حرائق 2023 ضعف 2022: مجموعات المناطق رأس حربة


2023-08-09    |   

حرائق 2023 ضعف 2022: مجموعات المناطق رأس حربة
متطوع من مجموعة "درب عكار"- سفينة القيطع عكار

لم تكن بداية موسم الحرائق هذا العام مطمئنة، إذ تُشير أرقام منصّة الإنذار المبكر لدى المجلس الوطني للبحوث العلميّة إلى نشوب 432 حريقًا في المناطق الحرجية حتّى اليوم مقارنة بـ 154 حريقًا في الفترة نفسها من العام الماضي أي ما يفوق الضعف.

وتُعيد هذه الأرقام المخاوف من تكرار حريق العام 2021 الذي صُنّف من أكبر الحرائق المسجّلة في لبنان والذي امتدّ من عكّار إلى الهرمل، ولا سيّما أنّ أرقام عكّار تحديدًا، وحسب مجموعة “درب عكّار”، تنذر بموسم صعب، إذ نشب خلال شهرَي حزيران وتمّوز وحدهما نحو 137 حريقًا، منها 63 حريقًا في مناطق غابات، وأدّت إلى خسائر قُدّرت مساحتها بـ 138 هكتارًا، أي ما يقارب ضعف خسائر موسم الحرائق كلّه في عكّار العام الماضي والتي لم تتجاوز 84 هكتارًا. هذا وتشير المعطيات المناخية إلى أنّ موجة حرّ غير مسبوقة ستضرب لبنان بدءًا من 12 آب الجاري، حيث من المُتوقَّع أن تتخطّى درجات الحرارة المعدّلات الحالية، ممّا يزيد المخاوف من حرائق جديدة. 

ويحكم تواتر الحرائق عنصرَين أساسيَّين، أوّلهما توقّع ارتفاع غير مسبوق بدرجات الحرارة التي قد تُلامس الخمسين درجة، الأمر الذي لم يسبق التعامل معه، كما يقول رئيس مجلس البيئة في القبيّات الدكتور أنطوان ضاهر، وثانيهما افتعال تجّارِ الحطب الحرائقَ باستمرارٍ، وسط تواطؤ بعض النافذين في المناطق، وغياب أيّ شكل من أشكال المحاسبة في الجرائم البيئية.

على الرغم من هذه المعطيات يؤكّد وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين أنّ الوزارة تسعى ليمرّ موسم الحرائق بأقلّ خسائر ممكنة، مشيرًا إلى أنّ الآليات والطرق الجديدة التي اعتُمِدت مؤخّرًا نجحت في تخفّيض الخسائر الناجمة عن حرائق الغابات في 2022 إلى حدود الـ 91% مقارنة بالسنوات الثلاث الماضية. 

فقبل العام 2019، كان لبنان يخسر ما يُقدّر بـ 1500 هكتار من أراضيه الحرجية سنويًّا بسبب حرائق الغابات، وتضاعفت هذه الخسائر في العام 2019 لتتجاوز 2600 هكتار. وفي العام 2020، بلغت نسب الحرائق ارتفاعات غير مسبوقة وتجاوزت خسائرها 7100 هكتار من الأراضي الحرجية. وفي العام 2021، استمرّت الحرائق وخسر لبنان في تلك الفترة أكثر من 2800 هكتار من مساحة غاباته، 1500 هكتار منها في أسبوع واحد. 

ويأمل وزير البيئة أن تساهم إستراتيجيّة مكافحة الحرائق التي أطلقت منذ شهرين في الحدّ من الخسائر ولكنّ تحقيق هذه الإستراتيجيّة بحاجة إلى تمويل، ولا سيّما أنّها تقوم بشكل أساسي على مجموعات وفرق تطوّعية مناطقية أثبتت فعاليتها خلال الأعوام الماضية، وبشكل لافت العام الماضي. فهذه الفرق قد لا تصمد طويلًا،  فهي لا تزال تُطلق حملات تبرّعات عند حاجتها إلى إصلاح إحدى آلياتها مثلًا، وواقعها هذا قد يقف حاجزًا يحول دون ديمومتها واستمرارها. ويُعدّ تدخّل الفرق التطوّعية المناطقية الأكثر فعالية لقربها اللصيق من مناطق الحرائق، ولسرعة علمها بوقوع حريق واستجابتها لإخماده. 

  جهوزية عمادها متطوّعون ومجموعات مناطق  

يُشير رصد الحرائق خلال السنوات العشر الماضية إلى ازديادٍ في عددها مع السنوات، وإلى بلوغها مناطق أكثر ارتفاعًا. أمام هذا الواقع، أُطلقت الإستراتيجية الوطنية للحدّ من مخاطر حرائق الغابات في لبنان، والتي تقوم بشكل أساسي، ولا سيّما في ظلّ الأزمة الاقتصادية، على جهود متطوّعين، سواء في الدفاع المدني أو في المناطق حيث تنتشر مجموعات وُجد معظمها بعد العام 2021، ذاك العام الذي كان كارثيًّا على صعيد حرائق الغابات والخسائر اللاحقة بها. 

تقوم هذه الإستراتيجية، وفق ما شرحه وزير البيئة لـ “المفكّرة”، على 3 ركائز. أولى هذه الركائز الوقاية أو التأقلم مع المتغيّرات المناخية لحماية الغابات، وذلك من خلال إدارة يومية للأحراج والغابات بغية تنظيمها وتنظيفها وحمايتها من أيّ أنشطة بشرية تؤدّي إلى خسارتها من حرق أو قطع، موضّحًا أنّ هذا الأمر مُناط بوزارة الزراعة. لكنّ وزارة البيئة، وعبر هبة حصلت عليها من مرفق البيئة العالمي، وضعت خطّتَين نموذجيّتَين لإدارة الغابات في عكّار وجبيل، وهما المنطقتان الأغنى من حيث المساحات الحرجية الموجودة في لبنان، وتمّ اعتمادهما كنموذج يُبنى عليه.

أمّا الركيزة الثانية للإستراتيجية فتتعلّق بالإنذار المبكر الذي يُمكّن من الاستجابة المباشرة الأساسية في موضوع السيطرة على الحرائق. ولتحقيق هذه الركيزة تتعاون الوزارة مع المجلس الوطني للبحوث العلمية، وكذلك مع الجامعات، مثل جامعة البلمند، التي تملك معلومات من الأقمار الاصطناعية القادرة على رصد خطر الحرائق لثلاثة أيّام مقبلة بشكل دقيق، فضلًا عن تحديدها مستوى الخطر في القرى من منخفض إلى مرتفع جدًّا، وذلك طيلة موسم الحرائق. هذا بالإضافة إلى الاعتماد على مجموعات في المناطق تقوم بالرصد الميداني. ويوضح ياسين أنّه يوجد حاليًّا 15 مجموعة موزّعة على الأراضي اللبنانية، وأنّ المناطق اختيرَت بناء على دراسة للحرائق بيّنت أنّ هناك 15 منطقة تحتوي على مساحات حرجية تفوق مساحتها الـ 50 هكتارًا، وكانت تتعرّض لحرائق الغابات خلال السنوات العشر الماضية.

وفي حين يوضح ياسين أنّ هذه المجموعات تتألّف من بلديات ودفاع مدني وإعلاميي المناطق وجمعيات بيئية ومتطوّعين، يُشير إلى أنّ عددًا من هذه المجموعات كان موجودًا وتمّ تطويره، مؤكّدًا أنّه تمّ استحداث بعض منها، وأنّ هذه المجموعات باتت تُعرف بمجموعات الرصد والإنذار المبكر في المنطقة، كمجموعات عكّار والضنية وتنورين وجبيل وكسروان وبسكنتا والمتن وعاليه وصور والبقاع الغربي وراشيا.

ويمتدّ دور هذه المجموعات لتشكّل أساسًا في إستراتيجية الحدّ من الحرائق باعتبارها “المستجيب الأوّل”، وهو الركيزة الأساسية الثالثة للإستراتيجية الوطنية. وفي هذا الصدد يُشير ياسين إلى أنّ الوزارة تعمل على تطوير هذه المجموعات عبر تدريب فرق من المتطوّعين تكون حاضرة وجاهزة للتدخُّل السريع عند حدوث أيّ حريق، فتتمكّن من إطفائه خلال دقائق يُحدّد عددها مؤشّر قياس الأداء. ويتعدّى دور الوزارة عمليّة التطوير هذه ليشمل تجهيز هذه الفرق من خلال التدريب المطلوب، وتأمين العتاد والآليات الضرورية، مثل البيك آب الذي يستطيع الوصول إلى أماكن لا تستطيع بلوغها سيّارات الدفاع المدني، والخراطيم التي يصل طولها إلى 600 متر. 

ولتطوير المجموعات الموجودة واستحداث مجموعات أخرى، يتمّ التعاون حاليًّا مع منظّمات دولية ومانحين ومتبرّعين، ذلك أنّ الإستراتيجيّة تهدف إلى أن يصبح لكلّ منطقة حرجية مجموعتها المجهّزة والمدرّبة والحاضرة دائمًا في الرصد والإنذار والتدخّل السريع لتكون المستجيب الأوّل مع الدفاع المدني، ومن ثمّ يأتي دور إدارة الكوارث في مجلس الوزراء والجيش، في حال احتاج الأمر.

يؤكّد وزير البيئة أنّ هذه الإستراتيجية تُساعد “على الحدّ من حرائق الغابات وتساهم في حصر خسائرها”، إلّا أنّ الأمر يحتاج إلى تمويل؛ فحتّى هذه اللحظة لا تزال المجموعات تطلب المساعدة لإصلاح آلياتها، والدليل الحيّ على ذلك النداءُ الذي أطلقته مجموعة درب عكّار منذ يومَين لإصلاح سيّارة الإطفاء الأساسية، بحيث تبلغ كلفة إصلاحها نحو 1200 دولار؛ من دون أن ننسى العدد الكبير من آليات الدفاع المدني الذي ما يزال خارج الخدمة، الأمر الذي يعيق بطبيعة الحال تنفيذ الخطط المرتبطة بإستراتيجية مكافحة الحرائق.

عكار العتيقة- حرف السنّ

صندوق طوارئ حرائق الغابات

لتأمين الأموال اللازمة لتحويل هذه الإستراتيجية إلى واقع، تعمل وزارة البيئة حاليًّا مع البنك الدولي على إنشاء صندوق طوارئ حرائق الغابات بهدف تأمين الاستثمار في فرق المستجيب الأوّل والدفاع المدني، وفي كلّ الإدارات التي تعمل في موضوع مكافحة الحرائق.

وفي هذا السياق، يوضح وزير البيئة ناصر ياسين أنّ الهدف من الصندوق هو تجهيز الدفاع المدني وفرق المناطق وحرّاس الأحراج والمحميّات، إذ تحتاج هذه الأجهزة جميعها إلى دعم لتأدية مهامّها، موضحًا أنّ البنك الدولي وافق على فكرة الصندوق وأنّ البحث جارٍ حاليًّا حول طريقة تمويله وإدارته وشكل الحوكمة.

ويُشير ياسين إلى أنّ وزارة البيئة، وبانتظار إنشاء هذا الصندوق، أطلقت تجربة صندوق محلّي في منطقة عكّار والشمال جُمعت عبره تبرّعات بقيمة 25 ألف دولار من شركات خاصة ورجال وسيّدات أعمال، وقد وُضِعَ تحت إدارة الأوقاف، وهو يسهم في تأمين الدعم المطلوب للأمور الطارئة من تصليحات وتكاليف تشغيلية.

لا جهوزية من دون المحاسبة و40% من الحرائق مفتعل 

يعتبر رئيس مجلس البيئة في القبيّات الدكتور أنطوان ضاهر أنّ “الجهوزية في ما خصّ مكافحة الحرائق موجودة، إلّا أنّنا لا نعرف ماذا تخبّئ لنا الطبيعة في ظلّ توقّع ملامسة الحرارة 50 درجة، وهو ما لم نختبره من قبل، هذا فضلًا عن التخوّف من الحرائق التي يفتعلها تجّار الحطب الذين استفادوا العام الماضي من حرائق الغابات، ولا سيّما مع استمرار غياب المحاسبة وتواطؤ بعض المعنيين”.

ويعتبر ضاهر في اتّصال مع “المفكّرة” أنّه “لا يمكن الحديث عن الجهوزيّة من دون التأكيد على موضوع محاسبة من تسبّب في إبادة الغابات المحروقة والشجر الأخضر في عكّار والضنيّة والقبيّات وأكروم، وفي عكّار العتيقة الجبليّة؛ فطالما أنّ لا تحقيقات تطال جرائم الحرائق، إذ لا يوجد مجرم غابات، فإنّ من يقوم بإحراق هذه الغابات يدرك جيّدًا أنّه محميّ”.

وفي إطار غياب المحاسبة، يذكر ضاهر كيف قامت مجموعة مسلّحة في عكّار العتيقة بافتعال الحرائق الصيف الماضي، وكيف اعتدت على من حاول منعها أو إطفاء الحريق قائلًا: “هؤلاء الأشخاص معروفون بالاسم، ولكنّهم محميّون من نوّاب ونافذين في المنطقة؛ أعطينا أسماءهم وأرقامهم للقوى الأمنية، هم حطّابون باتوا يصدّرون الحطب إلى قبرص”.

وفي حين يذكّر ضاهر بأنّ سبب حريق عكّار الشهير الذي نشب في 28 تمّوز 2021 لم يُعرَف حتّى اللحظة بالرغم من أنّه يُعَدّ من أكبر الحرائق في لبنان، وبأنّه لم تتمّ محاسبة أحد، يشير إلى أنّ 95% من حرائق الغابات في عكّار مثلًا هي من فعل الإنسان عن قصد أو غير قصد، وأنّ نسبة الحرائق المفتعلة تصل إلى 40%.

ويرى ضاهر أنّ افتعال الحرائق لا يقتصر على تجّار الحطب، إذ إنّ بعض أصحاب الأراضي غير الممسوحة، وبهدف توسيعها – إذ تكون حدود هذه الأراضي محدّدة بورقة مختار حتّى غابة ما – يعمدون إلى افتعال الحرائق في جزء من الغابات لتتوسّع مساحة أرضهم تلقائيًّا مع تقلّص مساحة الغابة. هذا فضلًا عن إسهام الرعاة في افتعال الحرائق نظرًا إلى أنّ أعشاب الرعي تظهر بشكل سريع بعد حرق الغابات، فيؤمّنون بهذا مراعيَ جديدة.

كذلك يتحدّث ضاهر عن الحرائق المفتعلة المتعلّقة باستصلاح الأراضي في عكّار، إذ يقوم عدد من أهالي المنطقة، الذين هجروا أراضيهم لفترة طويلة بعد التحاق عدد كبير منهم بوظائف حكوميّة، وتحديدًا الجيش، بحرق الأرض للتخلّص من أشجار معمّرة نبتت فيها وصارت تتطلّب إزالتها رخصة، وذلك لاستصلاحها والاستفادة منها زراعيًّا في ظلّ الأزمة الاقتصادية.  

ويُشدّد ضاهر على أنّ التحقيق بهذه الجرائم سهل جدًّا، إلّا أنّ لا نيّة لأحد للقيام بهذا الأمر، بالرغم من خطورته؛ إذ يخسر لبنان سنويًّا 5% من مساحاته الخضراء بسبب الحرائق بشكل أساسي، فضلًا عن القطع والكسّارات والتبدّل العمراني العشوائي، مشيرًا إلى أنّ استمرارنا على هذه الحال سيقضي حتمًا على المساحات الخضراء بغضّ النظر عن عمليات التشجير في عدد من المناطق.

ولعلّ الحريق الذي نشب الشهر الماضي في وادي جهنّم في عكّار خير دليل على غياب المحاسبة في الجرائم البيئية، إذ يُشير عدد من المعنيين في المنطقة إلى أنّه كان مفتعلًا، وأنّ عددًا من الحطّابين قاموا بإشعال النار عن قصد متسبّبين في خسارة 15 هكتارًا من مساحة الوادي، معرّضين لخطر النيران مساحاتٍ واسعة، وكذلك حياة الناس، إذ تُعَدّ بيئة الوادي عدائيّة لإطفاء الحرائق؛ فطرقاته وعرة وضيّقة وتربته معرّضة لخطر الانجراف، حتّى أنّه صُنِّفَ من الغابات العذراء في لبنان لصعوبة الوصول إليه ولكثافة غطائه النباتي والحرجي.

وانطلاقًا ممّا تقدّم، يعتبر ضاهر أنّ الإنذار المبكر وإطفاء الحريق والاستجابة السريعة مهمّة جدًّا، ولكنّ الأهمّ إيجاد الرادع عبر معاقبة المتسبّبين في الحرائق.

ما يقوله ضاهر عن افتعال الحرائق يؤكّده أيضًا الدكتور شادي عبدالله، مسؤول منصّة الإنذار المبكر لدى المجلس الوطني للبحوث العلمية، لافتًا إلى أنّ حرائق الغابات غالبًا ما تكون مفتعلة أو نتيجة إهمال، وهي غالبًا ما تبدأ من أعشاب يابسة وتمتدّ إلى الغابات والبساتين مسبّبة خسائر في الأشجار الحرجية والأشجار المثمرة . كما يؤدّي بعضها إلى خسائر في الثروة الحيوانية والمناحل كما حصل في زغرتا وأبي سمرا وعكّار العتيقة. وكذلك أدّى حريق القرنة الذي اندلع في حقل قمح إلى وفاة أحد الأشخاص.

وفي هذا الإطار، يوضح ياسين أنّ دور وزارة الزراعة يأتي في مرحلة ما بعد الحريق، وذلك لتحمي المناطق التي احترقت، وتمنع البناء عليها أو قطعها كما حصل في غابة المورغان في القبيات (2021) حيث تعرضت للقطع الجائر ل 4 كيلومتر احترقت من الغابة التي تبلغ مساحتها 8 كيلومترات)، لأنّ الغابة تُعيد إحياء نفسها بنفسها بعد خمس سنوات، من هنا وجوب حمايتها. مع العلم أنّ تعرّض المحميّات الموضوعة تحت وصاية وزارة البيئة للتعدّيات أو الحرائق يبقى محدودًا مقارنة مع ما يحدث في الأحراج والغابات التي تُعدّ مشاعات أو تحت سلطة مراكز الأحراج.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مجلس البيئة في القبيّات بدأ بحراسة الأحراج، وبتسيير دوريّات وحراسة بالتنسيق مع الدفاع المدني والسلطات المحلّية. كما أنّ الدفاع المدني، بالتعاون مع المجالس البلدیة في مختلف البلدات والمناطق الجبلیة، يسيّر دوریات لیلیة تجول على الأحراج، عندما تتوفر أموال الوقود اللازم لتسيير هذه الدوريات، وهو نادر.   

الدفاع المدني مستعدّ… ولكن باللحم الحيّ

يؤكّد الدفاع المدني جهوزيّته في ما خصّ مكافحة الحرائق ولكن وفق الإمكانيات المتوافرة، فالمعدّات قدیمة وتحتاج إلى صيانة دورية، وأسعار المحروقات، التي لا يزال يؤمّنها عبر الجيش بكمیّات محدودة، إلى ارتفاع دائم، فضلًا عن النقص الحادّ في العتاد والتجھیزات الضرورية لأداء مھامّه المحفوفة معظمھا بالمخاطر، إذ يصحّ القول إنّهم يعملون “باللحم الحيّ”.

 ويوضح مصدر في الدفاع المدني لـ “المفكّرة” أنّه تمّ هذا العام، كما يحصل عادةً في موسم الحرائق، رفعُ الجھوزیة بموجب مذكّرة للمدیریة العامة للدفاع المدني، وتمّ تعمیمھا على المراكز المنتشرة على الأراضي اللبنانية (25 مركزًا إقلیمیًّا و210 مراكز عضویة و6 مراكز بحریة) ولا سیّما المراكز الإقلیمیة المتواجدة في المناطق الأكثر عرضة للحرائق، هذا بالإضافة إلى نشر أكثر من 25 بركة اصطناعية على عدد من المناطق لتعبئتها عند الحاجة، بالتنسیق مع القوّات الجوّیة في الجیش اللبناني.

ويُشير المصدر إلى أنّ عدد الآليات التابعة للمديرية العامة للدفاع المدني والموضوعة في الخدمة هو 767 آلية بينها 135 معطّلة ومتوقّفة عن العمل، فيما الباقي قديم العهد يحتاج إلى صيانة مستمرّة، كما يشير إلى أنّ الدفاع المدني يطمح إلى تحديثها لكنّها مسألة في غاية الصعوبة في ظلّ الأزمة الاقتصادية.

بالإضافة إلى موضوع العتاد، فقد وجد الدفاع المدني نفسه عاجزًا هذا العام عن تأمين التغطية الصحّية للمتطوّعين وعن تأمين الآليات، ممّا فتح المجال لتلقي الدعم من جهات سياسية للعام الثاني على التوالي.

الدفاع المدني في عكار

درب عكّار نموذجًا 

تُعدّ مجموعة “درب عكّار” نموذجًا واضحًا يبيّن الدور الذي يمكن أن تقوم به مجموعات المناطق في موضوع مكافحة الحرائق، ويسلّط الضوء على الفَرق الذي يمكن أن تُحدثه في هذا الإطار. فخلال السنوات الماضية، حتّى العام 2021، عانت عكار من حرائق غابات كارثية أدّت إلى خسارتها نحو 3000 هكتار من أصل 21 ألف  هكتار من غاباتها، أي ما نسبته 15% من هذه الغابات، والتي قد تستغرق عقودًا طويلة لتعود كما كانت عليه، بخاصّة مع استمرار التعدّيات، من قطع جائر وتمدّد عمراني، وذلك وفق خالد طالب، مؤسّس وقائد فريق “درب عكّار” لمكافحة حرائق الغابات والإنقاذ.

ويوضح طالب في حديث إلى “المفكّرة” أنّ العام الماضي كان عامًا مفصليًّا بفضل جهود هذه المجموعة وتعاونها مع الدفاع المدني وفرق الإطفاء المحلّية ووزارة البيئة؛ فبالرغم من اندلاع حرائق بأعداد متقاربة مع عامَي 2020 و2021، فقد سجّلت خسائر المساحات المتضرّرة العام الماضي النسبة الأدنى خلال السنوات العشر الماضية، إذ إنّ أغلب الحرائق كانت تُخمَدُ خلال ساعات أو يومَين كحدّ أقصى.

ويُشير طالب إلى أنّ “درب عكّار” استجاب العام الماضي لمعظم الحرائق التي اندلعت ضمن الغابات العكّارية، وسجّل 25 مهمّة داخل عكّار ومهمّتَين خارجها، فضلًا عن حرائق الأماكن الآهلة وحرائق مكبّات النفايات القريبة من الأحراج؛ وقد عمل بالتعاون مع الدفاع المدني والجيش والبلديات واتّحاداتها والمتطوّعين من الأهالي وفرق الاستجابة الأوّلية على إخمادها وتبريدها وحصر أضرارها قدر المستطاع؛ هذا بالإضافة إلى جمع العديد من المعلومات حول طرق انتشار النار والإستراتيجيات الأمثل لمكافحتها بحسب نوعية الغابات والظروف المختلفة، الأمر الذي يُستفاد منه في المهمّات اللاحقة.

متطوعون من “درب عكار”

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ عدد الحرائق في منطقة عكّار لامس 157 حريقًا العام الماضي، منها 128 اندلع في غابات، و16 كان يمكن أن يتحوّل الى حرائق كبرى، إلّا أنّ نسبة الخسائر والأضرار لم تتجاوز 84 هكتارًا، أي أقلّ بكثير من الخسائر التي كانت مُقدّرة بـ 3850 هكتارًا في حال التعذُّر عن السيطرة على الحريق.

لا يمكن أن يُقارَن ما حصدته حرائق العام الماضي من خسائر في الغابات والأراضي الحرجية في عكّار بعامَي 2020 و2021، إذ تخطّت المساحات المتضرّرة في عكّار العام 2020 حدود 630 هكتارًا، وارتفعت العام 2021 إلى 2645 هكتارًا.

تأسّس فريق “درب عكّار” بعد حرائق العام 2020، حين خرجت مجموعة من المتطوّعين للمساعدة على إطفاء الحرائق الكبيرة حينها بمجهود فردي ومعدّات يدوية بسيطة؛ بعد ذلك، قرّر هؤلاء الشبّان حماية غابات منطقتهم من الحرائق فأطلقوا حملة تبرّعات جمّعوا خلالها نحو 17 ألف دولار العام الأوّل، وجهّزوا بفضلها آلية (بيك آب) تُعدّ من أكثر الآليات فعالية في لبنان، إذ بإمكانها أن تصل إلى أيّ مكان في الحرج بخراطيم يصل مداها إلى كيلومتر مربّع.  

يضمّ الفريق حاليًّا 15 متطوّعًا يعملون بشكل أساسي في محافظة عكّار، وقد تحوّل في وقت قياسي من فريق تدخّل سريع إلى فريق مغاوير حرائق الغابات، ما دفعه إلى نقل تجربته إلى مناطق أخرى عبر مخيّمات تدريبية ومن خلال تقديم الدعم اللازم؛ إلّا أنّ التمويل قد يكون عائقًا أمام إكمال هذه المسيرة. ففي هذا السياق يصرّح “طالب” بأنّ كلّ العمل الذي قام به الفريق على مدى السنوات الثلاث الماضية لم تتجاوز كلفته 70 ألف دولار، استُخدِمت لشراء وصيانة الآليات والتجهيزات والبدلات والتكاليف التشغيلية؛ ولكنّ تأمين استمرار التمويل السنوي الأساسي لاستدامة الفريق، والذي لا يتجاوز الـ 15 ألف دولار سنويًّا، ليس بالأمر السهل، وإن كان لا يُقارَن بالعمل الذي يقوم به الفريق الذي يساعد في مهمّات إطفاء قد تتسبّب أضرارها في خسارة ملايين الدولارات.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، أملاك عامة ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني