الأزمة تستعر بين مزارعي التبغ والرّيجي: تلف المحصول ولا التسليم بسعر زهيد


2021-11-11    |   

الأزمة تستعر بين مزارعي التبغ والرّيجي: تلف المحصول ولا التسليم بسعر زهيد
حقول التبغ في الجنوب

لا يزال عدد كبير من مزارعي التبغ في الجنوب يرفضون لغاية اليوم تسليم محاصيلهم لشركة إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية “الرّيجي”،  اعتراضاً على الأسعار الزهيدة التي حدّدتها  الشركة  وتتراوح  ما بين 40 إلى 50 ألف ليرة لبنانية للكيلوغرام الواحد. وكان المزارعون قد نفّذوا في الأسبوع الأوّل من تشرين الثاني 2021 اعتصاماً في بلدة عيترون الجنوبية، أعلنوا خلاله الامتناع عن التسليم رفضاً للأسعار الجائرة مطالبين بمبلغ 5 دولارات للكيلوغرام الواحد على سعر الصرف 14 ألف ليرة لبنانية.

وأصدر مزارعو التبغ في قضاء بنت جبيل بياناً أعلنوا فيه الامتناع عن تسليم المحصول في بلدات عيتا الشعب وعيترون ورميش لحين النظر في الأسعار المصرّح عنها في الإدارة بما يتناسب وغلاء المعيشة في لبنان عموماً والمزارعين خصوصاً. وبحسب خليل ديب، رئيس لجنة زراعة التبغ في الجنوب، فإنّ معظم مستودعات ومخازن تسليم شركة الرّيجي في منطقة بنت جبيل كانت، لغاية أمس، إمّا مقفلة أو حركة التسليم فيها خفيفة جداً. ويرى ديب أنّ من سلّم محصوله لغاية اللحظة هم المزارعون والتجّار، مشيراً إلى أنّ هؤلاء، أي التجّار، “ليسوا بمزارعين بل يشترون فائض المحاصيل الزراعية بسعر زهيد ويسلّمونه للريجي بسعر مرتفع”، وهم “محسوبون على الأحزاب المسيطرة على شركة الرّيجي، وذلك بهدف زعزعة وحدة المزارعين ودفعهم إلى التسليم”. ويشير ديب إلى أنّ هناك “حوالي 20 ألف رخصة زراعة تبغ منهم 15 ألف رخصة يملكها مزارعون فعليّون في حين يملك “التجّار” 5 آلاف رخصة ، وهم لا يزرعون الأرض بل يشترون المحصول الفائض من المزارعين الحقيقيين بأسعار زهيدة لبيعها لشركة الرّيجي بأسعار مرتفعة. وهؤلاء، بحسب ديب، محسوبون بمعظمهم على حركة أمل (الحزب المسيطر على شركة الرّيجي ونقابتها)، وهم من يحاولون  اليوم  كسر إرادة المزارعين “هنّي مش تعبانين بالمحصول ما بيتكلّفوا شي، بيشتروا الكيلو بـ10 آلاف وبيبيعوه بـ40 ألف”.

وعلى الرغم من ثبات عدد كبير من المزارعين على موقفهم من عدم تسليم محصولهم “بالرّخص”، إلّا أنّهم يتخوّفون من “سوط” شركة الرّيجي المعنوي وعقابها لهم على تجرّؤهم على الاعتراض. ويأتي العقاب على شكل تبخيس أسعار المنتج، وصولاً إلى سحب رخص المعترضين والاستيلاء على محاصيلهم. 

في مقابل حديث المزارعين، يعتبر موظفو الرّيجي  أنّ السعر الحالي منصف جداً قياساً بالتكلفة. ويقول مدير الزراعة والمشترى في الشركة  جعفر الحسيني، أنّ الرّيجي أجرت دراسات  ووجدت أنّ تكلفة كيلوغرام التبغ  بلغت حوالي 15 ألف ليرة لبنانية أو 20 ألف ليرة لبنانية، “لذا فإنّ مبلغ 40 ألف ليرة أو 50 ألف ليرة للمزارع، منصف”. ويرى  الحسيني أنّ على المزارع “تحمّل تبعات الوضع الاقتصادي حاله كحال جميع شرائح المجتمع التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية أيضاً، وأنّ سعر كيلو التبغ تحدّده وزارة المالية وليس إدارة الرّيجي، لذا إذا وافقت الوزارة على زيادة الأسعار، فيجب على الشركة تطبيق القرار”. من جهةٍ ثانية اعتبر الحسيني أنّ الرّيجي، ومنذ التسعينيّات، تشتري محصول المزارعين  بثمن مرتفع مقارنة  مع سعر السوق العالمي. وكانت الشركة، وفق الحسيني،  تشتري كيلوغرام الدخان من المزارعين بحوالي 7  دولارات، وتقايضه ببضائع الشركات الأجنبية بنحو 4  دولارات وتسدّ الخسارة من خزينتها دعماً للمزارع. من هنا، وفق الحسيني، “لا بأس إن تحمّل المزارعون هذا العام بعض الشحّ نظراً للظروف الاقتصادية القاهرة والخارجة عن إرادة الجميع”.

وتعليقاً على رفض المزارعين تسليم محاصيلهم، يؤكّد الحسيني أنّ المزارعين يسلّمون اليوم المحصول بشكلٍ طبيعي، وأنّ هناك 7 من أصل 10 مراكز تسليم فتحت أبوابها وتقوم باستلام التبغ، مشيراً إلى أنّ نحو 1700 مزارع من أصل نحو 13 ألفاً في الجنوب سلّموا محاصيلهم لغاية الإثنين 8 تشرين الثاني 2021. ويعزو الحسيني انخفاض عدد الذين يسلّمون محاصيلهم إلى المدة القصيرة التي مضت على فتح المستودعات أبوابها (نحو 10 أيام)، ويعتبر أنّ موسم التبغ شهد هذا العام انخفاضاً كبيراً في الإنتاج حيث لم يزرع كثر من أصحاب الرخص أراضيهم نظراً للكلفة العالية “كل شي صار غالي عليهم”. ويتوقع الحسيني أن يتراجع الإنتاج أكثر في الموسم المقبل للأسباب عينها.

وفي ظلّ احتدام الأزمة بين المزارعين الممتنعين عن التسليم وشركة الرّيجي، تقف نقابة  مزارعي التبغ في لبنان على الحياد، تاركة للمزارع حرية تسليم المحصول من عدمه. واعتبر رئيس النقابة حسن فقيه في اتصالٍ مع “المفكرة القانونية”، أنّ السعر الذي تدفعه الرّيجي للمزارعين منذ سنواتٍ عدّة هو الأعلى في العالم (وهو ما يتطابق مع رأي الرّيجي)، ثم عاد وأكّد أنّ السعر المحدّد اليوم غير منصف للمزارعين في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الراهنة، “وهم بهذا السعر سيعجزون عن زراعة محاصيلهم للعام المقبل”. وقال فقيه إنّ النقابة أجرت اتصالات عدّة بوزير المالية ورئيس الحكومة وعدد من النواب إلّا أنّ سبل التفاوض مع إدارة الرّيجي قد نفّذت، كونها ترفض أي زيادة جديدة.

ولا يعوّل عدد كبير من المزارعين على دور النقابة في تحصيل حقوقهم، إذ يعتبرونها “مجرد بوق ينطق لخدمة حركة أمل المسيطرة على النقابة والريجي على حدٍ سواء”، كما قال العديد منهم لـ”المفكرة”.

“أسعار لا تردّ تكلفة المحصول”

“المفكرة” جالت على قرى شقرا، عيترون، ورميش للوقوف على مشاكل المزارعين ومطالبهم ومعاناتهم، وماذا سيفعلون في حال لم ترضخ الرّيجي لمطالبهم؟  

“حتى لو أعطونا 100 ألف ليرة حق الكيلو ما بتوفّي معنا”، يقول المزارع علي ويزان من بلدة شقرا وهو يجلس مع شقيقه حسين أمام مخازن المنزل الممتلئة بخَيْش التبغ الجاهزة للتسليم. اتخذت العائلة قرارها الحازم بعدم تسليم المحصول بهذا السعر الزهيد، “يعني لو بدّو يعفّن بالمستودع ما رح نسلّم… الخسارة واقعة”.

يفنّد ويزان تكاليف الزراعة المرتفعة جداً هذا العام مقارنةً بالأعوام الماضية، “ارتفعت كلفة حراثة الأرض من 100 ألف إلى 500 ألف ليرة للدونم الواحد، فيما قفز سعر لفافات النيلون اللازمة لزرع المشاتل من  75 ألفاً إلى 500  ألف ليرة، وصارت نقلة صهريج المياه اللازمة للزراعة 200 ألف بعدما كانت 35 ألفاً، كذلك يحتاج المزارع إلى المازوت لتشغيل الآليات، إضافة إلى الخيطان والأدوية والأسمدة، عدا عن اليد العاملة التي تكلّف في النهار الواحد من 50 إلى 100 ألف ليرة للعامل الواحد”. ويخلص ويزان إلى أنّ “كلّ شي صار ضرب 6 و7، الأسعار ما بتوفّي معنا”. من هنا فإنّ تكلفة الرخصة الواحدة (4 دونمات أرض) باتت تتراوح بين 10 إلى 12 مليون ليرة لبنانية، وفي حال سلّم المحصول على سعر  40 ألف ليرة فإنّ الرخصة التي تستلم الرّيجي عليها 400 كيلوغرام من التبغ، سيتراوح مردودها ما بين 15 و16 مليون ليرة لبنانية، أي بهامش ربح لا يتجاوز ستة ملايين ليرة ما يعادل 250 دولار طيلة العام، “كارثة، كارثة هول  ما بيكفوا لنسدّ ديون الدكّنجي”.

فالمزارع، وفق ويزان، يبدأ، وبعد أشهرٍ من قبض بدل تسليم موسمه، بالاستدانة من دكّان الحي واللحّام والخضرجي “بيخلصوا المصاري وبدّو يشيل كلفة الموسم المقبل وبيبلّش يتديّن”، على أن يسدّ ديونه عند التسليم مرّة جديدة وهكذا دواليك. لذا فإنّ المبلغ الذي ستدفعه الرّيجي للمزارعين لن يكفيهم لسدّ ديونهم، فكيف سيوفّرون كلفة زراعة وإنتاج العام المقبل؟ “ع الأغلب في كثير مزارعين ما رح توفّي معها وما رح يقدروا يزرعوا السنة المقبلة”.

بناء عليه، وفق ويزان، “اشترط صاحب دكّان الضيعة على العائلات المدينة له أنّه سيحاسبهم على سعر صرف دولار 12 ألف ليرة تقريباً”.

من جهته، يؤكّد أبو ياسر، صاحب الدكان، أنّ ديون مزارعي التبغ في شقرا تبلغ حوالي 100 مليون ليرة لبنانية، وهو اليوم يقف حائراً بكيفية تحصيل أمواله، “لي راح يقبضوهم ما رح يسدّولي ديوناتي، طب وكيف بيعيشوا هني؟”. وكان أبو ياسر قد أبلغ المزارعين قبل فترة بالتوقّف عن بيعهم السلع بالدين، كما أنّه سيحتسب سعر البضائع نسبة إلى الزيادة التي ستقرها إدارة الريجي للمزارعين.

نسوة الحقل والأولاد: الجميع عمّال والراتب واحد

 من شقرا إلى عيترون على الحدود مع فلسطين المحتلة ما زالت الحقول بانتظار نوايا المزارعين بمباشرة موسم جديد أم لا. حتى اليوم لم يحرث هؤلاء أراضيهم “فلاحة الصيف” الضرورية لتحضير الأرض للإنتاج، بانتظار القرار النهائي للرّيجي، وتسليم المواسم وقبض المستحقّات، وهو ما يعني أنّ المزارعين قد يعزفون عن زراعة موسم جديد من التبغ  للعام المقبل.

لا يكبر نبت ولا يقطف محصول في الجنوب من دون تعاون جميع أفراد العائلة من أكبرهم إلى أصغرهم، كلّ له دوره في عملية الإنتاج. كلّ فرد في العائلة هو عامل، بحسب مفهوم “العمالة الزراعية”. على إحدى المصاطب تستريح نسوة من عيترون، مزارعات تبغٍ، سرعان ما تخرج تنهيدة يائسة منهنّ عند السؤال عن تسليم المحصول. تروي حياة  أنّ مردود شتلة التبغ كان داعماً  أساسياً في معيشة أهل الجنوب. زوج حياة عنصر في أحد الأجهزة الأمنية، ومع ذلك تعتبر أنّ مردود التبغ يسندها مع عائلتها “اشتريت سيارتي وبيتي من مصاري الدخان، شو بدو يعمل معاش جوزي”، مشيرة إلى أنّه في حال “لم تتراجع الشركة عن قرارها وترفع من تسعيرة المحصول، فإنّ كارثة ستحلّ على بيوت المزارعين”. 

 تسرد أم علي مشوار حياتها مع شتلة التبغ التي رافقتها مذ كانت طفلة “كنت إزرع دخان عند أهلي ورجعت إزرع أنا وعند جوزي وهلق بناتي وأولادي كلّهم بيزرعوا دخان”. تقول إنّها كانت تحمل أطفالها وهم رضّع إلى الحقول، “كنت شيل ابني من تخته بعمر الشهر، لفلفه بالحرامات ونروح عالحقلة، خليه بالسيارة، وأوقات يضلّ يبكي أكثر من نصّ ساعة وأنا ما سامعته”. اليوم كبر علي وهو يتابع دراسته الجامعية، “شو زراعة الدخان سهلة بينطفي قلبك وبروح عمرك وآخر الشي بلا نتيجة”. تُجمع النسوة أنّ حياتهنّ مضت مع شتلة التبغ “ركض بركض”، حيث يبدأ نهار العمل عند الثالثة فجراً ولا ينتهي قبل الرابعة عصراً “نحن منشتغل كلّ العائلة لأكثر من 12 ساعة يومياً”.

للأزمة مسارها التاريخي 

يعتبر المزارع خليل ديب أنّ جذور الأزمة الحالية، وغيرها من مشاكل مزارعي التبغ، تعود أسبابها لسياسات الحزب المسيطر على الشركة، فزراعة التبغ تنشط في الجنوب منذ ما قبل الستينيّات والسبعينيّات حيث كان امتلاك الرخصة يتمّ مقابل بدل مالي مرتفع شرط إثبات ملكية الحقل. وبموجب الرخصة يمكن زراعة دونم واحد من الأرض. وكانت الشركة موكلة بشراء كامل الإنتاج، ولا يُسمح للمالك التصرّف بغرام تبغ واحد. 

وبحسب مدير الزراعة والمشترى في الشركة  جعفر الحسيني فإنّه مع انتهاء الحرب الأهلية، وفي عهد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، حُرّرت زراعة التبغ وسُمح لجميع المواطنين بالزراعة فباتت الشركة ولبنان عاجزين عن تصريف الإنتاج. في العام 1995 كان لا بدّ من تنظيم القطاع فتمّ توزيع رخص جديدة (تسمّى أذونات) مجاناً وحُدّدت الرخصة بأربعة دونمات أرض يمكن استئجارها، وعادت الزراعة لتنحصر بأصحاب الرخص والأذونات. إلاّ أنّ هذا الإجراء، بحسب ديب، شكّل باباً جديداً للمحسوبيات وضرب المزارعين الحقيقيين، حيث اتّبعت الرّيجي سياسات خاطئة إرضاءً لحركة أمل التي استخدمت الشركة للتوظيف السياسي. فبعد توزيع الأذونات عدلت الشركة عن استلام كامل إنتاج المحصول من المزارعين، وحدّدت الكمية بسقف 500 كيلوغرام عن الرخصة الواحدة أي بمعدل (120 كيلوغراماً للدونم الواحد)، على أن يتحمّل المزارع كلفة خسارة الفائض. وأدّى ذلك إلى توفّر التبغ في السوق السوداء، مما شجع عدداً من حاملي الرخص على إهمال الزراعة واتّباع طريقة شراء الفائض من المزارعين الحقيقيين بأسعار زهيدة وتسليمه للرّيجي كإنتاجٍ لرخصته بسعر مرتفع. يُوصف هؤلاء بـ”التجّار”، أي أنّهم لا يتكبّدون عناء الزراعة إذ يشترون فائض الموسم من المزارعين بعد تسليم محاصيلهم، ويسلّمونه للرّيجي على أنّه محصول رخصتهم أو إذن الزراعة. وهناك من يشتري الفائض ليكمل الحصة التي تمنحه إياها الشركة “يعني أنا عندي رخصة طلّع عندي 600 كيلو دخان، وإنت طلع لك من رخصتك 400 كيلو، أنا بسلّم الشركة 500 كيلو بيبقى عندي 100 كيلو ببيعك إياه بالرخيص وانت بتسلّمي للريجي 500 كيلو ع الغالي”.

في العام 2000، وبعد تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي وزّعت الرّيجي حوالي 3000 إذن أو رخصة إضافية، وخفّضت كمية التسليم إلى 100 كيلوغرام عن الدونم الواحد أي أنّه لا يحقّ للمزارع تسليم أكثر من 400 كيلوغرام عن الرخصة الواحدة، وعليه إيجاد طريقة خاصّة لتصريف الفائض. من هنا زاد عدد “التجار” الذين  لا يكترثون للقطاع ولا لتحسين شروط الزراعة وحياة المزارع، “هيدا مش مزارع هو مش خسران شي ومش تعبان بالمحصول، بيشتري بالرُخص وببيع بالغالي”. ويعتبر ديب أنّ المشكلة الأساس هي غياب العلاقة الناظمة بين المزارع وإدارة شركة الريجي، “ليس هناك صفة عامل ورب عامل أو رئيس ومرؤوس”، من هنا يطالب بضرورة تنظيم العلاقة، وشمل المزارعين بالضمان الصحّي الاجتماعي، تحديد حد أدنى لأجورهم، كذلك حصولهم على نظام تقاعدي، وإلغاء الرخص الزراعة لغير المزارعين، واستلام كامل إنتاج الرخصة من التبغ وغيرها من المطالب”.

يوافق الحسيني ديب كلامه عن “التجّار”، معتبراً أنّه من أصل 13 ألف مزارع في الجنوب هناك فقط 7500 مزارع فعليّ، أمّا البقية فهم من أصحاب الرخص الوهمية الذين لا يزرعون الأرض بأنفسهم، وأنّ الرّيجي مثلها مثل باقي مؤسّسات لبنان يشوبها الكثير من التجاوزات، وهناك محاولات عدّة لتوقيف هؤلاء التجّار عن الزراعة، “لكن المسألة  ليست بهذه السهولة”، على حد قوله.

تصنيف الخبراء للتبغ سوط على رقبة المزارعين 

نقمة المزارعين على سياسة “الرّيجي” تتخطى الأزمة الحالية إلى أسباب عدّة منها: 

إهمال الإدارة للمزارعين وعدم الإكتراث لحالهم: يقول ويزان إنّ موسم الدخان “انضرب” هذا العام وإنّه اتّصل بالشركة مرّاتٍ عدّة لإرسال أحد الخبراء إلّا أنّ أحداً لم يقم بزيارته ما قلّص إنتاجه من 7 أطنان العام الفائت إلى 4 أطنان، وحاله حال معظم المزارعين بالإضافة إلى عدم تأمين الأدوية والأسمدة اللازمة.

 ويمتعض معظم المزارعين ممّا يسمّونه “الإذلال” الذي يعاملونهم به “الخبراء” خلال موعد تسليم المحصول، إذ يتحوّل هؤلاء (الخبراء)، بحسب عدد من المزارعين، إلى “ديكتاتوريين” بيدهم مفاتيح الجنة والنار، يحددون نوعية وجودة تبغ المزارع، فتبني كلمتهم آمالاً وتهدم أحلاماً. فإذا قال الخبير إنّ محصول أحد المزارعين “عديم النفع”، هذا يعني أنّ المزارع يخسر نصف القيمة، وإذا صنّف المحصول بالجيّد فيحصل المزارع على سعر مرتفع ” كلّه استنسابية وواسطات، حسب الخبير ومصلحته مع المزارع، إذ أنّ نفس المحصول من نفس الأرض هون بيعطونا سعر متدنّي وخبير ثاني بيعطي سعر أغلى”. 

 ويعترض المزارعون على ما يحدث عند التسليم، إذ تتسلّم الرّيجي 400 كيلوغرام من التبغ عن كل رخصة بمساحة 4 دونمات. تنخفض هذه الكمية تلقائياً عند التسليم إلى 385 كيلوغرام، كيف؟ ما إن يضع المزارع “الطرد” أو “الخيشة” المليئة بالتبغ لقياس وزنها حتى يقوم الخبير تلقائياً بإنقاص كيلوغرام واحد على اعتبار أنّه وزن “الخيشة”، “يعني منحط الطرد على الميزان بيطلع 27 كيلو مثلاً  فبيسجّلوا 26 تلقائياً، قال بيشيلوا وزن الخيشة، ليه الخيشة وزنها كيلو أساساً؟”، بعدها يبدأ الخبير بفحص النوعية وتصنيفها بـ”الممتاز أو الجيّد أو عديم النفع، ولكل منها سعره”. 

ووفق المزارعين، طالما هناك سقف محدّد للمدفوعات لكلّ خبير في المنطقة الواحدة، تلعب الواسطات والمحسوبيات دورها في التقييم واحتساب القيمة، فمن له واسطة يُصنَّف محصوله بالممتاز، وبالتالي يتقاضى ثمناً أعلى، لذا يصبح الخبير ملزماً بظلم مزارع آخر وتصنيف محصوله بدرجة أدنى ليحصل على بدلات أقلّ، وبالتالي يحافظ الخبير على سقف المدفوعات المحدَّد له. وغالباً، ودائماً وفق المزارعين، ما تمارس الرّيجي سياسة الانتقام من المزارعين المعارضين من خلال الخبراء، “إذ يقوم الخبير بالتبخيس بجودة المنتج وبالتالي إعطائهم مردوداً أقلّ”. 

يرد الحسيني، من الرّيجي، أنّ الشركة تقوم بتوزيع الأسمدة والأدوية اللازمة على المزارعين بعد الاستفسار عن نوعية المشكلة، وأنّها تقتصد بالتوزيع بعدما لمست أن بعض المزارعين يقومون ببيع فائض الأدوية والأسمدة لديهم “كانوا يبيعوا الأدوية لي منسلّمهم إيّاها بالسوق”، أمّا بما خصّ وزن “الخيشة”، فيعتبر الحسيني أن وزنها يفوق الكيلوغرام والنصف في كثير من الأحيان، وأنّ الريجي تقوم بدفع بدل خيش للمزارع، (15 ألف ليرة للخيشة الواحدة هذا العام) طالباً من المزارعين مراجعة إيصال الدفع حيث سيجدون قيمة الخيش المحتسبة. 

وفيما يخصّ تقييم الخبير فإنّه يحقّ للمزارع “الاعتراض إذا ما شعر أنّ هناك ظلم لحق به”، وفق الحسيني، وعندها “يتمّ استقدام خبير محايد من قبل وزارة المال، لكن إذا ما تبيّن أنّ الخبير على حق فيصار إلى مصادرة المحصول”. 

مزارعو رميش “الرّيجي تنصب لنا المصائد”

لغاية يوم الإثنين الفائت قلّة قليلة من مزارعي وتجّار بلدة رميش الجنوبية سلّموا محصولهم في مستودع البلدة. يقول بعض المزارعين في رميش إنّ الشركة أوعزت إلى التجّار وصغار المزارعين المحسوبين على حركة أمل بضرورة تسليم محاصيلهم من دون انتظار أرقامهم وأدوارهم، ودفعت 50 ألف ليرة في الكيلو الواحد، وذلك لحثّ بقية المزارعين على تسليم المحصول، بهدف كسر إرادة المزارعين ورفضهم التسليم، وهذا ما دفع عدداً من مزارعي رميش إلى تسليم المحصول نهار الجمعة الفائت، إلاّ أن الريجي خفّضت قيمة إنتاجهم إلى 43 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد، ما أثار حفيظة مزارعي البلدة، وعاد بعضهم أدراجه رافضاً التسليم. 

يهزأ ريمون عون، أحد مزارعي التبغ في رميش، من أسعار الشركة “بدهم يشتروا كيلوغرام الدخان منّا بـ 40 ألف بينما يصل ثمن علبة المارلبورو إلى 43 ألف ليرة”. وفي عملية حسابية يرى عون أنّ كيلوغرام التبغ يكفي لتصنيع 5 كروزات دخّان من ماركت “سيدرز” الوطنية والكروز يُباع بـ 100 ألف ليرة لبنانية، ما يعني أن كيلوغرام التبغ يقابله 500 ألف ليرة لبنانية أو 300 ألف ليرة لبنانية إذا ما قمنا بحسم الاستهلاك والمواد الأوّلية، ليشير إلى أنّ نسبة ربح الشركة من كيلوغرام التبغ الواحد المصنّع “سيدرز” يصل إلى نحو ستة أضعاف. ويلفت أيضاً إلى أنّ الرّيجي  تقايض محصول التبغ اللبناني الجيد مع شركات أجنبية على علب سجائر مصنّعة، حيث تبيعه في الأسواق، “من هنا فإنّها تنال أرباحها بالدولار من الشركات الأجنبية”. من جهةٍ ثانية يسأل عون الشركة والمسؤولين فيها عن السماح لعائلات لا تملك رخصاً بزراعة التبغ وبيعه في السوق السوداء، ليؤكد “نحن بعد الانتهاء من هذا الموسم لن نسمح بأي خرق للنظام، بخاصّة من قبل الموظفين الذين لم يقفوا إلى جانبنا”، مشيراً إلى أنّهم يتغاضون عن الكثير الكثير من الخروقات التي تضرّ بمصلحة المزارع. كذلك ينتقد عون إدارة الرّيجي التي تعطي المنح المالية، تارةً للطلاب الأجانب وطوراً بالتبرّع بسيارات وخدمات وغيرها “بقولوا ما في مصاري وساعة بيتبرّعوا للطلاب ببلاد الاغتراب وأولادنا نحن شو؟، ما هيدا تعبنا ورزقنا، ونحن أولى بالمساعدات”. 

من جهته، يشرح الحسيني أنّ الرّيجي تقوم على ثلاثة مصادر هي الزراعة والصناعة والتجارة، ليقول إنّ الزراعة خاسرة 100% كون الشركة تشتري المحصول بأغلى مما تبيعه وتقايضه مع الشركات الأجنبية، لذا فإنّ ربح الشركة يتحقق من خلال الصناعة والتجارة، إذ أنّها تقوم بتصنيع سيدرز الذي تستورد 90% من مواده من الخارج إلّا أنّ الأرباح تتحقّق من البيع الداخلي. كذلك في التجارة حيث تتم مقايضة محصول التبغ المحلّي بدخان مصنّع جاهز للاستعمال (مارلبورو وجيتان وغيرهما) وتعود لبيعها في الأسواق وتحقق الأرباح. 

ويعتبر جورج حبيقة، أمين عام الرّيجي، أنّ الشركة لا يمكنها تحقيق ربح إضافي من خلال زيادة أسعار السجائر المستوردة، ولذا يجب أن يتقاسم الخسارة الجميع من مزارعين وشركة ومستهلكين. وعن التبرّعات التي تقدمها الشركة، يعتبر حبيقة أنّ هناك أموالاً مخصّصة لمشاريع التنمية المستدامة وهي مبالغ تعتبر ضئيلة جداً نسبة للمبالغ المخصّصة لدعم المزارعين وشراء محاصيلهم، وأنّ الإدارة عمدت إلى القيام بهذه المشاريع في القرى التي تزرع التبغ لدعم بلديتها وبالتالي خدمة مزارعيها. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

لا مساواة وتمييز وتهميش ، تحقيقات ، حقوق العمال والنقابات ، سلطات إدارية ، اقتصاد وصناعة وزراعة ، مؤسسات عامة ، أحزاب سياسية ، نقابات ، قرارات إدارية ، حقوق المستهلك ، فئات مهمشة ، لبنان ، حراكات اجتماعية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني