المفكرة تنشر كلمة رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر- السيد فبريزيو كاربوني في حفل تسليم ملف التحقيق الرسمي


2014-12-16    |   

المفكرة تنشر كلمة رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر- السيد فبريزيو كاربوني في حفل تسليم ملف التحقيق الرسمي

حضرة نقيب المحامين في بيروت، حضرات لجان أهالي المفقودين، السيدات والسادة:

شرف لي أن أستلم نيابة عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، نسخة عن ملف التحقيقات التي قامت بها لجنة المفقودين عام 2000.  أود أن أشكر لجنة أهالي المفقودين والمخفيين قسريًا، و سوليد على الثقة التي منحوها لمؤسستنا وكذلك على إلتزامها الطويل و عملهم من أجل قضية المفقودين، وذويهم في هذا البلد.

إن حماسكما وعملكما يا عزيزاي غازي ووداد إنما هو إنجاز بحد ذاته. نقف اليوم معجبين بعملكما المضني وبإنجازاتكما في دعم كل أولائك الأشخاص الذين فطرت قلوبهم بسبب فقدان أحد أحبائهم، وعدم إستطاعهم معرفة أيه شيئ عن مصيرهم، وبالتالي عدم تمكنهم من إختتام مأساتهم. يعدّ كلاكما مثلاً يحتذى به في هذا البلد وكذلك لجميع العائلات حول العالم التي فقدت أحد أحبائها خلال الحرب

أودّ أن أشكر نقيب المحامين السيد جورج جريج لإستضافته هذا الحفل في هذا المسرح الرائع.
نحن نعي تمامًا دورنا ومسؤوليتنا في فحص هذه المستندات ونأمل أن يسهّل ذلك عملنا فيما يخص دعمنا ل “حق المعرفة” لأهالي المفقودين بهدف إعطاء إجابات للعائلات التي تعيش ألمًا مستديمًا.

بسبب وجود بعثتنا في لبنان منذ العام 1967، واكبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الشعب اللبناني في أوقات السراء والضراء من تاريخه الحديث. خلال سنوات النزاعات المسلحة القاسية، قصدت  العائلات مراكزنا في لبنان لتسجيل حالات إختفاء أحبائهم.  لم يسجلوا هذه الحالات فقط، بل وشاركونا  ألمهم، أملهم وخيبة أملهم بأن يعود أحبائهم يومًا ما إلى المنزل.
دورنا، وبحسب ما توافق عليه معظم الدول، هو أن نتواصل مع كلّ أطراف النزاع  للحصول على معلومات عن الأشخاص الذين فقدوا وذلك بهدف إعادة جمعهم بعائلاتهم.

 باءت محاولاتنا بالنجاح أحيانًا ولكن في الكثير من الأحيان الأخرى، مرّ أسبوع، فسنة ،فثلاثون سنة ولم نتمكن من إعطاء أي خبر عن الأشخاص المفقودين. اليوم، العديد من هؤلائ الأشخاص ما زالوا في عداد المفقودين، ولا زالت عائلاتهم تعاني وتتألم في صمت.
تطال هذه الحالة المأساوية الآلاف من العائلات في هذا البلد وحول العالم أيضًا، وإنما هي تجبرهم على عيش معاناة طويلة وغير محتملة يومًا بعد يوم.

يمكن للشخص المفقود أن يكون أبًا أو امًا، أخًا او أختًا، زوجًا أو زوجة، إبنًا أو إبنة. إن أثر فقدان أحد الأحباء في العائلة كارثي. فهو يطال العائلة بأكملها لا بل ينتقل من جيل إلى آخر. وكما أخبرنا العديد منكم، بأن وحده معرفة ما حصل لأحبائكم كفيل بلملمة جراحكم.
عادة ما يتم تجاهل هذا الأمر، ولكن فقدان أحد أفراد العائلة يمكن له أن يؤثر بشكل كارثي على الحالة المادية للعائلة. فتعاني العديد من العائلات من صعوبة في الحصول على رعاية صحيّة جيّدة وهم يعيشون حالة إقتصادية صعبة. حتى أنهم في بعض الأحيان يعانون مشاكل إدارية غريبة.
بهدف تلبية هذه الإحتياجات، أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ أسابيع قليلة، برنامجًا لمرافقة أهالي المفقودين في محافظة صيدا وذلك بالتعاون مع عدد من الجمعيات والمؤسسات المحلية والدولية. وسنبدأ بتنفيذ برنامج مجموعات الدعم النفسية الإجتماعية مطلع كانون الثاني مع العائلات في المنطقة عينها. مع الوقت سيمتد هذا البرنامج ليطال محافظات لبنانية أخرى.
 للأسف وبعد عشرون عامًا على إنتهاء النزاعات المسلحة في لبنان، لم تتمكن السلطات من إعطاء أية أجابات لعائلات الأشخاص المفقودين، مما أدى إلى تركهم في عزلة وألم.

في غياب مؤسسة رسمية مسؤولة عن هذا الملف،وعلمًا منًا أن لا إجراءات في هذا الصدد، تعتبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن عليها واجب معنوي تجاه عائلات الأشخاص المفقودين وبأن عليها أن تتحرك.  لذلك قررت إطلاق عام 2012 برنامجًا على مستوى وطني من أجل تجميع بيانات ما قبل الإختفاء عن الأشخاص المفقودين من خلال ذويهم.
أجرى زملائي 1700  مقابلة حتى اليوم كمحصلة لهذا العمل مع عائلات الأشخاص المفقودين، الذين شاركونا كل المعلومات المتوفرة لديهم عن أحبائهم قبل إختفائهم.

أود أن أنتهز هذه الفرصة لأشكركم على تعاونكم وعلى إستقبالكم الحار لممثلي اللجنة الدولية في منازلكم في جميع أقطاب لبنان، من عكار إلى صور ومن البقاع إلى جبل لبنان، شكرًا لكم .شرف كبير لنا أن نتقابل والمئات منكم على مدى العامين المنصرمين. لا شكّ بأنها تجربة تشعرنا بالتواضع أمام معاناتكم وبالفخر الكبير بشجاعتكم. لقد مددتمونا بالقوة والحماس لمواصلة مهمتنا.
أنا أعلم بأن جراحكم أعيد نكؤها من جديد، وأنا هنا، كممثل للجنة الدولية للصليب الأحمر أتعهد بأن أقوم بكل ما يمكن.
تماشيًا مع الممارسات الدولية، ستسلم المعلومات التي نجمعها إلى هيئة مستقبلية وطنية محايدة تعمل على إعطاء إجابات لعائلات الأشخاص المفقودين عن مصير أحبائهم.

برأي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لبدّ لمثل هذه المؤسسة أو الهيئة من أن تكون منبثقة عن البرلمان اللبناني وذلك من خلال قانون للأشخاص المفقودين كما هو الحال في العديد من الدول الأخرى التي تعاني ظروفًا مشابهة.
يدرس مشروع القانون في وقتنا هذا، ولذلك أود أن أغتنم الفرصة لأشجع السياسيين على الدعم هذا القانون عندما يتم طرحه خلال جلسة البرلمان القادمة.

المرحلة الثانية من مشروع اللجنة الدولية للصليب الأحمر للأشخاص المفقودين هو جمع عينات الحمض الننوي من العائلات التي سبق أن تقابلنا معها. تقتضي الخطة أن يجمع  عناصر من القسم الجنائي في قوى الأمن الداخلي عينات الحمض النووي وذلك بدعم تقني من اللجنة الدولية للصليب .

لكل حالة سيتم أخذ عينتين، الأولى تخزن لدى قوى الأمن الداخلي والثانية في رئاستنا في جنيف. لاقينا دعمًا ممتازًا  من قوى الأمن الداخلي خلال المرحلة الأولى من التحضيرات لهذا المشروع، وأود أن أشكرهم على ذلك.
إن مشروع اللجنة الدولية للصليب الأحمر  لجمع عينات الحمض الننوي جاهز،  ولكن لم تتم الموافقة عليه بعد بسبب تعقيد الوضع السياسي في السنتين الماضيتين. إلا أن ردة فعل السلطات عليه كانت مشجعة. ولتسهيل عملية الموافقة على هذا المشروع من قبل السلطات اللبنانية، قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بكتابة نسخة مبسّطة عن هذا المشروع لتقديمه لوزارة الداخلية والبلديات في الأيام القليلة المقبلة.
 بالإضافة إلى ذلك سيقوم مدير اللجنة الدولية للصليب الأحمر السيد بيتر مورر بتقديمه لرئيس مجلس الوزراء خلال زيارته للبنان في كانون الثاني المقبل. ونبقى متأمليلن، لا بل وائقين بأننا سنعطى الموافقة  لمباشرة عملنا بهذا المشروع مطلع العام 2015.

سيداتي سادتي،
للأسف لم يعد الوقت لا في صالحنا ولا في صالح أهالي المفقودين. إن أغلب مفقودي الحرب هم رجال في العشرينات من عمرهم. لقد كانوا رجال لبنان. اليوم بات أهلم في السبعينات من العمر لابل إنهم فارقونا في بعض الأحيان أيضًا. تنفطر قلوبنا حين تخبرنا أخت أحد المفقودين بأن والدتها على فراش موتها أوصتها بأن “تدق على قبرها حين تصلها معلومات عن أخيها”.

إنه ملف طارئ، من حق أجيال بكاملها معرفة ما حصل قبل فوات الأوان.
بناءً على تجاربنا الدولية، نحن مقتنعين بأن ما طُبق في بلاد أخرى يمكن أن يطبق هنا أيضًا. خلفت الحرب في التسعينات في يوغوسلافيا السابقة أكثر من 30000 مفقود. اليوم 20000 عائلة حصلت على إجابات عن مصير أحبائها.
أود أن أختم كلامي بأمثلة عن بلدان أخرى كالبوسنة وكوسوفو وجورجيا ونيبال، حيث برهنت التجربة أن حلّ ملف المفقودين و إعطاء عائلاتهم إجابات عن مصير لأحبائهم هو خطوة مهمة في طريق المصالحة الوطنية.

أكثر من ذلك أيضًا، يمكن أن يكون هذا الحل عبارة عن تحصين للمستقبل كي لا تتكرر مثل هذه المأساة.
لا يشكل المفقودون تهديدًا حيًا من الماضي إلى الحاضر ، ولكنهم جرح عميق على وجه الأمة لا بدّ من ان يداوى.
أود هنا أن أعود وأشدد لأهالي المفقودين على وجه الخصوص وللبنانيين عمومًا بأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تلتزم بقضية المفقودين و بقضية ذويهم ، وبأنها مصرّة على أن تساند وتدعم في حلّ هذه المأساة الإنسانية التي دامت طويلاً.

أشكركم على حسن الإصغاء
الصورة منقولة عن موقع wikipedia.org

انشر المقال

متوفر من خلال:

اختفاء قسري ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، عدالة انتقالية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني