حين نقل ذوو المفقودين قضيتهم إلى حلبة القضاء


2015-10-30    |   

حين نقل ذوو المفقودين قضيتهم إلى حلبة القضاء

في 4-3-2014، أصدر مجلس شورى الدولة قراراً وُصف بالتاريخي بإقرار حقّ ذوي المفقودين بالمعرفة[1]. وقد جاء هذا القرار بمثابة تكليل لسلسلةٍ من الدّعاوى التي أقامتها الجمعيّات الممثّلة لذوي المفقودين ضمن استراتيجية تقاضٍ لتكريس هذا الحقّ. وسنتناول في هذا المقال مختلف الخطوات التي قطعها هذا التقاضي الاستراتيجي الذي يصلح درسه كنموذج في العمل العامّ. فما هي الدوافع لاعتماد التقاضي الاستراتيجي، وعمليا للإنتقال من الحلبة السياسية الى الحلبة القضائية، في هذا المضمار؟ وما هي المعايير والاعتبارات التي تمّ اعتمادها عند اختيار الدعاوى القضائية؟ وما هي أساليب العمل التي تم استخدامها في هذا المجال؟ هذه هي الأسئلة التي سأسعى الى معالجتها.

– نقل المسألة من عقم التخاطب السياسي الى المرجعية القضائية:

من البيّن أنّ قضيّة ذوي المفقودين اصطدمت منذ إنتهاء الحرب بعوائق سياسيّة أساسيّة. فطوال عقدين، اعتمدت الطبقة السياسية خطاباً مُزدوجاً يرمي إلى طمس قضية المفقودين وذويهم:

فمن جهة، خطاب يهدف الى إضعاف مشروعية مطالبة ذوي المفقودين بالمعرفة بحجة أن المؤشرات كلها تشير الى مقتلهم وأن من شأن تحقيق مطالب هؤلاء أن يؤدي إلى تهديد السلم الأهليّ من دون أي طائل. ومن هذا المنطلق، بدت إعترافات بعض القادة السياسيين بأنهم قتلوا جميع المعتقلين لدى ميليشياتهم بمثابة إسكات لذوي المفقودين أكثر مما هي اعتراف بإثم أو اعتذار من الضحايا، من قبيل “نحن قتلناهم كلهم، واذاً، لا معنى لاستمراركم بالمطالبة”. وقد استندت مواقف السلطة السياسية هنا على آراء مسبقة بشأن المخاطر الأمنية ومجرّدة عن أي دليل. ولعل أخطر ما في هذا الخطاب أنه على الرغم من ادّعاء غالبية الطبقة السياسية تعاطفها مع مطالب الأهالي، فإنّه أظهرها وكأنها تشكل تهديداً مباشراً للسّلم الأهلي.

ومن جهة أخرى، خطاب يسعى الى تحفيز ذوي المفقودين الى إعلان توفيتهم من خلال تسهيل عملية توفية الأشخاص الغائبين. وقد تمثل ذلك بشكل خاص في قانون 15-5-1995 بتقصير مدة الاختفاء لاعلان الوفاة من عشر إلى أربع سنوات، وفق ما نقرؤه في أسبابه الموجبة. فبعدما ذكر بالمعاناة النفسية لعائلات المفقودين، اعتمد وجهة للحل معاكسة تماما لما تفرضه الرغبة بحل هذه المعاناة: فبدل أن يشكل الاعتراف بها مقدمة للاعتراف بحق المعرفة، شكل ذلك سببا موجبا للاسراع في بت مصير المفقود قضائيا بنتيجة تقصير مدة الغياب المفروضة قانونا لاعلان الوفاة. “فبذلك ترتاح العائلات نفسيا فلا تعود تفكر بأن أبناءها الغائبين لا يزالون أحياء وهم غير موجودين مع الألم النفسي الذي يرافق هذه الأوضاع الشاذة”.

وحتى المرات القليلة التي تجاوبت فيها السلطة العامّة مع مطلب المعرفة، فإنّها فعلت ذلك شكليّا لتعود وتلتفّ حول هذا الحقّ وتجرّده من مضمونه ومفاعيله. وهذا ما حصل مثلاً عند إنشاء لجنة التقصي عن مصير المفقودين والمخطوفين في لبنان والتي انتهت الى القول بوجود مقابر جماعية عدّة لاثبات أن جميع المفقودين يرجّح موتهم من دون اتّخاذ أيّ اجراء لفتحها أو لكشف مصائر المفقودين فردا فردا. فكأنما هي أنشئت ليس لتحديد مصير غير معروف للمفقودين تبعا لتحقيقات، انما لفرض مصير محدد مسبقا (توفية المفقودين) بمعزل عن أي تحقيق. وقد بات خطاب الدولة أكثر وضوحاً مع تعيين لجنة ثانية (هيئة تلقي شكاوى أهالي المفقودين) في 2001. فقد حُصرت مهمة هذه اللجنة في الحالات التي تتوفر فيها أدلة على وجود مفقودين أحياء. وبذلك، تنصّلت الدولة من مسؤولياتها في الحالات الأخرى التي لا أمل كبير فيها بإيجاد أحياء، وكأنها بذلك توجه رسالة مفادها أنّ لا طائل من بذل أي جهد في هذه الحالات على أساس أن مساوئها (تهديد السلم الأهلي) أكبر بكثير من منافعها (اكتشاف جثث). وبذلك، وفق هذا المنطق، بدت المسؤولية التي أقرت بها الدولة في جلاء مصائر المفقودين مستمدة ليس من حقّ ذوي المفقودين بالمعرفة انما من حقّ المواطن الحيّ بحماية دولته له. وبهذا المعنى، بإمكان الدولة أن تغضّ النظر عن عشرات المقابر الجماعيّة التي هي ضمن قدراتها، لينحصر دورها في التقصي عن أشخاص يرجح وجودهم خارج البلاد، وتاليا خارج قدراتها. وبكلمة أخرى، تعلن الدولة مسؤوليتها في الحالات التي بوسعها أن تعود وتتنصل منها بالتذرّع بالقوة القاهرة. وقد بدت بعض المراسلات مع الدولة السورية قاطعة في هذا المجال، ومنها ما ورد في ملف تحقيقاتها، حيث أن الوزير فؤاد سعد كان قد أرسل الى اللواء الراحل غازي كنعان كتاباً بتاريخ 09/08/2002 للإستعلام عن بعض المفقودين دون أن يصله أي جواب بهذا الشأن ودون أن يرد أي جديد في هذا الخصوص.

وفيما أيدت بعض القوى السياسية لفظيا على الأقل قضية المفقودين، فإنّ التوافقية الحكومية انتهت في هذه الحالات النادرة الى إجهاض أي تطور ايجابي.

وتاليّا، وجد الأهالي أنفسهم أمام استحالة النجاح في انتزاع اعتراف سياسيّ بحقهم بالمعرفة، أو في جبه الاعتبارات السياسية التي تحجب مطالبهم بالحق. وبالمقابل، في موازاة ذلك، كان الخطاب الحقوقي في قضايا المفقودين يشهد تطوّراً دوليّاً في العقدين اللذين أعقبا إنتهاء الحرب. وقد تمثل ذلك بداية في صدور “إعلان حماية الأشخاص من الإختفاء القسريّ” عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 1992 ومن ثم في اقرار الجمعية نفسها مسودة الاتفاقية الدولية لحماية الأفراد من الإختفاءات القسرية، مع دعوة الدول الأعضاء الى توقيعها.

وتاليّا، وبعد عقدين من الفشل، كان من الضروري أن ينقل ذوو المفقودين تحرّكهم من المرجعيّة السياسيّة القائمة على مراعاة المصالح السياسية والهواجس الشعبيّة، بما فيها من جمود وافتراضات عامة، الى المرجعية الحقوقية القائمة على لغة الحقوق، بما فيها من رصانة مفتترضة، وتحديدا الى المرجعية القضائية. فالدعاوى تضع القضاة أمام استحقاق الاجابة على مطالب الأهالي على أساس المنطق القانوني وحده، على نحو يتميز عن المطالبة السياسية حيث يبقى بإمكان السلطات الإحجام عن الردّ أو الردّ على أساس حجج سياسية قد ترشح عن إنكار الحقوق الأساسية بالكامل. ولعلّ خير دليل على ذلك، هو كيفية تعاطي مجلس شورى الدولة في قراره 2014 مع حجة “تهديد السلم الأهلي” والذي اعتبره غير ثابت وغير منتج بأية حال طالما أن حق المعرفة حق طبيعي غير قابل للاستثناء. وما يشجّع على ذلك هو نجاح فئات عدّة في إحراز مكاسب في حلبة القضاء على الرغم من اصطدامها بمحاذير سياسية واجتماعية موازية لا تقلّ خطورةً عن قضية ذوي المفقودين، أبرزها قضايا الاحتجاز التعسفي للاجئين والمثليين.

فضلاً عن ذلك، من شأن اللجوء الى القضاء أن يمكن الأهالي من الاستفادة من مبدأ الوجاهية الملازم للأصول القضائية للمشاركة الفعلية والمباشرة في سير التحقيقات، وهي أمور كانت مغيّبة الى حدّ كبير في عمل اللجان التي شكّلتها حكومات الحص (1999) والحريري (2001) والسنيورة (2005). كما من شأنه أن يولّد دينامية بين الأطراف المعنيين بالمفقودين (الدولة، الأحزاب المتورطة، مالكو الأراضي التي يشتبه بوجود مقابر جماعية فيها)، بحيث يجد هؤلاء أنفسهم، هم أيضاً، أمام استحقاق الرد على الدعاوى المقدمة اليهم والمشاركة ربما في ايجاد حل للقضية.

وبالمقابل، نجد اعتراضين على انتهاج مسلك الدّعاوى:

الأول، يتصل بمفعول الدّعاوى. فعلى فرض نجاحها، فإن نتيجتها العملية تبقى محصورة في عدد محدود من الحالات قلما يؤدي الى جبر ضرر ذوي المفقودين بشكل وافٍ. ومن دون التقليل من شأن هذا الاعتراض، فإنّه يتجاهل البعد الرمزي لهذه الدّعاوى التي ربما تشكّل في ظل الجمود السياسيّ البحصة الوحيدة التي تعكر الماء الراكدة، وتطرح علامات استفهام على نظام قائم على طمس الذاكرة. هذا فضلاً عما لها في حال نجاحها من صدى هائل في تعزيز مشروعية مطالب ذوي المفقودين كما حصل مع صدور قرار مجلس شورى الدولة. ويجدر التذكير هنا أن هذا القرار قد شكّل بالنسبة الى نائبين حافزاً أساسياً في تقديم اقتراح القانون الذي كان ذوو المفقودين قد أعدّوه،

أما الإعتراض الثاني، فيتصل باحتمال خسارة الدعوى أو الدعاوى المقدمة، مما قد يؤدّي الى أثر سلبيّ على مشروعية مطالب ذوي المفقودين. إلا أن من الممكن تجاوز هذا الاعتراض من خلال وضع استراتيجية من شأنها إبقاء معركة تكريس الحق مفتوحة من خلال دعاوى متلاحقة ومقدمة أمام مراجع قضائية عدة. فتتحوّل الدعوى الى ساحة لإثارة مسألة حقوق الضحايا من دون أن تشكّل خسارتها نهاية للمسألة المطروحة. وعليه، تكون الخسارة مجرد مؤشر جديد على طمس ذاكرة الضحايا، فيما يكون الربح في حال حصوله انقلاباً تاريخياً على مواقف الطبقة السياسية برمتها. ومجرد مقارنة نتائج الربح بنتائج الخسارة يؤدي الى تهميش هذا الإعتراض.

– خطة استراتيجية: اختيار الدعوى المناسبة:

ولكن، ما هو الدرب القضائي الأكثر تلاؤماً لنقلة كهذه؟ وهذا السؤال يشكل سؤالا محوريا في عمل التقاضي الاستراتيجي. فالغاية من هذا التقاضي تتمثل ليس في مكسب معين إنما في الأثر الاجتماعي الذي يُحدثه. وللوصول الى ذلك، تمّ وضع استراتيجية قضائية لصالح ذوي المفقودين وشكلت فعليا خرطة طريق للمداعاة[2]. ومن أهم الأسئلة التي اقتضى طرحها بهذا الشأن الأسئلة المتّصلة بماهية المطلب، الجهة التي تتولى تقديم الطلب، وثالثاً المرجع القضائي الذي يتمّ التقدّم اليه.

وقد بنيت هذه الاستراتيجية على أساس إعتبارات أربعة:

الأوّل، أنّ التدخّل يرمي الى تثبيت حق المعرفة وتاليا الى ترميم حقوق الضحايا من دون أي نية في إعمال  المحاسبة الجزائية. وهذا الاعتبار يتأتّى من الرسالة المُراد توجيهها الى المجتمع من خلال الدعاوى القضائية، بهدف التخفيف من هاجس المس بالسلم الأهلي وأيضا من حجم الممانعة الهائلة اصلاً. وما يعزز هذا التوجه هو أسباب عملانية قوامها صعوبة إثبات الدعوى الجزائية في ظلّ صعوبة تقديم إثباتات حول حصول عمليات خطف واحتجاز يتوفر فيها عنصر اليقين بعد عقود من حصولها.

والإعتبار الثاني، أنه من الأفضل أن يتمّ التدخّل من خلال مجموعات ذات صفة تمثيلية لذوي المفقودين وليس من خلال أفراد. والغاية من ذلك هي الاستفادة من الإطار الجمعياتي لتعزيز التضامن بين الأهالي في المطالبة بما هو مشترك لهم، من دون تحميل عائلات بعينها ثقل ملف قد يتعداها من حيث الأعباء المترتبة عليه. ومن هنا، تضمّنت الاستراتيجية نصائح بإقامة دعاوى حول استلام وثائق تهم المفقودين كافة (ملفات التحقيقات مثلاً) أو حول تحديد أماكن وحماية المقابر الجماعية.

والإعتبار الثالث، أنه يجدر في المرحلة الأولى تقديم دعاوى يتمحور النزاع فيها حول المسألة الحقوقية المبدئية وليس حول وقائع تكون موضع جدل. وفي هذا الإطار، بدت خلاصات عمل لجنة التقصي وخصوصاً بما يتصل بتسمية بعض المقابر الجماعية، قاعدة هامة لبدء الدعاوى. والغاية من ذلك هو عدم إضاعة فرصة المقاضاة في جدل حول ثبوت أو عدم ثبوت واقعة، بل وضع القاضي أمام استحقاق أساسي وهو النظر في مدى مشروعية حق المعرفة.

والإعتبار الرابع، أنه من الأفضل تقديم دعاوى أمام مراجع قضائية مختلفة، بهدف مضاعفة حظوظ النجاح. ولا بأس في هذا المضمار من تقديم دعاوى مستعجلة ضماناً لنتائج سريعة الى جانب دعاوى أمام محاكم أساس (محاكم عليا كمجلس شورى الدولة) ضماناً لتكريس الحقّ على المدى البعيد. كما لا بأس من اعتماد خطّة من شأنها تقديم دعاوى متلاحقة وذلك إفساحاً للمجال بإعادة فتح النقاش حول مسألة معينة. وقد تقرر على ضوء هذه الإعتبارات كلها تقديم دعاوى ضد مالكي العقارات التي يتواجد فيها مقابر جماعية أمام قضاة الأمور المستعجلة للمطالبة بتحديد أماكن تواجد المقابر الجماعية تمهيداً لتسييجها وحمايتها صوناً لحق ذوي المفقودين بالمعرفة، ودعوى ضد الدولة اللبنانية لالزامها بتسليم ملف التحقيقات الى ممثلي ذوي المفقودين ضماناً لحقّ المعرفة. كما تمّ الإعداد لتقديم دعاوى متلاحقة بشأن المقابر الجماعية (مجموعها خمسة حتى الآن) كلما ظهر دليل قوي على وجود إحداها.

وبعد الانتهاء من وضع الاستراتيجية، تساءل معدّها في مقدمتها فيما إذا كان من شأن هذه الدعاوى أن تولّد دينامية اجتماعية في اتجاه توسيع دائرة الاعتراف بهذا الحقّ، وخصوصاً في اتجاه تكريسه في صيغة قانون. وقد جاءت ردود  الأفعال على قرار مجلس شورى الدولة لتثبت ذلك.

– ليست قضية قضائية وحسب…

وبالطبع، التقاضي الاستراتيجي لا يتمّ فقط داخل أروقة المحكمة، مما يفرض تاليا اعتماد وسائل مختلفة.
وهذا الأمر لا يعني فقط استثمار الانتصارات إجتماعيا كما حصل مثلاً مع صدور القرار عن مجلس شورى الدولة بتكريس حق المعرفة، بل أيضا توفر جهوزية إعلامية للتفاعل مع أعمال المحكمة، وذلك لكبح أيّ انزلاقة قضائية في هذا الشأن، أو تدخل من القوى السياسية لقلب اتجاه المحكمة أو منع تنفيذ أحكامها.

وبهذا المعنى، تخرج القضية عن كونها قضية قضائية لتصبح قضية اجتماعية، مسرحها القضاء وفضاؤها المجتمع. وفي هذه الحالة، لا تقتصر وظيفة المحامي على جمع الإجتهادات وكتابة اللوائح والترافع داخل أروقة القضاء حصراً، انما تتوسّع هذه الوظيفة لتشمل الفضاء العام والاعلام. ولا تقتصر وظيفة القاضي على تطبيق القانون انّما يكون مدعواً لأداء دور اجتماعيّ رائد. فالمطلوب منه ليس فقط الإجتهاد في اتّجاه استنباط حقّ أساسيّ جديد من مجموعة من الحقوق التي سبق تكريسها في المنظومة اللبنانيّة (حق ذوي المفقودين بالمعرفة)، إنما اتخاذ موقف له تأثيرٌ كبيرٌ على المنظومة السياسية الاجتماعية ككل. ففيما انبنى النظام اللبنانيّ برمته بعد الحرب على تكريس نظام الزعامات وذاكرة بطولاتهم في موازاة طمس مسؤولياتهم وذاكرة ضحاياهم، جاءت الدعوى بمثابة محاولة انقلابية في اتجاه تكريس حقّ الضحايا بالمعرفة مع إعادتهم الى واجهة الخطاب العامّ. ولا نبالغ إذا قلنا أن القرار بقبول الدعوى شكّل منعطفاً تأسيسياً في النظام اللبناني لإسقاط نظام الزعماء، وخصوصاً أنه أعلن أن تقاعس الحكومات المتعاقبة عن القيام بأي جهد لجلاء مصائر المفقودين خلال العقود الماضية شكّل تعذيبا نفسيا للأهالي.

ولعلّ أهمّ ما حصل على هذا الصعيد، هو ردّة فعل المنظمات الحقوقيّة ضدّ مطلب وقف تنفيذ القرار وإعادة المحاكمة المقدمين بطلب من رئيس الوزراء تمام سلام الى مجلس شورى الدولة. فقد سارعت المنظمات إلى دعوته الى الرجوع عن هذا الطلب (أيار 2014)، محذّرة إياه بأنّ أيّ تأخير في إعاقة حقّ الأهالي بالمعرفة يشكّل تورطاً منه في تعذيبهم وفق القرار المطعون فيه. وقد انتهى مجلس شورى الدولة الى رد طلب وقف التنفيذ (حزيران 2014).

أما الحراك الأكبر فتمثّل في إطلاق حملة “زورونا في دوام الأهالي” لمطالبة رئاسة الحكومة بتنفيذ الحكم من دون أي تأخير، بعدما استنفذت وسائل الطعن وبات الحكم نافذاً. وقد انطلقت هذه الحملة بدعوة من عشرات الجمعيات، وهدفت الى تنظيم اعتصام أسبوعي أمام السرايا الحكومي. واللافت أنّها هدفت الى تحقيق هدف مزدوج: حقّ ذوي المفقودين بالمعرفة (استلام الملفّ) وتحصين استقلالية القضاء من خلال التقاعس عن تنفيذ أحكامه. ومن خلال ربط هذين الهدفين، بدا ذوو المفقودين كأنهم يعززون من خلال حراكهم ليس فقط دور القضاء بل أيضا مكانته، وبكلام آخر، كأنهم يتهيؤون لمزيد من المعارك على مسرحه.

نشر في الملحق الخاص بقضية المفقودين:

حراك ذوي المفقودين، هذه المقاومة الأصيلة



 [1] وقد انتهى القرار الى إعلان حقّهم بالاطّلاع على كامل ملفّ التّحقيقات الذي أعدته لجنة تقصي مصير المفقودين والمخطوفين في لبنان.
[2] نزار صاغية، “ذوو المفقودين إزاء سياسات الصمت والإنكار: أي أبواب لنقل مطالبهم إلى حلبات القضاء؟”، بدعم مالي من المركز الدولي للعدالة الانتقالية.
انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني