خواطر قاض يمني أمام الجمع العام للقضاة في مصر: “أما نحن فنصمت والمنتدى يبقى اطارا ميتا”


2012-12-06    |   

خواطر قاض يمني أمام الجمع العام للقضاة في مصر: “أما نحن فنصمت والمنتدى يبقى اطارا ميتا”

عبد الوهاب قطران
تابعت مؤتمر نادي قضاة مصر الذي انعقد يوم السبت 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 في دار القضاء العالي بوسط القاهرة، وحضره ما يربو على سبعة آلاف قاضيا، في ظل تشويش متعمد على القنوات الفضائية التي تبث وقائع المؤتمر، وبحضور نقيب المحامين سامح عاشور، وعدد من رجال القانون والسياسة.  ولفتتني بشكل خاص كلمة مقتضبة للمستشارة الجبالي دحضت فيها مقولة "أن القاضي يجب أن يلتزم الصمت في حين أن القانون يذبح"، ف"القاضي يلتزم الصمت في القضايا المعروضة أمامه فقط فيما من العار السكوت عندما يرى القاضي القانون والقضاء يذبحان". فضلا عن مطالبات باستقالة وزير العدل، وبمنع النائب العام من حضور الجمعيات العمومية للقضاة.
وفي موازاة مشاعر الاعتزاز بتماسك القضاء المصري وقدرته من خلال اتحاده على مجابهة المرجعيات السياسية (وله ألف تحية)، لم أستطع كقاض يمني الا مقارنة أوضاع هذا القضاء بأوضاع القضاء اليمني. فأين نحن منهم؟ وأين منتدى القضاة في اليمن من دينامية نادي قضاة مصر؟
فوزير العدل اليمني أصولي ايديولوجي فرضه أحد الجنرالات السابقين، وقد أثرى ثراء فاحشا، وهو ما يزال يمارس اليوم في قطاع العدالة شتى أنواع الاقصاء والتهميش، لكل الذين لا يدورون في فلكه وفلك حزبه، ولا يجد حرجا في العبث بموازنة القضاء وصرف الاعتمادات والموازنات على الأهل والمقربين من حزبه وشلته. كما تستمر الممارسات الآيلة الى تعيين مخبرين في مفاصل القضاء وتهميشه وسحقه لمصلحة القضاء الاستثنائي (المحاكم المتخصصة)، فضلا عن اغراقه بايديولوجيين تكفيريين. وهذا ما نقرأه بشكل خاص من خلال تعيين الشيخ محمد الصادق المغلس، الاستاذ بجامعة الايمان، كعضو هيئة تدريس في المعهد العالي للقضاء، ابتداء من هذا العام، وتمكينه من تدريس طلاب المعهد مدونة السلوك القضائي. والمغلس عرف من آرائه أنه يبشر بمجيء الخلافة عام 2022م وأن الغرب يتآمر على المسلمين باللقاحات التي تعطى للأطفال، وأن دخول المرأة القضاء كان زلة لا يجب أن تستمر. والواقع أن تعيين المغلس يشكل بداية المسلسل، والذي يترافق مع الاصرار على استبعاد فقهاء قانونيين من أمثال أحمد الوادعي من التدريس في المعهد من باب نسف التفكير العلمي ووعي الدارسين بأصول القانون. كل ذلك وسط شائعات برغبة الوزير بتعيين قضاة من خريجي جامعة الايمان الاسلامية، فيما يعين خريجو المعهد العالي للقضاء في النيابة العامة. ورغم كل هذه المنزلقات (التي يظهر فيها القضاء اليمني على اهبة الذبح)، لم يصدر قضاة اليمن حتى اليوم، ولو بيانا لرفض مثل هذه التصرفات، انما هم يكتفون بالتشكي والتأفف في المجالس المغلقة.
وبالمقابل، تستمر مصادرة حق القضاة في تشكيل وانتخاب منتداهم الميت منذ لحظة ولادته عام 1996م، بل يجري التحضير  حاليا على قدم وساق لاعادة انتخاب هيئاته بناء على نظام أساسي صيغ في عهد الدكتاتورية، وينيط بالمندوبين أعضاء المنتديات الفرعية أن ينتخبوا رئيس الهيئة الادارية وأعضاءها، وفي اصرار على الحؤول دون جمع القضاة في مؤتمر عام على غرار ما يحصل في مصر، ودون تمكينهم من انتخاب ممثليهم مباشرة في جمع مماثل. وهذا النظام المخالف لبديهيات العمل النقابي الديمقراطي سيؤول حتما الى اعادة انتاج وجوه هزيلة تسبح بحمد وزير العدل ورئيس المحكمة العليا. ورغم ذلك، يستمر صمت القضاة. لقد دعيت الجمعية العمومية لنادي قضاة مصر للانعقاد وعقد اجتماعها الطارئ في ظرف يومين، فلماذا يصر البعض على تهويل انعقاد الجمعية العمومية لقضاة اليمن؟
بل أكثر من ذلك، ما عسى القضاة يفعلون ازاء استبعاد قاض أو التعرض له؟ تراهم ينقسمون الى فئات ثلاث: فئة تعمد الى تخطئة القاضي المذكور "مشي حالك كم جهدك"،والأخرى تلوك خطابا منبطحا ممجوجا ظاهره الرغبة باسداء النصح من قبيل "لا تظلم نفسك سيعزلونك وستتشرد وتموت أنت وأبناؤك جوعا"، فيما البعض الآخر يتوسط بقوله "ما رأيك نحل المشكلة بينك وبين الوزير ونسد بينكم ويعينك في محكمة حالية في صنعاء، ويصرف سيارة وابرد لك من وجع القلب؟"، وكل ذلك من دون أي التفاتة الى استقلالية القضاء.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، بلدان عربية أخرى



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني