الجرد والعاصي والأمل الدائم بموسم سياحي جيّد


2021-08-30    |   

الجرد والعاصي والأمل الدائم بموسم سياحي جيّد
لزّاب إيكو لودج (تصوير حسن الساحلي)

في أواخر نيسان 2021، وصلت مديرة إقليمية في إحدى المؤسّسات الدولية المعروفة إلى منطقة الهرمل كسائحة. شاركت في رياضة الرافتينغ (Rafting)[1] ونشاط التخييم على ضفاف نهر العاصي والمشي في الطبيعة في جرود القضاء (Hiking) في سفح القرنة السوداء وصولاً إلى غابة القلّة الغنيّة بأشجار الأرز واللزّاب والشوح والتنوب المعمّرة على الحدّ مع عكار. دُهشت بجمال المنطقة ومقوّماتها السياحية المتكاملة “السياحة هون ساحرة” قالت قبل أن تختم إقامتها بالبكاء. خاف نورالدين المقهور صاحب أحد نوادي الرافتينغ على العاصي (حيث أقامت) أن يكون قد حصل أمر ما أزعج السيّدة، وحين سألها عن سبب بكائها أجابت: “حرام يصير هيك بمنطقة بهيدا الجمال”. أبكتها نفايات يرميها البعض في نهر هو “الأجمل في لبنان”، كما وصفت العاصي، ومعها (مع النفايات) المرامل والكسارات التي تنهش الأودية والجرود وكذلك المشاحر التي تقضي على أحراج السنديان في الوديان والتي صادفتها في طريقها إلى أعالي الجرود. “بكت السيّدة علينا أيضاً”، يقول نورالدين “المنطقة كتير فقيرة وإنتو عندكم أهم ثروة بعدها خام بلبنان، لازم تحافظوا عليها”، ختمت حديثها بما يشبه الوصيّة، وهي تضع أغراضها في سيارتها استعداداً للرحيل.

ربّما المقوّمات نفسها التي سردتها المديرة السائحة، هي ما يبثّ الأمل بموسم سياحي جيّد هذا العام تجده وتستغربه لدى أصحاب المرافق السياحية في جرود الهرمل وسهلها تحديداً على نهر العاصي، برغم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان وسكانه، معطوفة على تحدّيات كورونا وانهيار الليرة. نحن نتحدث السياحة في قضاء الهرمل الذي منحته الجغرافيا والتاريخ ميزات سياحية ما بين سفح القرنة السوداء على ارتفاع 3080 متراً نزولاً نحو سلسلة جبال لبنان الغربية حيث تقع جروده، وصولاً إلى نهر العاصي على ارتفاع 650 متراً عن سطح البحر، وما بينهما من تنوّع مناخي ونباتي وجيولوجي، وكذلك أودية تكتنز مزيجاً غنياً من أحراج السنديان وغابات الأرز واللزّاب والشوح والتنوب، وغيرها من الأشجار الحرجية، إضافة إلى معالم أثرية تاريخية أبرزها قاموع الهرمل ودير مار مارون في منطقة رأس العاصي ومعهما لوحة نبوخذ نصّر في بريصا وأطلال كنيسة تاريخية تعود إلى القرن الخامس الميلادي ومواقع اثرية اخرى. كلّ هذا معطوفٌ على نمط حياة سكان الجرود المتوسطة والعليا التي قلّما يجدها السيّاح في مناطق لبنانية أخرى: “بعدها المنطقة عايشة ع الطبيعة والفطرة”، كما يقول حسين دندش أحد أصجحاب مشروع “لزّاب إيكولودج” في جرود الهرمل.

التفاؤل نجده أيضاً في افتتاح مشاريع سياحية حديثة حالياً على نهر العاصي في وقت أعلن فيه نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان طوني الرامي في أواخر نيسان 2012 عن إقفال 892 مؤسسة سياحية منذ بداية العام 2021.

يعزو أصحاب المرافق السياحية التفاؤل بموسم جيّد إلى ثلاثة أسباب: أنّ المنطقة مفتوحة “بالبرّية، يعني ما في كورونا” وأنّ السياحة البيئية تتقدّم على سياحة المطاعم والمسارح والمقاهي والنوادي الليلية المقفلة في زمن كوفيد 19 “وكمان انخفاض قدرة اللبنانيين على السفر، كما أنّ أسعارنا لا تقارن بأسعار المناطق اللبنانية كافّة كوننا الأرخص”، تقول فداء الساحلي، صاحبة نادي رافتينغ ومطعم على العاصي: “بالهرمل بتسوحي: نهر ورافتينغ وجبل ونومة وهايكينغ بسعر قضاء ليلة في أي فندق في لبنان، وفوق هيدا كلّه بتتعرفي ع منطقة من أجمل مناطق لبنان”.

من جهته، يبرّر علي علّوه، وهو أحد الشركاء في مشروع سياحي جديد، البدء بمشروع جديد في هذا الوقت الصعب بوجود مقوّمات ما زالت خام بالنسبة لكثير من اللبنانيين وتنوّع السياحة بين النهر والجرد والآثار “المنطقة نموذج ممتاز للسياحة البيئية”، إضافة إلى تراجع إصابات كورونا في لبنان عامّة وفي الهرمل خاصّة وتطوّر السياحة الداخلية. وبناء على هذه المعطيات، جهّز علي وشريكه أحمد المسمار بيوتاً خشبية صغيرة تتّسع لشخصين إضافة إلى خيم عديدة “لأنّه في ناس بتحبّ التخييم ع ضفاف العاصي، وتركنا نحو ألفي متر بين أمكنة التخييم والاسترخاء، ومساحة أرض طينية كثيفة بالأشجار النهرية من كينا وصفصاف”.

إلى جانب “مغامرة” علي وأحمد، تجد هبّة استعداد كبيرة على طول العاصي وفي مشروعي السياحة البيئية في جرود الهرمل “آلجورد” (Aljourd Natural Reserve) و”لزّاب إيكولودج” حيث التحضير لاستقبال روّاد الصيف مع برامج غنيّة بالأنشطة البيئية السياحية قائم على قدم وساق.

الرافتينع في العاصي

الرافتينغ والعاصي

عرف نهر العاصي رياضة الرافتينغ، وفق ما يقول نورالدين المقهور مع “أستاذنا علي عواضة بـ1996 عندما وصل مع أوّل رافت وكاياك ع الهرمل برفقة فريق فرنسي استكشف نهر العاصي”. لم يكن أبناء العاصي والمدينة يعرفون شيئاً عن الرياضتين ولا عن مقوّمات العاصي التي تجعله مناسباً جداً لـ”الرافتينغ ورياضة الكاياك[2]، ويعتبر من أهم الأنهار العالمية في هذا المجال”. يومها قال علي عواضة للشبّان الذين عملوا معه “ما بدّي طعميكم سمك بدّي علمكم الصيد، وأنا كنت واحد منهم”، يضيف المقهور. وفعلاً درّب عواضة مجموعة من شبّان الهرمل على الرياضتين اللتين انتشرتا لاسيّما الرافتينغ لكونه رياضة جماعية سهلة حتى أصبح هناك “نحو 20 نادي رافتينغ على العاصي بمستويات مختلفة”، كما تؤكّد فداء الساحلي التي يقدم ناديها هذه الخدمة الرياضية.

افتتح نورالدين ناديه الخاص في 2008 “عنّا مستوى رافتيغ 1 و2 للمبتدئين و3 لأصحاب الخبرة ومستوى 4 للي بيعملوا كاياك. ونقدّم خدمات رافتينغ وكاياك للمحترفين”. يمكن للروّاد من عمر 5 سنوات وما فوق ممارسة الرافتيغ “بدّه تدريب ربع ساعة لينزل الشخص بالمي مع جاكيت إنقاذ وكاسكيت للرأس، إلّا من لديهم مشاكل بالضهر والقلب والحوامل، وعنّا رافتيغ على ضوء القمر وهي نزلة الليل”. ويرى أنّ لبنان يمتاز برياضتين: “التزلّج ع التلج بكفرذبيان وفاريا والزعرور والتزّلج على الماء في العاصي – الرافتينغ، وحدة شتاءً ووحدة صيفاً”.

وتتحدّث فداء الساحلي باندفاع عن نهر العاصي، “الوحيد الذي ما زال يحافظ على حدّ مقبول من النظافة والغزارة المستمرّة شتاء صيف بقوّة في كل لبنان”، لترى أنّ هذا الامتياز نفسه يفرض مسؤولية كبيرة على الجميع للحفاظ عليه. ولكنّ الاستثمار الصديق للبيئة وللنهر هو المطلوب، كما تقول فداء “يعني بدنا ناخد من النهر ولازم نعطيه بالمقابل، مش ندمّره، لذا فإن الاستغلال الوحشي مرفوض”. وتستشهد بدراسة تقييمية أجراها فريق فرنسي عن “مداخيل العاصي في 2009 أثبتت أنّ حركة الاستثمار أنتجت نحو 8 ملايين دولاراً في ذلك العام”.

وفداء التي درست “إدارة الأعمال” قرّرت الاستفادة من الأرض التي تملكها عائلتها بمساحة 6 دونمات على ضفاف العاصي “الناس بتفلّ من الهرمل لأنّه ما في مقوّمات عمل فعلية وهيدي ضيعتنا وفينا نعمل فيها شغل ونشغّل أولادنا وشبان وشابات المنطقة”، وهكذا كان.

وتثير فداء مسألة تصنيف وادي العاصي كمنطقة زراعية والحديث عن التعدّيات على النهر: “طالبنا بتحديث تصنيف الوادي كموقع سياحي ووضع قواعد للاستثمار تحترم البيئة والقانون الخاص بالأملاك النهرية في لقاء مع نوّاب المنطقة والتنظيم المدني ووزارة الصحة، وبعدنا ناطرين تنفيذ وعودهم”.

ويشكو عدد من أصحاب المشاريع على العاصي من المجارير التي تسلّط على النهر وتغذية مسامك الترويت من أحشاء الدواجن، وهو أمر تناولناه في مكان آخر من هذا العدد[3]، وإن سارع بعضهم للتذكير بأن طبيعة العاصي تعزّز صموده: “هو نهر غزير ويمتاز بالجريان الهادر، يعني بينضف حاله بحاله، خاصّة أنه يتعرض للفيضان كل عام تقريباً”، فيجرف الفيضان كل الملوثات “ولازم كمان وضع حل لما بقي من مجارير في بعض المقاهي”، يقول مشيراً إلى وجود حفر صحية عند الأغلبية “بس بدنا حل جذري لمسألة مياه المجارير”.

لوحة نبوخذ نصر في بريصا (تصوير كامل جابر)

آثار الهرمل

يستقبل القاموع، أشهر معلم أثري في الهرمل، زوّارها. يراه الآتون إليها من رأس بعلبك منتصباً على تلّة تشرف على مناطق رأس بعلبك والقاع والهرمل في الوقت عينه. وهو عبارة عن برج يوناني وروماني بطول 27 متراً مقام فوق قبر أميري من القرن الأوّل أو الثاني قبل الميلاد، كما يرد على موقع وزارة السياحة، وإن يبقى الجدل حول أصله قائماً. تعرّض القاموع مع مرور الزمن لمحاولات تنقيب عن آثار كما يبدو من ترميم جزء منه بحجارة حديثة تختلف كثيراً عن عن العصور القديمة التي بني فيها. وهو معلم أثري لا يخضع لإدارة وزارة السياحة (إلاّ باللافتة التي كتب عليها اسمها)، ولا بلدية الهرمل فيمكن زيارته من دون بدل مادي، وتحيط به منطقة مفتوحة جميلة تُمكّن الزائر من رؤية المنطقة دورة كاملة 180 درجة وبأفق مفتوح إلى سوريا من الشرق والشمال الشرقي ونحو جرود الهرمل من الشمال والشمال الغربي وصولاً إلى جبل المكمل في الجنوب الغربي.

قبل المنعطف نحو القاموع بمئتي متر يجد زائر المنطقة طريقاً فرعية تؤدّي إلى نبع عين الزرقا الذي شُيد دير مار مارون بالقرب منها، وتحديداً على التلّة التي ينبع النهر من أسفلها. والدير عبارة عن كهوف منحوتة في الصخر من القرن الخامس ميلادي يقال إنّ مار مارون سكن فيها عند قدومه من سوريا. وفي الدير، أو مغارة الراهب، كما يسمى أيضاً، يوجد بئر محفورة تصله إلى نهر العاصي ويقال أنه كان مخصصا بصوامعه ومحابسه للصلاة والعبادة. قبل نحو سبع سنوات تولّت المطرانية المارونية في المنطقة إدارة الدير الذي كان مفتوحاً للزوّار من دون إشراف أي جهة بما فيها وزارة السياحة الغائبة عن كلّ معالم قضاء الهرمل السياحية. وتسمح المطرانية بزيارة الدير من دون أي مقابل مادي أيضاً.

قاموع الهرمل احد أبرز معالمها الأثرية(تصوير مايا مزبودي)

أما المعلم السياحي البارز الثالث في قضاء الهرمل فهو آثار قرية بريصا في وادي الشربين التي هجّر الحرمان غالبية أهلها فيما نجد فيها منحوتات صخرية هي عبارة عن لوحات سطّر عليها نبوخذ نصّر بطولاته لدى وصوله إلى المنطقة بكتابات بابلية قديمة وأخرى حديثة وذات نقوش مسمارية. ومع اللوحات الصخرية المنحوتة نجد بقايا كنيسة تاريخية في بريصا تعود إلى القرن الخامس ميلادي مهملة من دون أي ترميم أو اهتمام. وتعرّضت منطقة المنحوتات الصخرية للتخريب كما الآثار الأخرى بحثاً عن كنوز ظنّها السكان مدفونة تحتها. وكانت بريصا تشهد رحلات سياحية أجنبية قبل سنوات طويلة، لكنّها غير مدرجة على أي برامج رحلات حالياً.

قصر البنات

يقع على بعد أقل من 500 متر من دير مار مارون على الجهة الغربية لنهر العاصي، وهو محفور في الصخر أيضاً وفي غرف عدة مع باحة تجمعها، ويُعقتد أن مجموعة من الراهبات سكنّ القصر في بداية القرن السابع ميلادي. ومع إهمال وزارة السياحة لهذا المعلم التاريخي يقوم بعض الرعاة باستخدام بعض غرفه السفلية لإيواء مواشيهم.

قناة زنوبيا

في سهل مدينة الهرمل وعلى بعد نحو 5 كيلومترات من قلبها تبدو بعض المعالم المتبقية من قناة زنوبيا، ملكة تدمر، التي جرت مياه العاصي العذبة والنقية لتروي مملكتها ورعيتها في العام 267 ميلادي، وهو عهد هذه الملكة، برغم من وجود روايات تعيدها إلى حوالي 200 سنة قبل الميلاد. تمتد القناة نحو 90 إلى 100 كيلومتراً محفورة على شكل أبار متصلة في الصخر وعلى عمق 35 متراً.

ويوجد في الهرمل وتحديدا في وادي العاصي الكثير من المغاور والكهوف والقبور والأثارات الحياتية التي تدل على أن الإنسان سكنها قديما جداً وفي حقبات مختلفة بسبب غنى الوادي بالمياه والنباتات والأشجار وطبعا المياه العذبة التي ما زالت لغاية اليوم الأنظف بين مياه كل الأنهار في لبنان.

طاحونة العميرية

تختم طاحونة العميرية، نسبة إلى بانيها رجل الأعمال محمد علي العميري، رحلة نهر العاصي في الهرمل وتحديدا لدى دخوله الأراضي السورية بعد مبانها بنحو 20 متراً. على باب الطاحونة حُفر تاريخ إنشائه: آذار 1928 ومعه بعض بيوت الشعر أرادها صاحبها عبرة حياة. كانت الطاحونة الأولى ليس في منطقة الهرمل فقط بل ربما في كل لبنان لكبرها حيث تتمتع بخمسة أحجار رحى (حجر الطاحونة) للقمح والبرغل والطحين تفصلها قاطع خشبي لعدم تلويث المنتج مع معيار للتحكم بدرجات الخشونة والنعومة في الجرش والطحن. يقول الشاب محمد علي العميري، حفيد مؤسسها الذي حمل اسمه، أن طاحونة جده كانت تستقبل حبوب ومحاصيل منطقتي بعلبك والهرمل والجرد ومعه مناطق حدودية عدة من سورية وأن إنتاجها اليوم كان يلامس نحو 9 ليرات ذهبية في أيامها. وبرغم بلوغ طاحونة العميرية 100 عام من العمر إلاّ أن ذلك لم يدفع وزارة السياحة للإعتراف بها كمعلم سياحي يجب إدارجه ضمن المواقع الأثرية. ومع التطور وانتشار المطاحن الكهربائية توقفت طاحونة العميرية عن العمل برغم أنها ما زالت تتمتع بكامل تجهيزاتها “يوما ما قد يعيدها عمي الدكتور غسان العميري، الذي انتقلت ملكيتها له، إلى العمل” يقول محمد علي الصغير.

ويوجد على ضفاف العاصي طاحونة الشلمان وهي طاحونة ذات بناء حجري جميل جدا تم تحويلها بعد توقف المطاحن القديمة إلى منتزه على ضفاف العاصي.

الجرد

مع السياحة على نهر العاصي، عرفت جرود الهرمل المشروع السياحي الأوّل “آلجورد” في 2001 وتحديداً في مثلث جرود الهرمل-عكّار الضنّية، كما يقول حسين علّوه الذي يدير المشروع حالياً، وهو مشروع أنشأه شبّان من آل علّوه يومها بالشراكة مع جمعية “مدى”.

في نهاية 2003 وعلى الجهة الأخرى من جرد الهرمل، وتحديداً في سفح قرنة رجال العشرة، افتتح حسين دندش وبومدين الساحلي مشروع السياحة البيئية “لزّاب إيكولودج” في منطقة التنوب قبل سهل جباب الحمر بنحو 3 كيلومترات “بدأنا الفكرة كبيت ضيافة ثم تطوّرت إلى مشروع سياحة بيئية”، وفق حسين دندش “وكان الإقبال ملفتاً منذ بداية المشروع حيث كان على الراغبين بزيارتنا أن يحجزوا أماكنهم قبل 3 أشهر”.

ويرى علّوه أنّ مقوّمات منطقة مشروع “آلجورد” أساسية كونه يقع في منطقة غنية باللزّاب وقريباً من منطقة وادي جهنم بغابته من الأرز واللزّاب والأشجار الحرجية الأخرى، كما في المشروع ومن حوله “ونحن لم نسعَ لتعبيد الطريق المحيطة بالمشروع لتبقى المنطقة محمية وفريدة، خيمها من القطن والحجر، وتركنا المراحيض مفتوحة من دون سقوف، وكلّها تجهيزات تُشعر الإنسان أنّه في الطبيعة وليس في منتجع سياحي”.

ويحيط بمشروع “لزّاب” مئات أشجار اللزّاب المعمّرة: “حدّد فريق من الجامعة الأميركية أعمار أشجار اللزّاب في المشروع من 100 إلى 7000 سنة”.

ويعتمد مشروعا “آلجورد” و”لزّاب” على شراء حاجيّاتهما من المجتمع المحلّي ومن المزارعين ومربي المواشي من حليب وخضار وفاكهة عضوية بلا مبيدات أو أدوية وأسمدة وكذلك يقدمّون البروتين الأساسي من سمك الترويت مباشرة من العاصي.

ومن الأنشطة التي يقدّمها المشروعان مسيرات للمشاة (Hiking) في الجبال المحيطة بهما وهي مناطق غنية باللزّاب والصخور والأودية والأراضي الزراعية الشاسعة حيث يعبر المشاة في منطقة يعيش أهلها على الزراعة وتربية المواشي وتربية النحل، وكذلك نحو جبل المكمل والقرنة السوداء وقمة رجال العشرة في الجبل نفسه وإلى وادي جهنم، وفي التلال المحيطة بالمشروعين. وكذلك يعقد مشروع “آلجورد” شراكة مع نواد بيئية في منطقة القمّوعة في عكار فوق فنيدق.

وهنا أيضاً، يشير كثيرون إلى التحدّيات البيئية لجهة وجود خمس كسارات وخمس مرامل ناشطة، والقطع الجائر للأشجار بسبب بيع الحطب أو صناعة مشاحر فحم السنديان المنتشرة بكثافة. ويرى حسين علّوه أنّ الكارثة الكبرى حلّت بغابة القلّة على فم وادي جهنّم في جرد عكار بمشاركة سكان من قضاء الهرمل أيضاً “حتّى من جهة الهرمل القطع أكبر وأقسى”. أمّا الكسارات والمرامل فقد غيّرت طبيعة المنطقة الجغرافية ومنها مرامل في منطقة الحرف على الحد بين الهرمل وعكار حيث نجد أنّ إحدى المرامل قد قضت على جبل كامل بلزّاباته من دون حسيب أو رقيب.

ويقول أحد سكّان الأودية (لا يرغب بذكر اسمه تجنّباً للمشاكل مع عشيرته) إنّ هناك قطعاً ممنهجاً لأحراج السنديان “عم يحلقو جبال الوديان وهضابها ع الصفر”، مشيراً إلى غياب القوى الأمنية وحرّاس الأحراج “كأنّه الثروة الحرجية ملك خاص وأنا متأكّد أنّ ملكية معظمها تعود للدولة”. ويرى أنّ ذلك سيعود بالويلات على المنطقة “مبسوطين بطبيعتنا كعامل جذب سياحي، بس ندمرها ع شو بدها تجي الناس؟ ع صيت منطقتنا الحلو؟”.

المواسم على وقع طبول الحرب

قبل انتهاء تجهيز فداء الساحلي لناديها بأشهر وقع عدوان 2006 “وكان مأساة على كلّ لبنان والمنطقة فأجّلنا الافتتاح لغاية 2010”. وموسم 2010-2011 كان ممتازاً خصوصاً أنّ وزير البيئة حينها زار الهرمل وواكبته وسائل إعلام عدّة ومارس رياضة الرافتينغ على العاصي وتناول الغداء في جرود الهرمل، وتحدّث عن المقومات المميزة للسياحة فيها، فشهدت المنطقة إقبالاً غير مسبوق بعد زيارته “يعني الاهتمام الرسمي والإعلام بيأثروا” تقول. ووصل عدد روّاد النادي وحده في 2010 إلى 1600 زائر فيما ارتفع في 2011 إلى 2000 زائر “وهذا موسم ممتاز حتى مقارنة مع مرافق لبنانية في مناطق أخرى”.

في 2012 مع معركة القصير على الحدود مع الهرمل “اختفى السيّاح الأجانب والخليجيون وكانوا يأتون في رحلات تشمل سوريا والأردن ولبنان، وقلّ الروّاد اللبنانيون ولكنّنا حافظنا على 1800 زائر عندنا”. ووقعت الطامة الكبرى في 2013 التي كانت سنة الصواريخ في الهرمل حيث وقع 150 صاروخاً على المنطقة من اللبوة إلى الهرمل مصدرها جرود عرسال التي تمترس فيها عناصر “داعش” والنصرة. فـ”هبط عدد الروّاد بقوّة إلى 80 زائر في السنة عندنا”. ومع توقّف الصواريخ، بدأ العام 2014 “جيّداً” إلى أن وقعت معركة عرسال في شهر آب وحصل خطف العسكريين “فوقف الشغل” ثمّ تلاها تفجير السيارات في 2015 وكانت حصّة الهرمل 3 سيارات متفجّرة. “كان الوضع مأساوياً مع سقوط ضحايا، وطبعاً كلّ الناس مهووسة بالأمن، فمش رح تطلع تسوح”. في 2016 تحسّنت الحركة، وعاد الزوّار في 2017-2018 إلى عتبة 2000 زائر “بس خسرنا الأجانب”. مع 2019 بدأ الروّاد يقلّلون من الدفع بالدولار “حسّينا في شي مش مزبوط إلى أن حلّ ربعها الأخير مع الانهيار وحجز أموالنا”.

تقييم المواسم نفسه تجده لدى أصحاب المشاريع الأخرى على العاصي كما في الجرد.

الصيت الأمني

“برغم أنّ حادثاً أمنياً واحداً لم يقع مع السيّاح في قضاء الهرمل جرداً وسهلاً، إلّا أنّ الصّيت الأمني لقضاء الهرمل يفعل فعله في كثير من الأحيان” وفق ما يؤكّد حسين علّوه وحسين دندش عن مشاريع السياحة البيئية في الجرد. حصل مرّتين أن طلب بعض الأشخاص المال من سائحين اثنين (كل واحد على حدة) وبالتحديد خمسين ألف ليرة ومئة ألف ليرة على التوالي. قام كلّ منهما (أي حسين علّوه وحسين دندش) باسترداد المال وإرجاعه للروّاد “وغير هيك ما حدا انزعج من كلمة برغم أنّ الإعلام لا يركّ (يركّز) سوى على الحوادث الأمنية في المنطقة”. ويرى حسين علّوه ضرورة تواجد الجيش اللبناني في الجرود بشكل أكبر “في حاجز على رأس الضنّية من ناحية جرد الهرمل يبعد عن مشروع “آلجورد 15 كلم، وحاجز في وادي الكرم في أعلى الهرمل يبعد عنا 25 كلم، وغير هيك ما في أي حضور أمني للدولة، وحضور الدولة وحده يشعر الناس بالأمان”.

من جهتها، تخبر فداء الساحلي عن الأسئلة المعتادة للروّاد “بيتّصلوا بيسألوا أوّل شي عن الأمن”، مشيرة إلى “توقّف البعض عن القدوم إلى المنطقة مرّة ثانية في حال حصل اشتباك خلال وجودهم عندنا أو تم إطلاق النار والقذائف خلال أي عزاء”، مطالبة أهل المنطقة أن يساهموا في تحسين صورة منطقتهم “لازم نحن كمان نشتغل على صورتنا وعاداتنا للأفضل”. وهو ما يراه علّوه ضرورة كبيرة “تصرّفاتنا هي ما نحن عليه، ولذا يجب أن يفكّر كلّ منّا أنّ كلّ ما يفعله هو مسؤولية كبيرة لأنّه يُحتسب على المنطقة ككلّ، ولا يتمّ التعامل معه كحادث فردي”.

الحوادث المسيئة للمنطقة “يرتكبها بعض الزعران وليس كل الناس”، وفق نورالدين المقهور “حتى بالحمرا إذا صار في شي أمني الناس ما بتنزل ع النوادي الليلية وقت الحادث، بس ما بيطلع صيت أمني ع الحمرا”، فيما يعدّد حسين دندش حوادث كثيرة حصلت في مناطق مختلفة في لبنان “وطابعها أمني أيضاً ولكن الصيت يبقى للهرمل وجردها، وكأنّ المقصود أن تبقى صورة المنطقة خارجة على القانون”.

تحسين الطرقات المؤدّية إلى الهرمل؟

في إطار عرضها للتحدّيات، تتساءل فداء الساحلي عن السبب الذي يدفع الدولة إلى إهمال طريق بعلبك-الهرمل الذي يسلكه نحو 20 ألف زائر سنوياً إلى العاصي، عدا عن أهل المنطقة طبعاً. “ما بيدعموا القطاع السياحي فهمنا، بس حتى طريق متل بقية المناطق ما عنّا”. وإضافة إلى الطريق عبر بعلبك، يمكن الوصول إلى مشاريع السياحة في الجرد عبر الضنّية، ولكن للأسف لم تستكمل الدولة أوتوستراد الضنية من ناحية الشمال وتحديداً في قراها العليا، وهي طريق ضيّقة جداً وتعبر بين المنازل المتركنة عليها بطريقة لا تتّسع معها إلّا لمرور سيارة واحدة.

 

نُشر هذا المقال في العدد 1 من “ملف” المفكرة القانونية | الهرمل

 

  1. هي رياضة تجديف مائية جماعية على متن طوف (raft) غالباً ما تمارس في الأنهار.
  2. الكاياكينغ هي رياضة تجديف مائي فردية أو ثنائية على متن قارب صغير مغلق يسمّى كاياك (Kayak)، وهي على خلاف الرافتينغ تحتاج تدريباً أكبر.
  3. من يحمي نهر العاصي؟ سعدى علّوه، منشور في هذا العدد.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة ، سياسات عامة ، سلطات إدارية ، قطاع خاص ، مجلة لبنان ، لبنان ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني