الفصل بغير الطريق التأديبي: أداة تشريعية جديدة لمكافحة الإرهاب أم لإقصاء المعارضين؟


2021-09-27    |   

الفصل بغير الطريق التأديبي:  أداة تشريعية جديدة لمكافحة الإرهاب أم لإقصاء المعارضين؟

في 28 يوليو 2021، نشرت الجريدة الرسمية القانون رقم 135 لسنة 2021 الخاصّ بتعديل بعض أحكام القانون رقم 10 لسنة 1972 بشأن فصل الموظّفين العموميين بغير الطريق التأديبي، والمعروف إعلامياً بقانون “فصل الإخوان“. وهو القانون الذي تهدف من خلاله الحكومة إلى تطهير وحدات الجهاز الإداري للدولة من أصحاب الأفكار المتطرّفة والتخريبية، وذلك بغية تمكين أجهزة الدولة المختلفة من أداء دورها المنوط بها على أكمل وجه، بدون تعطيل أو تخريب قد ينتج عن وجود عناصر متطرّفة داخل الهيكل الإداري للدولة. فبموجب أحكام القانون الجديد، يجوز فصل الموظّف العامّ بغير الطريق التأديبي في حالة الإخلال الجسيم بمرفق عامّ في الدولة، أو بمصالحها الاقتصادية، أو إذا قامت بشأنه قرائن جدّية على ارتكابه ما يمسّ الأمن القومي للبلاد وسلامتها[1]. كما اعتبر القانون إدراجَ العامل على قائمة الإرهابيين وفقاً لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2015 بشأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين قرينة جدّية تكفي لاتّخاذ إجراءات الفصل بغير الطريق التأديبي في حقّه[2]. فوفقاً لتقرير لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النوّاب، يُعتبَر إقرار هذا القانون “استحقاقاً دستورياً” ضرورياً من أجل الحفاظ على الأمن القومي المصري، كونه متّسقاً مع المادّة 237 من الدستور التي تُلزم الدولة بمواجهة الإرهاب، بكافّة صوره وأشكاله[3]. ولا بد من الإشارة هنا إلى أنّه خلال مناقشة المشروع في مجلس النوّاب، شهدت المناقشات اعتراضات عدّة من قِبل عدد من ممثّلي الأحزاب السياسية، خوفاً من إساءة استخدام هذا القانون كأداة ضدّ أيّ صاحب رأي معارض، أو ضدّ المرؤوسين من قِبل رؤسائهم بشكل تعسّفي[4]. وعليه، من أجل الوقوف على الهدف الحقيقي من وراء إقرار القانون الجديد، تأتي هذه المقالة كمحاولة لتسليط الضوء على ماهيّة الفصل بغير الطريق التأديبي كأداة في يد السلطة التنفيذية لفصل الموظّفين العموميين، بدون التقيُّد بالإطار التشريعي الأصيل المنظِّم لمثل هذا الإجراء، وما يكفله من ضمانات[5]. وهو الأمر الذي يستدعي الرجوع إلى الظروف المصاحبة لنشأة قانون الفصل بغير الطريق التأديبي داخل البنية التشريعية المصرية ومراحل تطوُّره المختلفة.

 

من قانون استثنائي إلى أداة لمكافحة الإرهاب: التطوُّر التشريعي للفصل بغير الطريق التأديبي

تُعدّ مراحل التطوُّر التشريعي للقوانين المنظِّمة لإجراءات فصل الموظّفين العموميين بغير الطريق التأديبي، أحد أكثر الأمثلة وضوحاً في تاريخ مصر الحديث عن كيفيّة استخدام القانون وتطويعه من قِبل السلطة التنفيذية، من أجل خدمة أهدافها السياسية في لحظات تاريخية معيّنة. ففي أعقاب ثورة يوليو 1952، ورغبة نظام الضبّاط الأحرار في إتمام سيطرتهم على مفاصل الجهاز الإداري للدولة، وتطهير كافّة المؤسّسات من أتباع النظام الملكي والمتعاطفين معه، تمّ إقرار المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 بشأن فصل الموظّفين بغير الطريق التأديبي[6]. وهو القانون الذي أعطى رئيس الوزراء سلطة “فصل الموظّفين العامّين غير الصالحين للعمل أو الذين تتعلّق بهم شوائب أو شبهات قويّة تمسّ كرامة الوظيفة، أو النزاهة، أو الشرف، أو حسن السمعة”، بعد موافقة إحدى اللجان التي تُشكَّل في كلّ مصلحة عامّة بغرض تنفيذ أحكام هذا القانون[7]. ونتيجة لذلك، تمّ فصل عدد كبير من موظّفي الحكومة آنذاك بدون أيّ محاكمات تأديبية. كما أقدم موظّفون آخرون على تقديم استقالاتهم، خوفاً من بطش رؤسائهم في حال استمرارهم في العمل[8].

في الوقت نفسه، حصّنت أحكام هذا القانون جميع القرارات الصادرة بموجبه من كافّة أشكال الرقابة القضائية، وذلك بالنصّ على عدم جواز الطعن في تلك القرارات أمام محاكم مجلس الدولة[9]، بهدف تطهير المؤسّسات الحكومية بدون أيّ تأخير قد يترتّب عن أيّ دعاوى قضائية قد تُثار بشأن تلك القرارات. وتجدر الإشارة إلى أنّ القانون نصّ صراحة على أنّ أحكامه تسري لمدّة ستّة أشهر فقط[10]. وهو ما يؤكّد وعي السلطة التنفيذية في ذلك الوقت لما قد تسبّبه إجراءات الفصل بغير الطريق التأديبي من انعدام لحالة الأمان الوظيفي للموظّفين العموميين في حال ديمومة تطبيق أحكام هذا القانون.

لاحقاً، وتحديداً عام 1963، جاء التدخُّل التشريعي الثاني بشأن قرارات فصل الموظّفين العموميين بغير الطريق التأديبي، ضمن مجموعة من الإصلاحات الإدارية التي أعقبت فشل الوحدة مع سوريا، رغبة في إطلاق يد السلطة التنفيذية في اتّخاذ تلك القرارات بدون رقيب[11]. فبموجب أحكام القانون رقم 31 لسنة 1963 تمّ تحصين قرارات رئيس الجمهوريّة الصادرة بإحالة الموظّفين العموميين إلى المعاش، أو الاستيداع، أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي من رقابة مجلس الدولة مرّة أخرى، وذلك باعتبارها من قبيل أعمال السيادة غير الخاضعة إلى أيّ شكل من أشكال الرقابة القضائية[12]. وهو الأمر الذي استمرّ إلى أن قضت المحكمة العليا بعدم دستوريّته في نوفمبر 1971، نظراً إلى اعتباها أنّ تلك القرارات هي أعمال إدارية بطبيعتها، ولا تشكّل أيّ نوع من أعمال السيادة، وأنّ مصادرة حقّ الموظّفين في الطعن فيها ما هو إلّا إجحافٌ لحقوقهم وإهدارٌ للحقّ في التقاضي[13].

أيضاً، شهد عام 1971 عدداً من الأحداث الفارقة التي ساهمتْ بشكل حاسم في التطوُّر التشريعي للقوانين المنظِّمة لفصل الموظّفين العموميين بغير الطريق التأديبي. فبموجب أحكام الدستور الصادر حديثاً آنذاك، كانت ثمّة ضرورة لوجود قانون ينظّم إجراءات الفصل بغير الطريق التأديبي[14]. في الوقت نفسه، كان نظام السادات في حاجة مُلحّة إلى وجود أداة تشريعية يستطيع من خلالها إبعاد من يراه غير مناسب من الموظّفين العمومين بدون أيّ إجراءات تأديبية، خصوصاً الموظّفين شاغلي المناصب العليا[15]. ومن هنا جاء إقرار القانون رقم 10 لسنة 1972 بشأن الفصل بغير الطريق التأديبي، كاستحقاق دستوري واجب، فضلاً عمّا يمثّله من أداة ضرورية للسلطة التنفيذية من أجل القضاء على بقايا النظام الناصري[16]. في الحقيقة، يُعدّ القانون رقم 10 لسنة 1972 أكثر القوانين كفالةً لضمانات المخاطَبِين بأحكامه مقارنة بالقوانين السابقة بشأن الفصل بغير الطريق التأديبي. فبموجب أحكام هذا القانون، يجوز فصل العامل/الموظّف بإحدى وظائف الجهاز الإداري للدولة “إذا أخلّ بواجبات الوظيفة بما من شأنه الإضرار الجسيم بالإنتاج أو بمصلحة اقتصادية للدولة”، أو “إذا قامت بشأنه دلائل جدّية على ما يمسّ أمن الدولة وسلامته”[17]. في المقابل، قَصَرَ القانون جواز فصل الموظّفين في حالة فَقْد الصلاحيّة للوظيفة، أو فَقْد الثقة والاعتبار، على الموظّفين شاغلي الوظائف العليا فقط[18]. وهي التفرقة التي برّرتها المذكّرة الإيضاحية للقانون بأنّ وظائف الإدارة العليا هي من وظائف التوجيه والقيادة، التي قد يتعذّر محاسبة شاغليها بالطرق التأديبية العادية بحكم طبيعتها. فضلاً عن ذلك، كفل القانون لمحاكم القضاء الإداري بمجلس الدولة الولاية الكاملة للفصل في الطلبات التي يقدّمها الموظّفون العموميون بشأن القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش، أو الاستيداع، أو فصلهم بغير الطريق التأديبي، وذلك احتراماً لمبدأ سيادة القانون، وإنفاذاً لحكم المحكمة العليا السابق الإشارة إليه في هذا الشأن. كما ألزم محاكم القضاء الإداري بأن تفصل في تلك الدعاوى خلال سنة على الأكثر من تاريخ رفعها[19]. الأمر الذي من شأنه أن يحقّق قدراً من الموازنة بين سلطة رئيس الجمهوريّة في اتّخاذ قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي، مع ضمان عدم بقاء المتضرّرين من تلك القرارات لسنوات طويلة داخل أروقة المحاكم في محاولة لإلغائها.

لذلك، وبناء على كلّ ما سبق، لا يمكننا قراءة التعديلات الجديدة الخاصّة بقانون الفصل بغير الطريق التأديبي إلّا على أنّها خطوة جديدة على ذات النهج المستمرّ من قِبل الأنظمة المصرية المتعاقبة، باختلاف توجُّهاتها، في ما يتعلّق باستخدام هذا القانون كأداة عقابية في مواجهة بعض الفئات غير المرغوب بتواجدها داخل أجهزة الدولة في وقت من الأوقات. فكما حاول نظام الضبّاط الأحرار “تطهير” أجهزة الدولة من أتباع الملكيّة، ونظام السادات في “تنقيح” مؤسّسات الدولة من مؤيّدي النظام الناصري، يأتي القانون الجديد كمحاولة أخيرة من قِبل النظام الحالي في القضاء على ما تبقّى من منتمين أو متعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى أصحاب أيّ آراء معارِضة آخرين داخل دولاب العمل الحكومي. وهو الأمر الذي تظهر شواهده في مواقف عدّة. أوّلاً، المسمّى الإعلامي للقانون، الذي صاحب مراحل مناقشته البرلمانية، وهو قانون “فصل الإخوان”؛ ثانياً، شهدت الفترة الأخيرة عدداً من التصريحات الحكومية التي أشارت إلى مسؤوليّة عناصر “إخوانية” أو “متطرّفة” عن بعض الإخفاقات داخل مختلِف مؤسّسات الدولة[20]؛ ثالثاً، ما تضمّنه القانون الجديد من اعتبار الإدراج على قوائم الإرهاب أحد أسباب الفصل بغير الطريق التأديبي[21]، وهي القوائم التي يشغل غالبيّتها أشخاص منتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى عدد آخر من المعارضين السياسيين. من ناحية أخرى، أثّرت تلك المعطيات السياسية المصاحبة لإقرار القانون الجديد بشكل لافت على أحكامه، وطريقة صياغة نصوصه، والحالات التي يجوز فيها تطبيقه، والفئات المخاطَبة بأحكامه، كما سنفصّل أدناه.

 

قراءة في أحكام القانون الجديد: توسُّع في نطاق التطبيق وغياب للأمان الوظيفي

إحدى أبرز سمات القانون رقم 135 لسنة 2021 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الفصل بغير الطريق التأديبي هي التوسُّع في دائرة الفئات المخاطَبة بأحكامه. فقد انحصر تطبيق القانون رقم 10 لسنة 1972 بالعاملين في وظائف “الجهاز الإداري للدولة أو الهيئات والمؤسّسات العامّة ووحداتها الاقتصادية” فقط، أمّا القانون الجديد فيشمل أيضاً كافّة العاملين في “وحدات الإدارة المحلّية، والهيئات العامّة، وغيرها من الأجهزة التي لها موازنات خاصّة، والعاملين الذين تنظّم شؤون توظُّفهم قوانين أو لوائح خاصّة، والعاملين بشركات القطاع العامّ وشركات قطاع الأعمال العامّ”[22]. ما يعني خضوع 7 ملايين موظّف تقريباً إلى أحكام هذا القانون، وهذا عدد غير مسبوق على الإطلاق[23]. من جهة أخرى، تظهر ملامح ذلك التوسّع أيضاً في إمكانيّة تطبيق جميع الحالات التي يجوز فيها فصل الموظّفين العموميين على كافّة المخاطَبين بأحكام القانون، ومن ضمنهم صغار الموظّفين. فكما سبق وأشرنا، قَصَرَ القانون 10 لسنة 1972 إمكانيّة فصل الموظّفين العموميين بسبب فَقْد الصلاحيّة أو فقد الثقة والاعتبار على الموظّفين شاغلي المناصب العليا فقط دون غيرهم. وهو ما تجاهله القانون الجديد تماماً، ليفتح بذلك الطريق أمام فصل صغار الموظّفين لأسباب غير مُحدَّدة أو مُعرَّفة كفقد الثقة أو الصلاحيّة لأسباب غير صحّية. وهو الأمر الذي يُثير عدداً من المخاوف المشروعة تتعلّق بتطبيق أحكام القانون الجديد، لعلّ أبرزها إمكانيّة استخدامه وسيلةً لخفض عدد موظّفي الجهاز الإداري للدولة، بخاصّة أنّه قد سبق الإشارة إلى رغبة الحكومة في هذا الأمر أكثر من مرّة من خلال عدد من التصريحات الإعلامية[24].

ومن الجدير بالملاحظة، منح القانون الجديد رئيس الجمهوريّة سلطة “تفويض” صلاحيّته المتعلّقة بإصدار قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي إلى آخرين، خلافًا للقوانين السابقة التي دأبتْ كلّها على منح رئيس الجمهوريّة هذه السلطة بشكل حصري، بدون إمكانيّة التفويض إلى أيّ مسؤول آخر[25]. الأمر الذي ساهم، ولو بشكل محدود، في خفض عدد قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي كونها تصدر من رأس السلطة التنفيذية فقط، إنّما مع إتاحة تفويض تلك السلطة إلى مسؤولين آخرين، كرئيس الوزراء أو الوزراء المختصّين أو غيرهم، يُتَوقَّع أن تشهد قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي زيادة غير مسبوقة، نظراً إلى زيادة عدد متّخذي مثل هذه القرارات.

من ناحية أخرى، شهدت أحكام القانون الجديد تعديلاً جوهرياً في صياغة إحدى الحالات التي يجوز فيها إصدار قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي. فإلى جانب الإخلال بالواجبات الوظيفية الذي من شأنه الإضرار الجسيم بمرفق من مرافق الدولة أو بمصالحها الاقتصادية، نصّ القانون الجديد على جواز فصل الموظّف إذا “قامت بشأنه قرائن جدّية على ارتكابه ما يمسّ الأمن القومي للبلاد وسلامتها”[26]. وهي الصياغة الجديدة التي اعتمدها القانون بعدما كان ينصّ، قبل تعديله، على جواز فصل الموظّف إذا “قامت بشأنه دلائل جدّية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها”[27]. والفارق كبير بين القرائن والدلائل، فالقرينة من وسائل الإثبات غير المباشِرة لكونها استنباط أمر مجهول من أمر معلوم، بعمليّة استنتاج عقلية تتّفق مع المنطق السليم والخبرة الإنسانية، أو هي استنتاج واقعة لا دليل عليها من واقعة قام الدليل عليها بالفعل[28]. ممّا يعني أنّ الدليل أقوى حجّة وأثقل وزناً من القرينة. وعليه، لا يمكننا تفسير خفض الأسباب التي تجيز فصل أحد الموظّفين بغير الطريق التأديبي من مرتبة وجود “دلائل”، إلى مجرّد وجود “قرائن”، إلّا على أنّه وسيلة جديدة للتوسُّع في إصدار قرارات بالفصل بغير الطريق التأديبي، بدون الارتكاز على وقائع حقيقية تشكّل أدلّة قاطعة على ارتكاب الموظّف أيّ نشاطات من شأنها الإضرار بالأمن القومي للبلاد وسلامتها. ويُعدّ هذا الأمر انتقاصاً جائراً لحقّ الموظّفين العموميين في التمتُّع بوظيفتهم بدون الشعور بالتهديد الدائم من خطر الفصل وإنهاء مستقبلهم الوظيفي لمجرّد استنتاجات رؤسائهم عن بعض الوقائع أو الأفعال.

أخيرًا، تضمّن القانون الجديد عدداً من الأحكام التي يرى مؤيّدوه أنّها تشكّل ضمانات كافية لمنع إساءة استخدامه بشكل تعسّفي، أو لغير الغرض المخصّص له. وتتركّز تلك “الضمانات” في وجوب تسبيب القرارات الصادرة بالفصل، بعد سماع أقوال الموظّف، بالإضافة إلى صرف نصف الأجر لمدّة لا تزيد عن ستّة أشهر إلى حين صدور قرار الفصل، فضلاً عن استحقاق الموظّفين المفصولين كافّة حقوقهم المالية من معاش ومكافأة نهاية الخدمة. وهي الأحكام التي نرى أنّها لا تشكّل أيّ ضمانات حقيقية طالما أنّ الغرض الرئيسي من إقرار هذا القانون، كما سبق وأوضحنا، هو إنهاء وجود بعض الفئات غير المرغوب فيها داخل الجهاز الإداري للدولة. وهو الأمر الذي يجعل من تسبيب القرارات الصادرة بالفصل، أو صرف كامل المعاش والمكافأة إجراءات ثانوية لا تجبر الضرر الواقع على المتضرّرين من مثل تلك القرارات. في الوقت نفسه، كفل القانون الجديد لمحاكم القضاء الإداري في مجلس الدولة الاختصاص بفحص الطلبات التي يقدّمها الموظّفون المفصولون اعتراضاً على قرارات فصلهم الصادرة بموجب هذا القانون. وعلى الرغم من ذلك، حُذِف الشرط الوارد في القانون رقم 10 لسنة 1972 بشأن ضرورة الفصل في تلك الطعون خلال عام واحد. وهو الأمر الذي يعني فرض مزيد من الأعباء على عاتق المتضرّرين من قرارات الفصل تتمثّل بإمكانيّة بقاء تلك الدعاوى القضائية لمدد طويلة أمام القضاء، وما يتبع ذلك من مصاريف مالية، وأضرار نفسية بالغة الأثر.

 

خاتمة

تقدّم القراءة المتأنّية لمراحل التطوّر التشريعي لقانون الفصل بغير الطريق التأديبي، والظروف السياسية المصاحِبة لتلك المحطّات التشريعية، نتيجة رئيسية مفادُها أنّه لطالما كان هذا القانون أحد الخيارات المفضّلة لدى السلطة التنفيذية لإقصاء فئات معيّنة خارج الجهاز الإداري للدولة. أيضاً، تُعتبَر النسخة الأحدث من هذا القانون أكثر أشكاله توسّعاً، سواء في مجال المخاطَبين بأحكامه أو في الحالات التي تجيز الفصل بغير الطريق التأديبي.

 

لقراءة المقال باللغة الانجليزية انقروا على الرابط ادناه

Non-Disciplinary Dismissal in Egypt: Combating Terrorism or Excluding Opponents?

 

[1] المادّة 2 من القانون رقم 135 لسنة 2021.

[2] المرجع السابق.

[3] تنصّ المادّة 237 من دستور 2014 على أن ” تلتزم الدولة بمواجهة الإرهاب، بكافّة صوره وأشكاله، وتعقّب مصادر تمويله، وفق برنامج زمني محدّد، باعتباره تهديداً للوطن وللمواطنين، مع ضمان الحقوق والحرّيّات العامّة”.

[4] خوفًا من سوء التطبيق.. “المصري الديمقراطي” يرفض قانون الفصل بغير الطريق التأديبي، موقع مصراوي، 28 يونيو 2021.

[5] يُعتبَر قانونُ الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 الإطارَ التشريعي الأساسي المعنيّ بتنظيم عمل الموظّفين العموميين داخل وحدات الجهاز الإداري للدولة. راجع أحكام الباب السابع (السلوك الوظيفي والتأديب) وأحكام الباب الثامن (إنهاء الخدمة) موادّ (57 – 70).

[6] رقم 181 لسنة 1952 نشر في الجريدة الرسمية في تاريخ 14 سبتمبر 1952.

[7] المرجع السابق، المادّتان 1 و2.

[8] عبد الرحمن الرافعي، “ثورة 23 يوليو 1952 تاريخنا في سبع سنوات”، دار المعارف، الطبعة الثانية، ص69.

[9] المادّة 7 من القانون رقم 181 لسنة 1952.

[10] المادّة 8 من القانون رقم 181 لسنة 1952. (تمّ تقليص مدّة الستّة أشهر إلى أربعة أشهر فقط بموجب القانون 346 لسنة 1952، إلّا أنّه تم العدول مرّة أخرى عن ذلك التقليص بموجب القانون 489 لسنة 1954).

[11] نصّت المذكّرة الإيضاحية للقانون على أنّ الغرض منه هو “إطلاق يد الحكومة بوصفها سلطة حكم في تنظيم المرافق العامّة وإدارتها على أحسن وجه وذلك باختيار أجدر الأشخاص للعمل في خدمة هذه المرافق، وإبعاد مَن ترى أنّه غير صالح لأداء هذه الخدمة“.

[12] المادّة 1 من القانون رقم 31 لسنة 1963 بشأن تعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة.

[13]حكم المحكمة العليا في الدعوى رقم 2 لسنة 1 قضائية “دستورية” الصادر في 6 نوفمبر 1971.

[14]المادّة 14 من دستور 1971.

[15] تُعرف تلك الفترة بثورة التصحيح، وهو المصطلح الذي أُطلق على عمليّة تنقيح الرئيس أنور السادات للسلطة في مصر بعد إزاحته لعدد كبير من شاغلي المناصب العليا في الجهاز الإداري للدولة، وأغلبهم من الناصريين اليساريين، أو ما سُمِّي مراكز القوى.

[16] تنصّ المذكّرة الإيضاحية للقانون رقم 10 لسنة 1972 أنّه جاء في إطار إجراءات وأهداف عمليّة التصحيح التي بدأت في 15 مايو 1971.

[17] المادّة 1 من القانون رقم 10 لسنة 1972.

[18] المرجع السابق.

[19] راجع المرجع السابق – المادة (3).

[20] وزير النقل للنواب: حوادث السكة الحديد سببها عناصر متطرفة لا تريد لمصر الأمن – موقع مصراوي – 26 أبريل 2021. راجع أيضًا: “التعليم” تعلن فصل 1070 معلما ينتمون لجماعات إرهابية – جريدة الوطن – 7 أكتوبر 2017.

[21] راجع المرجع رقم (2).

[22] المادّة 1 من القانون رقم 135 لسنة 2021.

[23] تقدّر الإحصائيات أنّ عدد العاملين والموظّفين في أجهزة الدولة يناهز الـ 6 ملايين موظّف، بالإضافة إلى ما يقارب 760 ألف موظّف من العاملين في منشآت القطاع العامّ وقطاع الأعمال العامّ.

[24] تصريحات كمال أبو عيطة وزير القوى العاملة الأسبق في “قانون فصل الموظّفين في مصر: قاتل للأمان الوظيفي أم ضامن للمصلحة الوطنية؟، موقع بي بي سي عربي، 12 نوفمبر 2020.

[25] المادّة 2 من القانون رقم 135 لسنة 2021.

[26] المادّة 2 من القانون رقم 135 لسنة 2021.

[27] المادّة 1 من القانون رقم 10 لسنة 1972.

[28]الفرق بين الدليل والقرينة في إثبات الجرائم الجنائية” موقع محامي مصر.

انشر المقال

متوفر من خلال:

عمل ونقابات ، المرصد البرلماني ، محاكم إدارية ، البرلمان ، تشريعات وقوانين ، حقوق العمال والنقابات ، مصر



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني