ترجيح لعقود التراضي وتراجع بالشفافية: “غربال” تطلق تقريرها السنوي “عقود القطاع العام مع المتعهدين”


2022-08-11    |   

ترجيح لعقود التراضي وتراجع بالشفافية: “غربال” تطلق تقريرها السنوي “عقود القطاع العام مع المتعهدين”
صورة غلاف تقرير "غربال" الرابع

4 سنوات مرّت على إقرار لبنان قانوناً يضمن الحقّ في الوصول إلى المعلومات ولا يزال هذا الحقّ غير مكتسب، إذ تستمرّ المؤسّسات والإدارات العامة بتجاهله ومخالفته عبر رفضها إعطاء المعلومات صراحة أو مواربة. وحتى الجهة التي أقرّت القانون أي المجلس النيابي لا تلتزم بتطبيقه، تماماً مثل الجهة التي وقّعت مرسومه التطبيقي في تموز 2020 (رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة)، كما بيّن تقريرمبادرة غربالالسنوي الرابع لسنة 2021، حول “الشفافية في الإدارات العامّة اللبنانيّة” والذي أطلقته أمس في مسرح دوار الشمس.

وأظهر التقرير الذي أُعدّ بالتعاون مع المؤسسة الأوروبية من أجل الديمقراطية European Endowment for Democracy وخُصّص لتحليل “عقود القطاع العام مع المتعهدين” على مدى عشرين عاماً (2001 و2020)، تراجع مستوى الشفافيّة والذي كان واضحاً من خلال تراجع نسبة امتثال الإدارات العامّة لتطبيق أحكام قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، الأمر الذي اعتبره رئيس هيئة الشراء العام د. جان العلية مرتبطاً بأداء الإدارات العامة المتراجع وبتمسّك القائمين الحقيقيين عليها بنهج التعتيم.

وعلى الرغم من التعتيم تطرح النتائج التي توصّل إليها التقرير عبر تحليل عقود القطاع العام مع المتعهدين، الكثير من التساؤلات ولا سيّما عندما يتبيّن أنّ هناك عدداً محدوداً من الشركات تستحوذ على أكثر من 50% من قيمة العقود، وأنّ النسبة الأكبر من العقود كان تحصل بالتراضي.

عقود بالتراضي وشركات تتكرّر

حلّل تقرير مبادرة “غربال” أكثر من 17 ألف عقد بقيمة 13.5 مليار دولار وقع من قبل 44 إدارة تعاونت في إعطاء المعلومات من أصل 196 إدارة قُدّم إليها طلب الحصول على معلومات تتعلّق بالعقود، فتبيّن أنّ النسبة الأكبر من العقود التي تمكّنت المبادرة من معرفة نوعها تمّت باتفاقيات بالتراضي (4,178 عقداً بقيمة 1.16 مليار دولار) يليها المناقصات (1,221 عقداً بقيمة 459 مليون دولار) ومن ثمّ استدراج العروض (1,070 عقداً بقيمة 414 مليون دولار)، علماً أنّ نوع العدد الأكبر من العقود لم يحدد في إجابات الإدارات (10,291 عقداً بقيمة 11 مليار دولار).

وفي هذا الإطار أوضح العليّة خلال جلسة نقاش تلت إطلاق التقرير وشارك فيها المدير التنفيذي لمبادرة غربال أسعد ذبيان ومديرة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي الدكتورة لمياء مبيّض وتناولت تحدّيات تنفيذ قانون الشراء العام، أنّ المشرّع أجاز عقد التراضي في حالات استثنائية جداً، ولكنّ السلطة أساءت استخدامه حتى وصل الأمر إلى مرحلة أصبح معها قرار العقد بالتراضي يُعطى على شكل إجازة  للوزير بتمرير مجموعة اتفاقات بالتراضي في مواضيع معيّنة ولفترة معيّنة. وأضاف أنّ هذا الأمر لم يعد متاحاً مع قانون الشراء العام الذي دخل حيّز التنفيذ نهاية الشهر الماضي إذ ضيّق القانون هامش الاتفاق بالتراضي وحدّد شروطه بشكل واضح.

وفي الإطار نفسه، رأت مبيّض بأنّ قانون الشراء العام له أهمية في تعزيز الشفافية في آليات صرف المال العام وخير دليل على ذلك ما ورد في التقرير الصادر حديثاً عن البنك الدولي حول المالية العامة في لبنان، تحت عنوان: مخطط تمويل بونزي”.

وأشارت إلى أنّ التقرير يعتبر بأنّ تفريغ الدولة هو نتيجة متعمّدة لترسيخ امتيازات المستفيدين الرئيسيين من اقتصاد لبنان بعد الحرب، وأنّ القوانين المتقادمة التي لا تلتزم المعايير الدوليّة قد ساهمت بذلك.

من جهة أخرى بيّن تقرير “غربال” الذي عرضت نتائجه منسّقة المشروع كلارا بو غاريوس، أنّ العام 2017 تصدّر السنوات العشرين من حيث عدد العقود فيما تصدّر العام 2007 هذه السنوات من حيث قيمة العقود. واحتلّت شركات سوكومي وسوكلين وهيئة أوجيرو والاتحاد للهندسة وشركة الجهاد للتجارة والتعهدات، قائمة الشركات من حيث قيمة العقود التي أبرمتها مع القطاع العام اللبناني (بحسب الإجابات التي تمكّنت المبادرة من الحصول عليها).

كذلك تبيّن من خلال تحليل المعلومات أنّ سوكلين وسوكومي وقّعتا أعلى أربع عقود قيمةً في السنوات العشرين (2001 – 2020)، وأنّ  مجلس الإنماء والإعمار هو الجهة التي وقعت أعلى قيمة من العقود بين الإدارات (10.17 مليار دولار أميركي مقابل حوالي 3.3 مليار لبقية الإدارات الـ 43).

تراجع الشفافيّة ومشرّع القانون لا يلتزم به

تقدّمت المبادرة وفي إطار إعداد التقرير، بطلب إلى 196 إدارة ومؤسسة عامة وشركة مشغّلة للمرافق العامة، للحصول على معلومات حول المتعهدين الذين أبرمت معهم عقود خلال السنوات العشرين الأخيرة (2001-2020 )، فكانت النتيجة 5  إدارات تمنّعت عن استلام الطلب و104 إدارات لم تردّ على الطلب، وإدارتان أحالتا “غربال” شفهياً إلى سلطة الوصاية (الوزارة المسؤولة) و85 ردّت على الطلب، 30 منها زوّدت المبادرة بإجابات كاملة عن عدد العقود التي أبرمتها بينما اكتفت معظم الإدارات بذكر عدد المشاريع وخلت إجاباتها من معلومات أخرى مثل اسم المشروع أو المتعهد أو قيمة المشروع أو نوعه أو نوع العقد أو الجهة المموّلة. وامتثلت 18 إدارة ومؤسسة للمهلة القانونية المحددة للرد على طلب المعلومات بـ 15 يوماً، في المقابل لم تلتزم 67 إدارة بالإجابة ضمن هذه المهلة.

رسم بياني من تقرير غربال يفصّل أنواع الطلبات وردود الإدارات.

ومن خلال إجراء قراءة علمية لنتائج دراسة عام 2021 ومقارنتها بالسنوات الثلاثة السابقة من ناحية امتثال الإدارات العامة لتطبيق أحكام قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، نجد تراجعاً ملحوظاً وذلك يعدّ مؤشراً سلبياً خصوصاً بعد صدور المرسوم التطبيقي الخاص بالقانون ومؤخراً تعديل القانون نفسه. 

وبلغت نسبة الإدارات العامة التي ردّت على طلبات “مبادرة غربال” للعام 2021 (سلباً أو إيجاباً) 42.35% بتراجع واضح مقارنةً بـ 47.74% لعام 2020 و51.87% العام 2019.

 وبلغت نسبة الإدارات التي قدّمت إجابات كاملة لهذا العام 14.79% مقارنة بـ  23.62% في عام 2020 و25.56% عام 2019 و16.8% عام 2018.

وأوردت “غربال” في تقريرها أنّه للسنة الرابعة على التوالي امتنع المجلس النيابي أي الجهة المسؤولة عن التشريع وإصدار القوانين، عن الرد على طلبها تماماً كما فعلت رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء في موقف غير مفهوم ولا سيّما أنّ المرسوم الخاص الذي يحدّد آليات تنفيذ القانون صدر بتوقيع رئيسي الجمهورية والحكومة، ما يفترض أن تكون هاتان الرئاستان مثالاً للجهات والإدارات الأخرى في تطبيق القوانين والمراسيم والامتثال إلى أحكامها.

ولفت تقرير “غربال” إلى طريقة تفاعل أو استجابة بعض الأجهزة الرقابية والقضائية مع طلبات المعلومات، إذ أحال مجلس شورى الدولة الطلب إلى ديوان المحاسبة ليأتي الرد ناقصاً وخارج المهلة القانونية.

وفيما لم يرد مجلس التفتيش المركزي على طلب المعلومات من “غربال”، جاء ردّ مجلس الخدمة المدنية خارج المهلة القانونية وناقصاً، إذ اقتصرت الإجابة على العقود الموّقعة منذ العام 2017 ولغاية 2020.

أمّا على صعيد المؤسسات الروحيّة فلم تستطع “غربال” الحصول على المعلومات التي طلبتها، وذكرت في تقريرها أنّ الإفتاء الجعفري رفض استلام طلب المعلومات، فيما لم يجب المجلس الإسلامي العلوي على الطلب، أمّا كلّ من الإفتاء السنّي والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى فقدّما إجابات ناقصة.

وصرّح المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز بأنّه وقّع عقدين فقط في العام 2009، أما مشيخة عقل الطائفة الدرزية فقد صرّحت بأنّها لم تبرم أي عقد خلال هذه السنوات.

وزير الداخليّة يعمّم على الإدارات بعدم الردّ

عرضت “غربال” في تقريرها السنوي أسباب تمنّع الإدارات العامّة عن الرد على طلباتها، مشيرة إلى أنّ وزير الداخلية السابق محمد فهمي أصدر التعميم رقم 8413 في تاريخ 24-7-2020، طلب فيه من كافة الإدارات التابعة لوزارة الداخلية ومن ضمنها المحافظات والبلديات عدم الرد على طلبات “مبادرة غربال”، وهو ما استندت إليه كلّ من المديرية العامة للأحوال الشخصية، ومحافظات الجنوب وجبل لبنان والنبطية في إجاباتها الخطية لتمتنع عن التزويد بالمعلومات.

ويشير التقرير إلى أنّ المديرية العامة للأمن العام كانت الإدارة الوحيدة من بين الأجهزة الأمنية التي زوّدت المبادرة بنسخة عن لائحة العقود التي أبرمتها مع متعهدين من العام 2011 إلى العام 2020.

وأوردت “غربال” بعض هذه الأسباب الأخرى، منها وضع كلّ من الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، والأمانة العامة لرئاسة الحكومة، والمجلس الأعلى للخصخصة، ومؤسسة المحفوظات الوطنيّة، والمديريّة العامّة لأمن الدولة والمديرية العامة لوزارة العدل ووزارة الخارجية – الأمانة العامة ومديرية الشؤون السياسية والقنصلية، والجامعة اللبنانية، طلب “غربال” ضمن خانة الإساءة في استعمال الحق في الوصول إلى المعلومات.

وعلّلت المديرية العامة لأمن الدولة سبب رفضها بأنّ “مبادرة غربال” تقوم بعملها نيابة عن عموم المواطنين بواسطة المراجعة الإدارية الشعبية لكن من دون أن تتمتّع بمركز قانوني.

وتحجّجت مديرية الشؤون السياسية والقنصلية والأمانة العامة لوزارة الخارجية وإدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية بضعف الإمكانيات البشرية والتقنية.

أما هيئة أوجيرو والمديرية العامة لأمن الدولة وغرف التجارة والصناعة والزراعة فقد اعتبرت في سياق التمنّع عن الرد أنّ “مبادرة غربال” لا تتمتع بالصفة والمصلحة الشخصية والمباشرة للاستفادة من أحكام قانون الحق في الوصول إلى المعلومات لناحية موضوع ومضمون الطلب.

كما تذرّعت، وحسب التقرير، كلّ من الأمانة العامة لرئاسة الحكومة والمجلس الأعلى للخصخصة ومؤسسة المحفوظات الوطنية بغياب قرار صادر عن وزارة المالية يحدد قيمة الرسم أو النفقة المتوجبة عن كل طلب.

ولكن لا يشترط قانون الوصول إلى المعلومات صفة معيّنة لطلب المعلومات، أمّا في ما خصّ الرسم أو النفقة المتوجّبة فالقانون أشار إلى مجّانية الحصول على المعلومات، وإلى عدم طلب بدل مالي في حال الحصول على المعلومات إلكترونياً أو تحميلها على إحدى الوسائل الرقمية أو الاطلاع عليها في الإدارة.

وتطرق القانون إلى ضرورة مراعاة عدم إساءة استخدام الحقّ في الوصول إلى المعلومات وفسّرت الإساءة بعدد الطلبات وحجم المستندات المطلوبة (بشكل يعيق الإدارة من القيام بعملها) والطابع المتكرر والمنتظم للطلبات، بخاصّة إذا كانت تتناول الموضوع عينه، والإساءة إلى الإدارة العامة أو جعلها في وضع يستحيل فيه عليها مادياً أن تعالج الطلبات.

 ومن أسباب التمنّع عن الإجابة كان السريّة، فقد اعتبرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أنّ المستندات التي بحوزتها تنطبق عليها المادة ٥ من القانون (مستندات غير قابلة للاطّلاع)، واعتذرت عن تزويد “مبادرة غربال” بالمعلومات المطلوبة. وأعادت مؤسسة مياه لبنان الجنوبي سبب امتناعها عن الرد إلى غياب مراسيم تطبيقية وهيئة معنية للإشراف على تطبيق قانون حق الوصول للمعلومات ممّا يجعله غير ساري المفعول، علماً أنّ المرسوم التطبيقي صدر في تاريخ 24- 9- 2020 والطلب ورد إليها في 1-3-2020. هذا وطلب المركز التربوي للبحوث والإنماء تزويده بالمستندات الثبوتية لصفة شركة/مبادرة غربال. 

ومن الأسباب التي ذُكرت في إطار رفض التزويد بالمعلومات الخضوع للقانون الخاص، فقد أعلنت كلّ من غرف التجارة والصناعة والزراعة ومعهد البحوث الصناعية أنّهما تتمتّعان بالشخصية المعنوية المستقلة وأنهما خاضعتان للقانون الخاص ولديهما استقلالهما المالي والإداري وأن موازنيتهما الإدارية منفصلتان عن الموازنة العامة.

إطلاق مشروع “مناقصة”

مع دخول قانون الشراء العام في لبنان حيز التنفيذ في 28 تموز الماضي 2022، أطلقت “مبادرة غربال” بالتعاون مع “مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية” (MEPI) و”معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي” مشروعها الجديد “مناقصة”، وهو منصة تفاعلية تسمح للمتعهدين وأصحاب المصالح بالتعرّف على فرص الصفقات حسب المناطق والإدارات والقطاعات وعلى تطوّرها وسبل التقديم عليها وشروطها، وتتيح للرأي العام والمجتمع الأهلي بمراقبة العقود الناتجة عنها.

واستعرض المدير التنفيذي لمبادرة غربال أسعد ذبيان صفحات موقعي “غربال” و”مناقصة” شارحاً كيفية الحصول على كافة المعلومات المتعلقة بالإدارات العامة من موازناتها وموظفيها والمنح والقروض وسلف الخزينة والعقود التي أبرمتها مع المتعهدين والمستندات التي بحوزتها والتي قد تهمّ المواطن، فضلاً عن معلومات أخرى.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، مؤسسات عامة ، الحق في الوصول إلى المعلومات ، لبنان ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني