“حكي عالبلدي” أو حين تمرّد شباب الهرمل على بلديّتها


2021-07-26    |   

“حكي عالبلدي” أو حين تمرّد شباب الهرمل على بلديّتها
جدار مكب النفايات وهو أحد التنفيعات المخالفة للشروط

“حتى ما ننشر غسيلنا قدّام الغُرب[1] وزوّار العاصي” بهذه العبارات اقترح ناشطٌ مغترب من الهرمل إنشاء صفحة مقفلة على فيسبوك خاصّة بأهل الهرمل وعَرَضَ الفكرة على من اعتبرهم مهتمّين بالشأن العام من شباب المدينة، فأُنشِئت صفحة “حكي عالبلدي” بوجه صفحة “حكي بلدي” المدارة من أعضاء في بلدية الهرمل.

كان ذلك في تموز 2016. وخلال فترة وجيزة، اجتذبت الصفحة التي عرّفت عن نفسها بأنّها “مجموعة من أبناء الهرمل السّاعين للوصول إلى رؤية عصرية وفاعلة للحركة الإنمائية” أكثر من 4000 شخص من أهالي الهرمل التي لم يتعدّ عدد الناخبين في استحقاقها البلدي الأخيرة 5900 صوت. ومن أهم أسباب ثقة المجتمع الهرملاني بالصفحة كانت تنوّع التوجّهات السياسية للمشرفين عليها بين اليمين واليسار وخلفيّاتهم الاجتماعية حيث مثّلوا مختلف شرائح البلدة من العشائر والعائلات، إضافة للتنظيم الذي منع التعرّض “بالشخصي” لأحد لتفادي الصدامات. وبالتالي شكّلت منبراً للغيّورين على البلدة وشبكة لتبادل المعلومات والصور المتعلّقة بالشأن البلدي.

ظروف نشأة الصفحة

اجتمعت ظروف عديدة أدّت إلى ولادة صفحة “حكي عالبلدي” بدأت منذ ما قبل الانتخابات البلدية 2016، حين بلغت النقمة الشعبية أَوْجهَا. لم تكن الانتخابات لتُحسم بالطرق التقليدية المبتذلة، فإعادة ترشيح المجلس البلدي نفسه كانت بمثابة استفزاز لأهالي المنطقة. فلجأ نائبٌ محنّك إلى مقولة جوزيبّي دي لامبيدوزا “إذا ما أردنا إبقاء الأمور على حالها يتعيّن أن تتغيّر هذه الأمور”، فزجّ اسمين جديدين في اللائحة وجرى ترشيح شخص “منّن وفيهن” لينافسَ لائحة حزبهِ ويخرقها. ونجحت هذه المظاهر الشكلية للتغيير والتعددية المزيّفة بلملمة السخط الشعبي مؤقتاً وكسب مقاعد المجلس.
لم يحاول مسؤولو العمل البلدي في حزب الله تغيير شيءٍ في أداء المجلس رغم تجَلّي السخَط الشعبي بوضوح عبر مؤشراتٍ لم يألفها الحزب في الهرمل كتقلّص نسبة المقترعين إلى 28 في المئة وحصد لائحة “معاً” المنافسة لـ”المحدلة” الانتخابية نحو ربع أصوات الناخبين.
ولكن “معاً” لم تنجح في أن تكون بلدية الظلّ المرجوّة ولا حتى مجموعة ضغط بل كانت بمثابة معارضة موسمية بهتت بعد الاستحقاق. وفي ذلك الوقت كانت الهرمل على حالها: أكثر من 200 مسمكة غير شرعية تلوّث نهر العاصي، انقطاع مستمرّ للمياه في بلدة الـ13 ينبوعاً، تسرّب مياه الصرف الصحي في الشوارع، مشكلة انقطاع الكهرباء، حرق النفايات ومطامر القرى المجاورة وغيرها الكثير. وتوّج كلّ ذلك باختيار موقع مشروع معمل تكرير الصرف الصحّي في محميّة الصنوبر قرب نهر العاصي مع اعتراف البلدية بأنّ دراسة الأثر البيئي لا تزال قيد التحضير ولصق القرار على حائط البلدية مرفقاً بدعوة للمعترضين للتقدّم باعتراضهم خلال 15 يوماً. كانت تلك هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير لشباب وشبّان الهرمل الذين أطلقوا العنان لصرخاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي جُمعت لاحقاً ضمن صفحة “حكي عالبلدي” كما على أرض الواقع باحتجاجات رافضة للمشروع.

ماذا أنجزت الصفحة؟

امتلأت “حكي عالبلدي” بالفضائح التي شابت العمل البلدي من توظيفات بالواسطة إلى التلزيم “حبّياً” بدون استدراج عروض وصولاً إلى مشاريع “التنفيعة” كجدار مكبّ النفايات في منطقة الشرقي.

وتقدّمت مجموعة “حكي عالبلدي” بشكوى إلى القائمقام بخصوص الجدار المذكور حيث تبيّن أنّ الملف بمجمله مخالف لأبسط القواعد المالية والإدارية إذ تبيّن أنّ القيمة المرصودة للمشروع تتجاوز 350 مليون ليرة وبالتالي فهو يحتاج إلى موافقة وزير أو أكثر قبل إجراء أي مناقصة أو استدراج وفضّ عروض وعليه تمّ إيقاف الأعمال تحت طائلة المساءلة القانونية من قبل سلطة الرقابة.

كما تابعت المجموعة قضايا عدّة رفعتها إلى السلطات الرقابية كقضية المسامك التي تطعم أسماكها من مخلّفات المسالخ وأحشاء الدواجن حيث أعطت أسماء المسؤولين عن تلك المخالفات مرفقة بالصور والفيديوهات إلى المخفر الذي بدوره أرسلها للمدعي العام البيئي في البقاع أياد بردان وتمّ توقيف المخالف واغلاق المسمكة بالشمع الأحمر لأيام معدودة قبل أن يعاد فتحها وينتهى الأمر بالملف في أحد أدراج مكتب المدعي العام بأحسن الأحوال.

رقيب بلا حسيب
في البداية تجاهلت البلدية الصفحة ونُقل عن أحد أعضائها “المعتّقين” لدى سؤاله عنها وعن المشاكل المطروحة قوله: “ولاد وعم يتسلّوا” لكنّ زميله المستَجدّ أيقن وجوب الإنصات لمعرفة المشاكل واقتراحات الحلول فتابع كل ما يتداول على الصفحة وتفاعل مع المواضيع المطروحة. أمّا الرئيس والأعضاء “أصحاب الخبرة” فلم يبدوا أيّ نوع من التفاعل.

لم يدم التطنيش طويلاً فالصدى وصل أبعد من توقّعات الريّس صبحي صقر، حيث وجّه عباس مرتضى مدير جمعية “إرشاد” التابعة لحركة أمل المعنيّة بالعمل البلدي (وزير الزراعة والثقافة في حكومة حسّان دياب فيما بعد) للاجتماع بأفراد المجموعة. اعتبر حزب الله هذه الخطوة “تعليمة” عليه فسارع الوسطاء لطلب لقاءٍ بين المشرفين على الصفحة والمجلس البلدي. لبّت المجموعة الطلب فرتّب لقاء مع رئيس البلدية صبحي صقر حيث عرضت المجموعة المشاكل العالقة من شاحنات مخلّفات المسالخ وأحشاء الدواجن الآتية من الشمال لتباع لمربّي الأسماك على حوض العاصي وصولاً إلى المشاكل القديمة كالإنارة وتزفيت الطرقات وغيرها. فأجاب صقر بالكثير من الوعود. أما بخصوص الزفت والإنارة فقد برّر قائلاً: “نحن بدورنا عم نطلب بشكل مستمر من الحاج حسين النمر وناطرين متلنا متلكن”. والنمر هو مسؤول العمل البلدي في حزب الله- فرع البقاع، وهو المعروف بسيطرته التامّة على عمل البلديات في المنطقة، وإشرافه المباشر على موازناتها وآليات صرف الأموال فيها عبر تقارير شهرية ترفع إليه من كلّ بلدية تابعة للحزب وجولات تفتيشية يجريها العاملون معه على هذه البلديات.

ومع ازدياد عدد متابعي الصفحة ازداد حجم البلبلة والامتعاض في أزقّة الهرمل، فأبدت البلدية اهتمامها بعدّة مشاريع سياحية مطروحة كالعمل على مجسّم: I love Hermel وحفل افتتاح الموسم السياحي وإنارة قاموع الهرمل وغيرها.

ووجدت البلدية نفسها مجبرة على تغيير سياسة التلزيم بالتراضي وبدأت بطرح المناقصات للمشاريع العامّة كإنشاء حفر صرف صحّي عازلة على ضفتي نهر العاصي للمنشآت السياحية وبناء مبنى اتحاد البلديات وغيرها. ومن جهة أخرى، بدأت تسطير محاضر ضبط بحقّ المعتدين على مياه نبع رأس المال والمسامك المخالفة ولو أنّ تلك الإجراءات اتّسمت بالاستنسابية الواضحة من دون مبرّر مقنع.

نهاية غير متوقعة

في المقابل، بقيت الوعود التي أطلقها رئيس البلدية في اجتماعه مع المجموعة كلاماً في الهواء، كما عزفت البلدية عن تلبية طلب المتابعين بالكشف عن موازنتها واتّباع الشفافية المالية التي ينصّ عليها قانون حق الوصول إلى المعلومات.

ترافق ذلك مع حملة ترغيب من البلدية لأعضاء مجموعة “حكي عالبلدي” تمثّلت في دعوتهم للمشاركة في اللجان البلدية وهي دعوة رأوا فيها محاولة لإسكاتهم فرفضوا المشاركة، وتبع ذلك حملة ترهيب على أفراد المجموعة من تهديدٍ حيناً وتشهيرٍ أحياناً.

ولكن كل ذلك لم يُسكت صفحة “حكي عالبلدي” وبقيت تنشر الأخبار والوثائق التي تظهر تجاوزات البلدية وتقصيرها وذلك حتى تشرين الأوّل 2019 قبل أسبوع من اندلاع انتفاضة 17 تشرين حين تعرّضت لهجوم رقمي أدّى إلى إغلاقها نهائياً، لتُطوى بذلك تجربة شبابية شكّلت علامة فارقة في الهرمل ومصدر قلق للسلطات المحلّية أو ربّما عُلّقت حتى إشعارٍ آخر.

 

* رشدي حمادة : ناشط وأحد مؤسّسي صفحة “حكي عالبلدي”

نُشر هذا المقال في العدد 1 من “ملف” المفكرة القانونية | الهرمل

 

  1. الغرب مع ضمّة على الغاء باللهجة المحلّية تعني الأغراب أي من هم من خارج البلدة.

 

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة ، بيئة ومدينة ، سياسات عامة ، مؤسسات عامة ، أحزاب سياسية ، حركات اجتماعية ، مجلة لبنان ، لبنان ، حراكات اجتماعية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني