بيان ائتلاف استقلال القضاء: هرمية النيابة العامة درع لنظام الإفلات من العقاب

بيان ائتلاف استقلال القضاء: هرمية النيابة العامة درع لنظام الإفلات من العقاب

في تاريخ 11 كانون الثاني 2022، تمّ وقف المحامي العامّ جان طنّوس عن إجراء تحقيقات في قضيّة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا سلامة. وكان القاضي طنّوس قد اتّخذ قرارا بمداهمة ستة مصارف للحصول على معلومات حول التحويلات المتصلة بهذه القضية، على أساس أن السريّة المصرفية لا تنطبق في قضايا الإثراء غير المشروع. وقد تمّ وقف القاضي طنّوس وهو في قلب المداهمة في أحد المصارف بموجب أمر اتّخذه النائب العام التمييزي غسان عويدات، بتنسيق تام مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي. 

وقد تفرّعت هذه القضية عن المراسلة الواردة من النيابة العامة الاتّحادية السويسرية بما سمّي “التحويلات السويسرية” في أواخر 2020 وهي تحويلات ارتبطت باسميْ الأخوين سلامة ورشحتْ عن شبهة باكتسابِهما منفعة غير مشروعة من مصرف لبنان تصل إلى مئات الملايين بالدولار الأميركي، بما يشكل شبهات بالاختلاس وغسل الأموال المشدّد، كما جاء ذكره في الطلب السويسري وبالتالي بالنسبة للموظف العام في لبنان شبهات جدية “بالإثراء غير المشروع”. وسبق لائتلاف استقلال القضاء أن أصدر بياناً في هذه القضية اعتراضاً على الدعوى التي قدّمها بنك ميد بمخاصمة الدولة على خلفية أعمال القاضي جان طنوس وذلك تعسّفاً وبهدف تعليق التحقيقات. فإذا باشر طنوس مجدّدا تحقيقاته تبعًا لردّ هذه الدعوى، جاء تدخّل النائب العام التمييزي ليمنعه مرة ثانية عن استكمالها. 

وتعليقاً على ذلك، يهمّ ائتلاف استقلال القضاء إبداء الملاحظات والمطالب الآتية:

أوّلاً: أنّ مشهد وقف القاضي طنّوس وهو في خضمّ مداهمة مصارف هو مشهد متكرّر مؤدّاه منع استكمال التّحقيقات القضائية بحقّ أشخاص نافذين وإبقاء هؤلاء في حال إفلات معمّم من العقاب. فبعدما استخدمت السرّية المصرفية لوقف التحقيقات، ها هي النيابة العامة التمييزية تستخدم سلطتها الهرمية لوقفها تماماً كما فعلت في عدد من القضايا الأخرى. ولا يغيب عنّا وجه الشبه الفاقع بين هذا المشهد ومشاهد عرقلة التحقيق في قضية تفجير المرفأ باسم الحصانات على اختلافها وبفعل أساليب الضغط غير المشروعة المعتمدة من قوى سياسية عدّة، وأهمّها تعطيل الحكومة برمّتها.

ثانياً: إنّ تدخّل النائب العام التمييزي غسان عويدات إنّما يبرز مجدداً خطورة السلطة الهرمية الممنوحة له بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية الصادر في 2001. ومن المهمّ أن نستخلص من هذه الفضيحة الجديدة درساً وعبرة للتخلّص من هذه الممارسات منعاً لتكرارها، لئلّا يكون غدنا كما يومنا. فكما ذكّرنا في بياننا السابق بشأن هذه القضية بأهمية إقرار قانون رفع السرّية المصرفية عن كلّ العاملين في الشأن العام (وهي السرّية التي تحوّلت إلى ستار ممتاز لجرائم الفساد)، فإنّ تدخّل النائب العام التمييزي لوقف التحقيقات الآن إنّما يستدعي الإسراع في إقرار اقتراح قانون بتكريس استقلال القضاء في اتّجاه الحدّ من سلطته الهرمية والتي طالما تحوّلت إلى ذراع لمنظومة الفساد داخل القضاء وفي الآن نفسه إلى درع يبقيها بمنأى عن أي محاسبة.

ثالثاً: إنّ تدخّل القاضي عويدات السافر لوقف التحقيق في هذه القضيّة إنّما يبرز مجدّداً صورة “قاضي النظام” الذي يتصوّر وظيفته قبل كلّ شيء على أنّها حماية للنظام القائم في مختلف قواه وتفرّعاته وأذرعه، وهو تصوّر يختلف تماماً عن تصوّر القاضي الذي يتجرّأ على هذا النظام انتصاراً للمساواة وحمايةً للمواطنين وضمناً المودعين من غيّ هذا النظام. وليس مستغرباً أن يبقى قاضي النظام متربّعاً على أعلى الهرم القضائي فيما يبقى القاضي الذي تجرّأ عرضة لكلّ أشكال التدخّل والتنكيل والتخويف، وكلّها أمور لا تحتمل. 

رابعاً: يضمّ الائتلاف صوته لصوت نادي قضاة لبنان بمطالبة القاضي غسان عويدات بالاستقالة بعدما تحوّل مطية لكلّ ذي نفوذ لحماية منظومة الفساد والمصارف، مطالباً بالمقابل القوى الاجتماعية بأوسع تعبئة ممكنة والتفاف ممكن حول القضاة الذين ما لبثوا يتجرّأون على القوى النافذة في اتجاه تضييق نظام الإفلات من العقاب.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، محاكم جزائية ، البرلمان ، مصارف ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني