حرق إطارات ونفايات طبية في الأودية: كسّارات محميّة ومجهلة تقتل آل جعفر وتهجّرهم


2021-08-26    |   

حرق إطارات ونفايات طبية في الأودية: كسّارات محميّة ومجهلة تقتل آل جعفر وتهجّرهم

“أنا أحمد مهدي جعفر من سكّان جوار الحشيش في جرد عشيرة جعفر. أنا راح صوتي من ورا الكسّارات. أطلب من رئيس الجمهورية ومجلس النواب والحكومة يساعدوني ع الكسارات. نحن قاومنا الأتراك والفرنساويي والإسرائيلي والإرهاب وما قدرنا نقاوم مافيا الكسارات وحرق النفايات الطبّية والدواليب[1] لأنّه في بعض القوى الأمنية بترتشي وبعض القوى السياسية والأحزاب بتسايرهم بسبب الانتخابات بدون الالتفات للبيئة وصحّة الناس”. خطّ أحمد جعفر هذه الكلمات على ورقة سحبها من رزمة أوراق يحملها مع قلم حبر معلّق بطرف جيب قميصه منذ أن فقد صوته إثر إصابته بسرطان في البلعوم “بسبب الكسارات ومحارق الدواليب والنفايات الطبية”، كما يقول (كتابةً) من بيته في جوار الحشيش لـ”المفكرة”.

عندما قصدنا بيت أحمد جعفر لم نكن نعلم أنّه غير قادر على الكلام، قيل لنا عندما سألنا سكّان الجرد الجعفري الذي تتوزّع جغرافيته بين قضاء الهرمل ومحافظة عكّار لناحية القبيّات، عمّن يتابع ملف الكسّارات التي تنهش جبال جرد يعتبر من أجمل جرود لبنان، “ما إلكم إلّا أحمد مهدي جعفر، هيدا انتحاري عم يواجه الكلّ”، كما وصفه شاب في رأس الحرف في الجرد نفسه.

لم يكن أحمد يعرف القراءة والكتابة عندما أصيب بسرطان في الحلق. بعد استئصال السرطان العالق على أوتاره الصوتية، فقد الرجل صوته، وبالتالي قدرته على الكلام. يسمع محدّثه صوتاً ضعيفاً أشبه بالأنين يخرج من الفتحة التي استحدثها الأطباء في أسفل عنقه. ولأنّ أحمد قرّر خوض معركته النضالية ضدّ الكسارات، انكبّ على تعلّم الكتابة والقراءة ليتمكّن من التواصل مع الآخرين والتعبير عن رأيه وليشرح حججه وبراهينه التي تثبت أنّ الكسارات والأنشطة المرتبطة بها قد “مرّضت الجعافرة وهجّرتهم”. وعليه، يكمل أحمد كلامه الذي خطّه على ورقة، من جملة أوراق يحرص على حملها معه أينما ذهب، كمن يحمل معه صوته، مانحاً الورقة لابنته لتقرأها على مسامعنا: “هجّرت الكسارات ومعها حرق الدواليب 85% من الجعافرة بعدما تشقّقت منازلهم وتركوا بيوتهم بسبب التفجيرات والغبار الكثيف الذي أمرضهم وقتل مزروعاتهم”. ويعرب أحمد عن استعداده “لتنظيم جولة للمسؤولين للتأكّد من صحّة كلامي، فقد سبق وزوّدنا وزارة البيئة بفيديوهات وصور توثّق ما يحدث من دون الحصول على أيّة نتيجة”.

ويكمل أحمد على ورقته – التصريح “لم يكفِنا ضرر 17 كسارة حتى بدأوا بحرق الدواليب والنفايات الطبّية ويأتون بها من البعيد مقابل الأموال”. ورداً على ما يقوله البعض إنّ هناك عشرات المستفيدين من الجعافرة من الكسارات، يؤكّد أنّ عدد هؤلاء “لا يتعدّى 20 عائلة، ونحن نطالب ببديل اقتصادي لهذه العائلات والمستفيدون الأساسيون من الكسارات هم من الغرباء”. لذا، يطالب الدولة “أن تحمي أرضنا وصحّتنا من جهة، وأن تؤمّن بديلاً اقتصادياً للعائلات المستفيدة من آل جعفر وليذهب الغرباء إلى مناطقهم”.

مخفر الدرك: “بدّك يلفّقوا قضية مخدرات لأبوكِ؟”

من منزل عائلتها المشرف على إحدى الكسارات الناشطة تتحدّث إحدى نساء عشيرة جعفر لـ”المفكرة” عن معركتها مع الكسارات “جمعت أوراق وتقارير طبية ورحت ع مخفر المنطقة لقدّم دعوى فيهن”. هناك “نصحها” رئيس المخفر بعدم المضي قدماً في دعواها القضائية “بدّك يلفّقوا لأبوك شي دعوى مخدّرات، إنت ما فيكي ليهم”، قال لها بالحرف. وعندما تردّدت، أضاف “ما رح تجيبي غير وجع الراس لعيلتك، وما فيكي ع أصحاب الكسّارات هنّ أقوى منك بكتير”. استرجعت السيدة أوراقها، وهي تفضّل عدم ذكر اسمها للأسباب عينها التي هدّدها فيها رئيس المخفر قبل سنوات: “ما تحطّي إسمي ما بدي إعمل مشاكل لأخوتي خصوصاً إنّه أبي متوفّي”، تضيف. تقول السيدة إنّ أختها الصغيرة تعاني من مرض الربو منذ كان عمرها 3 أشهر “بسبب غبار الكسّارات ودخّان حرق الدواليب المطاطية والنفايات، وبيقولوا في نفايات طبّية كمان”. حملت والدتها أختها الصغيرة وهاجرت من المنطقة “كانت تضلّ بالمستشفيات، فما عادت تجيبها ع المنطقة بنصيحة من الأطبّاء”. تتحدّث السيدة عن ارتفاع نسب السرطان أيضاً بين الجعافرة: “أختي بيّن معها سرطان بالحنجرة من 3 أشهر، وزوجة عمّي أيضاً مرضت بالسرطان قبلها بشهرين، وجارتنا توفّت قبل سنة بالسرطان”، وتضيف “حاسّة رح نموت كلّنا من وراهم”.

بسيارتها ذات الزجاج الداكن (مفيّم)، تصطحبنا السيدة في جولة داخل الوادي الفارغ “بدي تشوفو بعيونكم شو عم يعملوا”. تقول إنّ الكسّارات غيّرت جغرافيا الوادي، وإنّ كسّارة الوادي الفارغ هي أكبر الكسّارات وتعود ملكيّتها لشخص من عائلة الحلبي من طرابلس: “معظمهم غرباء وفي معهم شركاء من بيت جعفر”. تؤكّد السيدة أنّ شريك كساّرة الحلبي هو من آل جعفر “ومعه مصاري كتير”، فإذا كان الحلبي لا يسكن في المنطقة وبالتالي لا يتضرّر من الكسّارة “ألا يفكّر شريكه من آل جعفر بصحّة ناسه وأقاربه وأهل منطقته؟”، تسأل.

تقود السيدة سيارتها وتشرح: “كان الوادي الفارغ مليئاً بالأشجار الحرجية ويوجد فيه نهر وتلال وجبال”. ننظر حولنا لنرى ما تصفه فلا نجد سوى الجبال المتآكلة بعمق لا يقل عن 200 متر “غار النهر وانتهى، وأكلوا الجبال وحوّلوها إلى خنادق وطمروا الوادي ولم يعد الوادي الفارغ كما كان من أجمل أودية المنطقة”. تقول إنّها تغمض عينيها حين تمرّ بالوادي “ما بقدر شوف شو عملوا كتير بتوجّع وبتوتّر خصوصاً إنّي ما قدرت إعمل شي”.

في الجولة على الكسّارات أجلستنا السيدة في المقعد الخلفي وقمنا بالتصوير من خلف زجاج سيارتها، وكانت كلّما التقينا بسيارة، تطلب منّا أن نخفض رؤوسنا لكي لا يشتبهوا بوجود غرباء في منطقة الكسّارات “بيهجموا علينا، بلا ما نعمل معهم مشاكل”، تبرّر لنا.

خلال الجولة، نصل إلى الحفر الكبيرة التي تسبّبت بها الكسارات في المنطقة وفيها أكوام من الإطارات المطاطية التي تحترق، وأكوام أخرى من الشُحّار الأسود المتبقّي بعد سحب الحديد منها. يعمد شبان من آل جعفر إلى استقدام شاحنات وآليات بيك آب يومياً مليئة بالإطارات المطاطية لحرقها واستخراج الحديد منها وبيعه كمصدر رزق يعتاشون منه.

استعمال حفر الكسارات لحرق الدواليب قبل سحب الحديد منها (تصوير حسن الساحلي)

تشقّق البيوت والتربة وانسداد مسام الشجر

من على مصطبة بيته في أعلى منطقة الطاروع في سفح محميّة كرم شباط، يتحدّث ياسين علي جعفر (وهو غير وجيه العشيرة ياسين علي حمد جعفر) عن منزله ومنازل جيرانه في الجرد: “شوفو بيتي كيف متشقّق من التفجيرات، شوفو غسيلنا ع الحبال كيف كلّه شحتار أسود من حرق الدواليب، شوفو كرزاتي كيف عم يموتوا لأنّه الغبرة سكّرت مسام الشجر وما عم يقدر يتنفّس”. بهذه البعارات يختصر ياسين حياته في الطاروع “والأطفال عطول مرضى ومعظمهم عندهم ربو”.

تقع منطقة الطاروع في أسفل محميّة كرم شباط[2]، وهي من أهمّ المحميّات في لبنان تبلغ مساحتها 3 ملايين متر مربع، وتتضمّن أعداداً كبيرة من أشجار الشوح والأرز واللزّاب، وفق رئيس مجلس البيئة في القبيّات د. أنطوان ضاهر. تبعد المحميّة نحو 600 متر خط نار عن موقع تمركز الكسّارات “وهي تتأثّر فيها نتيجة التفجيرات التي تشقّق التربة، كما الغبار الذي يأكل الأشجار ويتسبّب بيبَاسها”، كما يؤكد ضاهر لـ”المفكرة”.

يمتلك ياسين جعفر أراضٍ في محميّة كرم شباط. “خرّبتها الكسّارات” يقول لـ”المفكرة” “ما بتوصل المي إلّا موحلة، ويبست نصوب الجوز والحور والأشجار المثمرة”، يؤكّد أنّ الأمور “فالتة، والرشى للقوى الأمنية ماشية، فكيف بدنا نمنع الكسارات؟” يصف ياسين منطقته بالمكان لـ”كنت بتستحلي تمرقي فيه لتكزدري وتشمي الهوا النقي”. اليوم “تحفّرت الطريق، وعواميد بيتي تفسخت، ولمّن بيفجّروا بالكسّارات والله البيت بيهزّ كلّه سوا، والشاحنات لا تعدّ ولا تُحصى، بتجي من طرابلس ومن المنية ومن زغرتا أكتر من 200 شاحنة بتمرق ع الطريق من حد بيتنا يومياً، عدا عن لي بيمرقوا ع طرقات تانية ليروحوا ع كسّارات تانية”.

 

No Man’s Land

يقول د. أنطوان ضاهر إنّ هناك 700 إلى 1000 شاحنة تعبر يومياً من الجرد المشترك بين الهرمل وعكّار نحو شمال لبنان عبر القبيّات، محمّلة بالبحص والرمل “وغير التلوّث الذي تنشره في الهواء، تسبّبت هذه الشاحنات بثلاثة حوادث في قلب القبيّات حيث اجتاح بعضها سيارات ومحلات ومنازل”، ولكن لحسن الحظ لم يسقط ضحايا. يقود هذه الشاحنات شبّان صغار السن أحياناً “16-17 سنة، ومعظمها تسير بلوحات مزوّرة، أو بلوحة واحدة منسوخة لأكثر من مرة وتستعمل أكثر من شاحنة”، كما يؤكّد أحد رجال آل جعفر.

يصف ضاهر المعترضين على الكسّارات في الجرد الجعفري وجرد عكّار والقبيّات بالأبطال: “عليهم ضغوطات كبيرة ومع هيك قرّروا يخوضوا معركة بوجه المستثمرين المدعومين”.

يقلّل ضاهر من نسبة الجعافرة المستفيدين من الكسّارات: “يمكن في شي 3 كسارات من 17 كسّارة لبيت جعفر والباقي موزّع على سياسيين بأسماء أقاربهم وعلى مستثمرين مدعومين ومحميّين، وهم غرباء عن المنطقة، لا يعيشون فيها لكي لا يطالهم ضررها”.

تتواجد الكسّارات في منطقة No Man’s Land أي معظمها في أرض جمهورية تعود للدولة “والرزق السايب بيعلّم الحرام” كما يقول رئيس مجلس البيئة في القبيّات الذي يعيد تاريخ بدء الكسّارات إلى نحو 20 عاماً من اليوم “قبل ما كانت المدنية والتقدّم متل ما بيفهموهم واصلين لعنّا”. وبدأ عمل الكسّارات الأولى على “الحدّ بين عكّار والهرمل وصارت تتوسّع بالاتجاهين”. ويرى ضاهر أنّ تمركز الكسّارات في هذه المنطقة مقصود، ونحن نفاجأ بأنّ قوى سياسية كبيرة تغطّي هذه الكسارات وتستفيد من تجهيلها، أي التعامل معها وكأنّها غير موجودة لا بالترخيص ولا بالوجود على الأرض، إذ يتنصّل منها الرسميّون في الشمال ومعهم محافظ عكّار بالقول “هيدي مش عنّا، بل بالهرمل”. وكذلك يفعل محافظ بعلبك الهرمل والرسميّون فيها “هيدي بعكّار، ما خصّنا”. ويساعد في جعل كسّارات المنطقة مجهولة أنّها غير مدرجة على اللوائح الرسمية للكسّارات في لبنان وطبعاً ليست ضمن المخطّط التوجيهي للمقالع والكسارات، “يعني هي رسمياً غير موجودة ولكنّها فعّالة، ومعظمها غير مرخّص، وتمّ ترخيص ثلاثة من بينها[3]، ولا نعلم وفق أيّة معايير، وهي على الأرجح تتوسّع أكثر من المنطقة المرخّصة”. وتنتشر الكسّارات في الجرد الغني بـ”اللزّاب والأرز والشوح”، وهي وفق ضاهر “من الأشجار النادرة والمعمّرة في لبنان ويجب أن تكون محميّة وفق قانون الغابات في لبنان الذي ينصّ على أنّ كل غابة تحتوي على أشجار أرز وشوح ولزّاب تصبح محميّة حتّى لو كانت ملكاً خاصّاً، فكيف إذا كانت ملكاً عامّاً بالأساس وملك الجمهورية اللبنانية”.

ويؤكد ضاهر أنّ آل جعفر هم الأكثر تضرّراً من هذه الكسارات والأكثر تأثرّاً بتلوّثها وبالأضرار التي تلحق بمنازلهم “حيث نزح وتهجّر قسم كبير منهم من المنطقة بسبب الغبار وتشقّق منازلهم من التفجيرات ومن ضجّة الكسّارات وأعمالها والتفجيرات ومن تراجع الزراعة التي قتلها الغبار”. ويتحدّث ضاهر عن ضخامة حجم الغطاء النباتي الذي قضمته الكسّارات بآلاف الدونمات، وكذلك تشويه الجبال والوديان، إضافة إلى التلوّث السمعي وتهديد الأمن الحياتي للقاطنين في منطقة الكسّارات نفسها وفي مناطق بيت جعفر وفي الشنبوق (في أعلى القبيّات) والقبيّات والبيرة والسنديانة وصولاً إلى تخوم حلبا، وكلّها مناطق سكنية تجتاحها الشاحنات يومياً “حتى الغسيل المنشور خارجاً نرى لونه أسود ومليئاً بالغبار، وصار معظم الناس مرضى بالحساسية، فيما تنتشر الأمراض السرطانية بين آل جعفر”.

تطييف الصراع

وفيما يناضل أحمد مهدي جعفر وياسين علي جعفر وغيرهما من آل جعفر مع أعضاء مجلس البيئة في القبيّات ومعهم د. ضاهر ضدّ أصحاب الكسّارات ومن يدافعون عنهم أو يحمونهم من آل جعفر ومن القبيّات، وضدّ المسؤولين الداعمين للكسّارات من مختلف الطوائف، يسعى أصحاب الكسّارات إلى تحويل المشكلة من بيئية – اجتماعية إلى مناطقية وطائفية، كأنّ القبيّات ضدّ آل جعفر أو العكس. ويلفت ضاهر إلى أنّ أصحاب الكسّارات هم من المسيحيين والشيعة والسنّة، وكذلك يتوزّع المتضرّرون على المناطق والطوائف، وأنّ المعركة هي بيئية اجتماعية بحتة، وأنّ هناك علاقة جيرة حسنة وودّ بين القبيّات والجعافرة الذين يسكن بعضهم في القبيّات بينما تعلّم العديد من أبنائهم فيها أيضاً. ويشير ضاهر إلى أنّ مجلس البيئة حاول اللجوء إلى القضاء ولكنّ الأجوبة جاءت بضرورة تجنّب إثارة القضية “وإنّه لازم نروق حتى ما يتحوّل الموضوع طائفي وأمني نحن بغنى عنه”، كما قال لهم بعض الرسميين أيضاً. ويؤكّد ضاهر أنّ محطّات الودّ والحياة المشتركة السلمية بين القبيّات وجرد عشيرة جعفر أكبر بكثير من محطّات التوتر التي حصلت سابقاً بسعي من بعض الأجهزة وليس بسبب الناس هنا وهناك، لافتاً إلى أنّ النضال مشترك لحماية الجرد وناسه وسكانه الذين ينتمون بغالبيّتهم لآل جعفر، وكذلك حماية البيئة التي يتشاركها الطرفان مع ثرواتها.

نيران الإطارات وتلوثها

يحذّر ضاهر من قيام بعض الشبّان بحرق الإطارات لاستخراج الحديد منها وبيعه كخردة للدولة التي أمعنت في حرمان الجعافرة وجردهم لسنوات طويلة “لم تقدّم لهم الإنماء وفرص العمل وموارد الرزق”، مشيراً إلى أنّ إحراق الإطارات يتسبّب بإمراض سكّان المنطقة، ملاحظاً كطبيب كثرة أمراض السرطان بينهم “غبار الكسّارات ودخان الإطارات يعشعش في منازلهم، ويتضاعف الأثر البيئي والصحّي عليهم، في حين أنّهم يعيشون في أكثر منطقة مواءمةً للعيش الصحّي في لبنان”. ويلفت إلى أنّه يمكن رؤية دخّان الإطارات من الهرمل ومن أقصى الشمال حتى طرابلس.

كرم شباط

يرى ضاهر أنّه يجب حماية كرم شباط التي تمتد على مساحة 3 ملايين متر مربع، وهي “من أولى المناطق التي أعلنت وزارة البيئة وجوب حمايتها ولكن من دون اتّخاذ أي تدابير على الأرض، وهي من أكثر الغابات كثافة حيث تجد فيها أشجار الشوح والأرز واللزّاب، وهي الوحيدة في لبنان التي يتواجد فيها الأرز على سفوحها الشرقية كما الغربية، حيث لا يتواجد الأرز عادةً سوى في السفوح الغربية لسلسلة جبال لبنان الغربية، وتحديداً تلك المقابلة للبحر، ولا ينبت على الشرقية لجفاف مناخها. أما في كرم شباط، فنجد الأرز على سفوحها الشرقية التي تقع مقابل بحيرة حمص، ولذا يأتي الهواء من جهة الشرق مشبعاً بالماء، فتتشكل بيئة مناسبة لنمو الأرز. والمحمية غنية بالآثار من لوحات حملة نبوخذ نصّر سنة 550 قبل المسيح، ومع ذلك فهي مهدّدة بأعمال الكسّارات والرعي الجائر، وبناء الغرف وطبعاً قطع الأشجار. ويرى أنّ الغابة “تجدّد نفسها دائماً، ولكن يجب حمايتها”. وتتسبّب الكسّارات بتكثيف الغبار على أشجارها، فيما تؤدي التفجيرات إلى انزلاقات في التربة وفي مجاري المياه. وتتوزّع أشجارها بين: ثلث أرز وثلث لزّاب وثلث من الشوح، وهو شجر نادر جداً ومتواجد فقط في عكّار والضنية، وعدد قليل في محميّة حرج إهدن، و”من هناك إلى جنوب الكرة الأرضية لا نجد الشوح”.

رغم كلّ هذه الأضرار على سكان المنطقة الذين تهجّرهم الكسّارات وعلى البيئة حيث دُمّرت آلاف دونمات الأحراج، وعلى السلامة العامّة من وراء حركة شاحنات الرمل والبحص، وتهديد الكسّارات لواحدة من أهم محميّات لبنان، يشير مصدر رسمي طلب عدم ذكر اسمه إلى معلومات مؤكّدة حصل عليها تفيد بأنّ أحد وزراء الزراعة السابقين منع مأموري الأحراج من تسطير تقارير بالكسّارات كما طلب من القوى الأمنية في المنطقة عدم مداهمتها وعدم توقيف الشاحنات: “يعني عم نقاتل باللحم الحيّ ضد الكساّرات والقوى السياسية التي تحميها”، يختم متأسّفاً.

  1. يتمّ استقدام شاحنات محمّلة بالإطارات المستعملة وحرقها في مناطق الكسارات لاستخراج المعادن منها من أسلاك النحاس والحديد وبيعها كخردة.
  2. أصدر وزير البيئة بيار فرعون الأسبق قراراً وزاريا في 7/10/1995 يحمل الرقم 1/14 يرمي إلى إنشاء محمية طبيعية “كرم شباط”
  3. يرى د. ضاهر أنّ التراخيص غير قانونية وتقع الكسّارات خارج المناطق المحدّدة في مرسوم المقالع والكسّارات، وهي تتوسّع أيضاً خارج المساحات المحدّدة لها.

 

نُشر هذا المقال في العدد 1 من “ملف” المفكرة القانونية | الهرمل

انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة وتنظيم مدني وسكن ، مجلة ، الحق في الصحة والتعليم ، بيئة ومدينة ، اقتصاد وصناعة وزراعة ، سياسات عامة ، تحقيقات ، أجهزة أمنية ، أحزاب سياسية ، أملاك عامة ، فئات مهمشة ، مجلة لبنان ، لبنان



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني