218 مليون ليرة على شراء مفروشات وموكيت وتجهيزات مكتبية وآلات تصوير لزوم مكتب الوزير. وجميع هذه النفقات متعلقة بأشغال تخرج عن طبيعة الأعمال التي يقتضي بأوجيرو القيام بها وفق ما يُستفاد من غاية إنشائها، ومن العقد الذي يرعى علاقتها مع وزارة الاتصالات الذي تمّ توقيعه واعتماده خلال عام 2016، والذي كان من المفترض أن يتم اعتماده خلال عام 2017.
  • إبرام عقود المشتريات وعقود الصيانة والتركيب والإنشاء بالتراضي مع المورّدين والمتعهّدين تخطّت قيمتها 70 مليار ليرة من دون الحصول على موافقة وزارة الاتصالات المسبقة عليها كما ينص على ذلك العقد الموقّع بين هيئة أوجيرو والوزارة عام 2016 والذي ينبغي احترام شروطه ومواده. كما لم يحصل أي استلام عند تنفيذها بموجب محاضر استلام يتمّ إعدادها من قبل لجان استلام يشكّلها وزير الاتّصالات بموجب قرارات تصدر عنه، والاكتفاء باستلامها من قبل مُستخدم واحد من أوجيرو، كما حصل في أكثر من مشروع (الألياف الضوئية المنفّذ من قبل CET، عقود صيانة أجهزة التكييف في مركز رأس بيروت…).

بالنتيجة، لم تكتفِ هيئة التشريع والاستشارات بعدم الموافقة على السير بمشروع عقد المصالحة بل دعت إلى إحالة الملف مع مرفقاته كاملةً إلى النيابة العامة المالية وإلى هيئة التفتيش المركزي لإجراء المقتضى الذي تراه كل منهما ضرورياً في ضوء ما تضمنته الاستشارة.

النيابة العامة المالية: مكانك راوحْ

في نهاية العام 2018، وضعت النيابة العامة المالية يدها على الملف المتعلّق بـ “مخالفات مالية في أوجيرو”، نتيجة إخباريْن، الأول تقدّم به وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد بشأن ما تردّد حينها قيام هيئة أوجيرو بإنفاق الأموال المتراكمة في حساب الهيئة والبالغة 160 مليون دولار على أعمال ضخمة ومكلفة جداً لمصلحة وزارة الاتصالات طيلة العامين 2017 و2018، من دون توقيع أي عقد وخارج أي تمويل، ودون الاستحصال على موافقة مجلس الوزراء، ودون حجز اعتماد وحتى دون وجود اعتمادات محددة ودقيقة في موازنتها، الأمر المخالف للنظام المالي لهيئة أوجيرو، ويمكن اعتباره اختلاساً لأموال الهيئة يحاسب عليه المسؤولون من مالهم الخاص. والإخبار الثاني يتعلق باحتمال فقدان مبالغ كبيرة من صندوق تعويضات نهاية الخدمة العائد للعاملين والمستخدمين في أوجيرو، والذي بلغ رصيده 900 مليون ليرة، في حين أنه من المفترض ألا يقلّ هذا المبلغ عن مائة مليار ليرة.

بنتيجة التحقيقات التي أجراها المدعي العام المالي مع مديرعام هيئة أوجيرو والمدير المالي في الهيئة طلب إليهما تزويده بمعلومات إضافية ومستندات عن المسألتين لمتابعة التحقيق. ولا يزال الملف عالقاً.

نيابة الديوان تدّعي على إدارة أوجيرو

على أثر تنظيم عقد اتفاق رضائي بين وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو للعام 2019، باشرتْ النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة تحقيقاً بالملف بعدما تبيّن لها ارتكاب العديد من المخالفات المالية، وقد ذكرتها في كتابها الموجه الى ديوان المحاسبة رقم 64 تاريخ 2020/6/8، أبرزها:

  • الإنفاق من قبل هيئة أوجيرو يتمّ على أساس موازنة للهيئة غير مُصادق عليها من قبل وزارة المالية بالنسبة للعام 2019 وللأعوام السابقة، وذلك خلافاً لأحكام المادة 5 من القانون رقم 72/21 تاريخ 1972/12/27 (قانون إنشاء هيئة أوجيرو) التي أوجبتْ مصادقة وزيريْ الوصاية والمالية على الموازنة كي تصبح نافذة، والمادة التاسعة من النظام المالي للهيئة التي نصّتْ على أن: “يعرض الرئيس مشروع الموازنة العادية ومشاريع الموازنات الملحقة على وزير الوصاية ووزير المالية قبل اليوم الأخير من شهر آب للتصديق”.
  • عدم تقيّد هيئة أوجيرو بالإنفاق على أساس القاعدة الإثني عشرية التي تفرض عدم اللجوء إليها لأكثر من شهر واحد، في ظل عدم إعداد موازنتها وفقاً للأصول ليصار إلى تصديقها من قبل وزارتي الوصاية والمالية كي تصبح نافذة، الأمر الذي يُشكل مخالفة لأحكام المادة 31 من النظام المالي للهيئة التي نصّت على أن “يتم الانفاق من الموازنة العادية قبل تصديقها على أساس القاعدة الإثني عشرية وعلى أساس الاعتمادات الدائمة المرصدة في موازنة السنة السابقة على أن يؤخذ بعين الاعتبار ما أُضيف إليها وما أُسقط منها من اعتمادات دائمة”.
  • عدم تنفيذ النفقات من قبل هيئة أوجيرو وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة، حيث يتبيّن من الاطلاع على نفقات الهيئة الحاصلة خلال العام 2019 أنها تمّت بأغلبيتها بموجب اتفاقات رضائية خلافاً للنظام المالي الذي يوجب إجراءها بطريقة المناقصة أو استدراج العروض فيما خلا بعض الحالات الواردة ذكرها بصورة حصرية في المادة 86 من النظام المالي.
  • عدم اقتران العديد من المعاملات الآيلة إلى عقد النفقات قبل تصديقها بتأشير رئيس جهاز الرقابة الداخلية الذي يتولى رقابة عقد النفقات لدى الهيئة، الأمر الذي يشكّل مخالفة لأحكام المادة 33 من النظام المالي للهيئة التي نصّت على أن “تقترن كل معاملة تؤول إلى عقد نفقة قبل تصديقها بتأشير رئيس جهاز الرقابة الداخلية”. وتبيّن أيضاً أنّ معاملات كثيرة يُصار إلى عرضها على مراقب عقد النفقات على سبيل التسوية بعد أن يُصار إلى تنفيذها وذلك من دون وجود أي مبرر لذلك.
  • تنفيذ هيئة أوجيرو لنفقات خلال العام 2019 من دون وجود عقد موقّع مع وزارة الاتصالات موافق عليه مسبقا من قبل ديوان المحاسبة، وذلك من دون أن يتبيّن أنّها تمّت بغية تأمين استمرارية عمل مرفق الاتصالات التزاماً بالكتاب الصادر عن وزير الاتصالات في حينه بتاريخ 2019/1/15 والذي يطلب بموجبه إلى الهيئة الاستمرار بتنفيذ الأعمال وفق شروط العقد المنظم للعام 2016، الأمر الذي تسبّب بالهدر والخسارة في الأموال العمومية.

وبنتيجة التحقيق، إدّعت النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة على المدير العام لهيئة أوجيرو وعلى عضويْ مجلس الإدارة أمام الديوان؛ كما أحالت إلى النيابة العامة التمييزية مجموعة من المخالفات الإدارية والجزائية.

التفتيش المالي: توظيف غبّ الطلب

ركّز التقرير الصادر عن التفتيش المالي في التفتيش المركزي على المخالفات المرتبطة بمسألة التوظيف في الهيئة، إذ تبيّن له، بعد الاطلاع على جداول المياومين الذين التحقوا بالعمل في هيئة أوجيرو خلال العامين 2017 و2018، ما يلي:

  • بلغ عدد المياومين 225 مياوماً في العام 2017 وقد تم توظيف 378 مياوما آخر في العام 2018، أي ما مجموعه 603 مياومين. وقد جاء هذا التوظيف مخالفاً للمادة 21 من قانون موازنة 2017.
  • تمّت عقود المستشارين الذين تعاقدت معهم هيئة أوجيرو والبالغ عددهم 30 عقدا (21 عقد جديد و9 عقود مجددة) من دون أيّ اعتبار للمؤهّلات التي يتمتّعون بها وبشكل مخالف للمادة 21 من القانون رقم 2017/46. وقد تبيّن أنّ غالبية العقود المجدّدة قد تمّت مع موظّفين في وزارة الاتصالات أو في هيئة أوجيرو سبق أن أحيلوا إلى التقاعد مما يشكل مخالفة لأحكام المادة 68 من نظام الموظفين.

رئيس أوجيرو: راتب فلكي

في العام 2017، تمّ تعيين رئيس مدير عام جديد لهيئة اوجيرو بموجب المرسوم رقم 63 تاريخ 2017/1/24 دون أن يتطرّق هذا المرسوم إلى راتب المدير العام وتعويضاته. وبناء على طلب المديرية المالية تحديد أساس راتب المدير العام، قام وزير الاتصالات جمال الجرّاح بإبلاغ هيئة أوجيرو بما يلي: “لما كان آخر تحديد لمعاش وتعويضات رئيس/ مدير عام هيئة اوجيرو قد صدر في العام 2000 حيث كان الحدّ الأدنى للأجور 300 ألف ليرة. وحيث أن الحدّ الأدنى اليوم أصبح 675 ألف ليرة وإذا طبقنا المعادلة الثلاثية يصبح معاش الرئيس / المدير العام تسعة ملايين. وعليه نطلب إليكم اعتماد مبلغ تسعة ملايين ليرة كأساس راتب وتطبيق كافة العلاوات وفقاً لهذا الأساس”. جاء هذا الطلب بموجب إحالة كتبتْ على ورقة غير رسمية من وزير الاتصالات ومن دون صدور مرسوم بالزيادة يعدّل المرسوم السابق.

وقد تقاضى المدير العام خلال الفترة نفسها تعويضاً عن أعمال إضافية بمعدل 200 ساعة عمل إضافي شهرياً كان قد اعتمدها وزير الاتصالات قبل صدور القانون رقم 2017/46 خلافاً للأصول والنصوص التي ترعى التّكليف بالعمل الإضافي.

وبالعودة إلى جداول رواتب المدير العام من أيلول 2017 إلى أيار 2018، تبيّن للمفتّش الماليّ أنّ المدير العام لهيئة أوجيرو قد تقاضى تعويض اختصاص كونه يحمل شهادة ماجستير في إدارة الأعمال بنسبة 42% من أساس راتبه وتقاضى تعويضات عن أعمال إضافية بمعدّل 276,9% من أساس راتبه أو 188% من مجموع راتبه مع تعويض الاختصاص، مع العلم أن تعويض الاختصاص يُعطى للفنيين.

وقد تبيّن أيضاً أنه تقاضى منحة إنتاج أو الشهر 14 بقيمة 15 مليون و975 ألف ليرة لبنانية ما يشكل 177,5% من أساس راتبه المحدد من قبل وزير الاتصالات خلافاً للمرسوم 2000/3157 أو %125 من مجموع راتبه مع تعويض الاختصاص.

مع الإشارة إلى أن كل هذه الأرقام تلك تعود للرواتب قبل زيادة الأربع درجات التي أقرتها هيئة أوجيرو، بحيث أصبح الراتب الشهري المعدّل للمدير العام 11 مليون و799 ألف ليرة وبدل الاختصاص 4 مليون و955 ألف ليرة.

كما تبيّن أن الراتب الشهري لرئيس هيئة أوجيرو بعد تطبيق التدرج الاستثنائي واحتساب التعويضات الإضافية التي يتقاضاها بلغ 48 مليون و366 ألف ليرة، يُضاف إليها منحة إنتاج بقيمة شهر واحد تدفع كل ستة أشهر.

كذلك سجل التفتيش أن رئيس هيئة أوجيرو يتقاضى شهرياً إضافة الى راتبه المحدّد من قبل الوزير خلافاً للمرسوم رقم 3157/2000 مخصصاته كتعويض مجلس إدارة موازٍ تماماً للمخصصات الواردة في المرسوم المذكور مع زيادات غلاء المعيشة التي طرأت عليه قانوناً فيكون بالتالي يتقاضى راتبيْن من المصدر ذاته وهو أمر مخالف للقانون.

ولم يفتْ المفتّش المالي الإشارة إلى أنّ مدير عام الاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات، الذي يُفترض أن يكون مشرفاً على أعمال أوجيرو، يتقاضى، بموجب قرار وزير الاتصالات القاضي بإلحاقه بهيئة اوجيرو، بدل الأعمال والمهام الإضافية التي يقوم بها خارج أوقات الدوام الرسمي لإنجاز المشاريع الجديدة تعويضاً بقيمة تسعة ملايين ليرة لبنانية شهرياً تدفع له سلفاً بداية كل شهر من هيئة أوجيرو.

الهيئة المنظّمة: هدر أموال بلا مقابل

أنيط بالهيئة المنظمة للاتصالات مهمة تنظيم وتطوير قطاع الاتصالات. وقد بدأ عملها في العام 2007، لكنها توقّفت نهائياً عن العمل في العام 2015، مع العلم أن فترة ولاية أعضائها انتهت في العام 2012 من دون أن يتمّ تشكيل هيئة جديدة. وبسبب عدم إنشاء شركة اتصالات لبنان وفقاً للمادة 44 من قانون الاتصالات، أصبحت الهيئة من دون صلاحيات وبحكم هيئة تصريف أعمال.

ولذلك، في حين كان يُنتظر منها أن تُسهم بشكل كبير في الحدّ وضبط الهدر في قطاع الاتصالات وخسارة الدولة لأموال طائلة، أصبحت في السنوات الأخيرة عبءاً على الدولة إذ اقتصرت موازنتها على الرواتب والأجور وبعض النفقات الإدارية (5 مليار ليرة من أصل 6 مليارات في العام 2020). لكن مع ذلك، يُلاحظ ديوان المحاسبة وجود سلفات خزينة (58.5 مليار ليرة) ومساهمات (26 مليار ليرة)، بقيمة إجمالية بلغت 84.5 مليار ليرة بين العامين 2010 و2020، بالرغم من وجود وفر متراكم في حساب الهيئة الناظمة بقيمة 31.2 مليار ليرة وكان من المفترض أن تستعمل هذا الوفر لتسد جزءاً من سلفات الخزينة.

وخلص تقرير الديوان إلى وجود معوّقات حالت دون ممارسة الهيئة الناظمة للاتّصالات لصلاحياتها كاملة. وبما أنّ القانون رقم 2002/431 في المادة الرابعة منه قد جعلها تتمتّع بشخصية معنوية ومنحها الاستقلاليْن المالي والإداري لكي تقوم بالمهام المنوطة بها، وفي المادة الحادية عشرة منه، في الفقرة (2) من البند ثانياً، نصّ على تمويل الهيئة استثنائياً ولمدة أقصاها سنتان من تاريخ تأسيسها، عن طريق مساهمات تخصص لها في الموازنة العامة على أن تمول جميع أعمال الهيئة وتكاليفها بعد انتهاء فترة السنتين من مصادر عدة مذكورة في الفقرة (1) منها: البدلات التي تستوفيها عن طلبات الترخيص، الرسوم التي تستوفيها من المشغلين، نسبة مئوية تحدد من رسوم استخدام الترددات اللاسلكية… إلا أن الهيئة ومنذ تعيين أول مجلس إدارة لها في العام 2007، لم تمنح الاستقلال الإداري ولا المالي، وبالتالي لم تتمكّن من استيفاء الرسوم والبدلات المنصوص عنها في قانون الاتصالات وبقي تمويلها على عاتق الدولة اللبنانية. كما لم يقابل إنشاء الهيئة تأسيس شركة اتصالات لبنان. لذلك، كانت الهيئة الناظمة ولا زالت غير فاعلة وغير مجدية.

وأمام هذه المعطيات، اعتبر الديوان أنه بات لزاماً على الدولة اللبنانية المضي في اتخاذ الخطوات الإصلاحية اللازمة لتفعيل قطاع الاتصالات بدءاً بإنشاء شركة اتصالات لبنان وصولاً الى استكمال تطبيق قانون الاتصالات بكافة مندرجاته.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سلطات إدارية ، مؤسسات عامة ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني