الترشّح في “بيئة” الشوف وعاليه ليس نزهة


2022-04-22    |   

الترشّح في “بيئة” الشوف وعاليه ليس نزهة
من تظاهرات 17 تشرين في الشوف

“معقل الزعامات”، عبارة تكاد تختصر دائرة الشوف وعاليه، وفق توصيف الجميع، يفاخر بها مناصرو أحزاب السلطة، من دون أن تنكرها المجموعات التغييريّة التي لمستها في الواقع، وأصرّت على مواجهتها، مقررة المضي بثورة 17 تشرين في “عقر الدار”.

توثّق المراقبة الحثيثة لما يجري على أرض دائرة جبل لبنان الرابعة، الشوف-عاليه، عدداً ملحوظاً وواضحاً لخروقات تمسّ الحريّات العامة وديمقراطية الانتخابات وشفافيتها كما فرص التنافس على قدم المساواة بين اللوائح المرشحة، جرّاء سلوكيات أحزاب السلطة.

وإذا كان تكريس الزبائنية في العلاقة بين الناخب وأحزاب السلطة يعود إلى مرحلة ما قبل الانتخابات، كإحدى الأداوات الناجعة في تثبيت هيمنتها، فإنّ تفاقم مظاهر الزبائنية وتعدّد أوجهها في هذه المرحلة يؤثر مباشرة على كسب ثقة الناخب والتأثير على إرادته أو الإبقاء على تأييده، من خلال تقديم خدمات جمّة توثّق ارتباطه بالزعيم. وتتلخّص هذه الخدمات بإصدار بطاقات هوية، أو تسهيل الحصول على جوازات سفر، في وقت لم يعد فيه الحصول على هذه الجوازات حقاً مكتسباً، أو تقديم مساعدات زراعية، أو عينية، أو مادية، أو تعبيد طريق، أو تسهيل الحصول على المازوت، أو دفع فاتورة استشفاء أو أدوية أو حفر بئر أو استصدار رخصة حمل سلاح، أو تسوية مخالفة بناء، أو تغطية الهروب من وجه القانون لبعض المطلوبين قضائياً، وهي سلوكيات تستشري كالنار في الهشيم في الدائرة.

وعليه تظهر ضرورة التعمّق في العلاقة الجدلية ما بين النظام الطائفي الزبائنيّ وغياب دولة العدالة الاجتماعية، ومما لا شكّ فيه أنّ هذا الغياب سواء كان متعمداً ومقصوداً أو نتيجة سياسات تاريخية، فإنه يقع في صلب مصلحة قوى المنظومة المتضامنة على محاربة دولة العدالة الاجتماعية لكونها تجرّدها من قوّتها ونفوذها، من خلال تحرير الشعب من الابتزاز الزبائنيّ والحاجة ومعها الحماية، وتالياً تفلّت الناخبين من قيود هيمنتها.

عن “جرف” خيمة الثورة في بعقلين

بعد مرور يومين على قرصنة برنامج حملة “شوف التغيير” الانتخابية – والذي كان يعوّل عليه في المفاضلة ما بين المرشحين/ات، وفقاً لاستفتاء الناس وتقييم لجنة إدارة المقابلات في الحملة[1]، كآلية تشاركية للوصول إلى اللائحة التغييرية الواحدة والمرجوّة- استفاق الشوف يوم 6 نيسان 2022، على وقع الحدث “الجارف”، حيث أقدم أحدهم في وضح النهار على جرف وإزالة خيمة ثوار 17 تشرين والقبضة التي كانت مرفوعة في ساحة بعقلين بشكل حصري منذ ذلك الحين. هذا مع العلم أنّه جرت محاولات لتثبيت قبضة على دوار بعقلين- بيت الدين في 2019 من دون جدوى وخصوصاً بعد تغريدة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي اعتبر أنّ نصب القبضة إلى جانب النصب التذكاري لشهداء ثورة 1958، مرفوض. وقال جنبلاط يومها بالحرف “مع احترامي لحرية الرأي والتعبير، لكن للحزب التقدمي الاشتراكي مقدسات. إن النصب التذكاري على دوار بعقلين هو تراث الحزب والجبل منذ ثورة 1958 إلى التضحيات الهائلة أثناء الحرب الأهلية حفاظا على الوجود ودفاعا عن عروبة لبنان وفي مواجهة اسرائيل .إن هذا النصب مقدس ولن نسمح بتدنيسه“.

وإذ تلقّت مجموعات التغيير جرف خيمة بعقلين كرسالة ترهيب وقمع، هلّل بعض المحازبين الاشتراكيين لذلك، معتبرين المشهد “الجارف” مصيراً حتميّاً لكلّ من يقف في وجه الزعامة الجنبلاطية، ومن تسوّل له نفسه إمكانية المساءلة والمحاسبة، حيث نُشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يوثّق عملية الجرف من قبل المرتكبين وفيه من يُهدّد من أسماهم حرفياً بـ “الجلابيط”. ولكن سرعان ما تمّ سحب الفيديو من التداول كونه دليلاً على التهديد المباشر والذي يمكن للناشطين استعماله ضد المعتدين.

ورغم محاولات تبرير هذا القمع السياسي بالتلطّي خلف “تنفيذ أوامر بلدية”، إلّا أنّ الناشطين يؤكدون أن بلديات الشوف ليست سوى امتداداً لهيمنة الحزب التقدمي الاشتراكي أو أقلّه تدور في فلك نفوذه. وإثر ذلك، تقدّم المرشح على لائحة “توحّدنا للتغيير”، المحامي شكري حداد بإخبار للنيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، بجرم “التعدّي على الحقوق والواجبات المدنية والحريات العامة وإلحاق الأضرار بأملاك الدولة والأفراد”.

كما صدر عن تنظيم “لِحقي” بيان استنكاري، جاء فيه: “… اليوم إزالة خيمة الثّورة في بعقلين هو استكمال لاعتداءات شبيهة بممارسة حزب الله حامي منظومة القمع والاستبداد في كل المناطق، كوكلاء مفضوحين باعتداءاتهم من الجنوب وبيروت وطرابلس إلى عاليه والشوف وصولاً إلى بعلبك.” وانتهى بيان “لحقي” إلى التأكيد بأنّ ردّهم سيكون: “المواجهة المستمرّة، ليس دفاعاً عن أخشاب الخيمة إنما دفاعاً عن مساحات الحرية في وجدان وعقول الناس”.

وكان مسار 17 تشرين 2019 أسهم في رسم المشهد الانتخابي في الشوف-عاليه حيث أدت لامركزية الثورة وتشعّبها نحو المناطق، إلى كسر حاجز الخوف من زعامات مهيمنة تاريخياً على هذه المناطق حيث نُصبت الخيم يومها في ساحات بعقلين وعاليه وصوفر والشويفات ومعها مجسّم قبضة الثورة مع شعارات تواجه “القمع والترهيب، بوجه رموز منظومة التحاصص الطائفيّ والأحزاب المهيمنة” رفعها المشاركون في الحراك.

الخيمة قبل الجرف وبعده

ولكن هذا التشعّب ما لبث أن انحسر نتيجة التضييق الذي مورس من أحزاب السلطة، وانحصر في ساحة بعقلين، وكأنها تُركت كمتنفّس لمن يرغب في المشاركة في 17 تشرين لإزالة أي اتهام بمنع أي تحرّك في الشوف-عاليه. ومع ذلك ورغم ضيق خيمة بعقلين، إلّا أنّها اتّسعت للقاءات وندوات وجلسات حوارية حول قضايا وطنية ومواضيع الفساد والحلول الممكنة، مسترجعة الساحات العامة في ظاهرة غير مسبوقة في مناطق أقل ما يقال فيها، منذ عقود، أنها مناطق نفوذ ومعقل الزعامات.

وصمدتْ خيمة بعقلين لغاية عشية التحضير للاستحقاق الانتخابي وتحديداً حتى تاريخ إقفال باب تسجيل اللوائح المتنافسة حيث جرى جرفها وكأنّما المواجهة الأهمّ تتمثل في أين ستصبّ أصوات المقترعين ليبقى هامش الاعتراض مسموحاً به طالما أنّه لا يؤثّر على نتائج العملية الانتخابية. والأصح القول إن المواجهة قد حُصرت في بعقلين، وفق تصريح أحد الناشطين لـ “المفكرة القانونية”: “التظاهر يعتبر من المحرّمات، دايماً كان يحصل حصار من الأحزاب على المظاهرات، ويصير في تضييق وتعدّي وقمع مباشر..  مثل ما صار في ضرب وتهجّم من مناصري الاشتراكي لمّا رفعنا الصوت وحملنا الرغيف بسوق بقعاتا وبعاليه … مش مسموح نكون سياسياً حاضرين بكل الأماكن… حصروا اعتراضنا ببعقلين… ورجعوا جرفوا الخيمة، بلا ما يتواصلوا مع حدا”.

الشوف بلا إعلانات انتخابية تغييرية

تغصّ الطرقات الرئيسية في الشوف بشعارات الحملة الانتخابية للقاء الديمقراطي، وبخاصّة لافتات المرشح تيمور جنبلاط، كما بصور وشعارات المرشح فريد البستاني، مع غياب شبه تام للافتات قوى التغيير حتى الآن باستثناء ظهور خجول جداً في الإقليم والشوف الساحلي، تحديداً الدامور والجية حيث رصدنا بضع لافتات لمرشحي لائحة “توحّدنا للتغيير”: حليمة قعقور، غادة عيد، صعود أبو شبل. وكأنّ سلوكيات التضييق تطال أيضاً الإعلانات الانتخابية التغييرية، فتحصرها في الشوف الساحلي أو الإقليم، لتعود وتختفي كلّما اقتربنا من المركز “المختارة”.

وفي هذا السياق تبلّغت “المفكرة”، أنّه وبعد أن تمّ الاتفاق ما بين أبرز لوائح التغيير وإحدى شركات الإعلان في المنطقة، وشمل الاتفاق عشرات اللوحات الإعلانية، عادت الشركة ونكثت الاتفاق نتيجة لضغوط “الاشتراكي”. وقد نقل لنا أحد الناشطين حرفياً رد الشركة: “أهون إلنا نأجّر بالجنوب عند الثنائي، وما نأجّر هون”. وعلمت “المفكرة” أنّ اللوحات الإعلانية التي مُنعت عن اللوائح التغييرية ذهبت لمرشحي الحزب التقدمي الاشتراكي.

كما ونما لـ “المفكرة” ومن خلال مقابلات أجرتها، أنّ شركات إعلانية أخرى قد امتنعت بدورها عن منح لوائح التغيير مساحة إعلانية، خوفاً على علاقاتها مع الحزب التقدمي، وتفادياً لأي “وجعة راس” أو ارتدادات عكسيّة على أصحابها ومستقبل عائلاتهم. “بدنا نحفظ خط الرجعة”، بهذه الكلمات اختصروا موقفهم. كما رفضت الشركات التعاقد مع بعض الحملات بحجّة أنّ لافتاتها “مستفزّة”، في خطوة تعبّر عن رقابة فرضتها الشركات على مرشّحي التغيير.

ليس تفصيلاً أن تُمنع القوى التغييرية من حجز اللوحات الإعلانية في الشوف. فقد وثّقت “المفكرة” حوادث عدّة، جهدت فيها مجموعات الثورة عبثاً، في البحث عن مأجور في منطقة بقعاتا- السمقانية السكنية. وغالباً ما يتمّ التراجع عن العقد بمجرّد علم المالك أنّ المأجور سيستخدم من قبل مجموعات الثورة.

صورة مركّبة لمرشحين في الشوف عاليه

كما أثار أحد الناشطين في مجموعة “الشوف ينتفض”، في حديثه لـ “المفكرة”، مسألة منعهم من استخدام الأماكن والصالات العامّة (دور البلدات، وروابط العائلات في كلّ من بلدات: عترين، كحلونية، عماطور، بعقلين..) علماً أنّها غالباً ما تستخدم لمناسبات ولقاءات الاشتراكي. ويضيف الناشط السياسي: “حتى الصالات الخاصة والمطاعم بنطاق بعقلين وبقعاتا والسمقانية، رفضوا يستقبلونا. ما قبلوا نعمل ورش عمل ولا حفلات إطلاق، نزلنا عالإقليم… وصرنا نجتمع بالبيوت.. ويلي وافق من أصحاب الصالات، بعد الضغط رجع بعد ما حجزنا… اعتذر منّا! ومرّة يلي استقبلنا منعنا إنّو نصوّر النشاط…”.

لم تقتصر هذه الحالات على الشوف بل رصدت “المفكرة” في عاليه، ما واجهته مجموعات “عاليه التغيير” والثورة من رفض وقمع، من قبل بعض أصحاب المقاهي والمطاعم الذين أوصدوا الأبواب بوجههم: “اعتذروا وقالولنا، لو رجعت إلنا منستفيد… ما إنتو رح تشغلونا! بس ما منسترجي، بكسرولنا المحل أو بسكرولنا ياه، خلونا عم نسترزق شوي”، وفق تصريح أحد أعضاء  “لِحقّي” – جذر عاليه. ما دفع بالمجموعات التغييرية إلى التوجّه نحو منطقة سوق الغرب، حيث استنجدوا بأحد الفنادق الذي قبل استضافتهم.

“تموت الزعامة يوم تتوقّف الخدمات”

“تموت الزعامة يوم تتوقف الخدمات”، عبارة يختصر بها أحد أبناء بلدة مزرعة الشوف، التي يطلق عليها البعض لقب “أم الشهداء”، الوضع السياسي الراهن والمستقبلي، معتبراً أنّ تغييب الدولة متعمّد، لاستدامة هيمنة الزعامات، التي تعتاش على النظام الزبائني، حيث يرضخ الشعب المهدد في أمنه الاقتصادي، الاجتماعي، الغذائي، الصحي وحتى الوظيفي… للمنظومة الحاكمة، مستجدياً عملاً أو طبابة، أو دعماً، أو حتى شرعنة مخالفات… وعليه تتناقل الأوساط الشوفية يومياً الخدمات التي يمنحها الحزب التقدمي الاشتراكي وبوتيرة أقلّ حزب التوحيد العربي (المرشح وئام وهاب)، فرُصدت حالات عديدة لتغطية الاشتراكي نفقات علاج المرضى أو جزءاً كبيراً منها، في كلّ من مستشفى عين وزين وسبلين وطراد وحمّود في صيدا، إضافة لحالات تغطية الفاتورة الدوائية. كما علمت “المفكرة” بالخدمات التي يقدّمها المرشح وئام وهّاب كالمساعدات المادية وتوزيعه للمازوت الإيراني بأقل كلفة.

كيف تختار الأحزاب أدواتها القمعية؟

يقسم عاصم شيّا، الباحث في علم النظم والقوانين الانتخابية، في حديث لـ “المفكرة” الناخبين إلى خمس فئات، استناداً لمعايير اقتراعهم في ظلّ الهيمنة:

  1. التصويت الحزبي الإيديولوجي، إذ غالباً ما يكون تصويت حملة البطاقات الحزبية تنفيذاً لأوامر وإملاءات حزبية.
  2. التصويت وفقاً للتمنّي أو الخوف (نذكر في هذا المجال حالة سجّلناها للخوف على الأمن الاقتصادي وتضييق فرص كسب العيش، حيث تمّ تهديد صاحب سناك في بقعاتا من قبل مناصري الاشتراكي، بالمقاطعة إن استمرّ بدعم قوى التغيير).
  3. التصويت لأجل رشوة  نقدية أو عينية (زبائنية، شراء أصوات).
  4. تصويت الجهة الحاقدة، فيكون ضد القوى السياسية التي تكرهها أو تريد الانتقام منها.

قد يندرج الناخب في أكثر من فئة في آن واحد، حين تتداخل الدوافع، إلّا أنّ الفئات الأربعة، وفق شيّا، تؤدّي دوراً جوهريّاً في تعزيز الهيمنة، وهي غالباً ما تعود برموز المنظومة وبالطبقة السياسية نفسها.

أمّا الفئة الخامسة والمتحرّرة من قيود الهيمنة فهي فئة التصويت المبني على أسس وطنية. وهي الفئة التي تستهدفها اليوم بشكل خاص وسائل الضغط والتضييق. 

ويشرح المنظّم السياسي ماهر أبو شقرا لـ “المفكرة”: “للاشتراكي خبرة كبيرة في المجتمع الذي يحكمه، تفوق خبرة جميع قوى السلطة الأخرى، فزعامته ذات عمق تاريخيّ.. إذ ليس من الضروري اللجوء للقمع المباشر” فالهيمنة الجنبلاطيّة، برأيه، ملمّة تماماً بقوام اللعبة، وبالرسالة المناسبة التي يجب بثّها وفي أيّ توقيت.. وبالتالي تنتقي أدواتها بحنكة شديدة وذكاء يميّزها عن سائر الهيمنات.

ويؤكّد أبو شقرا أنّ: “القمع في الشوف، قد يكون ببساطة باستخدام جملة واحدة أو كلمة واحدة، إنّها قوى متمرّسة وممسكة بمفاصل المجتمع لهذه الدرجة”. ويقدم مثالاً عن ذلك، بقوله: “قد يروّجون فجأة بأنّ التغييرين يؤثرون على التكافل الاجتماعي. وهذه الرسالة البسيطة فيها كثافة رهيبة يخاطبون بها المجتمع الدرزي”. رسائل كهذه هدفها إشعار الدروز بأنّ التكافل الذي شكّل لهم حماية لمئات السنين، بات مهدداً، و”يكون لها ارتدادات كبيرة، ويصبح هناك تحريم للعمل السياسي التغييري وتخوين..” يضيف أبو شقرا.

في مقابل أدوات القمع هذه، يؤكد التغييريون انعكاس الهيمنة الحزبية على كل مفاصل حياة المواطن اليومية، والتي تتجلّى في نتائج الانتخابات النيابية، والبلدية، وفي السيطرة الشاملة على مرافق الدولة الكائنة في مناطق النفوذ.

وفي هذا السياق، شاركتْنا الناشطة السياسية والأستاذة الجامعية جنان شعبان تجربتها: “القمع والتهميش يحصلان على أكثر من مستوى. كأستاذة في الجامعة اللبنانية، تم وضع أحد ملفاتي في الجارور لفترات طويلة، ويتم تذكيرنا من وقت لآخر أنّ الحلّ هو بالواسطة… يعني بطريقة أخرى أو بالطريقة التي أفهمها، يجب أن نُذلّ ليتم درس ملفاتنا الأكاديمية أو البحثية. يتم تناسي الملفات أيضأ ليتم منعك من ممارسة حقوقك الأكاديمية لمجرد أنك مستقلّ وغير تابع”.  وتختصر المحاصصة بالقول إنّ “كل الأحزاب تعتمد الأسلوب نفسه وهي محاولة تدجين الأستاذ الجامعي وكذلك الموظفين ليصبحوا مطواعين لما يريد بعض أزلام الزعماء”.

وتضيف شعبان التي ترشّحت ولكنّها لم ترغب في الانضمام إلى اللوائح التغييرية التي تم تشكيلها: “لمست القمع أيضأ عندما كنت أقوم بمهامي وصلاحياتي كمديرة لكلية الصحة العامة في الجامعة اللبنانية حيث كان يتم التدخّل في الكلية التي هي مؤسسة رسمية تابعة إدارياً ومالياً للدولة. تمّ التدخل والتعاطي كأنّ الكلية جزء تابع لمؤسسة خاصة معروفة تبعيتها الحزبية. هذه المحاصصات التي أدّت إلى اهتراء في مؤسسات الدولة تحصل في جميع المناطق وهي جزء من ثقافة الأحزاب وتعاطيهم مع مؤسسات الدولة. من الطبيعي أن تؤدي هذه الثقافة إلى تضارب في المصالح على أكثر من صعيد، وهذا ما حصل إذ تراكمت الأمور وانتهت بتقديم استقالتي”.

وتابعت شعبان: “وصل التحدّي إلى درجة أنّني هُدّدت بإنهاء مسيرتي المهنية والأكاديمية بطرق مختلفة. هناك أناس كثر يتعرّضون لضغوط مشابهة بهدف تطويعهم”.

وتصرّ في حديثها على أنّ “هناك شريحة كبيرة من المنتمين الحزبيين غير المقتنعين بأداء بعض من يمثل أحزابهم يعيشون صراعاً داخلياً يجعلهم مرة مع حزبهم ومرات أخرى مع ضميرهم… وهذه إشارات ايجابية نعوّل عليها و تدفعنا للعمل والإصرار أكثر من أجل تطوير المجتمع وزيادة الوعي”.

من تظاهرات 17 تشرين في الشوف

عن وهم الحريّة في زمن “ما بعد الترشّح”

يعتبر البعض أنّ تسجيل خمس لوائح لقوى التغيير، في الشوف وعاليه وكثرة عدد المرشحين/ات بوجه لائحتيْ السلطة، ما كان ليتمّ لولا جو الحرية والديمقراطية في المنطقة أي أنّ حق الترشّح قد مورس بحرية. في حين يرجّح البعض الآخر بأن تكون قوى المنظومة نفسها وراء بعض الترشيحات، لغايات خرق لوائح التغيير وشرذمة الصفوف، أو لكسب مشروعية لانتصارها في الانتخابات.

إلّا أنّ تحديّات تشكيل لوائح التغيير وتوحيد الجميع حول مشروع سياسي واحد من جهة وحوادث التحريض والترهيب التي وثّقتها “المفكرة” من جهة أخرى، أكّدت تضاعف القمع والتخوين في مرحلة “ما بعد الترشّح”.

“كتغييرين على الصعيد الاجتماعي فجأة بتلاقي في جزء كبير من المجتمع بطّل يتعاطى معك”، بهذه العبارة تختصر شعبان الوضع  ما بعد الترشّح: “حتى الأشخاص اللي بتحبيهن وبتربطك معهم علاقة إنسانية واجتماعية ومنهم أشخاص حزبيين بيبطّلوا يسترجوا يحكوا معك أو يعلقوا على صفحات التواصل بل يصبح التواصل فقط عبر الخاص. وهذا دليل على القمع والهيمنة”.

وفي سؤالنا عمّا يقلق القوى المهيمنة، أتت الإجابات “تراكم العمل السياسي”، وكذلك “أي لاعب تجديدي وتغييري في خطابه”. فوفق ماهر أبو شقرا، كل من يسعى لقلب موازين القوى، عبر تكريس شروط اقتصادية وسياسية واجتماعية مغايرة، تصبّ في مصلحة المجتمع، يقلق السلطة. أما من ينتمي لشروط اللعبة السياسية والزبائنية، مثل وئام وهاب، فلا يقلقها. بل يؤكد أبو شقرا أنّ “هذا النوع من الصراعات يخدمها في شدّ العصب”. وقد وثّقت “المفكرة” في بحثها خطاب الأحزاب التحريضي، الترهيبي، المستخدم لإشعار الجمهور بأنّ الخطر حقيقي والحصار جدّي. ما يضمن تخوين التغيير واستدامة الهيمنة.

في مرحلة ما بعد الترشّح، تبدو الأحزاب برغم القلق، “مرتاحة على وضعها”، متسلّحة بمقاييس النظام الانتخابي وتفاصيل القانون المنسوجة تماماً على قياس الفئة المنوي إيصالها باعتماد نظام اللوائح، المُطبّق غالباً في ظل نظام سياسي حزبي، ما يجعله غير متجانس مع حقيقة الواقع الحزبي اللبناني. ولكنه في الواقع يخدم الأحزاب الكبرى الحاكمة فقط ذي المرجعية الطائفية وليس الوطنية. الأمر الذي يترجم ظهور التحالفات الهجينة، عند كل استحقاق انتخابي، سواء بين قوى السلطة، أو لدى بعض قوى التغيير في سعيها لإيجاد أوسع مروحة بوجه السلطة، أملًا بتحقيق بعض الخروقات في نتائجٍ “شبه محسومة”.

كيف السبيل إلى التغيير إذاً؟

ما الذي ينتظره التغيير من المجموعات السياسية المنتفضة؟ وهل يمكن للانتخابات النيابية المقبلة أن تحقق النتائج المرجوّة لجهة تغيير معادلة القوّة، في ظلّ كل ما يجري من مضايقات؟

يختصر أبو شقرا المطلوب ببلورة أحزاب سياسية تغييرية من جهة، حيث تلتئم القوى والمجموعات الشعبية في إطار تنظيميّ، وبإنشاء تنظيم مجالسي من جهة أخرى “عبر انتخاب مجالس ثورية محلية مناطقية يتمثّل فيها الثوار، وأيضاً مجالس ثورية للقطاعات والنقابات البديلة. على أن تجتمع هذه المجالس في مجلس وطني يمثل الثورة على أسس واقعية مرتبطة بالأرض والعمل وليس بفضاء الأفكار وفقاعات الناشطين السياسيين”. فهذا التنظيم قادر على مقارعة قوى السلطة بمناطق وجودها، ليصار إلى تثبيت ما كرّسته انتفاضة تشرين في السياسة.


[1]  اعتمدت حملة “شوف التغيير” التشاركية ضمن آلية اختيار المرشحين اجراء مقابلات مع جميع المرشحين في الشوف الذين اختاروا الانضواء تحت حملة ‘شوف التغيير’ وآلياتها ومعاييرها. ثم جرى تعميم المقابلات المسجّلة لملء استبيان المفاضلة بين المرشحين بحسب إجاباتهم على الأسئلة ومدى التزامهم بالورقة السياسية وبرنامج “شوف التغيير”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، تحقيقات ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، تشريعات وقوانين ، لبنان ، دستور وانتخابات ، حراكات اجتماعية ، الحق في الصحة والتعليم ، انتفاضة 17 تشرين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني