المساعدون القضائيون يعتكفون مجددًا: الموازنة جهّلت حقوقنا


2024-02-03    |   

المساعدون القضائيون يعتكفون مجددًا: الموازنة جهّلت حقوقنا

عاد المساعدون القضائيون إلى الاعتكاف عن العمل كوسيلة ضغطٍ لتحسين رواتبهم التي لم تلحظها موازنة 2024 مقابل رفع الرسوم والضرائب. وبعدما شهدت قصور العدل توقفًا شاملًا عن العمل يومي الخميس والجمعة (1و2 شباط) الأمر الذي أثار تخوّفًا من أن يكون اعتكافًا مفتوحًا، قرر المساعدون القضائيون بعد اجتماع مع وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري مساء الجمعة، الاستمرار في اعتكافهم لغاية الخميس المقبل في 8 شباط. وأصدرت لجان المساعدين القضائيين بيانًا مقتضبًا أشاروا فيه إلى أنّهم ناقشوا مسألة الرواتب ورواتب نهاية الخدمة والتقديمات الصحية إضافة إلى احتياجات الصندوق التعاوني للمساعدين القضائيين. وأضاف البيان أنّ خوري أكد أنّ مطالبهم محقة، ووعدهم بنقلها إلى مجلس الوزراء لمحاولة إيجاد حلول سريعة وعملية. وأكدّ البيان أنّ خوري وافق على أمور عدّة تتصل بالصندوق التعاوني. 

وبعدما لوّحوا باعتكاف غير محدد الأجل لا يستثني ملفات الموقوفين كما جرت العادة في اعتكافاتهم السابقة، يظهر أنّ الوعود التي حصلوا عليها من وزير العدل دفعتهم إلى استثناء ملفات الموقوفين إلى جانب المهل القانونية قريبة النفاذ، حسبما ورد في بيانهم الأخير. 

وشهدت قصور العدل يومي الخميس والجمعة شللًا كاملًا، حيث شمل الاعتكاف جميع المحافظات. وفي قصر العدل في بيروت حيث جالت “المفكرة القانونية” رصدنا توقّف العمل في جميع المحاكم والدوائر القضائية، ومن بينها محاكم الجنايات والتمييز وقضاة التحقيق والنيابات العامّة ومحكمة الأمور المستعجلة. 

وكانت لجان المساعدين القضائيين في قصور العدل قد أصدرت  تعميمًا يوم الثلاثاء في 30 كانون الثاني تمّ توزيعه على القضاة والمحامين تضمّن “الإعلان عن المباشرة بتنفيذ الإضراب العام الشامل، بدءًا من الأول من شباط، في المحاكم والسجل التجاري في بيروت وبعبدا”. وأعلنت لجنة المساعدين القضائيين في بيروت في بيان “الاعتكاف العام والتوقّف القسري عن العمل وإلغاء جلسات المحاكمة بكل أنواعها وعدم استقبال أي مراجعة، باستثناء ما يتعلق باليوم الأخير من المهل القانونية، على أن تبقى الاجتماعات مفتوحة لمواكبة كل جديد”. وبرروا سبب الاعتكاف بـ “ما يعانيه الموظف العام من سوء في الأوضاع المعيشية المزرية وتدني قيمة الرواتب وحرمان الموظفين من الحوافز والمساعدات التي تعطى لبعض المرافق العامة من دون سواها، وتجانسًا مع مطالب رابطة موظفي القطاع العام” التي أعلنت الإضراب العام والشّامل ابتداءً من يوم الثلاثاء في 30 كانون الثّاني حتى الجمعة 9 شباط.  

اعتكاف شبه كامل يطال أقلام محكمة التمييز للمرّة الأولى

لم يكن المشهد أمس في قصر العدل في بيروت كعادته من ازدحام المحامين والمتقاضين، فقد التزم المعتكفون بالتوقف عن العمل وعدم إجراء أي جلسات أو استقبال المراجعات باستثناء ما يتعلّق باليوم الأخير من المهل القانونية. حتّى ملفات الموقوفين علّقت خلافًا لما كانت الحال في الإضرابات السابقة، وكذلك أقلام قضاة التحقيق التي عُلّق على أبوابها، على غير عادة، ورقة كُتب عليها كلمة: “اعتكاف”. الكلمة صدمت سيّدة أتت من مخيم نهر البارد في شمال لبنان لتقدّم طلب استلام مقتنيات شخصية عائدة لابنها الموقوف ولم تكن على علم بموضوع الاعتكاف، فلم تجد من يُساعدها بسبب مغادرة الموظف باكرًا، فتقدم زميله الذي اكتفى بأخذ الطلب منها من دون أن يعدها بشيء قائلًا إنّه غير قادر على التأكيد ما إذا كان طلبها سيُقدّم إلى قاضي التحقيق قريبًا بسبب عدم وضوح مصير الاعتكاف. 

وأيضًا  في السجل التجاري اختلف المشهد عن الازدحام اليومي المعهود، فمع بداية الاعتكاف بات السجل خاليًا إلّا من الموظفين المنهمكين في إنهاء الأعمال الداخلية بينما يرفضون استلام أي معاملات جديدة أو الاستجابة للمراجعات. وكان عشرات المحامين قد أتوا لتسجيل ملفاتهم الأربعاء حالما علموا بإعلان الاعتكاف، فيما خشيَ آخرون من امتداد الاعتكاف إلى أمد أطول فيعجزون عن تقديم طلبات تأسيس شركات وبالتالي يخسرون أتعابهم. وهذا ما عبّر عنه محام أتى إلى السجل التجاري ليستطلع الوضع قائلًا لـ “المفكرة”: “لديّ ملف تأسيس شركة تعطّل اليوم بسبب اعتكاف الموظفين، ما يعني أنّ موكلي لن يدفع لي أي أتعاب علمًا أنّني تكبّدت أعباء مالية، ومن بينها كلفة الطوابع التي اشتريتها من السوق السوداء بعشرات أضعاف سعرها الأصلي بسبب عدم توفرها في السوق”. 

هذا الاعتكاف ليس كغيره من الاعتكافات أو الإضرابات السابقة التي نفذها الموظفون القضائيون. فهذه المرّة انضم إليهم موظفو قلم محكمة التمييز الّذين لم يُشاركوا سوى مرّة واحدة في إضراب سابق، وكانت مشاركتهم وقتها ليوم واحد فقط. وانسحب الأمر على محكمة الجنايات التي يقول موظفوها إنّهم معتكفون ليومين فقط هذه المرّة، وذلك لتسجيل موقفٍ مع زملائهم، ويؤكدون أنّ اعتكافهم لفترة أطول يؤدي إلى تكدّس الملفات ومراكمة العمل بسبب الأعداد الهائلة للملفات التي تحتويها أقلام هذه المحكمة. 

“نتكيّف مع ظروف عمل شديدة السوء”

يتحدث الموظفون عن ظروف صعبة يعيشونها منذ بداية انهيار العملة، وصلت إلى حد انقطاع الكهرباء في عدد من قصور العدل من بينها تعطّل مولّد الكهرباء في قصر العدل في المتن منذ خمس سنوات كما انقطاع القرطاسية التي باتوا يشترونها من جيوبهم. ويقول موظف في المتن لـ “المفكرة” إنّ “كلفة إصلاح المولّد تصل إلى 5000 يورو، ولا يوجد ميزانية لإصلاحه، نتّكل على كهرباء الدولة التي تنقطع بشكل متكرر، ونعمل في الشتاء بلا تدفئة وفي الصيف لا يوجد تكييف”. ويلفت إلى أنّ “شركات التنظيف قطعت عقودها مع قصور العدل، واليوم بات قصر العدل يُنظّف مرّة في الأسبوع على حساب الموظفين”. ويُضيف: “البلدية ساعدتنا في مرحلة معيّنة في الصيانة والنظافة لكن هذه المساهمة انخفضت بعد حل المجلس البلدي قبل نحو ثمانية أشهر”. ويشرح الموظف: “أصبحنا في حالة تأقلم قسري، ملزمون على التكيّف مع الوضع لأنّه لا خيار أمامنا، معظمنا يعمل في العدلية منذ عشرين عامًا، ومن سيأتي من بعدنا لن يكون قادرًا على التكيّف مع هذا الوضع”. 

أزمة الرواتب تتفاقم والحكومة توزّع الفتات

اعتكافات متكررة حصلت في العام 2023 تمكّن المساعدون القضائيون من  خلالها من تحصيل تحسينات بسيطة على مداخيلهم، كالمساعدات التي أقرّتها الحكومة والتي بلغت مؤخرًا 7 أضعاف الراتب الأساسي لكن على سعر الصرف القديم 1500 ليرة، ما يشكّل فتات حاجاتهم الفعلية. وفي آخر اعتكاف حصل في صيف 2023، تمّكنوا من إقرار رسم قضائي بقيمة 100 ألف ليرة على كل تسجيل لملف في القلم رغم غياب النصّ القانوني الذي يُجيز ذلك. وموّل هذا الرسم تأمين مساعدة بقيمة 30 دولارًا لكلّ موظف في الشهر، وذلك تعويضًا عن خسارتهم المساعدة التي كانوا يحصلون عليها في السابق بقيمة 600 دولار كلّ شهرين. 

ويُقارن الموظفون أوضاعهم بين السابق والحاضر، حيث يقول موظف قضائي إنّه “قبل الأزمة كان الموظف الذي يتقاضى راتب ثلاثة ملايين ليرة (2000 دولار) يعيش مرتاح البال، ويتقاضى مساعدة من صندوق التعاضد بقيمة 600 دولار كلّ شهرين ويحصل على منح دراسية تصل إلى مليوني ليرة في السنة أي نحو 1،330 دولار، وهذه المنحة أصبحت اليوم 9 ملايين لكنّ قيمتها الفعلية 100 دولار فقط فيما قيمة الأقساط المدرسية هي نفسها وتتخطى 3000 دولار”. 

يلوّح أحد الموظفين بورقة راتبه، وقد سُجّل عليها أنّه تقاضى مليونين و195 ألف ليرة. يقول: “هذا كان راتبي قبل الأزمة، كنت أعيش بكرامة أنا وعائلتي، اليوم ما عاد يُساوي 25 دولارًا”. ويُشير إلى أنّ “المساعدات التي أقرّها مجلس الوزراء لا تدخل في صلب الراتب أو تعويضات نهاية الخدمة”. وسُمّيت هذه المساعدة بـ “مساعدة مؤقتة”، فيصل مدخول الموظف القضائي في حدّه الأقصى إلى 23 مليون ليرة لبنانيّة أي نحو 250 دولارًا. وأكثر ما يخشاه الموظفون اليوم هو أن يصلوا إلى سن التقاعد من دون حلّ هذه الأزمة، بخاصّة وأنّ الموظف سيتقاعد على راتبه الأساسي الذي لا تدخل فيه المساعدات التي أقرّتها الحكومة. ويلفت أحد الموظفين إلى أنّ التقاعد بات مذلّة “زميلنا تقاعد منذ مدّة وتقاضى 70 مليون ليرة على 30 عامًا من العمل”. 

انهيار التغطية الصحية التي تقدّمها تعاونية موظفي الدولة 

ويصل الموظفون بشكواهم إلى التغطية الصحيّة التي أصبحت زهيدة إذ لا زالت تعاونية موظفي الدولة تؤمن التغطية نفسها التي كانت تغطيها إنما على سعر الصرف القديم. ويشرح موظف لـ “المفكرة”: “كانت تغطية التعاونية تصل إلى نحو 90 بالمئة من قيمة الكلفة في المستشفى، اليوم إذا كانت كلفة العملية على سبيل المثال ألف دولار، تدفع التعاونية منها 100 ألف ليرة أي نحو 10 دولارات فقط”. ويلفت إلى أنّ “أحد الموظفين الذي يعمل في العدلية منذ أكثر من 20 عامًا تعرّض لإصابة في يده وكانت كلفة العملية 3000 دولار، اضطر للاستدانة لتغطيتها وإلّا كان سيصاب بعطب دائم”. 

وفي عدلية بيروت يشكو موظف خمسيني من حاجته إلى عملية جراحية كلفتها تتخطى 10 آلاف دولار، ويقول: “بما أنني أعلم أنّ تعاونية موظفي الدولة لن تغطي قيمة العملية قررت أن أتجاهل الأمر”. ويُعطي الموظف صورة عن الوضع الذي بلغه بعد انهيار العملة، مشيرًا إلى أنّ “ابنتي أصبحت تُساعدني في تأمين قسط الجامعة لشقيقها، وأنا أحاول أن أؤمن له مصروفه اليومي، أقله ثمن فنجان قهوة”. أمّا زوجته التي غلبت مرض السرطان بعد خضوعها لجلسات علاج كيميائي، فيلفت إلى أنّها “تحتاج بشكل دوري إلى إجراء فحوصات وصور أشعة، فنبحث عن أرخص مختبر لإجرائها”. الموظف ينقل همومه التي يقول إنّها ما عادت تُحتمل: “لا خيار أمامي في هذا العمر إلّا أن أواصل العمل لربما يتحسّن الوضع”. ويلفت إلى أنّه يسكن في شحيم التي تبعد 40 كلم عن بيروت، ويضيف: “أدفع نحو 700 ألف ليرة يوميًا للوصول إلى العمل فيما البدل اليومي الذي أتقاضاه لا يزيد عن 450 ألف ليرة”. أمّا زميله فاستعاض عن السيارة الخاصّة للوصول إلى العمل بالسير على الأقدام كلّ يوم لمدّة 45 دقيقة لتوفير المال، ويقول: “ما عدت أستخدم السيارة بسبب الوضع، وما عدنا نخرج أنا وعائلتي للترفيه عن أنفسنا، حتّى أننا توقفنا عن شراء المناقيش للفطور”. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني