الحركة القضائية في تونس بأساليب النظام البائد


2012-09-24    |   

الحركة القضائية في تونس بأساليب النظام البائد

أعلن يوم13 سبتمبر الجاري بالموقع الرسمي لوزارة العدل عن نتائج الحركة القضائية لسنة2012/2013  وسط جدل كبير داخل أوساط القضاة حول جواز اعداد "الحركة" بواسطة لجنة وزارية والاعلان عنها شكليا بواسطة "مجلس أعلى للقضاء "تم  احياؤه بهذه المناسبة رغم أن وزير العدل نفسه أكّد في احدى الجرائد الاسبوعية عدم تفعيله لأنه "مشكوك في مصداقيته" ولا يمكن لنا العودة اليه.
 
إن النفخ من جديد في جثة «المجلس الأعلى للقضاء» بعدما ثبت أنه كان على امتداد عقود أداة طيّعة في يد الدكتاتورية وعنوانا لإشاعة ثقافة الانصياع وسلطت بواسطته عديد المظالم على القضاة غير «المنسجمين» من ايقاف عن العمل الى النُّقل التعسفية التي طالت نشطاء جمعية القضاة التونسيين  وحتى الى العزل.
لقد بدا واضحا للقضاة أن اللجنة الوزارية المضيقة بعدما أنهت جميع الترتيبات المتعلقة بالحركة في أدق جزئياتها، استنجدت في آخر المطاف بأعضاء المجلس الأعلى للقضاء المعينين بصفاتهم تلك والمنصّبين بموجب «انتخابات» صورية وحتى بمن كان قد استقال منه كتابيا، وذلك لترفع الحرج عن وزير العدل شخصيا، لأن تسمية القضاة وترقيتهم بصفة انفرادية يعرض قراراته للإلغاء أمام المحكمة الادارية لمخالفتها أحكام القانون الأساسي للقضاة المؤرخ في 14/7/1967.
لقد أقر جل أعضاء المجلس عند مجابهة من اعتبر أن الحركة لم تنصفه، بعدم علمهم بمضمونها إلا قبل سويعات فقط من انعقاد المجلس، وهو دليل على أن دورهم كان صوريا في إعادة سيناريو ألفناه زمن الاستبداد.
إن جميع الملابسات التي حفت بالحركة القضائية تبرر مشروعية ما يوجه لها من نقد لاذع رغم ما تضمنته من محاولة الحد نسبيا من ظاهرة «الرسوب» التي كثيرا ما عانى منها القضاة، وذلك بفسح المجال لمن قضى منهم اثني عشر سنة عمل من الارتقاء الى الرتبة الثانية، في حين أن القانون الأساسي للقضاة يشترط عشر سنوات فقط، ولمن قضى تسعة عشر سنة عمل من الارتقاء الى الرتبة الثالثة، في حين أن القانون الأساسي يشترط ستة عشر سنة.
إن قراءة موضوعية للحركة تبين:
ـ افتقادها الى عنصر الشفافية وهو ما يحول دون الجزم بصفة مطلقة بأن المعنيين بها يستجيبون للمعايير التي تدّعي الوزارة اعتمادها، وهي الأقدمية  والكفاءة المهنية ورغبة القاضي ومبدأ التداول على المناصب ونظافة اليد.
ـ مواصلة اسناد الوظائف القضائية لبعض القضاة المحسوبين على النظام السابق والمستفيدين منه بالتمتع بترقيات لا حق لهم فيها على حساب غيرهم من القضاة.
ـ نقلة عديد القضاة دون طلب منهم ودون رضاهم واسناد البعض منهم وظائف قضائية في محاكم بعيدة جدا عن محلات سكناهم، مما أضفى على هذه الترقيات صبغة العقوبة في خرق مبدإ عدم نقلة القاضي إلا برضاه ولو كان  ذلك في إطار ترقية.
ـ عدم رفع المظلمة على نشطاء جمعية القضاة التونسيين ممن انخرطوا في معركة الاستقلالية وفضح ممارسات السلطة الاستبدادية، مما عطل مسيرتهم المهنية وحال دون تمكينهم من الأقدمية في الرتبة التي تبوؤهم لتحمل المسؤوليات والوظائف القضائية.
ـ التراجع عن مبدأ التشاور مع الهياكل الممثلة للقضاة الذي انتهجته الى  حد ما اللجنة المكلفة بإعداد الحركة في السنة الفارطة.
من المؤسف أن تنطلق السنة القضائية الجديدة في جو من الاحتقان والإحباط يشعر بهما القضاة جراء فشل المجلس الوطني التأسيسي في البدء في اصلاح القضاء بتركيز الهيئة الوقتية المستقلة المشرفة على القضاء العدلي المنصوص عليها بالتنظيم المؤقت للسلط، والتي لم تبذل وزارة العدل جهودا كافية لتسهيل الوصول الى توافق وطني حولها كم كان منتظرا.
لقد بات جليا غياب إرادة سياسية جدية في الاصلاح ومواصلة السلطة نهج الهيمنة على القضاء توجسا من استقلاليته وتحسبا للاستحقاقات المنتظرة.
لقد تعاطت الهياكل الممثلة للقضاة مع نتائج الحركة القضائية بمقاربتين متناقضتين، ففي حين رفضتها الجمعية لعدم شرعيتها ومشروعيتها، فإن نقابة القضاة قبلتها دون أية تحفظات وصادقت على «الاسراع» بإجراء الحركة مهما كانت الجهة التي تتولاها في ارتداد مريب على المواقف المعلنة سابقا، بعلة «ضغط الوقت» ومصلحة القضاة، بما يذكرنا بمواصلة سياسة الموالاة التي كانت الى وقت غير بعيد سببا في شق الصفوف وسهل على سلطة الاشراف تمرير سياساتها.
إن مصلحة القضاة اليوم هي في إذكاء الوعي الجماعي بوجوب الوقوف صفا واحدا للدفع نحو تحقيق ضمانات الاستقلالية الكفيلة وحدها بإنصاف القضاة وتمكينهم من التدرج الطبيعي في مسيرتهم المهنية دون الحاجة الى التملق والتزلف الى مراكز النفوذ.
 
المصدر: صحيفة "الطريق الجديد" (تونس) عدد  295 بتاريخ 22 سبتمبر 2012

انشر المقال

متوفر من خلال:

غير مصنف



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني