بيان “المفكرة القانونية” حول مسودة قانون الضوابط المصرفية: ضوابط مؤقتة من دون غد


2020-03-18    |   

بيان “المفكرة القانونية” حول مسودة قانون الضوابط المصرفية: ضوابط مؤقتة من دون غد

منذ بدء الأزمة المالية والاقتصادية، ارتقب العديد من اللبنانيين اللحظة التي ستتولى فيها السلطات العامة مسؤولية حمايتهم إزاء تعسف المصرف. وبعدما شكل صمت هذه السلطات مدعاة لسخط شعبي عارم أخذ أوجها عدة، فإن تحركها هدف عند حصوله إلى تغطية تعسف المصارف أكثر مما هدف إلى حماية المودعين منه. وقد تجلى ذلك بداية في عمل النيابة العامة التمييزية ومن ثم في مسودات مشروع القانون حول الضوابط على الخدمات المصرفية وأسبابها الموجبة. يهمنا من موقعنا الحقوقي، أن نسجل الملاحظات الآتية تعليقا على المسودات الأخيرة لهذا المشروع. وهي الآتية:

1- الخيارات الصعبة بمعزل عن الجردة والأرقام

إن المشروع عكس خيارات صعبة بشأن استخدام الودائع، من دون الإفصاح عن الأسباب التي دفعته لاتخاذ هذه الخيارات. وعليه، لا نجد أي جردة دقيقة وشفافة لحسابات مصرف لبنان أو موجودات المصارف أو الحاجات الأساسية للعملة الصعبة للإقتصاد اللبناني. كما أن المشروع أوضح خياراته بشأن تنظيم العلاقة بين المودعين والمصارف (التي ما يزال جزء منها موضع نقاش) بمعزل عن تأثيرات هذه العلاقة على الاقتصاد عموما وبخاصة على مستوى سعر الصرف والتضخم.

2- توقف عن الدفع بمفاعيل منقوصة

إن المشروع يؤدي إلى تقييد حقوق المودعين بالتصرف بودائعهم، من دون أن يترافق بأي قيود على المصارف. فمثلا، لا نجد فيه أي قيد على هذه الأخيرة لجهة التصرف بأموالها غير المنقولة أو السندات المالية أو لجهة كيفية استثمار الأموال الجديدة المودعة لديها بما يلائم حاجات الاقتصاد اللبناني أو لجهة التمييز بين المودعين بما يتصل بسحب المبالغ المالية أو البطاقات أو لجهة تحديد سقوف شهرية وفصلية للسحوبات والتحويلات بالنسبة لكل مصرف، أو لجهة محاسبة المصارف عن حسن إدارة أموالها. كما لا نجد أي قيد أو رقابة على إدارة المصارف. وتبدو المصارف من هذه الزاوية وكأنها تحصد منافع التوقف عن الدغع من دون تحمل أي من نتائجه. وفيما يخلّ هذا الاجتزاء من امكانية تحقيق توازن بين حقوق المودعين وسلامة القطاع المصرفي، فإنه يمنع تحقيق هدفين آخرين وهما منع التمييز بين المودعين وترشيد استعمال السيولة بالعملات الأجنبية بناء على معايير علمية وعادلة.

3- تفويض صلاحيات تشريعية واسعة لأجهزة إدارية

يؤدي تدخّل المشترع إلى تقييد الحرية التعاقدية وحق الملكية الفردية واللذين يشكلان حقوقا أساسية مضمونة دستوريا، ولا يجوز تقييدهما إلا بقانون وصونا لمصلحة عامة وبعد التثبت من توفر مبدأي الضرورة والتناسب. وبالنظر إلى مشروع القانون، نلحظ أنه يعالج شقّا من الودائع، فيما يترك لمصرف لبنان (وفق المسودة الثالثة) أو مجلس الوزراء (وفق المسودة الرابعة) صلاحية وضع القيود التي يراها مناسبة بموجب تعاميم، على الكم الأكبر من الودائع المصرفية، وذلك على مدار ثلاث سنوات. وبذلك، في حال إقرار هذا المشروع، يكون المشرع تخلى عن مسؤوليته لصالح مصرف لبنان ولمدة طويلة، بما يطبع المشروع بعدم الدستورية.

4- عمليات قصّ شعر مقنّعة

إن لزوم المشروع الصمت إزاء السحوبات من الودائع بالدولار إنما يشكل تسليما غير معلن بالممارسات الحاصلة والتي تدفع عددا متزايدا من المودعين إلى سحب ودائعهم تلك بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف المحدد من مصرف لبنان، مما يؤدي إلى إفقادهم 60% من قيمتها الفعلية على الأقل. ومن شأن هذا الأمر أن يؤدي إلى عمليات قص شعر hair cut مقنّعة، مؤداها تحميل جزء من الخسائر على المودعين المرغمين على استخدام ودائعهم بالدولار. وفيما يستشفّ من ذلك إقرار بضرورة إجراء عمليات “قص شعر”، فإنه يقتضي إذا أن يتصدى له المشرع صراحة وفق معايير واضحة ومبررة، من دون أن يحمّل عبء هذه العمليات للبعض دون الآخرين وفق معيار غير منطقي وغير عادل وهو الحاجة لسحب الودائع بالدولار.

وفي هذا السياق، نسجل بقلق بالغ مسعى جمعية المصارف (والذي برز في المسودة الرابعة وفق ما نشره الصحافي محمد زبيب) إلى تمكين المصارف من الاستفادة من هذا السعر الرسمي في علاقتهم مع المودعين، مقابل منع المدينين للمصارف من تسديد ديونهم بالدولار وفق هذا السعر، كلما تجاوز المبلغ الواجب تسديده مليون ليرة لبنانية.

5- مدة زمنية غير مبررة

أن الفترة الزمنية التي نص عليها المشروع وفق مسودته الثالثة هي (3 سنوات) وهي تتعارض تماما مع طابع الإجراءات الإستثنائية. ومن الأجدى أن يعمل بالقانون لفترة محدودة تمدد فقط إذا اقتضى الأمر، وليس العكس، وذلك حفاظا على المبادئ والحقوق المكفولة دستوريا.

6- أولويات استخدام العملة الصعبة غير واضحة أو عادلة أو مبررة

إن معيار التمييز بين المودعين في إجراء حوالات للخارج غير واضح ويصعب تبريره بالأولويات المحددة لاستخدام ما تبقى من أموال بالعملة الصعبة في لبنان. فلا نفهم مثلا إعطاء الأولوية لتسديد نفقات التعليم في الخارج، من دون أن يترافق ذلك مع أي شرط لجهة عدم توفر الإختصاص في الجامعات اللبنانية أو ما شابه. ومن شأن هذا الأمر أن يؤدي إلى تحفيز التعليم في الخارج وإلى إضعاف القطاع الجامعي في لبنان. كما أنه يسمح بالتمييز بين المودعين بشكل اعتباطي، بحيث يسمح لبعضهم بتحويل عشرات آلاف الدولارات إلى الخارج من دون أن يضمن للآخرين سحب أي مبالغ منها.

7- تعريف الأموال الجديدة

إن اعتماد تاريخ قرار جمعية المصارف بوضع تدابير على الودائع لتحديد المال الجديد fresh money بصورة غير قانونية (وهو 17 تشرين الثاني)، غير مبرر بأي معطى موضوعي، هذا عدا عن أنه يؤدي إلى إضفاء مشروعية إضافية على هذه التدابير. ومن الأصحّ اعتماد التاريخ الفعلي لبدء تسكير المصارف أي 18 تشرين الأول 2019، لهذه الغاية.

وفيما يؤمل أن تعيد الأموال الجديدة بعض التعافي للقطاع المصرفي، يلحظ أن المشروع لا يضع أي قيود لضمان استثمارها على نحو يتماشى مع الرؤية الجديدة للقطاع المصرفي ودوره في دعم الاقتصاد اللبناني المنتج.

هذه هي أبرز ملاحظاتنا على المسودات الأخيرة لمشروع القانون المذكور، وهي تدعونا إلى مزيد من اليقظة منعا لتمرير نص هو في عمقه وجه آخر لقرارات جمعية المصارف. فلنتابع…

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني