تقرير للمفكرة القانونية حول الاستغلال الجنسي والاقتصادي أمام القضاء: بين الحاضر والغائب


2018-08-04    |   

تقرير للمفكرة القانونية حول الاستغلال الجنسي والاقتصادي أمام القضاء: بين الحاضر والغائب

7 فقط من أصل 34 قضية إتجار بالأشخاص تنطبق عليها مؤشرات الجريمة المنظمة. أما عن أشكال الإستغلال التي تمت ملاحقتها في سياق هذه القضايا فأغلبها تتعلق باستغلال الدعارة (17 قضية تخص 46 ضحية)، أو التسول (15 قضية تخص 24 ضحية) في غياب أي قضية تتصل بالعمل القسري.

هذه الأرقام تشكل نتائج دراسة أعدتها المحامية غيدة فرنجية من “المفكرة القانونية”، أعلنت عن مضمونها بتاريخ 31 تموز 2018 في ندوة حول “الاستغلال الجنسي والاقتصادي أمام القضاء: بين الحاضر والغائب”. تتمحور الدراسة حول إشكالية كيفية “معالجة القضاء اللبناني مفهوم الاستغلال بأوجهه المختلفة لا سيما بعدما أصبح جريمة قائمة بحد ذاتها في العام 2011 بموجب قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص”. واستندت الدراسة إلى 34 قضية نظرت فيها محكمتا الجنايات في بيروت وبعبدا خلال العامين 2016 و2017. شاركت في الندوة منظمة كفى عنف واستغلال، بشأن تجربتها في تقديم الدعم لضحايا الإتجار بالبشر.

الجرائم المنظمة هي “الغائب”، وكذلك جرائم العمل القسري

“إقرار القانون لم يؤدّ دائما إلى تطور رؤية المحكمة بالنسبة إلى علاقات وروابط الإستغلال، حيث يستخدم القانون لحماية نظام عام معين بدلاً من حماية الفئات الضعيفة، لا سيما أن الملاحقين هم من الفقراء”. تنتهي معدة الدراسة المحامية غيدا فرنجية إلى هذه الخلاصة بعد إستعراض مضمون الدراسة ناحية طبيعة الإستغلال “الحاضر” أمام المحاكم، يقابله “الغائب” عنها. أيضاً لناحية الأشخاص المعنيين بالإتجار: من هم الضحايا، ومن هم المتهمون؟ أخيراً الإجراءات القضائية والأحكام الصادرة.

يتبين من الدراسة أن الجريمة التي يتم ملاحقتها على أساس قانون تجريم الاتجار بالأشخاص هي بشكل أساسي قضايا الدعارة والتسول. بالمقابل فإن القضايا الغائبة عن المحاكم هي تلك المتعلقة بالعمل القسري بالنسبة للعمال المهاجرين الخاضعين لنظام الكفالة، “الفنانات” الأجنبيات العاملات في مجال الترفيه في الملاهي الليلية واستغلال الأطفال في العمل القسري لا سيما الزراعة. من هنا تشير فرنجية إلى أنه “لم يتبين من مراقبة الجرائم الحاضرة أمام القضاء أي عوامل تبين أن الجريمة منظمة حيث أن أغلبية المتهمين بالإستغلال هم من أقارب الضحية أو من عائلتها المباشرة أو من الجيران أو هناك علاقة حميمة بينهم”.

 وفقاً لفرنجية، أن “إقرار قانون الإتجار بالبشر لم يوصل لإلغاء العقبات أمام بعض الفئات للوصول إلى العدالة عند تعرضها للاستغلال. على العكس من ذلك: فبعد مضيّ 7 سنوات على إقرار القانون، ما يزال القسم الأكبر من القضايا متصلا باستغلال الدعارة والتسول، وهما جرمان كانا معاقبين أصلاً. بينما التغيير الحاصل على صعيد هذه الجرائم هو التشدد بالعقوبات والإجراءات القضائية باتت أطول”. هذا الواقع، هو مؤشر على “ضعف في إرادة مكافحة جرائم الإتجار المنظمة، لا سيما إذا أردنا أن نقارنها مع مكافحة جريمة الإرهاب بوصفها أيضاً جريمة منظمة”.

يقول المحامي نزار صاغية من “المفكرة” في السياق نفسه أن لبنان يخضع “لرقابة على ما تنجزه الدولة لناحية مكافحة الإتجار بالأشخاص. بالتالي، تبرز الدولة أرقاما جيدة من الملاحقات كأن تقول لاحقت 200 حالة محتملة من الإتجار بالأشخاص. ولكن حين ندقق في هذه الحالات، ندرك حجم المشكلة: فما هي هذه الحالات؟ تسول؟ دعارة بتسهيل من أقارب؟ أين الشبكات الكبيرة؟”. وتتعزز هذه القراءة بما قالته فرنجية خلال عرضها للدارسة حيث أشارت إلى “تبرئة 6 أشخاص من تهمة الإتجار، حيث اعتبرت المحكمة أنه لا يوجد أي استغلال أو جريمة منظمة على الرغم من وجود ملفين منفصلين أمام مرجعين قضائيين ضد شقيقين من بين الـ 6 المتهمين. الملفان المنفصلان يتعلقان بمستغلات مختلفات، كلها جرائم دعارة، ومن بين المستغلات هناك قاصرة”. إذن “هذه عوامل توحي بوجود جريمة منظمة، لكن المتهمين برّؤوا”.

يضيف صاغية في نفس الإتجاه أنه لهذه الناحية تطرح “مشكلة التحقيقات الأولية، ونسأل إن كانت قد سعت لكشف هذه الشبكات وإن كان لديها وسائل إستقصاء في هذا المجال فعالة كما هي الحال بالنسبة لجرائم الإرهاب”. لا يظهر أنه يوجد مثل هذه الآليات في جرائم الإتجار، لا سيما عندما “نرى الجرائم الكبيرة التي لا تصل ملفاتها إلى أي مكان بسبب عدم وجود إرادة جدية للاستقصاء”.

هذا الواقع ينعكس سلباً على إنجاز مهم جداً على صعيد قانون العقوبات، وهو وفقا صاغية “ورود كلمة إستغلال فيه لأول مرة”. الأمر الذي لا يجوز أن يؤدي إلى “أن تكون غالبية المتهمين أمام المحاكم بقضايا الإتجار من الفئات المستضعفة”.

استغلال التسول، قضايا عائلية

فيما يتضح من الدراسة أن جزءا هاما من الجرائم المحالة أمام القضاء هو من جرائم التسول، نتبيّن أن المتهمين هم في 12 من أصل 15 قضية، من ذوي الأطفال (9 آباء و3 أمهات)، معظمهم لاجئون من الجنسية السورية.

توضح فرنجية أن معالجة الأحكام لهذه القضايا تم في ظل “تغييب كامل للأطفال عن الملف”. فما يحصل هو أن “النيابة العامة تضع الأطفال في مؤسسات رعاية، فلا يستمع لهم أحد ولا يوضع تقرير من قبل قاضي الأحداث أو مندوبة الأحداث أو دار الرعاية نفسها. ونحن لا نعرف أيضاً إذا أعيدوا إلى المنزل العائلي بعد صدور الأحكام”. بالإضافة إلى ما تقدم “تخلو الملفات من قصص الأطفال الضحايا، أي ما تعرضوا له/ سبب دفعهم للتسول، وهل يذهبون إلى المدارس أم لا، ما هي ظروف عائلتهم الإقتصادية”. وهنا تجدر الإشارة إلى أن “قانون مكافحة الإتجار لا يلزم بالنظر بوسائل الإستغلال عندما يكون المستغل قاصرا” وفقاً فرنجية.

ولكن “كنا نتوقع مثلاً أن نرى كيف ميّزت المحكمة بين جرم التسول والحضّ على التسول من جهة، وبين جرم الإتجار بالبشر من جهة أخرى”. هناك “حكم واحد برّأ الأب من جريمة الإتجار بابنه، لأن الأب اصطحبه للتسول خلال يوم عطلة مدرسية”. لذا، بنتيجة الدراسة، يمكن القول “أننا لا نعلم الفرق بين التسول للاسترزاق وبين إستغلال أشخاص لتحقيق أرباح مالية ضمن شبكات التسول. على العكس من ذلك، فإن الإستغلال كان مفترضاً بمجرد وجود الأطفال في الشارع”.

كل استغلال للدعارة إتجار؟

لناحية الاستغلال من خلال الدعارة ، هناك “16 إمرأة تم الإدعاء عليهن بجرائم متصلة بالإتجار بهن”. تقول فرنجية أن “الضحايا في الدعارة تعرضن للإدعاء عليهن في نفس الملفات مع مستغليهن، وذلك بجرائم مخالفة شروط الإقامة أو تعاطي المخدرات”.

هذه الأرقام تعكس “ضعف أثر قانون الإتجار بالأشخاص على النظرة إلى العاملة بالدعارة كشريكة بالجريمة، بالتالي يتم التعامل معها كذلك من دون التدقيق بالحالات”. إلى ذلك، برز ضمن الأحكام التي اطلعت عليها فرنجية عدد من الأحكام المسبقة على النساء العاملات في الدعارة من بينها على سبيل المثال :”تمارس الدعارة، كونها تتعاطى المخدرات، كونها تتمتع بحريتها بالتجول، كونها لا تعرف أحد المتهمين باستغلاله، أن الضحية القاصرة التي تتقاسم الأموال مع راشدة بالتالي هي بنفس المستوى مع الضحية”. تقول فرنجية أن “هذه الأحكام أدت إلى التشكيك في مصداقية الضحية من قبل المحاكم، بالتالي بيّنت لنا أن المحكمة ليست على معرفة كافية بآليات الاستغلال وأساليبه”.

وفي هذا السياق، رأت مسؤولة وحدة مكافحة الإتجار بالأشخاص في “كفى”، غادة جبّور أن المرأة في الدعارة هي في الأعم من “الفئات الأكثر هشاشة، لا سيما من المعرضات لعنف جسدي وجنسي”. أمام هذا الواقع “نسأل ما هو الخيار، أي عن أي رضا ممكن أن نتحدث بالنسبة لأي امرأة تعمل في الدعارة، النساء في الدعارة. هي لا تختار بل تقرر الدخول إلى هذا المجال والفرق بين الاختيار والرضا كبير”. وأكبر دليل أن “أغلب النساء اللواتي دخلن إلى مجال الدعارة هن قاصرات”. بالنتيجة، وفقاً لجبور، في قضايا الدعارة “الرضا لا يلغي تعرض المرأة للاستغلال”. والحال أن هذه الوجهة تفترض أن كل من يستغل إمرأة في الدعارة، هو بطبيعة الحال يمارس جريمة إتجار بها، لا سيما أن الدعارة بذاتها هي شكل من أشكال “تسليع النساء” بحسب جبور. وقد لقي هذا الرأي نقاشا من بعض الحاضرين، وبخاصة، المدير التنفيذي لمنظمة SMEX محمد نجم الذي وضع قول جبور في خانة الرأي السياسي، ولا سيما أن العديد من الناشطين يرون أن ممارسة الدعارة من دون ضغط أو إخضاع، تشملها حريتها الشخصية.

في مطلق الأحوال يتضح من الدراسة أن ما تتجه إليه المحاكم هو “إغفال شهادة الضحية في كل مرة تعتبرها شريكة في جريمة دعارة”. والعاملات في الدعارة يعتبرن كذلك بمجرد قولهم أمام المحكمة أنهن “وافقن على ممارسة الدعارة”.

نظام الكفالة: إتجار غير معاقب؟

من بين القضايا الـ 34 في الدراسة، واحدة فقط اتصل موضوعها ب “استقدام عمال أجانب”، وهي تتصل بتنظيم الاستقدام وليس بالعمل القسري.

تتكلم المحامية موهانا إسحاق من منظمة “كفى” عن قضيتين لم تصلا لمرحلة المحاكمة، تشكلان نموذجاً لقدرة العاملة ضحية الإتجار من المثول أمام القضاء ومتابعة قضيتها في هذا الإتجاه. في واحدة من القضايا، تلقت كفى “صوراً لعاملة تعرضت لحرق بمقلاة على وجهها”. توجهت إسحاق إلى المخفر حيث الفتاة ليتبين أنها “عاشت في ظروف معنوية وجسدية مدمرة، فكانت تترك في أيام البرد الشديد على الشرفة لساعات كعقاب، أيضاً لم تتلقّ أجرها خلال سنة كاملة وغيرها من أشكال الحرمان والإذلال والاستغلال”. هذه الحالة عندما وصلت أمام قاضية التحقيق، طلبت إسحاق سؤالها ما إذا كانت “أوراقها محجوزة”. تقول الأخيرة أن القاضية قبل توجيه السؤال أعربت عن كون “كل الناس تحتجز أوراق العاملات خوفاً من أن ترحل”. هذه القضية إنتهت إلى “عرض 2000 دولار على العاملة وتذهب إلى بلدها، وهي اعتبرتها ثروة فقبلت”. في قضية ثانية، تقدمت كفى “بشكوى مباشرة أما قاضي التحقيق بوجود حالة اتجار بالأشخاص، لكن بسبب الإجراءات الطويلة كانت الفتاة قد رحّلت قبل التمكن من المثول أمام القاضي”.

يختم صاغية بالقول أن غياب هذا النوع من الدعاوى في ظل كثرة المؤشرات على العمل القسري في مجال العمالة المنزلية والعمالة المهاجرة يعني أن ثمة مشكلة كبيرة في منظومة العدالة، التي تبقي عددا كبيرا من الضحايا خارج حمايتها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني