المصارف تستهدف نقابات المهن الحرّة”: تهديد رواتب المتقاعدين وفرض “خوّات”


2021-09-24    |   

المصارف تستهدف نقابات المهن الحرّة”: تهديد رواتب المتقاعدين وفرض “خوّات”
نقباء المهن الحرة في أحد اجتماعاتهم

تواجه نقابات المهن الحرّة في لبنان خطر ضياع إيراداتها المودعة في المصارف بعد أن قرّرت الأخيرة مؤخراً اعتبار بعض حسابات هذه النقابات في عداد “غير الموجودة”. فبعد أشهر من بدء اتّباع عدد من المصارف اللبنانية سياسة جديدة مع الشركات الخاصة تقوم على رفض قبول تحويل رواتب الموظفين من الحسابات الجارية للشركات وإجبارها على إيداع أموال بالليرة “الطازجة” في حسابات جديدة تحوّل منها الرواتب، وصل الأمر إلى المستفيدين من نقابات المهن الحرة. فقبل حوالي شهرين أبلغت المصارف نقابات المهن الحرّة بأنّها لن تحوّل أو تدفع رواتب المتقاعدين والموظفين في هذه النقابات من الحسابات الجارية سواء أكانت هذه الحسابات بالليرة اللبنانية أو بالدولار، وأنّ كلّ نقابة باتت مجبرة على فتح حسابات جديد تودع فيها كتلاً نقدية “طازجة” تغطي شهرياً رواتب هؤلاء، وإلّا لن يحصلوا على مستحقاتهم. وهذا الأمر ترفضه النقابات حتى اللحظة باعتباره إجراءً تعسّفياً غير قانوني يهدّد الرواتب الشهرية لحوالي 10 آلاف متقاعد ومئات الموظفين في هذه النقابات التي انخفضت أصلاً إيراداتها بسبب انهيار الليرة اللبنانية وتراجع عدد المنتسبين الجدد إليها إثر هجرة الخرّيجين المتزايدة.

مماطلة من المصارف وفرض “خوّات” 

“تصلنا يومياً عشرات الشكاوى من مهندسين متقاعدين ترفض المصارف تسليمهم رواتبهم التقاعدية التي فقدت أصلاً قيمتها، إذ هي لا تتجاوز مليوناً و800 ألف ليرة أي ما قيمته حالياً حوالي 110 دولارات” يقول مصدر مالي في نقابة المهندسين  لـ “المفكرة القانونية”. ويشدد على أنّ هذا الإجراء التعسّفي ليس مقبولاً ويزيد الضغوطات على نقابات المهن الحرة التي تعاني أصلاً من فقدان قيمة إيراداتها المتراجعة بسبب هجرة الخرّيجين الجدد الذين من المفترض أن ينتسبوا إليها.

ويشرح المصدر أنّ لدى نقابة المهندسين حسابات في المصارف جارية بالليرة اللبنانية وبالدولار، وأّنه كان من المفترض أنّ يكون دفع الرواتب المتقاعدين والموظفين منها، ولكن ما حصل أنّ المصارف تجاهلت هذه الحسابات التي باتت كأنّها غير موجودة، واستحدثت حسابات نقدية تخصّص لوضع الأموال الطازجة بدلاً من أي راتب يدفع، لكي تودع فيها النقابة ما يأتيها من إيرادات نقدية كاشتراكات أو رسوم البناء. ويشير إلى أنّ هذه الإيرادات لا تغطّي كلّ الرواتب وبالتالي تهدّد إجراءات المصارف رواتب الأرامل والإعاقات ورواتب موظفي النقابة البالغ عددهم تقريباً 150 موظفاً، فضلاً عن تهديد رواتب المتقاعدين في نقابة المهندسين الذين يقدّرون بـحوالي 3 آلاف مهندس ومهندسة وهو عدد مرشّح للازدياد. 

لم تكتف المصارف بهذا الإجراء بل فرضت ما تسمّيه نقابات المهن الحرة “خوّة مئوية” إذ تخصم ما تصل نسبته إلى 12% من راتب المتقاعد أو الموظف الشهري في حال أرادت دفعه نقداً من دون تقسيط  ولاسيّما إذا النقابة لم تغط الراتب بأموال “طازجة”، وتعلّل المصارف الأمر للمستحقين بأنّ السيولة غير موجودة عندها وأنّ نقلها من المصرف المركزي يكلّف ما بين 9 و10% من قيمة المبلغ فيما الـ 2% المتبقية عمولة للمصرف.

وانطلاقاً من هذه التبريرات تقوم المصارف في حال رفض المتقاعد أو الموظف خصّم 12% من قيمة راتبه، بتحديد سقوف لسحوبات المستفيدين، ما يعني أنّ المهندس مثلاً قد لا يتمكّن من سحب كامل مستحقاته الشهرية (تقاعدية وغيرها) خلال شهر واحد كما يؤكّد أحد المهندسين لـ “المفكرة”، مضيفاً أنّ “بعض المصارف تعمد إلى تقسيط الرواتب حتى عندما تخصم الـ 12% بحجّة أنّها لم تتنبه للأمر”.

وفي إطار الإجراءات الجديدة تشترط  بعض المصارف أحياناً على المهندس أنّ يقبل بأن يحصل على نصف راتبه نقداً والنصف الآخر في بطاقة مصرفية مع العلم أنّ معظم المؤسّسات لم تعد تقبل أن يستخدم زبائنها هذا النوع من البطاقات.

ما يحصل في نقابة المهندسين ليس استثناءً، فمعظم المنتسبين إلى نقابات المهن الحرّة يواجهون الإجراءات المصرفية نفسها منها نقابة أطباء الأسنان التي ينتظر ألّا تتمكن من دفع رواتب متقاعديها نهاية شهر أيلول الحالي، موعد دفع هذه الرواتب التي تدفع كل 3 أشهر نظراً لقيمتها المتدنّية. فالراتب الشهري لطبيب الأسنان المتقاعد لا يتجاوز 500 ألف ليرة، ما سيضع النقابة أمام خيارين إمّا أن تدفع مباشرة نقداً للمتقاعدين والموظفين وإما ان ترضخ للمصرف وتضع مبلغاً مالياً نقدياً في الحساب الذي خصّصته المصارف لهذا الأمر، كما يقول نقيب اطباء الاسنان في لبنان روجيه ربيز لـ “المفكرة”. ويشرح أنّ اعتماد هكذا خيارات ليس حلّاً أولاً لأنّ لا أحد يضمن ألّا تعود المصارف وتفرض إجراءات جديدة  أكثر تعسّفاً، وثانياً لأنّ النقابة ليس بمقدورها تأمين المزيد من الإيرادات للاستمرار في دفع الرواتب.

ويلفت ربيز إلى أنّه لدى نقابة أطباء الأسنان كما في باقي النقابات حساب جار بالليرة وبالدولار مخصّص لمعاشات التقاعد، وأنّ المصارف أبلغتهم قبل شهر ونصف الشهر تقريباً أنّه لا يمكن صرف “الشيكات” المحرّرة للموظّفين أو للمتقاعدين من حسابات النقابة الجارية، وأجبرتها على فتح حساب بالليرة اللبنانية “الطازجة” مضيفاً: “المصارف قرّرت تجميد هذه الحسابات، أو ربما اعتبارها غير موجودة، وأوقفت الاستفادة من التوطين للموظفين والمتقاعدين”.

ويكرّر ربيز ما تقوله نقابة المهندسين عن قيام بعض المصارف بحسم ما تصل قيمته إلى 12 % من الراتب حتى لو وضعت النقابة أموالاً نقدية مقابل هذه الرواتب.

وفيما تطال هذه الإجراءات المصرفية حسابات رواتب التقاعد والموظفين فقط، يتخوّف ربيز من أن توسّع المصارف مروحة إجراءاتها إلى حسابات أخرى تعود للنقابة كصندوق التغطية الصحية الذي يستفيد منه ما لا يقلّ عن 5 آلاف طبيب أسنان. ويلفت إلى أنّ الإجراءات الحالية تهدّد رواتب حوالي 270 طبيب أسنان متقاعداً و13 موظفاً في النقابة. صحيح أنّ العدد قد يكون خجولاً كون نقابة الأسنان نقابة صغيرة ولكن الأمر بالنسبة لـربيز يهدد مجتمعاً كاملاً إذ لا يكفي ما يتعرّض له العاملون في المهن الحرّة من ضغوطات تمثّلت بخسارة قيمة ما يتقاضونه ليصل الأمر إلى رواتبهم التقاعدية، في خطوة تنذر بخطوات أخرى. 

إجراءات المصارف تهدّد سمعة النقابات في الخارج

 طالت الإجراءات المصرفية أيضاً نقابة خبراء المحاسبة المجازين كما يؤكّد النقيب سركيس صقر لـ “المفكرة” مشيراً إلى أنّ النقابة اضطرت الشهر الماضي إلى وضع مبلغ مالي نقدي “طازج” يغطّي رواتب 100 متقاعد و15 موظفاً لأنّ المصرف امتنع عن تحويل الرواتب من حساب النقابة الجاري.

ويكرّر صقر ما تحدث عنه غيره من نقباء المهن الحرة عن فرض خصم ما نسبته 12% من كامل الراتب في حال لم تغطّ النقابة كلّ راتب بمبلغ نقدي، مع احتمال رفع هذه النسبة إلى 14%، لافتاً إلى أنّ النقابة لا تستطيع فعل هذا الأمر كلّ شهر ما يعني أنّ رواتب الموظفين والمتقاعدين في خطر ليس لأنّ النقابة لا تملك ما يغطيها بل لأنّ المصارف قرّرت أن تعتبر الحسابات الجارية في عداد غير الموجودة من دون أي وجه حق.

ويلفت صقر إلى أنّ إجراءات المصارف التعسّفية بدأت قبل حوالي سنتين ضد النقابات حين امتنعت هذه المصارف عن تحويل مبالغ مالية من حسابات المصارف إلى الاتحادات الدولية والعربية التي تعتبر نقابة خبراء المحاسبة عضوة في عدد منها، الأمر الذي  يهدّد سمعة النقابة في الخارج وحضورها دولياً، مضيفاً أنّ  النقابة ومنذ العام 2021 لم تستطيع دفع اشتراكات عضويّتها في اتحادات دولية.

يهدّد منع تحويل الاشتراكات أيضاً عضوية نقابة والمعالجين الفيزيائيين في اتحادات دولية حسب ما يشير النقيب إيلي قويق في حديث مع “المفكرة”، معتبراً أنّ المصارف تسمح لنفسها بالمسّ بمدّخرات حوالي 2500 منتسب للنقابة من دون أي وجه حق.

توجّه إلى القضاء.. دعاوى فردية وجماعية 

وردّاً على هذه الإجراءات، قرّرت نقابات المهن الحرة خلال اجتماعين عقدتهما في نقابة المهندسين وحضرهما ممثلون عن نقابة المحامين والأطباء ومحرّري الصحافة وأطباء الأسنان وخبراء المحاسبة المجازين ونقابة الممرضين والممرضات والمعالجين الفيزيائيين ونقابة العلوم والمعلوماتية بلبنان ونقابة الصيادلة، اللجوء إلى القضاء وتوجيه إنذار قانوني ضدّ إجراءات المصارف التعسفيّة وتصعيد المواجهة ضد سلوك المصارف تجاه نقابات المهن الحرة  خصوصاً والمودعين عموماً.

ومن المقرر أن توجه النقابات إنذارات خطية إلى جميع المصارف التي تتعامل معها، محذرة من المس بالحسابات الجارية وحسابات صناديق المدخرات الاجتماعية لهذه النقابات، وفي حال عدم تراجع المصارف عن إجراءاتها ستتقدم النقابات بدعاوى فردية وجماعيّة. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، عمل ونقابات ، تحقيقات ، نقابات ، قطاع خاص ، مصارف ، ملكية خاصة ، لبنان ، حقوق العمال والنقابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني