الضريبة على الأرباح المحققة من تسديد القروض بغير قيمتها: خطوة على درب الإصلاحات المُعطّلة


2023-11-09    |   

الضريبة على الأرباح المحققة من تسديد القروض بغير قيمتها: خطوة على درب الإصلاحات المُعطّلة

ينص قانون ضريبة الدخل على إخضاع “أرباح المهن الصناعية والتجارية وغير التجارية، الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد، ودخل رؤوس الأموال المنقولة لهذه الضريبة”. وتنصّ الفقرة ج من المادة الرابعة في القانون نفسه على إخضاع “كل شخص حقيقي أو معنوي حصل على ربح من عمل يدرّ ريعاً غير خاضع لضريبة أخرى على الدخل”.

هذه المادة تعني أن المقترضين الذين حقّقوا أرباحاً طائلة من خلال تسديد قروضهم بقيمة أدنى بكثير من قيمتها الحقيقيّة ومن خلال شراء شيكات مصرفية من مودعين حُجزت أموالهم في المصارف، يفترض أن يدفعوا ضريبة عن الأرباح التي حقّقوها. وبالرغم من أنّ المادة 42 من قانون الإجراءات الضريبية (11/11/2008) تنصّ على أن يكون المكلّف مسؤولاً عن التصريح عن الضريبة المتوجبة وتأديّتها من دون الحاجة إلى إصدار إعلام ضريبي أو جدول تكليف من قبل الإدارة الضريبية، إلا أنه تبيّن أن قلة من الشركات والمودعين الكبار قد سدّدوا هذه الضريبة.

ولما كان هذا الموجب تلقائيا. لكن في الوقت نفسه ليس موجباً بديهياً بمعنى وجود إمكانية لعدم معرفة المكلف بخضوع هذه الأرباح إلى الضريبة، وطالما أن هذه الضريبة لم تسقط بمرور الزمن، يحق للإدارة الضريبية، وفق قانون الاجراءات الضريبية، “تدارك حقوق الخزينة الضريبة ضمن مهلة أربع سنوات بعد انتهاء السنة التي تلي سنة الأعمال (أي 5 سنوات من تاريخ تحقيق الإيراد) وست سنوات بالنسبة للمكتومين أي غير المسجلين لدى الإدارة الضريبية متى كان ذلك إلزامياً (أي 7 سنوات). وفي الحالة الراهنة، يكفي وفقاً للقانون رقم 306/2022 (السرية المصرفية) الذي عدل المادة 23 من قانون الإجراءات الضريبية أن تصدر الحكومة مرسوماً تحدد فيه آلية رفع السرية عن الحسابات المشكوك بها للتحقق من تكليف أصحابها بالضريبة. على أن تقوم الإدارة الضريبية، في مهلة لا تتعدى 31/12/2024، بمراجعة وتدقيق تصاريح المكلفين المفترضين لدى المصارف والمؤسسات المالية الذين سددوا متوجّباتهم وديونهم بسعر صرف وقيمة مختلفة عن القيمة الفعلية. وفي حال تبيّن لها وجود ما يوجب تعديل التصريح أو فرض ضريبة إضافية، تصدر التكاليف اللازمة وتبلغهم بموجب إعلامات ضريبية فردية، إنما من دون أن تفرض عليهم أي غرامات تحقق أو تحصيل، إلا في حال امتنعوا عن التسديد ضمن المهلة المحددة.

الحديث هنا يتناول قروضاً مسدّدة بهذه الطريقة يصل مجموعها إلى نحو 15 مليار دولار. ما يعني أن الضريبة المقدرة وسطياً ب17% يمكن أن تؤدي إلى تحصيل الخزينة لمبالغ ضخمة، يقدرها رئيس لجنة المودعين في نقابة المحامين كريم ضاهر بنحو 3 مليار دولار.

عند البحث في هذه النقطة، برزت مجموعة من العوائق والاقتراحات التي لا يمكن تنفيذها إلا بقانون. ولذلك أعد نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي بالتعاون مع ضاهر مشروع قانون معجل عرض على مجلس الوزراء، الذي وافق عليه في جلسته الأخيرة، يتضمن 3 نقاطا أساسية:

  • تحويل العائدات إلى صندوق استرجاع الودائع بدلاً من الخزينة.
  • إعفاء المكلفين هؤلاء من الغرامات.
  • استثناء القروض الشخصية والقروض السكنية وقروض الأفراد لغاية 100 ألف دولار من هذه الضريبة.

ولما كان مبدآ الشيوع والشمول يوجبان أن يذهب كل إيراد إلي الخزينة من دون تخصيص، لذلك فأن أي تخصيص ينبغي أن يصدر بقانون. وهو ما يعالجه المشروع الذي يقترح تخصيص الإيرادات التي سوف تُحصّلها الدولة من الضريبة على الأرباح غير المصرّح عنها بعد وغير المسددة، التي حققها المقترضون من خلال إعادة تسديد متوجباتهم بسعر صرف وبقيمة مختلفة عن القيمة الفعلية لدينهم، لتمويل صندوق استرجاع الودائع المقترح إنشاؤه في سياق اقتراح قانون إعادة التوازن المالي في لبنان (وهو ينص على أن مهمة الصندوق “العمل على استرداد رصيد الودائع وإلى تخصيص بعض الإيرادات المستقبلية لهذه الغاية”).

تجدر الإشارة إلى أن مسألة تخصيص الإيرادات ليست جديدة في لبنان. وهي سبق تنفيذها أكثر من مرة أبرزها في العام 1956 حين تعرض لثلاث هزّات أرضية استتبعتْ إنشاء صندوق مستقلّ لتعمير المدن والقرى المتضررة والذي جمعت فيه العلاوة التي استحدثت على ضريبة الدخل وضريبة الأملاك المبنية وقدرها 3% إذا جاوز المبلغ ألف ليرة.

لكن على أي سعر للدولار سيدفع المكلفون الضريبة؟ وماذا عن الذين سبق أن سدّدوها على سعر 1500 ليرة؟ يقول ضاهر إن من قام بتسديد متوجباته الضريبية في الوقت المحدد، حتى لو سددها على سعر 1500 ليرة للدولار، لن يلاحق فهو بالنتيجة نفذ موجباته الضريبية حسب القانون ودفع المبلغ المستحق آنذاك. لكن من سيكلفون لاحقاً لا يمكن أن يحاسبوا على أساس سعر صرف 1500 ليرة أو 15000 ألف ليرة. وفيما يترك القانون مهمة تحديد السعر إلى وزارة المالية أو إلى مجلس النواب لاحقاً، إلا أن ضاهر يقترح أن يكون التسديد حسب عملة القرض، فإن كان بالليرة تسدد الضريبة بالليرة وإن كان بالدولار تسدد بالدولار. وهو ما تسمح به المادة 87 من قانون موازنة 2022 التي أجازت الجباية بالدولار.

بعيداً عن استعجال الحكومة لإقرار المشروع الذي أقرته بصفة المعجل المكرر، إلا أن ذلك لا يعني أن التطبيق سيكون مباشراً. فالصندوق لم يشكّل بعد، بانتظار إقرار قانون التوازن المالي. وعليه، ما الفائدة من العجلة اليوم؟ يؤكد ضاهر أن القانون في حال أقرّ، سيُجمَّد تنفيذه إلى حين إقرار قانون التوازن المالي، لكن العجلة مرتبطة بشكل أساسي بعدم تخطي المهل المحددة للإبقاء على إمكانية استيفاء الضريبة. أي أنه يمكن لمن يريد أن يُسدد الضريبة أن يفعل ذلك على أن تترك الأموال في حساب خاص إلى حين تشكيل الصندوق.

ورداً على سؤال عن أولويات السلطة التي لا تزال تماطل في إقرار القوانين الإصلاحية، وأبرزها قانون هيكلة المصارف الذي لا يزال يخضع لمراجعة الحكومة، مقابل سعيها إلى إقرار قوانين مهمة لكن ثانوية، يوضح ضاهر أنه لا يمكن تأجيل كل التدابير إلى حين البدء بتنفيذ القوانين الاصلاحية. وعلى سبيل المثال، يقول، لو لم يقر القانون رقم 214/2021 ( قانون استعادة الاموال المتأتية عن جرائم الفساد) لما أمكن المطالبة باستعادة الأموال التي يرجح أن تصادرها فرنسا في القضية المرفوعة ضد رياض سلامة.

لكن بالرغم من أهمية هذا المشروع في السياق الإصلاحي المتأخر، إلا أصواتاً بدأت تعلو، منذ إقراره في الحكومة، محذرة من مخاطره. واللافت أن المصارف والتجار يتصدرون هذا المشهد المعارض تنصلا من الضريبة، وهو ما سينعكس حكماً على المجلس النيابي، حيث سيكون نواب المنظومة المصرفية بالمرصاد.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، تشريعات وقوانين ، لبنان ، مقالات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني