الخبز في عتمة الاحتكارات


2021-09-11    |   

الخبز في عتمة الاحتكارات

كلمة المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية في المؤتمر الصحافي بعنوان “الخبز في عتمة الاحتكارات” من تنظيم نقابة عمال المخابز في بيروت وجبل لبنان والمفكرة القانونية، انعقد في مكتب المفكّرة في 9 أيلول 2021.

 

حتى الرغيف لم ينجُ من سياسات الإقصاء والعتمة والاحتكار. فتماماً كالبنزين والمحروقات والدواء، تحوّل الرغيف إلى مادة لتحقيق أرباح طائلة وغير مشروعة، ليس على حساب المودعين فقط وما تبقّى من زخيرة للدولة لإعادة إحياء اقتصادها، ولكن أيضاً على حساب الناس الذين يشهدون انهيار مداخيلهم في مقابل ارتفاع أسعار ربطة الخبز وانخفاض وزنها. كلّ ذلك على نحو بات يهدّد حقوقهم الأساسية في الغذاء والحياة. 6 مرّات جرى تغيير التسعيرة والوزن، وكلّها حصلت في العتمة، من دون أن تتكبّد وزارة الاقتصاد عناء توضيح أسس ارتفاع الأسعار رغم الدعم وهبات الطحين التي تدفقت على لبنان بعد تفجير المرفأ (وهي هبات انتهت في الأفران لتعزّز أرباحها). ورغم أنّ النقاش حول تسعيرة الخبز بدأ بحضور جمعية المستهلك ونقابة مستخدمي الأفران في بيروت وجبل لبنان، فإنّه انتهى، بعد إقصائهما، كما يحصل في مجمل القطاعات في غرفة مغلقة حضر فيها وزير الاقتصاد ونقابة أصحاب الأفران فقط. والملفت أنّ إقصاءهما تمّ بناء على طلب نقابة أصحاب الأفران على نحو أبرز رضوخ الوزارة لهذه النقابة وعجزها تالياً عن إخضاعها لأي رقابة. وعليه، وبدل أن تكون الوزارة الحَكَم المحايد والعادل بين مختلف المصالح، وبدل أن تكون الحامي الأوّل لمصالح الناس وحقوقهم الأساسية، وبدل أن تكون هي السلطة، تحوّلت إلى إدارة منحازة ترضخ لمطامع الفريق الأقوى بشكل كامل (وهو الفريق الذي يستولي هو على السلطة)، إلى درجة إقصاء كلّ من يعارضه وتهميشه. وهي حكماً علاقة مشبوهة تماماً كما هي مشبوهة علاقة وزارة الاقتصاد بمجمل المستوردين والتجّار (أو ما يسمّى الممثلين التجاريين الحصريين)، أو علاقة مصرف لبنان بجمعية المصارف، أو علاقة وزارة الصحة بمستوردي الدواء، أو علاقة وزارة الطاقة بمستوردي الفيول والمحروقات. علاقات مشبوهة تنسف أدوار إدارات الدولة في حماية المجتمع، لتحوّلها إلى مجرّد أدوات لخدمة مصالح قلّة (كبار المستوردين والمحتكرين) على حساب المجتمع برمّته.

وعليه، في ظلّ واقع إقصاء كهذا، تصبح الأسس التي قامت عليها تسعيرة ربطة الخبز مشبوهة، وهي شبهة تزداد مع تخفّي الوزارة عليها. فكأنّما الوزارة لا تكتفي بالتخلّي عن دورها في ممارسة الرقابة على كبار الأفران منعاً للاحتكار، بل تراها تتدخّل لتُقصي وتمنع أي رقابة اجتماعية عليها (جمعية المستهلك أو نقابة مستخدمي الأفران في بيروت وجبل لبنان) بما يعكس تواطؤاً شديداً بينها وبين الأفران. وما يزيد الشبهات لدينا في كلّ هذا هو اعتراف وزارة الاقتصاد نفسها في دراسة أرسلتها للحكومة في نهاية سنة 2020 تمهيداً لرفع الدعم، أقرّت فيها أنّ سياسة دعم السلع أدّت عملياً إلى إثراء ما أسمته (مجتمع الأعمال) أي أصحاب الاحتكارات، من دون أن تصل إلى الأشخاص الذين انوجد الدعم من أجلهم، أي مجمل المواطنين.

انطلاقاً من ذلك، رأينا من واجبنا كمفكّرة قانونية، أن نضع يدنا بيد نقابة عمّال الأفران في بيروت وجبل لبنان وأن نستخدم كلّ ما لدينا من أسلحة قانونية في مسعى لإعادة تصويب أداء إدارات الدولة في اتجاه تغليب الصالح العام وبخاصّة الحقوق الأساسية ومنها الحق في الغذاء والحياة.

الخطوة الأولى في هذا الاتّجاه تمثّلت في تقديم دعوى أمام مجلس شورى الدولة للحصول على الدراسة التي بُنيَت عليها التّسعيرة الجديدة للخبز، تمهيداً لنقد مضمونها. فبعدما رفضتْ وزارة الاقتصاد تسليم المعلومات المطلوبة بحجّة أنّها أسرار مهنيّة للأفران، تقدّمنا بمراجعة قضائية لإبطال قرار الرفض على أساس قانون الحق في الوصول إلى المعلومات بعدما بيّنّا أنّه ليس هنالك أي علاقة لدراسة حول تسعيرة الخبر مع الأسرار المهنية على ضوء المعايير الدولية المعتمدة للأسرار المهنية والتي هي فقط الأسرار التي يمكن بيعها تجارياً. وقد سررنا جداً بأنّ مجلس شورى الدولة اتخذ قراراً لمصلحتنا حين قرّر وقف تنفيذ قرار رفض تسليمنا الدراسة. وهو قرار يلزم تالياً الوزارة بتسليمنا الدراسة من دون مزيد من المماطلة. وننتظر حصول ذلك في أقرب المهل.

الخطوة الثانية في إطار تعاوننا هذا المؤتمر الصحافي الذي نريد منه أن يكون بداية لمقاربة مسألة تسعيرة الخبز على النحو الذي تقتضيه أهميتها في هذه الأزمة المعيشية الهائلة، أعني مقاربتها كقضية اجتماعية حيوية، تتخذ القرارات فيها تحت الأضواء وليس في العتمة، والأهم تتخذ فيها القرارات بعد تغليب الحقوق الأساسية للناس في الغذاء والحياة على مسعى الأفران لمضاعفة أرباحها بما تتجاوز نسب الربح القانوني وعلى نحو لم يعد يحتمل.

كلّنا اليوم نعرف خطورة الاحتكارات في لبنان، كلّنا نعرف الإثراء غير المشروع الذي يحقّقه المحتكرون في مختلف القطاعات على حساب المال العام والمجتمع برمّته. في موضوع احتكارات الخبز، الخطورة تبلغ أوجها طالما أنّ ضرر الاحتكار هنا هو المسّ بأكثر الحقوق حيوية: الحق في الغذاء.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قطاع خاص ، حقوق المستهلك ، لبنان ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني