دعاوى “دولرة” الأقساط: مماطلة قضائية تخدم الجامعتين الأميركية واللبنانية الأميركية


2022-03-10    |   

دعاوى “دولرة” الأقساط: مماطلة قضائية تخدم الجامعتين الأميركية واللبنانية الأميركية
المصدر: من صفحة كريم صفي الدين، فيسبوك

تمارس الجامعتان الأميركية في بيروت واللبنانية الأميركية سياستي ترهيب وترغيب في معركتها ضد الطلاب المتمرّدين على قرار “دولرة” الأقساط واحتساب سعر صرفها على 3900 ليرة للدولار الأميركي. فتارةً، تغريهم بزيادة نسب المنح الدراسية. وطوراً، تهددهم بحجبهم عن المنصة التعليمية لمتابعة المحاضرات وحرمانهم من إجراء الامتحانات. ومع مماطلة القضاء في البتّ في دعاوى إثبات صحة عرض وإيداع الرسوم الدراسية على سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة للدولار الأميركي) لدى الكاتب العدل، “تخلّى 122 طالباً في الجامعتين عن الدعوى وقرروا أن يرتاحوا من المعركة الطويلة، فيما بقي 37 طالباً في الميدان يواجهون الضغوطات”، بحسب المحامي جاد طعمة، من اللجنة القانونية في المرصد الشعبي لمكافحة الفساد التي تكفّلت الدفاع عن الطلاب. وقد وصل التعسّف بالجامعة اللبنانية الأميركية إلى حدّ حرمان الطلاب الذي رفعوا دعاوى ضدها من التسجيل في المقررات في فصلي خريف 2021 وربيع 2022. 

كان يفترض صدور الحكم في القضية الجمعة 4 آذار الماضي، إلّا أنّه أُرجئ على إثر قرار القاضيتين رولا عبد الله وسالي الخوري استجواب 37  من الطلاب المدّعين، وسوف تتم الاستجوابات في الفترة الممتدة بين 12 و30 أيار المقبل. هذا القرار “غير المفهوم” يؤدي إلى تأخير صدور الحكم، ما “يصبّ في مصلحة الجامعتين اللتين تراهنان على استنزاف طاقة الطلاب مع الوقت للوصول إلى صفر دعاوى”، كما يرى طعمة. ويتحدث عن “سيناريوهين” للحكم النهائي: “إماّ يعتبر الدفع لدى الكاتب العدل صحيحاً ويبرّئ ذمّة الطلاب فيستمرّون في الدفع على سعر صرف 1500 حتى التخرّج أو العكس فيجبر الطلاب على تسديد الأقساط منذ صدور قرار “دولرتها” على سعر صرف 3900″. أما قرار الجامعة اللبنانية الأميركية حرمان الطلاب المدعين من التسجيل ومتابعة دروسهم فلن يكون قابلاً للجبر لأن الطلاب خسروا فصلين دراسيين لا يمكن تعويضهم.

وتحصل هذه “المجزرة التعليمية” على مرأى وزارة التربية والتعليم العالي التي تتقاعس عن تأدية دورها في حماية الحق في التعليم، والمجلس النيابي الذي، بدلاً من التصدي للزيادات العشوائية في الرسوم التعليمية، “تصدّى رئيسه نبيه بري ونائب رئيسه إيلي الفرزلي والنائبة بهية الحريري لمشروع قانون الدولار الطالبي للطلاب في الجامعات الخاصة داخل لبنان أسوة بالطلاب اللبنانيين في الخارج الذي قدمه النائب إيهاب حمادة”. وصحيح أن اكتساح قوى التغيير تمثيل المجلس الطلابي في الجامعتين سهّل خوض المعركة ضد “دولرة” الأقساط. لكن هذه المعركة، برأي طعمة، “فرضت على الطلاب لتأديبهم نتيجة خيارهم الانتخابي الذي أخرج أحزاب السلطة من المجلس ودعم الأندية العلمانية والمستقلين”. 

المجلس الطلابي: “لم يستشيرونا في الزيادة”

في الثامن من شهر كانون الأول عام 2020، أعلن رئيس الجامعة الأميركية في بيروت فضلو خوري “تعديل سعر صرف الرسوم الدراسية من أجل الاستمرار المالي للجامعة بعد أن كبرت الهوة بين عائدات الرسوم الدراسية التي تتلقاها الجامعة بالليرة اللبنانية وبين النفقات التي يتوجّب عليها دفعها بالدولار، وحدد سعر صرف الدولار الواحد 3900 ليرة لبنانية”، كما جاء في البيان الذي صدر عنه. وجاء في البيان إنّ “القرار اتّخذ بعد نقاش مكثف مع مجلس الأمناء والمعنيين والهيئة الطلابية”. إلّا أنّ النادي العلماني في الجامعة سرعان ما رد على القرار في بيان رفض فيه “جعل الطلاب يدفعون تكلفة الأزمة الاقتصادية”. وفي حديث مع “المفكرة”، يؤكد رئيس النادي جاد هاني أنّ “الزيادة على الأقساط طرحت خلال اجتماع شكلي مع المجلس الطلابي، وطلبنا كناد علماني يمثل الطلاب في الجامعة استمهالنا أسبوعاً لدراسة القرار والتفكير في حلّ يخفف أثر هذه الزيادة على الطلاب، إلّا أنّ الجامعة أصدرت قرارها في اليوم التالي مدّعية موافقتنا عليه”. ويقول طعمة في هذا الصدد “يقرّ مجلس التعليم العالي في وزارة التربية بوجوب الاجتماع بالمجلس الطلابي قبل اتخاذ قرار كهذا والنظر في رأيه علماً أنّه لن يؤثر على القرار. لكن الجامعة أخبرت المجلس أنّها متعثّرة مادياً لذا سترفع الأقساط من دون استشارتهم في الحلول ووضع موازنتها بين أيديهم لتقدّم الحجج بالأرقام”.

بعد يوم واحد من إصدار الجامعة الأميركية في بيروت قرارها، حذت الجامعة اللبنانية الأميركية حذوها وحددت أقساطها على سعر صرف 3900 ولم تقف عند هذا الحد بل أصدرت في شباط الماضي قراراً باستيفاء 35% من الرسوم على سعر صرف 8000 ليرة و65% على سعر صرف 3900. “كل هذا يحصل من دون استشارة المجلس الطالبي ومشاركتهم بالقرار قبل صدوره”، كما يقول رئيس النادي العلماني في الجامعة كريم صلاح الدين يضيف: “نجهل دوافع هذه الزيادات وما إذا كانت عشوائية أم ملحّة”.  

اللجوء إلى القضاء: “آخر خرطوشة”

بعد قرار الزيادة في كانون الأول من العام 2020 حاول الطلاب بجميع الطرق التصدي للقرار بدءاً بالتفاوض مع إدارة الجامعتين، ثمّ بالتظاهرات والاعتصامات والإضرابات، وبعد استشارة اللجنة القانونية في المرصد الشعبي لمكافحة الفساد قرروا استعمال آخر “خرطوشة” وهي المسار القضائي. 

عرضت اللجنة على الطلاب تسديد الرسوم الدراسية من خلال عرض ويداع لدى الكاتب العدل على السعر الرسمي للدولار (1500 ليرة) لإلزام الجامعة القبض كما كان سابقاً، وهذا ما فعله الطلاب في بداية شهر شباط من العام 2021. فردّت الجامعة الأميركية على تمرّد الطلاب برسائل إلكترونية تقول فيها: إن “3 آذار 2021 سيكون الموعد النهائي لتسديد الأقساط للفصل الدراسي الثاني وفق سعر 3900. وأي تخلّف عن الدفع بعد هذا التاريخ سيعرّض الطالب لإلغاء مقرّراته والفصل من الجامعة ومنعه من الوصول إلى المنصة التعليمية لمتابعة محاضراته عن بعد وحرمانه من إجراء الامتحانات”. ورفضت استلام الأقساط بالسعر الرسمي من الكاتب العدل معتبرة كأنّها لم تسدد. 

رفعت اللجنة القانونية في المرصد دعاوى إثبات صحة عرض وإيداع الأقساط لدى الكاتب العدل في آذار 2021، وذلك “استناداً إلى قانون أصول المحاكمات المدنية في الفصل الذي يتعلق بالعرض والإيداع والذي ينص على أنه في حال اختلف الطرفان يمكن للمدين (الطلاب في هذه الحالة) أن يسددوا الرسوم لدى الكاتب العدل، ويمكن للدائن (الجامعة في هذه الحالة) الرفض. عندها يرفع المدين دعوى إثبات صحة إيداع وعرض”، ويشرح طعمة أنّ “فحوى الدعوى احتساب الدولار على سعر صرف 3900 ليرة وعدم الالتزام بالسعر الرسمي 1500 ليرة”. 

“قامت كلّ من الجامعتين عندها باستقدام 50 مليون دولار من الخارج لزيادة نسب المنح الدراسية مقابل سحب الطلاب الدعاوى، لكن بعض الطلاب تنبّهوا إلى أنّ طلب المنحة يخضع لنظام معقّد وضعته الجامعتان يحرم كثيرين من الاستفادة منها من جهة، ويمارس الاستنسابية في المنح فيمكن لطالب أن يحصل على 20% منحة دراسية على الأقساط وآخر 80% من دون معرفة السبب”.

واجه الطلاب المدّعون، ولا يزالون، الضغوطات من قبل إدارة الجامعتين، ما دفع النادي العلماني في الجامعة الأميركية إلى إنشاء شبكة أمان “لتشجيع من لا يقدر على الدفع وفق سعر 3900 ليرة على الإيداع لدى الكاتب العدل حتى يستمر في التعليم”، بحسب هاني الذي يتحدث أكثر عن هذه الضغوطات: “صارت الإدارة تبعث رسائل إلكترونية لمن قام بإيداع الأقساط لدى الكاتب العدل تضعهم في خانة المتخلفين عن الدفع وتهددهم بحجبهم عن المنصة التعليمية إذا ما دفعوا الأقساط كما حددتها”. وطالت الضغوطات بشكل كبير منظمي التظاهرات من شبكة أمان وطلاب آخرين، “إذ جرى استدعائي إلى المجلس التأديبي للجامعة بذريعة التحريض على الإدارة وتعريض حياة الطلاب للخطر خلال التظاهرات، علماً أن الجامعة هي من استدعت القوى الأمنية الذين تعرضوا لنا بالضرب. كما استدعي الطالب كريم صفي الدين إلى التحقيق بحجة ضرب أحد عناصر الجيش بالحجارة وإيذائه وهذا ما استغلته الإدارة وضخمته”، كما يقول هاني. 

القضاء يغيّر توجّهه 

في بداية المعركة القضائية بين الجامعتين والطلاب المدّعين، بدا القضاء مهتماً بالقضية، وأظهر إنصافاً تجاه الطلاب من خلال قراراته. ففي 23 شباط عام 2021 تقدم طعمة بدعوى أمام القضاء المستعجل في بيروت للرد على رسالة إدارة الجامعية الأميركية واستصدار قرار قضائي يلزم الجامعة بالرجوع عن أي إجراء يمكن اتخاذه بحق الطلاب المدّعين. بعد ثلاثة أيام حكمت قاضية الأمور المستعجلة في بيروت ماري كريستين عيد لصالح الطلاب ومنعت شطب أي طالب إلى حين صدور قرار المحكمة تحت طائلة غرامة إكراهية بحقها. 

إلى ذلك، “يسجّل للقضاء عقده 19 جلسة في حزيران 2021 رغم إضراب نقابة المحامين من أجل التوصّل إلى حل وسطي بين الطلاب والجامعة اللبنانية الأميركية. نتج عن الجلسات تسوية قضائية تسمح للطلاب بالتسجيل في فصل صيف 2021 وحصول 50 إلى 70 بالمئة منهم على مساعدات مالية تعدّل الفرق بين سعري صرف 1500 و3900″، وفق طعمة. 

فجأة، انقلبت الجامعة اللبنانية الأميركية على الاتفاق و”أخذت قرارا جائرا بحجب الطلّاب المدّعين عن المنصة التعليمية وبالتالي حرمانهم من التسجيل في خريف 2021 وربيع 2022 بحجة التخلف عن الدفع، من دون أن يحرك القضاء ساكنا”. وهكذا طرد الطلاب من دون صدور قرار صريح بطردهم. وهذا ما “يرفضه النادي العلماني في الجامعة ويراه لا يليق بالمبادئ التي تتغنى بها الجامعة لا سيما مبدأ عدم تهميش الطلاب”، بحسب صلاح الدين. يذكر أن الجامعة نفسها قامت في صيف 2021 بـ “ليلرة” الأقساط فعدلت التعميم وحددت زيادات بالليرة اللبنانية، ما يسميه طعمة “مناورة قانونية على الإجراء القضائي مهدت لإقصاء الطلاب”. وكانت ضربة كبيرة للطلاب دفعتهم لإجراء المصالحات مع إدارة الجامعة، “فوافق 72 طالباً من أصل 74 على سحب الدعوى مقابل حصولهم على مساعدات مالية. فيما تحارب إلى اليوم طالبة عراقية من أجل الدفاع عن الحق، فتخسر فصولاً دراسية لتربح الدعوى وتحصل على إفادة بعلاماتها تمكنها من الانتقال إلى جامعة أخرى، وطالبة ثانية تخرجت في ربيع 2021 تحارب لتحصل على شهادة التخرج والعلامات للبحث عن وظيفة”. 

يلفت طعمة إلى أنّ “الجامعتين مستمرتان بمنع الطلاب من الحصول على المستندات التعليمية التي يحتاجونها رغم صدور قرار عن قاضي الأمور المستعجلة في السابع من تشرين الأول عام 2021 يقضي بتسليمهم إياها. وقد طلبنا تمديد القرار من دون أن تلتزم الجامعتان تنفيذه. وعندما طلبنا التمديد ثانية طلب القضاء المستعجل مراجعة محكمة الأساس لإثبات صحة القسط المدفوع لفصل الربيع 2021 حصرا، ثم طلب عدم إزعاجه عند كل فصل دراسي والتوجه إلى محكمة الأساس للطعن في النظام الداخلي للجامعتين”. 

المماطلة تضرّ بالطلاب

لم تحرم الجامعة الأميركية طلابها من التسجيل كما فعلت الجامعة اللبنانية الأميركية لكنها حرمتهم من بعض الخدمات على المنصة التعليمية ومن المستندات التي يحتاجونها. وجرّاء المماطلة في إصدار الحكم النهائي تراجع عدد الدعاوى المرفوعة ضد الجامعة من 85 إلى 35. “فقد نفذ صبر الطلاب وفضلوا الاستدانة لتسديد الرسوم الدراسية على تحمّل الضغوطات التي مورست عليهم وتضليلهم بأنّه هناك أجندات سياسية تنفذ في الجامعة لإفلاسها وتسكيرها”، بحسب هاني الذي يرى أنّ “الجامعة خططت لذلك ونجحت بفعل تقاعس القضاء عن أخذ القرار النهائي بالقضية”.

ويتوقّع طعمة أن يتراجع عدد الدعاوى أكثر بفعل الاستمرار في المماطلة والتأخير في إصدار الحكم. ففي 4 آذار الماضي صدر عن القاضي المنفرد المالي في بيروت في محكمة الأساس رولا عبد الله وسالي الخوري قراراً “غير مفهوم”، وفق طعمة، يقضي باستجواب الطلاب الـ 37 المتقدمين بدعاوى إثبات صحة عرض وإيداع الأقساط على سعر صرف 1500 للدولار لدى الكاتب العدل. “ما هو الشيء الغامض الذي يستدعي استجواب الطلاب”؟ يسأل طعمة مستنكراً. 

“ستمتدّ فترة الاستجواب من 12 أيار إلى 30 منه، ونتوقع إمهال الجامعتين فترة للتعليق عليه. وهنا نكون أمام احتمالين: إما إصدار الحكم النهائي في تموز المقبل أو إرجائه إلى ما بعد العطلة القضائية في شهر تموز وعندها نكون أمام الطامة الكبرى”. كيف يضرّ التأجيل بالطلاب؟ يجيب: “الطلاب يمرون بأوضاع نفسية صعبة نتيجة التواجد في الجامعة التي يخوضون صراعاً معها لذا يشعرون أنّهم غير مرغوبين ومحاربون، ويتعرّضون وأهاليهم إلى ضغوطات مستمرّة آخرها حجب أربعة منهم عن المنصة التعليمية وكانت الجامعة بصدد حجب المزيد قبل أن يتدخل المجلس الطلابي ويتفق مع الإدارة على تعليق القرار”.  

يرى طعمة أنّ “القضاء الذي يتباطأ في إصدار أحكامه هو قضاء غير عادل”. ويستشهد بالقرار الذي صدر في السادس من آب عام 2021 عن القاضية الخوري بإلزام الجامعة الأميركية  منح الطالبة ياسمين أبو جودة إفادة نجاح وإفادة بعلاماتها لاستعمالها أمام الجامعات الفرنسية. “رغم صدور القرار لمصلحتها لكنها سددت ما طلبته الجامعة خوفاً من أن يداهمها الوقت في الفترة التي تتبلّغ فيها الجامعة فتعترض ثم تستأنف وهكذا قد تتأخر على التسجيل في الجامعة الفرنسية”. ولأنه يرتاب بالبطء في إصدار الأحكام القضائية، ينصح طعمة الطلاب في الجامعة العربية وجامعة القديس يوسف الذين يستشيرونه لرفع دعوى على جامعتهم على خلفية زيادة الأقساط “بدقّ باب وزارة التربية وليس القضاء”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، سلطات إدارية ، قرارات إدارية ، الحق في التعليم ، لبنان ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني