التقرير السنوي للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان على وقع التهديد بالاستقالة الجماعية


2023-06-21    |   

التقرير السنوي للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان على وقع التهديد بالاستقالة الجماعية
من إطلاق تقرير الهيئة

هدّد عضو الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب بسّام القنطار، بالاستقالة الجماعية من الهيئة، إذا استمرّت عرقلة عملها من قبل أي حكومة جديدة تتشكّل بعد انتخاب رئيس للجمهورية. وقال القنطار أثناء إطلاق الهيئة تقريرها السنوي أمس الأربعاء 20 حزيران بالتزامن مع إحياء فعاليات “اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب” إنّ “كرامتنا وسمعتنا يستدعيان إعطاء مهلة لا تزيد عن 30 يومًا لأيّ حكومة تتشكّل، في حال استمرّت العراقيل لتفعيل عمل الهيئة، لأنّ هذه المسألة لم تعد مقبولة”. 

موقف القنطار، جاء نتيجة عجز الهيئة عن تأدية مهامها والقيام بدورها المطلوب لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، بسبب محاصرة الحكومات المتعاقبة لها لمنع تفعيلها. فوفق ما ذكره التقرير هناك “أسباب معقولة للاعتقاد أنّ عدم إقرار المراسيم الناظمة للهيئة من قبل السلطات اللبنانية المتعاقبة منذ تشكيلها في العام 2018، والتعديلات التي طالت قانونها الأساسي عبر قانون الموازنة للعام 2020، والمحاولات المتكرّرة من قبل وزارتي المالية والعدل، لاسيّما في عهد حكومة نجيب ميقاتي الثالثة (…)، كانت تهدف، قصدًا أو عفوًا، إلى المسّ باستقلاليتها من خلال اقتراح تعديلات على مسوّدة نظامها الداخلي والمالي وعرقلة إقرار نظام المتعاقدين وملاك الهيئة، ورفض إصدار مرسوم بتخصيص أحد المباني العامّة المهجورة والمغلقة لصالحها، ما يشكّل خرقًا فاضحًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان والاتفاقية الدولية الملزمة والقوانين اللبنانية المرعيّة الإجراء، ومخالفة لمبادئ باريس التي ترعى إنشاء الهيئات الوطنية المستقلة لحقوق الإنسان. 

جانب من الحضور

الهيئة متروكة لقدرها

وحال الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان التي تشكلت في منتصف 2018 نفسه ينسحب على بقية الهيئات الوطنية المستقلّة المنشأة بموجب قوانين لا سيّما الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي تشكّلت في أيار 2020 والهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرًا في تشرين الثاني 2018. ومن هنا من المشروع السؤال عن كيفية استمرار الهيئة رغم العراقيل، وهو ما يجيب عنه رئيسها الدكتور فادي جرجس بالقول إنّ “هذه الهيئة لا تزال على قيد الحياة بفضل إرادة أعضائها وتفانيهم وعملهم الدؤوب بشكل تطوّعي ونضالهم اليومي من أجل تذليل العقبات التي تواجه انطلاقتها بفعالية” والذي يبدأ من “تأمين مقر دائم للهيئة وإقرار مراسيمها الناظمة”. 

بحث تقرير الهيئة المؤلف من 66 صفحة في واقع حقوق الإنسان، لناحية آليات رصد وحماية وتعزيز حقوق الإنسان في لبنان، متطرقًا إلى قضايا متعددة منها: تعطيل مرفق القضاء وتداعياته، تعطيل مرفق الأمن وتداعياته، التمييز ضدّ الفئات الأكثر ضعفًا وانهيار النظم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وخلص التقرير إلى أنّ السلطات اللبنانية تقاعست عن معالجة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية والنقدية في البلاد، وتركت السكان من دون إمكانية كافية للحصول على الرعاية الصحية والمياه، وغيرها من الخدمات. واستمرّ الإفلات من العقاب في حماية مرتكبي التعذيب والجرائم الأخرى، وتمّ استخدام قوانين التشهير ضدّ منتقدي السلطات. كذلك تطرق إلى قضايا الفئات المهمشة كالعمّال والعاملات الوافدين، التمييز ضدّ  المرأة  وقضية ترحيل اللاجئين السوريين إلى سوريا. 

واستندت أعمال الرصد والتحقيق في الشكاوى من قبل الهيئة إلى ثلاثة معايير موضوعية: أولًا: خطورة الانتهاكات وطابعها الواسع النطاق أو المنهجي. ثانيًا: الانتهاكات والتجاوزات والجرائم ضدّ الفئات الضعيفة التي تتعرّض لأشكال متعدّدة من الإيذاء والتعديات. ثالثًا: الانتهاكات والتجاوزات التي تعرقل بصورة خاصّة انتقال لبنان إلى سيادة القانون وضمان إجراء الانتخابات ضمن المهلة المحدّدة أو ضمن مهلة معقولة في حال لم ينصّ الدستور أو القانون على مهلة معيّنة. 

وحقّقت الهيئة أيضًا في العنف الجنسي والجنساني والانتهاكات والاعتداءات ضدّ المرأة. وأولت اهتمامًا خاصًا للأبعاد الجنسانية للانتهاكات والتجاوزات التي تمّ تحديدها.

ويشير جرجس إلى أنّ الهيئة عزّزت منذ إنشائها الأدلة الوقائعية والتحليلات القانونية بشأن اشتراك الأفراد والمؤسسات لا سيّما العسكرية والأمنية والإدارية والقضائية، في الانتهاكات والتجاوزات التي وثقتها. في هذا الصدد، وجدت الهيئة أنّ جرائم التعذيب الممنهج ارتكبت بحق الموقوفين في أماكن الاحتجاز لدى الأجهزة العسكرية والأمنية. وقد تلقت هذه الأجهزة دعمًا تقنيًا ولوجستيًا وماليًا من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه من أجل حماية وتعزيز حقوق الإنسان في أماكن الاحتجاز، لكن هذه الموارد لم يتم استثمارها بشكل فعّال وبقي التعذيب ممارسًا على نطاق واسع في السجون والنظارات والمخافر وأماكن الاحتجاز الأخرى. 

الخلاصات والتوصيات

وانتهى التقرير إلى مجموعة من الخلاصات والتوصيات الموجهة إلى  السلطات اللبنانية أبرزها   الاعتراف بشكل لا لبس فيه أنّ منع أعمال التعذيب وسوء المعاملة والتحقيق فيها وملاحقة مرتكبيها أمام القضاء  والتعويض لضحاياها ليست مسألة سياسة عامّة، بل هي التزام مطلق وغير قابل للتقييد وملزم للدولة اللبنانية. بغض النظر عن التزاماتها التعاهدية. واعتبرت الهيئة أنّه لا يمكن التذرّع بأيّ ظروف استثنائية على الإطلاق لتبرير أي ممارسة  من ممارسات التعذيب أو سوء المعاملة أو التغاضي عنها. وأوضحت أنّ المسؤولية الجنائية الفردية بموجب الولاية القضائية العالمية لا تنشأ عن المشاركة النشطة في أعمال التعذيب فحسب، بل تنشأ أيضًا عن القبول الضمني بالتعذيب من جانب موظفي الدولة. وشددت على أنّه من دون الشفافية الكاملة والمساءلة الصارمة، سيظلّ التغاضي عن التعذيب وسوء المعاملة متأصّلًا بعمق في أيّ مجتمع وفي أيّ نظام حكم. كما دعت السلطات إلى فتح تحقيقات جدية واتخاذ إجراءات وقائية سريعة تكفل عدم استمرار أعمال التعذيب الموصوفة في التقرير، والالتزام بالتعهدات المقدمة إلى مجلس حقوق الإنسان في الأعوام السابقة لا سيما خلال المراجعة الدورية الشاملة

وكذلك، أوصت الهيئة بوقف جميع المحاكمات العسكرية للمدنيين، ووقف تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية ضد المدنيين وضمان التمتع بالحقوق الأساسية، بما في ذلك التبادل الحر والآمن لمختلف الآراء والمعلومات. وأوصت بحماية وتعزيز حقوق المرأة والأطفال والأشخاص من مختلف الميول الجنسية والهويات الجنسانية ونشطاء المجتمع المدني والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتشجيع مشاركتهم في الحياة السياسية والعامة. وشددت على أهمية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بما في ذلك اتخاذ تدابير ملائمة لتعديل الممارسات التي تُهمّش المرأة في المجالَيْن العام والخاص. ومن التوصيات أيضًا تعديل أحكام قانون العقوبات اللبناني وقانون المطبوعات، وقانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، والتشريعات المتعلقة بوسائل الإعلام، على النحو اللازم لمواءمتها مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما أوصت بتعزيز تشريعات تحظر خطاب الكراهية العنصرية والجرائم ذات الطابع العنصري.  ولا سيما بتعديل المادتين 317 و318 من القانون الجنائي، بحيث تكون متوافقة تمامًا مع أحكام المادة 4 من الاتفاقيـة الدوليـة للقضـاء علـى جميع أشكال التمييز العنصري، واتخاذ تدابير لمنع وإدانة ومكافحة خطاب الكراهية العنصرية ضد المهاجرين واللاجئين، بما في ذلك على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ومن جانب الشخصيات العامة والمسؤولين السياسيين، وضمان التحقيق الفعال في جميع حالات خطاب الكراهية العنصرية المبلغ عنها، والشروع، عند الاقتضاء، في الملاحقة القضائية لمرتكبيها ومعاقبتهم. 

وإذ تضع الهيئة في اعتبارها عدم قابلية تجزئة حقوق الإنسان فإنّها تشجّع على النظر في التصديق على الصكوك الدولية لحقوق الإنسان التي لم يصبح لبنان طرفًا فيها بعد. وعليه دعت إلى إلغاء نظام الكفالة، وضمان تنظيم استخدام العمال المنزليين المهاجرين بموجب قانون العمل، والتصديق على الاتفاقيات  الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، واتفاقية العمال المنزليين لعام 2011 (رقم 189) لمنظمة العمل الدولية. كما تدعو إلى مكافحة تجاوزات وكالات توظيف العمال المهاجرين الأجانب، وضمان اعتماد عقد نموذجي موحّد يحمي حقوق هؤلاء العمال على نحو ملائم وينفَّذ بفعالية. 

على خط موازٍ، دعت السلطات إلى اتخاذ إجراءات إصلاحية لإعمال حقوق الضحايا، لا سيّما ضحايا الإخفاء القسري، في معرفة الحقيقة والعدالة وجبر الضرر. دعت إلى الشروع بالبحث عن المقابر الجماعية التي ورد معلومات حولها او التي لا تزال مفقودة، وتحقيقاً لهذه الغاية، طالبت باتخاذ خطوات للتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. 

وطالبت الهيئة  السلطات اللبنانية بالتعاون بشكل كامل معها ومساعدتها في أداء مهامها، ومدّها بجميع المعلومات التي تطلبها، والاستجابة لطلباتها المتعلقة بتفعيل دورها ومتابعة توصياتها واستنتاجاتها على النحو الواجب.
أما أبرز التوصيات إلى الأمم المتحدة والجهات المانحة فهي تطبيق سياسة صارمة لبذل العناية الواجبة في مراعاة حقوق الإنسان عند تقديم الدعم للسلطات في لبنان، لا سيّما في ما يتعلّق بقطاع الأمن في لبنان، ومساعدة لبنان في وضع خطة عمل وطنية لحقوق الإنسان وتنفيذها، عبر تزويد الهيئات الوطنية المستقلة بالدعم التقني وبناء القدرات وغير ذلك. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني