المفكّرة القانونية تحاور وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم… بين الأكاديمية والسياسة: المعرفة في عصر الزعامات

المفكّرة القانونية تحاور وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم… بين الأكاديمية والسياسة: المعرفة في عصر الزعامات

تشكّلت حكومة حسّان دياب، وهي الأولى ما بعد استقالة حكومة سعد الحريري إثر ضغط الشارع وحراك 17 تشرين في كانون الثاني 2020، وتولّت فيها ماري كلود نجم حقيبة وزارة العدل، وهي أكاديمية معروفة وبروفسورة في كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف في بيروت، ومديرة مركز الدراسات الحقوقية للعالم العربي. وقد انتُخبت في تموز 2022، بعد أيام من إجراء هذه المقابلة، عميدةً للكليّة.

تحاور “المفكّرة” وزيرة العدل السابقة حول تلك المرحلة، وظروف وأسباب قبولها بالمهمّة، وتقييمها لتلك التجربة، والتحدّيات التي واجهتها تحديداً كأكاديمية وامرأة تتولّى الشأن العام في إحدى أصعب المراحل التي مرّ ولا يزال يمرّ بها لبنان، بعد الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي الذي توضّحت معالمه تزامناً مع حراك 17 تشرين 2019. (المحرّرة

المفكرة القانونية: بداية، كيف تُقَيّمينَ تجربة تولّيك الحقيبة الوزارية بخاصَّة أن البعض صنّفكِ ضمن الـ “تكنوقراط”؟

ماري كلود نجم: بدايةً أنا لا أوافق على هذه التصنيفات – “تكنوقراط” أو ما شابه – فالوزير هو جزء من سلطة سياسية ويتولى وظيفة سياسية بحيث يشارك في وضع سياسات عامة للمرفق العام الذي تختصّ به وزارته وللدولة بشكل عام. وبالتالي على الوزير، سواء كان مستقلاً أو حزبياً، أن تكون لديه رؤية سياسية بالمعنى الوطني للكلمة. الناس يلتبس عليها الأمر لأنها تعتبر كل وزير لديه خلفية أكاديمية أو تخصّصية وزير “تكنوقراط”. في المقابل تعتبر (الناس) كلّ وزير منضوٍ في تنظيم حزبي وزيراً مسيّساً، فيما الأمر ليس على هذا النحو. فبعض الوزراء ينتمون إلى الأحزاب وليسوا مسيّسين بالمعنى الوطني الذي أعنيه، أي أنهم لا يمتلكون القدرة على وضع سياسات عامة للوزارات التي يتولّونها، هم مجرد مندوبين لأحزابهم في وزاراتهم، وبعض من يصنف بالتكنوقراط لديهم رؤية سياسية لبناء دولة ولديهم قدرة على وضع هذه السياسات العامة.

أما بخصوص تجربتي الوزارية، فكما قلت حرفياً عندما سلّمت المهمة لخلفي، إنني لم استطِع أن أحقق ما كنت أتطّلع إليه وهذا يؤلمني، ودفعني إلى الاعتذار من اللبنانيين نتيجة حسّ المسؤولية الذي يجب أن يرافق عمل أيّ مسؤول سياسي. التجربة لم تكن على قدر التطلعات للأسف، لكنني لا أصنّفها بالفاشلة فقد نجحت في إرساء المبادئ التي أؤمن بها، وإدخال نهج جديد في التعاطي بالشأن العام والمقاربة، نهج علمي ومستقلّ يحترم فصل السلطات. كما ساهمت مع الحكومة مجتمعةً بوضع سياسة عامة للبلد تخرجه من أزمته المالية (وهذا دور السلطة التنفيذية) لكننا عجزنا كحكومة عن تنفيذ تلك السياسات لأسباب عديدة تتعلق بالظرف وبطبيعة النظام وبعوامل داخلية وخارجية. وهذا ما لا يعفينا إطلاقاً من المسؤوليات. أقولها دائماً كان ينقص حكومتنا عضلٌ سياسي وعصبٌ إعلامي، نواياها كانت جيدة ونجحت نظرياً وتقنياً في تشخيص المرض وأقرّت العلاج الصحيح لكنها كطبيب لم يستطِع أن يفرض العلاج الذي يقترحه أو أن يقنع المريض وأهله باتباع هذا العلاج.

بالملخص إن النجاح في مشروع بناء الدولة يتطلب عملاً حكومياً فعالاً وفريق عمل متجانساً ورؤية سياسية موحدة ومجتمعاً مدنياً حاضناً وإعلاماً مواكباً، وهذه مسؤولية جماعية، والأرضية لم تكن جاهزة لذلك للأسف الشديد.

المفكرة: هل كان من المُتَوَقَّع حينها أن يأتيَ الدَّعم من الأطراف التقليديين الذين شكّلوا الحكومة؟ هل اعتقدتم أنّه كان من الممكن أن ينكفئوا بسبب حدّة الأزمة؟

نجم: السؤال ينطلق من فرضية غير دقيقة، فالأطراف التقليدية لم تشكّل الحكومة وفق ما كانت ترغب به فيما لو كانت الأوضاع عادية. حكومتنا عُيّنت بلحظة سياسية فرض فيها الشارع أمراً واقعاً حتّم الإتيان بوزراء مستقلين (بنسبة محدودة بطبيعة الحال). كنت شخصياً أعوّل على حدة الأزمة لفرض أمر واقع يسهّل التغيير المطلوب، واعتبرت أن الانهيار المالي قد يفرض على الطبقة السياسية اللجوء إلى الإصلاحات المطلوبة لأنه لن يكون لديها خيار آخر في ظل الانهيار. وتوقعت أنّ دينامية الحراك الشعبي سوف تكون أداة دعم وضغط تساعد بعض الوجوه التغييرية المستقلة التي دخلت إلى الحكومة على إرساء أسلوب جديد في العمل العام وفرض الشروط الإصلاحية. لقد خاب ظني، واكتشفت أن التقليديين ما زالوا أقوياء شعبياً بالرغم من كل ما حصل (علينا الاعتراف بالأمر) وأقوياء في الإعلام وفي القضاء وفي الأمن وفي المال وأقوياء في الشحن الطائفي والمذهبي. وبالمقابل الناس ليست مستعدة بما فيه الكفاية للمواجهة. فالمواجهة لا تحتاج إلى الغضب فقط وقطع طرقات وتزمّت وتنمّر وشتيمة. المواجهة تحتاج الى وعي أولاً وإلى مشروع سياسي ثانياً وإعلام مواكب ثالثاً. المواجهة لا تحتاج إلى صراع مع النظام فقط بل إلى صراع لتغيير النظام من الداخل، هي لا تحتاج إلى رفض الأحزاب وعزلها لأن الأحزاب قوية (وقد أثبتت الانتخابات الاخيرة مدى قوة الأحزاب)، بل إلى اختراقها وفرض التغيير تدريجياً في صلب ثقافة الجماهير المؤيدة لها.

المفكرة: كيف بقيت بعد فشل الملف المالي وإسقاط خطّة الحكومة الماليّة؟ هل تندمين على تلك اللَّحظة؟

نجم: البقاء …عن أي بقاء تتكلّمون…؟ لقد بقيتُ في الحكومة 6 أشهر (أغلبها كانت فترات إقفال بسبب جائحة كورونا). كنت خلالها أواجه في كل ملف لأنني آليتُ على نفسي عدم الاستسلام عند أول عثرة أو عرقلة. ثم تقدمتُ باستقالتي على أثر كارثة انفجار مرفأ بيروت تلتها استقالة الحكومة. ومن بعدها استمريت لمدة 13 شهر في مهمة تصريف الأعمال وهو واجب دستوري ووطني لا يمكن التنصّل منه. وكنت في تلك الفترة أصارع لعقد جلسة للحكومة لمعالجة الموضوع المالي ومحاولة إنعاش خطة التعافي أو ما يمكن تنفيذه منها ومناقشة الموازنة والبحث في مصير حاكمية مصرف لبنان وإزالة المعوقات المصطنعة التي توضع بوجه التدقيق الجنائي، ولتأمين المستلزمات اللوجستية لعمل المحقق العدلي في انفجار المرفأ والتعاون الدولي معه (طبعاً من دون أي تدخل في قرارات المحقق أو مضمون ملفه)، ولتعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى بعيداً عن المحاصصة السياسية ومنع الفراغ في المؤسسة القضائية، ولمواكبة قانون استقلالية السلطة القضائية بحيث أبديتُ ملاحظات خطية تفصيلية تذهب بهذا القانون نحو تكريس ضمانات الاستقلالية الفعلية، ولتأمين التمويل لإجراء الإصلاحات الضرورية في مبنى معهد الدروس القضائية المتضرّر بعد انفجار المرفأ ولإصلاح المولّدات الكهربائية في قصور العدل وتأمين المحروقات لتشغيلها… فهل كان المطلوب أن أترك الوزارة تتخبط بمشاكلها وأتهرب من واجب تصريف الأعمال في ظل أزمة وطنية واقتصادية ومالية وصحية؟

السؤال الذي يُطرح ليس كيف نبقى ونحاول ونواجه، السؤال الذي يجب ان يُطرح هو التالي، كيف يبقى هذا النظام المهترئ الذي لا يولَد سوى الأزمات المتلاحقة؟ كيف يبقى رئيس مكلف لأكثر من تسعة أشهر يتصارع سياسياً مع رئيس الجمهورية على تأليف حكومة من دون أية ضوابط زمنية؟ وكيف يتمّ وضع شروط وشروط مضادة في عملية التأليف بخلفيات طائفية في ظلّ انهيار ماليّ كارثيّ؟ ما هذا النظام السياسي الطائفي العقيم الذي يسمح بحصول هكذا أزمات حكم بنيوية من دون معالجة؟ وكيف يمكن التسليم بهذه العيوب في النظام وعدم طرح حلول لها بحجج طائفية. فإذا تكلمنا عن ثغرات في الدستور وقلنا مثلاً يجب وضع مهلة للتكليف نُتَّهَم بتقييد صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني. وإذا تكلمنا عن وضع مهلة للتأليف نُتَّهَم بتقييد صلاحيات الرئيس السني. وإذا لم نعيّن وزير مال شيعياً نُتَّهَم بتعطيل التوقيع الشيعي الثالث. وإذا أردنا تدقيقاً جنائياً في حسابات مصرف لبنان لمعرفة مصير ودائع الناس وحجم الفجوة المالية وأسبابها بالتفصيل والأرقام يُصَنَّف الموضوع كمعركة سياسية مارونية – مارونية على رئاسة الجمهورية وانتقام سياسي. وكل ملف أو قضية ذات أهمية في القضاء تتحوّل لاستهداف طائفي أو سياسي أو مناطقي فتضيع المحاسبة…

المفكرة: ألم تُطرَح استقالة الحكومة؟ وألا تعتقدين أنها كانت مسألة أساسية خصوصاً وأنّ أحداً لم يواجه مسار ”الأمر الواقع“ الذي تحدّثتِ عنه في السَّنتين الأخيرَتَين؟

نجم: إنّ استقالة أية حكومة واجب عند عدم قدرتها على تنفيذ مشاريعها. وهنا يكون للاستقالة إيقاع أقوى على الحياة السياسية من مجرد استقالة وزير يتمّ استبداله في اليوم التالي. يوم تعرقل تنفيذ خطة التعافي المالي، أظنّ أنه كان يجب على الحكومة مجتمعةً أن تستقيل ولو كان عمرها قصيراً جداً. ولكن دعونا لا نجلد أنفسنا، فالاستقالة ليست أيضاً حلاً بخاصة في ظل أزمة صحية وانهيار مالي. المشكلة دائماً وابداً في النظام السياسي والممارسات والأعراف الخاطئة التي أرساها زعماء الطوائف والتي منذ سنوات تولّد أزمة تلو الأخرى. فبقاء حكومة غير قادرة على تنفيذ خطتها المالية أزمة… ورحيلها من دون بديل هو أيضاً أزمة… وهذا ما أظهره الواقع حين استقالت حكومتنا بنتيجة انفجار مرفأ بيروت. فبالرغم من تدخّل فرنسا مباشرةً وحضور الرئيس ماكرون إلى لبنان والاتفاق على حكومة مهمة gouvernement de mission  وتسمية رئيسٍ لها (السفير مصطفى أديب)، عجز هذا الأخير عن تأليف حكومة تواكب وجع الناس وحجم المأساة…. تذكّروا كيف فُرضت على محاولة مصطفى أديب شروط طائفية وشروط مضادة خاصةً في وزارة المالية، فتعطّل تشكيل الحكومة لأسباب وصراعات طائفية. إلى هذه الدرجة، نظامنا عقيم … أعود وأكرّر للمرة المائة: لا خلاص في لبنان إلا بتغيير هذا النظام الذي يُضعف الدولة لمصلحة الدُويلات الطائفية ويسهّل الارتهان للخارج ويضرب السيادة الوطنية. فسيادتنا المنقوصة في الأمن والسياسة والاقتصاد والمال هي نتيجة مباشرة لضعف الدولة، وهي بدورها طبعاً تنمّي هذا الضعف في دوامة الحلقة المفرغة التي نتخبط فيها.

المفكرة: كيف تُفَسّرين شعور العديد من النّاس أنّ هناك تركيزا في الهجوم عليك أكثر من سائر الوزراء في الحكومة؟

نجم: الهجوم عليّ هو هجوم على الدور الذي قمت به، لأنني دخلت منذ الأسابيع الأولى في صراع مع الأوليغارشية السياسية-المالية المتحكّمة بمفاصل الدولة عندما عارضت المحاصصة السياسية- الطائفية في التعيينات المالية، وعندما عرضت على الحكومة بعد أيام قليلة من استلامي لمهامي مشروع قانون يلغي كلياً السرية المصرفية (باستثناء السرية المهنية طبعاً). وكان الهدف منه إزالة العوائق أمام التحقيقات القضائية وتفعيل عمل الهيئات الرقابية. وعلى هذا الأساس، أقرت حكومتنا وأحالت إلى مجلس النواب بتاريخ 5/3/2020 وبالصيغة المعجلة مشروع قانون تقدّمتُ به يرفع السرية المصرفية عن كل من يتولى أو تولى  منذ 1991 مسؤولية عامة في الدولة، وعن كل من تعاقد مع الدولة، بالإضافة إلى من يتولى أو تولى سابقاً مسؤولية تنفيذية أو رقابية في المصارف والصناديق والمجالس والجمعيات السياسية وغير السياسية والمحطات التلفزيونية والإذاعية، وعن أقاربهم حتى الدرجة الرابعة، وذلك تجاه السلطات القضائية والهيئات والرقابية التي أولاها القانون صلاحيات رقابية أو تحقيقية خاصة، ومن دون أي اعتبار للحصانات والأذونات… كما عملت على إعداد ما بات يُعرف بالتدابير الإدارية السبعة لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المتأتية عنه، والتي أقرّتها الحكومة وهي تتناول على سبيل المثال التدقيق الضريبي والتدقيق المحاسبي بكل العقود التي أجريت بين الإدارة والأشخاص الطبيعيين والمعنويين وفي قيود وموازنات هؤلاء الأشخاص توصلاً إلى تحديد مكامن الغش أو الهدر في إنفاق المال العام، كما وإجراء مسح شامل لثروات الأشخاص المعرضين سياسياً (PEPs) لإحالة أي شبهة إثراء غير مشروع إلى القضاء. ثم ساهمت في إقرار التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وصارعت لإزالة المعوقات التي وُضعت بوجهه، وطالبتُ مباشرة بمنح حكومتنا صلاحيات تشريعية استثنائية في المجال المالي لمدة ثلاثة أشهر (لإقرار جميع القوانين التي تحتاجها الخطة المالية). وكل ذلك ترافق مع موقف واضح يرفض تخصيص المواقع للطوائف في التشكيلات القضائية. وتصدّيتُ للمحاصصة بكل أشكالها في جميع التعيينات التي أجريتها أو التي اقترحتها وفتحت باب الترشيح للتعيين في التفتيش القضائي وفي معهد الدروس القضائية وغيرها، وهذه سابقة وبديل شفاف عما اعتدنا عليه من “تطواف” على الزعماء لتعيين الأزلام بدل الكفاءات…

وعليه، من هاجمني هاجمني بسبب تلك الطروحات والممارسات التي قدمتها وأصرّيت على اعتمادها. فهل كنتم تنتظرون من الأوليغارشية المتحكمة بالسلطة ومن أبواقها الإعلامية أن تتعامل معي بمودّة وتثني على عملي؟ لم يتجرّأ من هاجمني على مواجهة ما طرحته من أفكار فحوّل المسألة إلى مواجهة شخصية.  فالمتضرّرون وهم كثرٌ كانوا غير راضين لأنني لم أُرتهنْ ولم أُساومْ ولم أُسايرْ. البعض سكت على مضض والبعض هددّ وتوعّد، والبعض حاول تشويه صورتي لضرب مصداقيتي وتسخيف ما أقوم به. تذكّروا جيداً: لقد فُتحت المنابر للشتّامين والمتنمرين وجرى تأليف الأخبار الكاذبة والاجتماعات الوهمية وغيرها من أكاذيب النفوس المريضة أو الفاسدة. فأصبحت أنا وزيرة البلاط التي تتلقى التعليمات عبر الهاتف، فيما الجميع ممّن عرفني يشهد بأنني وزيرة مستقلة، لا أتحرك سوى بدافع من ضميري وعلمي وبالتعاون مع بعض القضاة المجتهدين في وزارة العدل وبعض أهل العلم والمعرفة من المجتمع المدني. لكن الحملة أصرّت على القول بأنني تابعة لطرف سياسي محدد وبأنني غير مستقلّة. وفي المقلب الآخر، كانت نظرة الكثيرين مختلفة عن نظرتي. لا بل وصلت وقاحة بعضهم للقول بأنني أنسّق مع السفيرة الأميركية على خلفية استقالة القاضي محمد مازح مثلاً.

وقد وصل مستوى التضليل والسخافة والهراء حدّ القول بأنني أرسلتُ إلى سويسرا ملفاً مفبركاً ضدّ حاكم مصرف لبنان، في حين أن القضاء السويسري هو تحديداً الذي أَرْسَلَ لنا ملفاً (طلب مساعدة قضائية) أحلتُهُ وفقاً للأصول إلى المدّعي العامّ التمييزي القاضي غسان عويدات، الذي أرسل جوابه إلى القضاء السويسري. وهذه وقائع ثابتة بالملف والسجلات.

بالنتيجة، إن حملات التجريح والتضليل والتي كانت تشتدّ عند كل موقف جريء، أكّدت لي صوابية هذه المواقف وكانت في الحقيقة إقراراً باستقلاليّتي التامّة عن طبقة سياسيّة لا تشبهني ولا أشبهها.

المفكرة: كيف تُفَسّرين أنه، ومع انهيار بهذا الحجم، استطاعت المنظومة إعادة إنتاج انقسام 8 – 14 آذار؟

نجم: انني اتحفظ جزئياً على توصيفكم الانقسام في البلد بأنه انقسام عمودي بين فريقي 8 و14 آذار. فهذا الانقسام حقيقي في بعض جوانبه لكنه يُستثمر أحياناً كشكل من أشكال الصراعات السياسية المرغوب بها، والتي تفيد الطرفين لشدّ العصب حول زعامات تحيا على الانقسامات والخوف من الآخر وإفقار الناس للتحكّم بمصيرها ولقمة عيشها، في حين أننا بحاجة ماسة إلى نقاش وتفاعل وصراع فكري لا يقف عند حدود الشعارات بل يتناول الأفكار والبرامج لمعالجة مشاكل الناس وإيجاد حلول للأزمات من دون تحطيم الجسور بين اللبنانيين.

فبدل توحيد الجهود لوضع سياسات عامة تجمع اللبنانيين، يجري تخويف الناس من بعضها البعض. وآخر نماذج هذا التخويف كان أحداث “الطّيونة”. وهدفها شدّ العصب الطائفي الذي يساعد الأحزاب – ومعظمها للأسف طائفي بتكوينه – لإبقاء الجماهير من حولها وتحت قبضتها.

المفكرة: هناك أشخاص يعتبرون أنّك كنت بعيدة بعض الشّيء “عن الواقع”. البعض اعتبر أنّك أكاديميّة. لديكِ طروحات جميلة نظريّاً ولكنّك لست على صلة باليوميات. موقعك المهني – العلمي، هل َلعِب ضدَّك أم لا؟

نجم: كنتُ أعتقد بالعكس أنّ نقطة قوّتي أنني أكاديمية، أي أنني صاحبة أفكار سياسية لا يتحكم فيها سوى العلم. هذا ما جعلني أتّخذ القرارات بِخَلفِيَّة علمية سياسيَّة بمعنى le politique وليس بخلفية سياسية زبائنية ضيّقة بمعنى la politique politicienne. لقد وضعت خبرَتي المهنية في مشروع بناء الدَّولة، لأن تقوِيَة الدَّولة وتَعزيز علمانيَّتها هي الخدمة الأهمّ التي يجب تقديمها للمواطن.

لكن ما لعب ضدي ليست خلفيتيّ الأكاديميّة بل قوة النظام الحالي المتجذّر كما أشرت سابقاً، بالإضافة إلى أنّ هذه المحاولة اصطدمتْ بأحداثٍ استثنائية من وباءٍ صحيّ زعزع العالم بأكمله وانهيار اقتصادي ومالي لا مثيل له وأخيراً انفجار مرفأ بيروت الكارثي.

ضِف إلى ذلك أنّ الناس اعتادتْ على نمطٍ معين من التعاطي السياسي يكرّس “ثقافة التَّدَخُّل وثقافة الزَّعيم”. وأصبح البعض يجد في أيّ أسلوب مختلف كالأسلوبِ الذي انتهجته بعداً عن الواقع. فالناس يُحِبّون الشَّخص “القَوِيّ” والمَدعوم بالمفهوم التقليدي. لهذا السبب، قد لا يرون فيّ ولا في أي وزير يشبهني مواصفات الوزير “القويّ”، لأنّ القوّة بالنّسبة للبعض ليست بالأفكار إنّما بممارسة السلطة بمفهوم التسلّط. في حين أنني أنتمي إلى ثقافة معاكسة تماماً، ثقافة الوزير الذي هو في الخدمة وليس في المنصب، والذي يحترم السّلطة القضائية ويدافع عن استقلاليّتها ويصرّ على أن يتقيَد بصلاحياته وألا يتدخّل مع القضاة حتى ولو اعتبر البعض هذا الأمر ضعفاً، ولا يستسلم للممارسات العقيمة بحجة أنها تراعي الأمر الواقع. لهذا السبب مثلاً، فإنّ جميع التعيينات التي قمت بها أو اقترحتها، من التفتيش القضائي إلى المحقق العدلي وأعضاء مجلس القضاء الأعلى وغيرها، لم تمرّ يوماً عبر زعماء الطوائف (وهذا ما سبّب لي المتاعب). كذلك في ملفّ التشكيلات القضائية، طالبتُ بعدم تخصيص المواقع القضائية للطوائف والمذاهب لإخراج القضاء من اللوثة ذاتها التي لوثت السياسة والأمن والاقتصاد والمال والإعلام. فهل هذا نوع من عدم الخبرة وهل هذا بعد عن الواقع ومن باب النظريات الجميلة غير الممكن تحقيقها …إذا كان الأمر كذلك فأنا اتمسّك “بالنظريّ الضروريّ” لأن “العَمَلي السائد” هو هدم القضاء وتقويض سلطته.

هكذا أرى دور وزيرة العدل وبشكل عامّ دور المسؤولة التي من واجبها أن تكون سباقةً ورؤيويةً وأن تشدّ مجتمعها إلى ما تعتقده صواباً.

المفكرة: لفت نظرنا قولك: “فهمت كيف الدّولة بتشتغل من جوا”. هل يمكنك إعطاءنا مثلاً عن ذلك؟

نجم: أوّلًا الروتين والبيروقراطيّة طبعاً. فبعض الأمور التي ليس لها مردودٌ سياسي مهم او مصلحة سياسية تحرّكها تبقى لسنوات عالقة في حلقة مقفلة من المراوحة. وهنا ترى فعليا من الداخل عقم العمل الإداري في بعض المجالات وضرورة المكننة والتطوير والتحديث لإرساء الأسس البديهية للحَوكَمة الرشيدة. بالمقابل، في بعض الأمور الأساسية التي تتطلب التروّي والتمحيص في الموضوع كالتّصويت على بعض القوانين في مجلس النّوّاب، تجد أن التسرّع سيّد الموقف. عندما يكون للطبقة السلطوية مصلحة بالأمر تصدّق على القانون قبل دراسة مفاعيله المالية وتداعياته (المثل الأوضح سلسلة الرتب والرواتب). خلفيّتي الأكاديميّة كانت تدفعني إلى وضع العديد من الملاحظات، في الشكل وفي المضمون، على مشاريع واقتراحات القوانين، لأنني أعي أهميَّة “فَنَّ التَّشريع” وتراودني دائمًا عبارة مونتسكيو “Il ne faut légiférer que d’une main tremblante” وهذا هو الفرق في المقاربة بين السياسي التقليدي والسياسي الأكاديمي.

والدليل على أن معظم السياسيين يفكرون بالمردود السياسي وبمصالحهم الخاصة هو طريقة تعاملهم مع الخطة المالية التي وضعتها حكومتنا. فالخطّة صارحتْ اللبنانيين وبيّنت الخسائر الهائلة وقرّرت توزيعها بشكل عادل يحمي المودعين، بخاصّة الصغار والمتوسطين. كانت الحكومة في هذه الخطة تحاول أن تكسر الحلقة المالية التي هي ذراع النظام السياسي. ما أن أقرينا الخطة، اجتمع الكلّ بالرغم من خلافاتهم للتهرب من مسؤولية إعلان هذه الخسائر للرأي العام وتحمل عبء توزيعها بشكل عادل. فقد تشكّلت لجنة تقصي حقائق بالبرلمان تمثلت فيها جميع الكتل من دون أي استثناء، ووضعت جمعية المصارف خطة بديلة، وشُنت حملة إعلامية عنيفة بتوجيه من حاكمية مصرف لبنان ضد الخطة. وتوحيد جميع هذه القوى السياسية والمالية في جبهة واحدة ليس صدفةً، لأن الخطة الخبيثة البديلة – “اللا خطة” – التي يجري تنفيذها منذ منتصف 2020 هدفها تحييد المستفيدين الكبار وعدم تحميلهم الخسارة ورميها على المودعين والمواطنين من خلال انهيار سعر صرف الليرة وال haircut المقنّع الحاصل. بكل بساطة، اجتمع 8 و14 آذار لإنقاذ الحلقة المالية التي هي الذراع المالي للنظام السياسي-الطائفي. وهذا النظام المبنيّ على ائتلاف زعماء الطوائف هو أقوى من أيّ حكومة. فالمشكلة ليست تقنية: المشكلة في عمق نظامنا السياسي وثقافتنا، وهذا ما يجب أن نعمل لتغييره والمسار شاقّ وطويل.

المفكرة: اليوم، بعد هذه التّجربة “عالأرض”، برأيك ما هي المداخل لإصلاح القضاء؟

نجم: عملياً إصلاح القضاء من الناحية التقنية يتطلّب ثلاثة مسارات متوازية. وهي أولاً إقرار قانون يكرس استقلالية السلطة القضائية، وثانياً التطبيق العملي من خلال إدارة سليمة للقضاء ومحاسبة داخلية وفورية، وثالثاً تغيير في الثقافة والذهنية للتصدّي للممارسات العقيمة التي تكبّل القضاء في قيوده الطائفية وتسهّل الاستثمار السياسي له. كل ذلك كي لا نشهد ما نشهده منذ سنوات، سواء من قضاء مشلول هامد لا يتحرك، أو من قضاء استعراضي justice-spectacle يتم استغلاله في السياسة والإعلام، وكلاهما نقيض العدالة…

ضِف إلى ذلك مسألة الإمكانيّات المادية. فالقضاء تُرِكَ وأُهمِلَ للأسف (يكفي أن نذكّر الوضع المزري لمعظم قصور العدل منذ عقود) وربما الأمر مقصود لأنّ حالة العوز المالي بالإضافة الى عدم الاستقلال المالي تضعف القضاء بما يسهل السيطرة عليه. حين تولّيت الوزارة كانت الكارثة المالية قد وقعت في كل إدارات الدولة، فكم بالحري في وزارة ميزانيتها اساساً محدودة جداً. وعندما تفاقمت مشاكل الكهرباء مثلاً، كان علينا تسيير قصور العدل من الجنوب إلى بيروت وجبل لبنان والشمال والبقاع بموازنة خمسة ملايين ليرة شهرياً فقط لمحروقات قُصور العدل. كيف بإمكانك القيام بذلك؟ ومسألة الإمكانيّات الماديّة تفاقمت بسبب انهيار العملة الوطنية وقد وصل الأمر الآن إلى حدود المس بالكرامة الإنسانية للقاضي والمساعدين القضائيين والمتقاضين.

لكن إصلاح أي قطاع (ومن بينه القضاء الذي هو ليس بقطاع إنما سلطة دستورية ومستقلّة) مرتبط بالنظام السياسي الذي يعمل من ضمنه. فأيّ برنامج إصلاحي يتطلب نظاماً سياسياً يسمح باتخاذ القرار وتنفيذه. يجب إصلاح النظام السياسي لتكوين سلطة سياسية متجانسة تحمل مشروعاً إصلاحياً شاملاً (من ضمنه إصلاح القضاء) ولديْها الإمكانية لتطبيق مشروعها. وهذا الأمر ضروري لأن تضعضع المسؤوليات وعدم تضامن السلطة التنفيذية وتداخلها بالمعنى السلبيّ مع باقي السلطات يُعطّل أيّ خطة لإصلاح القضاء وهذا ما ينسحب على خطة التعافي المالي وعلى قطاع الكهرباء وقطاع النقل وجميع القطاعات.

نحن أمام أزمة نظام بنيوية لا مجال لمعالجتها موضعياً. المطلوب علاج شامل على مستوى الوطن يبدأ بالنظام السياسي بجميع تجليّاته وسلطاته الدستورية كافة ومن بينها السلطة القضائية.

المفكرة: هل شعرتِ من اﻟ 2020 إلى اﻟ 2021 بأنّ هناك حماسة على مشروع استقلالية السلطة القضائية من قِبَل الفاعِلين، القضاة، المحامين؟ أم أنّك “عم تصرخي لحالك”؟

لم تكن المشكلة في إصدار القانون أو عدم إصداره إنما في مضمونه. كان هناك في الأساس رؤيتان للقانون: وجهة نظر تعتبر أنه يمكن الاكتفاء بتعديل المادة 5 من قانون تنظيم القضاء العدلي التي تتناول التشكيلات القضائية (وفي البداية كان هذا موقف مجلس القضاء الاعلى ونقابة المحامين كما وعدد من القضاة)، ووجهة نظر أخرى تعتبر أن القانون لا يحتاج إلى مجرد toilettage إنما يحتاج إلى  réforme d’ampleur. وبالتالي أنه من الضروري وفق وجهة النظر هذه إقرار قانون يتناول القضاء العدلي بجميع جوانبه ويواكب مسيرة القاضي منذ دخوله معهد الدروس القضائية ولغاية بلوغه السن القانوني، قانون يطوّر معهد الدروس القضائية، ويحصّن مجلس القضاء الأعلى ويفعّل التفتيش القضائي (وأنا كنت وما زلت من هذا الرأي). بالنتيجة يجب إقرار القانون لتكريس الضمانات الفعلية لاستقلالية السلطة القضائية عن السلطة السياسية وعن كل مصدر نفوذ مالي أو طائفي. وأرى أن إقرار القانون شرط ضروري لإصلاح القضاء، وإن كان هذا الأمر غير كافٍ لوحده لأن الإصلاح الشامل يتطلب ثقافة سياسية تتهيب التدخل في عمل السلطة القضائية وإرادة قضائية ترفض الرضوخ.

لهذا السبب، في كل المناقشات في مجلس النواب كما في الملاحظات الخطية المفصلة التي أرسلتها إلى رئيس لجنة الإدارة والعدل، كان موقفي في هذا الملف موقفاً متجانساً ومتقدماً في شتّى المواضيع الاصلاحية. فمثلاً في موضوع تكوين مجلس القضاء الأعلى، أيّدت فكرة انتخاب الاعضاء (لا بل جميع الاعضاء) من قبل القضاة على الدرجات والمراكز كافة لتحييد المجلس عن المحاصصة السياسية، وإن كانت الأرضية الثقافية غير جاهزة. وفي موضوع النيابات العامة ورد في المسودة التي أرسلت لنا في حزيران 2021 ان وزير العدل يترأّس النيابة العامة. وهذا يشكل انتكاسة تشريعية فرفضتُ ذلك. لا بل ذهبت باتجاه توضيح صلاحيات النيابة العامة التمييزية تجاه النيابات العامة الاستئنافية بشكل يؤمّن العمل القضائي السليم والفعال والمستقل في النيابات العامة، حيث طالبتُ أن تكون توجيهات النيابة العامة التمييزية خطيّة ومعلّلة وأن تكون ضمن أوراق الملف لتفادي التعليمات الشفهية أو الاستنسابية ولتحميل النيابة العامة التمييزية مسؤولية توجيهاتها.

المفكرة: كيف كانت علاقتك بالقضاة؟

نجم: فردِيًّا، مع جميع القضاة الذين عملوا معي، هناك احترام متبادل. وما زلتُ على تواصل بعدد كبير منهم. وهناك قضاة لا أعرِفُهم. وبما أنّني لا أتدخَّل في الملفات القضائية فلا تواصل معهم. أمّا مع القضاء كمؤسَّسة وتنظيم (اي المجالس)، تَمَكَّنّا من الاتفاق والتنسيق المثمر حول بعض الخطوات الإصلاحية كالمحاكمات الإلكترونية وغيرها من المسائل، إلا أننا وللأسف الشديد لم نقارب بعض الملفات الأساسية بالنظرة ذاتها وكانت العلاقة شائكة أحياناً. لا بل توتّرت العلاقة إلى درجة أن مجلس القضاء الاعلى وفي سابقة من نوعها أصدر بيانات اعلامية تناولت بشكل سلبي مقاربتي للتّشكيلات القضائية وهي كانت مقاربة إصلاحية، تهدف إلى تحسين القضاء وتحصينه وإخراجه من المحاصصة الطائفية. وكنت في الحقيقة أتوقّع أن يصدر المجلس نوعاً آخرَ من البيانات. فهل من المقبول أن يُدعى كبار القضاة إلى مجلس الوزراء للتباحث في الملفات القضائية على خلفية الدعاوى من المودعين ضد المصارف (والحمد لله لم يلبّوا الدعوة)؟ وهل من المقبول أن يُشتم ويُهدّد القضاة من قبل مسؤولين سياسيين؟ وهل من المقبول أن يصرّح رئيس السلطة التنفيذية بأن المدعي العام التمييزي عليه أن يستجيب وإلا يذهب إلى منزله؟ وهل من المقبول أن يطرح وزير غير معني بحقيبة العدل على طاولة مجلس الوزراء إقالة كبار القضاة من مواقعهم، وكل ذلك من دون بيان أو احتجاج؟ السياسيون وقحون لكن لو لم تكن المؤسسات التي تتولى إدارة القضاء لعقود تارةً متواطئة أو شريكةً وطوراً حذرةً أو ضعيفة، لما تجرّأ عليها السياسيون وأصحاب النفوذ في المال والإعلام.

المفكرة: شكّل ملفّ التشكيلات محطةً بارزةً في مسيرتك كوزيرة عدل، لا سيما في ما يتعلق بالعلاقة مع مجلس القضاء الأعلى. كيف ترين هذه “المعركة”؟   

نجم: نحكي بصراحة؟ في السابق غالباً ما كان يتم التنسيق والاتفاق بين وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى خلال مرحلة إعداد التشكيلات، حيث كان وزير العدل يتدخّل ويبدي رأيه قبل إنجاز المشروع. أما أنا فقد اعلنت بإنَّني لن أتدخَّل في مَسار التّشكيلات القضائيّة والتزمتُ بهذا القول فلم أتدخل ولم أطلب اسماً واحداً (وجميع المعنيين يعلمون بهذا الأمر). أما إبداء ملاحظات على المشروع  بعد إعداده وإقراره من مجلس القضاء الأعلى، فهذا الأمر ليس تدخلاً من الوزير، إنّما هو حقّ يمنحه القانون للوزير وعدم ممارسة هذا الحق تلكؤ عن تحمل المسؤولية. أنا لم أقبل بأن أكون وزيرة عدل للحصول على اللقب والتخلي عن الدور. قبلت بالمهمة لأنني أتوق للخدمة العامة وأرغب بالمساعدة على تحسين القضاء. وهذا ما جعلني أدعو مجلس القضاء الأعلى أن ينتفض على واقعه وألا يستسلم لأعراف مخالفة للمادة 95 من الدستور كموضوع تخصيص المواقع القضائية طائفياً لأننا نعلم جميعأ أن هذا التخصيص شكّل غطاءً للمحاصصة السياسية وحوّل المراكز القضائية (وتحديداً في القضاء الجزائي) إلى مراكز نفوذ في مختلف المناطق اللبنانية ومنع في الكثير من الأحيان تعيين القاضي المناسب في الموقع المناسب.

حتى أن تركيبة السّلطة القضائيّة المنبثقة من المحاصصة السياسية – الطّائفيّة جعلتْ أيضاً أعضاء مجلس القضاء ممثلين لطوائفهم في المجلس، ومعظمهم مقتنع بهذه الممارسات كأمر محتوم لا مهرب منه. أنا لا أريد أن أستسلم لهذا الواقع لأنني أعتبر أن الإصلاح ليس “حلم” بل “مهمة”. حتى وإن اعتبرت أنّ الإصلاح حلم فعلى المسؤول أن يضع حلمه أمامه وأن يسعى لتحقيقه فيتحوّل الحلم إلى مهمة ومن ثم إلى واقع.

بأية حال، بعد أن أصرّ المجلس على مشروعه فقد تقيّدتُ بصلاحياتي القانونيّة ووقّعتُ على المشروع واعتبرت أن الملاحظات الخطية التي أبديْتها بكل شفافية سوف تؤتي ثمارها في يوم من الأيام. فأنا أؤمن بالتراكم في العمل السياسي وصولاً إلى إحداث الخروقات اللازمة. 

بالمحصّلة، المعركة لم تكن مع أعضاء مجلس القضاء الاعلى الحاليين، بل مع السلطة السياسية التي عيّنت المجالس المتعاقبة والتي كرّست ممارسات لم يتجرأ القيمون على القضاء على التصدي لها منذ سنوات وسنوات. وبما أن تلك السلطة السياسية لديها الأدوات الإعلامية، فقد حاولتْ تشويه صورتي لدى الرأي العام وكأنني الوزيرة “المسيّسة” الّتي تقوم بعَرقَلَة التشكيلات القضائيّة وتضرب استقلالية القضاء وهذا طبعاً غير صحيح. أعترف بأنه لم يكن لديّ الخبرة السياسية الكافية والإمكانيات الإعلامية اللازمة لمواجهة هذا التضليل. عملتُ كأكاديميّة وتعاملتُ بآدمية فيما المواجهة كانت تحتاج ربما إلى بعض الخبث السياسي وبعض الفجور الإعلامي وليس لديّ أيٌّ منهما.

المفكرة: هل يمكنك إخبارنا عن مرحلة التّعيين الأولى للمحقّق العدلي في جريمة 4 آب، القاضي طارق بيطار؟ كيف طُرِحَ إسمه؟

نجم: في المرحلة الأولى، قمت بِإعداد لائحة بالقضاة الّذين لديهم خبرة في القضاء الجزائي، والذين يتمتعون بسيرة مهنية محترمة لجهة الكفاءة والاستقلالية، وأعطيت الأولوية من بينهم للفئة العمريّة التي تجمع الخبرة والحيوية في آن معاً لأن الملفّ ضخم ويحتاج إلى جهد بدني وذهني. انطلاقاً من هذه المعايير التي أؤمن بها، ومن دون الرجوع إلى أيّ طرف سياسي، وَضَعت لائحةً بأسماء القضاة الّذين يتمتّعون بهذه المؤهّلات وبدأت أتواصل معهم ومن بينهم من لم يكن يريد أن يتولى هذه المهام. طرحت على مجلس القضاء الأعلى إسم القاضي سامر يونس، إلا أن هذا الطرح بالرغم مما يتمتع به القاضي يونس من مناقبية وصلابة وتجرّد لم يقترن بموافقة المجلس[1]، فطرحتُ عندها إسم القاضي طارق بيطار الذي كان يترأّس محكمة جنايات بيروت ولديه المؤهّلات المطلوبة وقد اجتمع مجلس القضاء الاعلى معه فوجده متردّداً. وبالنتيجة، وقع الخيار بموافقة المجلس على إسم القاضي فادي صوّان الذي لم يكن من عداد الفئة العمرية التي انطلقت منها في البداية إنما يتمتع بخبرة طويلة كقاضي تحقيق والمؤهّلات لتولي المهمة واستلم مهامه في اليوم ذاته وباشر بالتحقيقات.

بعد نقل الملف من القاضي صوان بقرار ملزم من محكمة التمييز، كان الاضطراب شديداً والغضب قويّاً جدّاً لدى أهالي الضحايا الذين كانوا يخشون توقّف التحقيق او تجميده، فآليتُ على نفسي ألّا أترك مكتبي في الوزارة يومها وملف التحقيق من دون قاضٍ (وكان ذلك أيضاً موقف رئيس مجلس القضاء الأعلى). كما أصرّيت على معاودة طرح الأسماء ذاتها التي طرحتها سابقاً لإعطاء إشارة واضحة بأن الوزارة لا تتأثر بما يحصل، وعليه، طرحتُ مجدداً اسم القاضي سامر يونس. فمجدداً لم يقترن هذا الطرح بموافقة المجلس، ثم اتصلت بالقاضي بيطار للتأكد من استعداده لتولي المهمة فاستجاب قائلاً إنّ هذا واجب وطني ومهني لا يُمكنه التنصّل منه. وبعد موافقة المجلس، أصدرت قرار التعيين فحضر الرئيس بيطار واستلم القرار عند التّاسعة ليلاً من يوم الجمعة 19 شباط. يوم السّبت 20 شباط عند التاسعة صباحاً، كان قد باشر عمله في قصر العدل.

هذا بخصوص تعيين المحقق العدلي، أما بخصوص عمله فدور وزير العدل يكمن في حماية المسار القضائي لا التدخّل فيه. لذلك، رفضت دوماً الإجابة عن أي سؤال حول الإجراءات المتخذة من المحقق العدلي، لأن أيّ تقييم لهذه الإجراءات أو تعليق عليها من قبل وزير العدل يضرب مبدأ استقلالية السلطة القضائية ويُعدّ تدخلاً في الملف أرفضه رفضاً مطلقاَ. وما يحصل منذ أشهر من تعطيل للمسار القضائي يشكّل سابقة خطيرة ويضرب عرض الحائط مفهوم القانون والعدالة والمؤسسات وينتهك الحقوق الأساسية للضحايا وللموقوفين، ويصب في النهاية في خانة من يطالب بتحقيق دولي في حين أن التحدي الأهم هو تعزيز القضاء الوطني.

وكنت قد نبّهت منذ آب 2020 إلى وجوب عدم إدخال الملف في التجاذبات السياسية وهذا ما حصل للأسف كما شاهدناه على بعض وسائل الإعلام، ونراه أيضاً في قضايا حسّاسة أخرى مما يؤدي إلى تسييسها (من قبل السياسيين الذين يشكون من التسييس…!) وهكذا تُغْرَق الملفات وتُعطّل المحاسبة…

المفكرة: ما هي أبرز الملفات التي عملت عليها خلال توليك الوزارة، وما أهم الإنجازات التي تمّ تحقيقها؟

نجم: المدة الزمنية كانت قصيرة جداً – ستة أشهر فقط قبل الاستقالة – وفي ظل ظروف سياسية واقتصادية ومالية صعبة ومعقدة للغاية وفي فترة إقفال عام على مستوى البلد بسبب جائحة كورونا وحالة طوارئ. لكننا بالرغم من ذلك عملنا في الوزارة ليلاً نهاراً حتى في فترة تصريف الأعمال. بدايةً وضعنا مخطّطا استراتيجيا يتضمّن أهداف الوزارة للأعوام 2020-2025. وتطبيقاً لهذا المخطط وبالإضافة الى ما ذكرته لكِ منذ قليل على صعيد المساهمة في العمل الحكومي فقد عملنا على ثلاثة محاور أساسية.

أولاً على صعيد تعزيز حقوق الإنسان وحماية الحريات الفردية. أذكر بصورة خاصة مساهمة وزارة العدل في صياغة ومناقشة القانون الذي يعزّز ضمانات المشتبه به في التحقيقات الأولية والذي يشكل إقراره نقلة نوعية وإنجازاً مهماً ليس فقط لجهة الاستعانة بمحامٍ بل وأيضا لجهة الحق بمعاينة طبيب شرعي ولجهة تسجيل التحقيقات صوت وصورة (وهذه الضمانة الأخيرة لم تُطبق بعد عملياً بحجة عدم توفر الإمكانات المادية). كما أذكر مساهمة وزارة العدل في صياغة ومناقشة القانون الذي يعاقب التحرّش الجنسي لا سيّما في أماكن العمل، وكذلك التعديلات التي أُدخلت الى قانون الحماية من العنف الأسري لاسيما لجهة توسيع نطاق أمر الحماية بحيث يشمل المرأة المطلقة، كما يشمل حكماً الأطفال.

بالإضافة الى هذه القوانين التي أقرها مجلس النواب، اتخذنا في وزارة العدل، بالتنسيق مع مجلس القضاء الأعلى والنيابة العامة التمييزية وبالتعاون مع نقابتيْ المحامين في بيروت وطرابلس، تدابيرَ وإجراءات لتخفيف الاكتظاظ في أماكن التوقيف والحدّ من انتشار فيروس كورونا، بحيث تمّ لأول مرة استبدال حالات المثول أو الإحضار بالتواصل الإلكتروني البصري والسمعي، ضمن ضوابط محددة راعت مبادئ سرية التحقيق وسرعة الإجراءات واحترام الحقوق الشخصية. لأول مرة، تمّ استجواب المحتجزين والموقوفين وتخلية السبيل بواسطة الوسائل الإلكترونية ولقد تمّ تجهيز مكاتب خاصة لغرض الاستجواب الإلكتروني عبر قسم المعلوماتية في وزارة العدل وبناء على مناوبة بين قضاة التحقيق.

المحور الثاني يتناول الإصلاح القضائي. بالإضافة إلى ما سبق وذكرته (لجهة مساهمة وزارة العدل في مناقشة وصياغة اقتراح قانون استقلالية القضاء العدلي، ولجهة التصدّي للممارسة الخاطئة التي قضت بتكريس المواقع القضائية للطوائف والمذاهب، ولجهة اعتماد منهجية مختلفة في التعيين بشكل عامّ ترتكز على فتح باب الترشيح للقضاة التزاماً بالشفافية وحرصاً على توفير الفرص المتساوية)، فقد ساهمت وزارة العدل في مناقشة وصياغة القانون الذي عدّل المادة 419 من قانون العقوبات لتشديد عقوبة التوسّط والتدخّل لدى القضاء. كذلك أنشأتُ في الوزارة مكتب التعاون القضائي الدولي لتفعيل المساعدة القضائية المتبادلة لاسيما في جرائم الفساد وتبييض الأموال. أذكر أيضا وأخيراً العمل على إنجاز ملف القاضي المُمَكنَن بشكل يعطي صورة مفصلة وفورية عن مسيرة القاضي المهنية ويساعد في ترشيد الإدارة القضائية والتقييم (وهو جزء من مشروع المنصة القضائية Justice Platform). وقد أصرّيتُ على تفصيل الخانات التي تتناول مسيرة القاضي العلمية، في حين شطبتُ الخانَة المُخَصّصة لطائفة القاضي. هذه أمور قد يعتبرها البعض سذاجةً. بالنسبة إليّ هي أمور جوهريَّة لأنَّها ترمُز إلى كيفيَّة النّظر إلى القاضي. كما وركّزت على تدعيم الجانب العِلمي في العمل القضائي، لا يجب أن ننسى أن القضاء اجتهاد عند عدم وضوح النص أو غيابه. وقد عملتُ مثلاً على توفير بعض الخدمات المجانية في هذا المجال مثلاً استفادة القضاة من المكتبة الورقية والإلكترونية لكلية الحقوق في جامعة القديس يوسف.

عندما تركتُ الوزارة، لم تكن المنصّة قد أنجزت، لأن الملف المُمَكنَن يتطلّب scanning لكل المستندات في حين يوجد آلة واحدة، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء… هذا هو الواقع المرير، على من يريد إصلاح الإدارة أن يعمل ضمن هذا الواقع وعليه أن يكون صبوراً وألا ينال منه الإحباط.

المحور الثالث يتناول مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، حيث ساهمت وزارة العدل في صياغة ومناقشة قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والقانون الرامي إلى تعديل قانون الإثراء غير المشروع، والقانون الذي أُقرّ لتوفير حماية لكاشفي الفساد أمام النيابة العامة التمييزية، وقانون تعديل المادة 61 من نظام الموظفين لجهة إعطاء الوزير مهلة 15 يوما للبت بطلب رفع حصانة الموظف إالّا تعتبر الحصانة مرفوعة حكماً مما يسهّل ملاحقة الموظفين العموميين.

بالإضافة إلى المساهمة في صياغة ومناقشة القوانين، أعدّت وزارة العدل المرسوم التطبيقي لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات الذي أقره مجلس الوزراء. وعملنا على جعل وزارة العدل وزارة مثالية بالنسبة للحق في الوصول إلى المعلومات، بحيث تم تعيين موظف معلومات ونشرنا قرار التعيين على الموقع الإلكتروني لوزارة العدل كما أنشأنا على هذا الموقع قسماً خاصاً بطلبات الحصول على المعلومات. كذلك نشرنا دليل التعاون الدولي مع الجمهورية اللبنانية لاستعادة ‏الأموال المتأتية عن الفساد، انسجاما مع مقتضيات تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.‏ وخصّصنا مكتباً لاستقبال كاشفي الفساد لمعاونة النيابة العامة التمييزية لتلقّي الشكاوى.

هذا ما يمكن أن أذكره على صعيد هذه المحاور الثلاثة (وأستطيع أن أضيف إليها أمثلة أخرى على صعيد الإدارة في الوزارة. فقد نجحنا مثلا في إصدار مراسيم تعيين الكتاب العدل الناجحين في المباراة والذي كان ملفهم مجمداً على عامين لأسباب طائفية معلومة من الجميع).

وأريد أن أوجّه الشكر فرداً فرداً الى القضاة الملحقين في وزارة العدل وجميع القضاة والمحامين وأساتذة الجامعات وممثلي الجمعيات وأصحاب العلم والفكر في المجتمع المدني الذين خصّصوا الوقت والجهد في اللجان التي أسّستها وساهموا في إنجاز المشاريع وكذلك جميع المنظمات الحكومية والجمعيات المحلية والدولية التي شاركت بالتمويل أو الخبرة أو المواكبة.

لكن يبقى أن جميع هذه الإصلاحات لا تثمر نتائج فعلية ما لم نعالج نظامنا السياسي والاقتصادي بشكل عامّ لبناء الدَّولة القويَّة والعادلة. فلا نهوض للقضاء والقانون والمؤسسات بمعزل عن نهوض الدولة.

المفكرة: في النهاية، كيف ترين مستقبلك السياسيّ؟

نجم: في الوزارة؟ “أصلاً ما حدا من الموجودين بيعَيّنّي (مجدداً)” (ضاحكةً). أما بالنسبة للانتخابات النيابية فلم أترشّح لها، ولن أقوم بعمل سياسي مباشر في الوقت الحاضر. إذ أعتقد أنني بحاجة إلى فترة زمنية لمراجعة هذه التجربة الغنية والقاسية والتوقف عندها وتقييمها بموضوعية والاستفادة من المحاولات والأخطاء ومشاركتها مع كل من يمكن أن يستفيد منها ولاسيما مع طلابي.

لكنني لن أتخلّى عن العمل في الشأن العام ولو بطريقة مختلفة. فالسياسيّة بالمفهوم الواسع للكلمة هي وضع خطط مستدامة وتنفيذها لتحسين مجتمع معين، ومتى تبيّن لمن يرغب بالعمل السياسي أن العائق أمام وضع الخطط وتنفيذها هو النظام السياسي الموجود، يصبح تغيير النظام حاجة لإنجاح العمل السياسي. وهذا ما أصبحت على قناعة بحتمية السعي إليه. يجب أن نعمل على ابتكار نظام سياسي جديد، ولن أضيّع هذه التجربة من دون أن أبني عليها وأستفيد منها. أنا استاذة جامعية عدتُ بعد الوزارة إلى طلابي الذين لم أتركهم أساساً. وهذه وظيفتي الأكبر والأهم. سوف أكمل المعركة – معركة الدولة والقانون والمؤسسات، معركة الإنسان والحريات – من الجامعة ومن أي مكانٍ آخر. أؤمن بضرورة الاتجاه نحو ميثاق سياسي- اجتماعي- اقتصادي جديد، في إطار دولة علمانية، وما من حلّ آخر. قد يعتقد البعض أنّ هذا خطاب نظري وصعب المنال، لكننا سنصل إليه في نهاية المطاف لأن التجارب المتتالية سوف تبيّن للجميع أن لا دولة ولا حقوق ولا مؤسسات خارج هذا الميثاق.

المفكرة: هل سنصل إليه لأن النّظام الحالي لم يعد قابلاً للعيش؟

نجم: أكيد، النظام الحالي ليس قابلاً للحياة لا بل يمكن القول بأنه دمّر الحياة السياسية وأنهك البلد وشلَّ السلطة وعطّل المحاسبة. وهذا النظام سقط لكنّنا خائفون من الخوض في صراع للوصول إلى عقد اجتماعي جديد – عقد المواطن مع الدولة، عقد اجتماعي خارج الطوائف – لأننا خائفون من أن تهتزّ التوازنات الطائفية… فالبعض يريد تقوية حقوقهم كطائفة والبعض الآخر يريد تقسيما طائفيا… أنا بالعكس أبحث عن المعارك الهادفة لتفكيك الحلقة الطائفية الّتي أغرقتنا ومنعتنا من القيام بالمعارك الجامعة التي تتخطى الطوائف والمناطق.

هنا تكمن المعركة في كسر النظام الحالي، إذا كيف نصل إلى ذلك؟  إما من خلال الثورة العنيفة وهذه مغامرة خطيرة وغير واردة في بلد متعدد كلبنان وفي منطقة ملتهبة تقع على خط زلازل جيوسياسية. وعليه تصبح أفضل طريقة لاسترجاع الدولة هي الثورة الفكرية التي تبدأ بوضع خطّة عمليّة لتسجيل الانتصارات الموضعية وإحداث خروقات في جدار هذا النظام. فكما “تآكلت” الدولة “شوَيّ شوَيّ”، علينا أن نقوم ﺒقضم معاكس، لنبني الدولة شويّ شويّ في كلّ ملف، في كلّ موقع، في كلّ معركة. إن كان هنالك طريقة أخرى، فَليَقتَرحها أحد رجاءً، أنا لا أراها. يجب استعادة الدَّولة بهذه الطَّريقة، خطوة خطوة للخروج من الدويلات الطائفية والعبور إلى الدولة.

فالحلّ معروف، وهو نقيض النظام الحالي. أي نظام ائتلاف زعماء الطوائف. الحلّ هو الدولة، لا الدولة الدينية ولا الدولة العسكرية أو البوليسية إنما الدولة المدنية، الدولة التي تعطي حقوقا وكرامة وليس دولة الشحادة والإذلال. هذه الدولة فقط تؤمّن سيادة واستقرارا.

نحن خسرنا معركة لا بل خسرنا معارك لكننا لم نخسر الحرب. وهذه الحرب هي حرب أولاً على ثقافتنا وذهنيتنا. وأتمنّى أن يخوضها كلّ ذوي النوايا الحسنة في المجتمع المدني.


[1]  يعين المحقق العدلي في القضايا المحالة إلى المجلس العدلي ومنها قضية انفجار مرفأ بيروت بقرار من وزيرة العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى (المحررة). 

انشر المقال

متوفر من خلال:

أحزاب سياسية ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني