تقييم سلبي لأداء هيئة الحقيقة والكرامة في تونس: تقييم موضوعي للهيئة أم لخيارات العدالة الانتقالية؟


2018-12-24    |   

تقييم سلبي لأداء هيئة الحقيقة والكرامة في تونس: تقييم موضوعي للهيئة أم لخيارات العدالة الانتقالية؟

ذكر رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد في حوار صحفي بثته قناة التاسعة التونسية مساء يوم 21-12-2018، أن هيئة الحقيقة والكرامة فشلت في تحقيق أهدافها وبرر تقييمه السلبي لأدائها بكونها أنهت أشغالها من دون أن تتوصل لرد الاعتبار للضحايا ولا لكشف للحقيقة. واعتبر “أنّ الهيئة تسبّبت في مزيد تقسيم التونسيين ولم تنجح في تحقيق الأهداف المرسومة لكونها  سُيّست ورئيستها سهام بن سدرين شنّجت الأمور”. وكشف عن أن للحكومة مشروع قانون يضمن إنجاح مسار العدالة الانتقالية ويحقق غاياتها المتمثلة في المصالحة الشاملة ورد الاعتبار للضحايا.

بعد يومين من هذا التصريح، كرر البيان الختامي للدورة 24 لمجلس شورى حركة النهضة ذات التقييم  بعد أن أورد بثامن بنوده أنه “يسجّل أن نتائج عمل هيئة الحقيقة والكرامة لم تكن في مستوى المأمول من حيث كشف الحقيقة وجبر الضرر وردّ الاعتبار بما يحقق المصالحة الوطنية الشاملة.” وهنا يذكر أن الحركة لمحت قبل هذا لذات التقييم وأكدت عزم كتلتها النيابية التقدم بمقترح قانون يجسد المشروع الذي سبق وأن تبنته هياكل حزبها منذ بداية الشهر الخامس من سنة 2016 والذي يقايض كشف الحقيقة بالعفو في مسار يضمن حق الضحايا في جبر ضررهم في سياق مصالحة شاملة. ويلاحظ هنا أن الموقفين الصادرين بعيد أيام من عقد الهيئة لمؤتمرها الختامي وقبيل أيام من إعلان الهيئة عن تقريرها الختامي الذي يفترض أن يتضمن توصياتها النهائية سيكونان حاسمين في رسم نهايات عملها.

يفرض القانون أن تحرر الهيئة تقريرا في ختام عملها يتضمن:

“-الحقائق التي توصلت إليها بعد التثبت والتحقيق،

– تحديد المسؤوليات،

-الأسباب التي أدت إلى الانتهاكات المشمولة بهذا القانون والتوصيات الكفيلة بعدم تكرارها في المستقبل،
– التدابير الواجب اتخاذها للتشجيع على المصالحة الوطنية وحماية حقوق الأفراد وعلى الأخص حقوق النساء والأطفال والفئات ذات الاحتياجات الخاصة والفئات الهشة،

– التوصيات والمقترحات والإجراءات التي تعزز البناء الديمقراطي وتساهم في بناء دولة القانون،

– التوصيات والاقتراحات المتعلقة بالإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية والأمنية والقضائية والإعلامية والتربوية والثقافية وغيرها التي تراها لتجنب العودة إلى القمع والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان وسوء التصرف في المال العام”.

كما يوجب القانون أن تسلم الهيئة تقريرها إلى”كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة”. وهو يلزم الحكومة بأن “تتولى خلال سنة من تاريخ صدور ذاك التقرير إعداد خطة وبرامج عمل لتنفيذ التوصيات والمقترحات التي قدمتها الهيئة وتقدم الخطة والبرنامج إلى المجلس النيابي لمناقشتها. ويتولى المجلس مراقبة مدى تنفيذ الهيئة للخطة وبرنامج العمل من خلال إحداث لجنة برلمانية خاصة للغرض تستعين بالجمعيات ذات الصلة من أجل تفعيل توصيات ومقترحات الهيئة”[1].

ويؤشر حسم رئيس الحكومة موقفه من نتائج عمل الهيئة قبل إعلانها عن تقريرها عن كون التقرير المرتقب للهيئة لن يكون له الأثر التشريعي المحدد في القانون وسيكون مجرد وثيقة توصيات لن تلتفت له الجهات الرسمية التي ستكون حينها مشغولة بالإعداد لما بعد الهيئة. وعلى مستوى ثان، تُظهر مجاهرة حركة النهضة بتقييمها السلبي لأداء الهيئة بمثابة التأييد المسبق للموقف الرسمي المنتظر من التقرير الختامي لعملها. ويبدو هذا الموقف إنكسارا هاما للهيئة التي كانت سابقا تعوّل في صراعها مع السلطة على دعم الحركة وأنصارها الذين يعدّون المكوّن الأساسي لفئة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وينتظر تبعا لهذا أن يتحول في قريب الأيام الاهتمام بالعدالة الانتقالية التونسية من هيئة الحقيقة والكرامة التي كانت تختزل المشهد بالصراعات داخلها والصراعات حولها إلى ما سيعقبها من تجربة وما سيكون من خلاف في تصورات تلك التجربة بين الأطراف السياسية التي يبدو أنها تتجه لجعل حق الضحايا في جبر ضررهم موضوعا جديدا لسجالاتها.

 


[1]  الفصل 70 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 مؤرخ في 24 ديسمبر 2013 يتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، عدالة انتقالية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني