اقتراح تحرير قانون الايجارات غير السكنيّة: التشريع من دون أي اهتمام بآثاره الاجتماعية

،
2022-11-04    |   

اقتراح تحرير قانون الايجارات غير السكنيّة: التشريع من دون أي اهتمام بآثاره الاجتماعية

في غضون شهر تموز 2022، أنجزتْ لجنتا الإدارة والعدل والمال والموازنة اقتراح قانون بتحرير الإيجارات غير السكنية القديمة (ما قبل 23/7/1992). هذا الاقتراح كان قدم في تاريخ 11/9/2019 في ظلّ ولاية مجلس النواب السابقة من قبل النواب الحاليين والسابقين عدنان طرابلسي، اسطفان الدويهي، ابراهيم عازار، جورج عقيص، فايز غصن، زياد أسود، وجان طالوزيان. وأبرز ما جاء في هذا الاقتراح كما عدّلته هاتان اللجنتان، تحرير عقود الإيجارات غير السكنيّة القديمة بعد 4 سنوات على أن يتم رفع البدلات تدريجيّا خلال هذه الفترة حتى تصل إلى قيمة بدل المثل (8% من قيمة المأجور). وقد منح الاقتراح المعدل المالك إمكانية تقصير فترة التمديد إلى سنتين في حال تنازله عن حقه بالزيادات التدريجية. ويلحظ أن هذه العقود تشمل مجمل عقود الإيجار لممارسة التجارة أو الصناعة أو أي مهنة حرّة منظّمة بقانون أو مهنة حرفيّة أو أي نشاط آخر غير سكني. كما يلحظ القانون إمكانية استرداد المأجور قبل انتهاء المدة في حالات معينة مقابل تعويض يصل إلى 15% من القيمة البيعية للمأجور.
وعليه، يذهب هذا القانون وفق ما نستشفّه من مضمونه وأسبابه الموجبة في نفس اتجاه قانون 28/12/2014 وتعديلاته، الذي كان حرر الإيجارات السكنية القديمة تاركا مسألة تحديد وضعية الإيجارات غير السكنية لقانون آخر يصدر على حدة. وقد برّر مقدموه اقتراحهم باعتبارٍ وحيد، هو استرجاع الاقتراح “القواعد الرئيسية والمبادئ” التي توخّاها المشرّع عند وضع القانون المتعلّق بالإيجارات السكنيّة.
وقبل المضيّ في إبداء ملاحظاتنا على هذا الاقتراح، يلحظ أن اللجان أنهت دراسته وأنه بات تاليا من المنتظر وضعه على جدول أعمال أي من جلسات الهيئة العامة التشريعية القادمة.

1.ملاحظات بشأن المنهجية المعتمدة

اقتراح يخلو من أي معطيات رقمية حول عدد العقود المشمولة به


بداية، نسجّل أن الاقتراح يخلو من أيّ معطيات رقمية بشأن عدد العقود المشمولة به أو ماهيتها أو وضعية المالكين وتحديدا إذا كانوا من المالكين القدامى أو المالكين الجدد الذين اشتروا المآجير المعنية ببدلات متدنية باعتبارها مثقلة بعبء الإجارة القديمة. وبنتيجة ذلك، يصبح الاقتراح بمثابة أفكار أو تطلعات عامة لم يبذل مقدّموه أي جهد في تطبيق مدى ملاءمتها على الواقع. وما يفاقم من انسلاخ الاقتراح عن الواقع، هو تغييب الأزمة الاقتصادية والمالية والمصرفية بالكامل. وهذا ما ينقلنا إلى الملاحظة الثانية.

شبح الأزمة المغيّب


رغم أن الاقتراح قدّم في ظل بروز بوادر الأزمة الاقتصادية أو المالية، فإنه خلا تماما من أي ذكر لهذه البوادر. وقد انسحب تجاهل هذه الأوضاع على تقرير لجنة الإدارة والعدل رغم صدوره بعد 3 سنوات من الانهيار المالي والمصرفي والاقتصادي من دون أن يلوح في الأفق أي بوادر تعافٍ. وإذ عرّجت لجنة المال والموازنة بالمقابل على “الظروف الاقتصادية الراهنة والأزمة المالية الناتجة عن تدني العملة الوطنية”، إلا أنها فعلت ذلك ليس لقياس أثر هذا القانون على الأنشطة الاقتصادية إنما فقط للتوقف عند تدني بدلات الإيجار والأوضاع الإنسانية للمالكين. وهذا ما ينقلنا إلى الملاحظة الثالثة المتمثلة في مدى تناسب زيادة بدلات الإيجار وتحريرها في ظل هذه الأزمة وأيضا إلى الملاحظة الرابعة المتمثلة في عدم التمييز بين المالكين، وتحديدا فيما إذا كانوا من المالكين القدامى أو المتعهدين الذين اشتروا العقارات المعنية بأثمان تأخذ بعين الاعتبار وجود عقود إيجار قديمة عليها.

غياب أي تشاركية في مناقشة الاقتراح


فضلا عن ذلك، نلحظ أن الاقتراح خلا من أي نقاش عام رغم مفاعيله الاجتماعية الواسعة. وما يفاقم من ذلك هو الطابع السري لمداولات اللجان داخل مجلس النواب، وهو أمر يتعارض مع الحد الأدنى من شفافية العملية التشريعية.

2.ملاحظات بشأن مضمون القانون:

مدى تناسب زيادة بدلات الإيجار وتحريرها في ظل أزمة خانقة

كما سبق بيانه، تصرف مقدمو الاقتراح وأعضاء اللجنتين كما لو أنهم منشغلون في حماية مصالح المالكين القدامى التي تردّت بفعل انهيار قيمة النقد الوطني، من دون أن يعيروا أي اهتمام للمصالح الأخرى، وبخاصة مصلحة الاقتصاد الوطني التي قد تتأثر بشكل كبير بنتيجة رفع أكلاف استئجار مراكز العمل في ظل أزمة خانقة. ومؤدى ذلك هو أن الاقتراح يتّجه في منحى معاكس لوعود ما بعد الانهيار، وخاصّة تلك الواردة في برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي المقدم من الحكومة في أيلول المنصرم، والتي تمثلت بوجوب تشجيع الاقتصاد المنتج كمدخل للخروج من هذه الأزمة، مع ما يستتبع ذلك من انحسار للاقتصاد الريعي. وخير ما يعبر عن هذا التوجه هو تقصير المدة الانتقالية التي قد تصل إلى سنتين فقط (في حال تنازل المالك عن المطالبة بزيادة بدلات الإيجار) وتحديد بدل المثل ب 8% من قيمة المأجور، أي ما هو ضعف بدلات المثل للإيجارات السكنية (4%) و4 أضعاف بدل إيجار أملاك الدولة ( قيمة الإيجار لا يجب أن تقل عن 2% من القيمة التخمينية للعقار بحسب موازنة العام 2022) وحوالي 8 أضعاف بدل إشغال الأملاك العمومية البحرية (أقل من 1%). فلو كان هنالك أي نية بإجراء موازنة بين المصالح الجديرة بالحماية وليس الاكتفاء بنية إنصاف المالكين القدامى، لوجب إطالة المدة الانتقالية وتخفيض بدل المثل في اتجاه الحد من الأكلاف.

عدم التمييز بين المالكين القدامى و”المتعهدين”


في حين تركز الأسباب الموجبة على عدم عدالة الاستمرار في عقود الإيجار غير السكنية بفعل المساس بالملكية الخاصة أو بفعل ما تسببه من غبن للمالكين القدامى، فإن تغييب أي معطيات أو إحصاءات واقعية في هذا المضمار إنما يؤدي إلى الخلط بين وضعيات مختلفة تماما. فأي تعمق في واقع الإيجارات القديمة يظهر أنّ ثمّة فارقا كبيرا بين المالكين القدامى الذين عانوا من تأجير ملكيتهم ببدلات متدنية والمتعهدين الذين اشتروا العقارات المعنية بأسعار متدنية لا تتجاوز 50% من قيمتها الحقيقة بحجة أنها مثقلة بأعباء الإجارة القديمة. فهؤلاء المتعهدون لم يعانوا من أي ظلم، لا في الفترة التي سبقت شراء المآجير، ولا بعد ذلك طالما أن استثمارهم تم وهم على بينة تامة بالأعباء المترتبة عليها بنتيجة قوانين الإجارة القديمة وبالعائدات المنتظرة منها. ومن هذا المنطلق، يشكل تحرير الإيجارات بالنسبة إلى هؤلاء ليس إنصافا لظلم لم يحصل قط، إنما بالدرجة الأولى إثراء غير مشروع. فبعدما تملك هؤلاء العقارات بنسبة 50 أو 40% من ثمنها، ها هم يحرزون ربحا هائلا (50 إلى 60% من ثمنها) في حال إقرار اقتراح القانون بتحرير الإيجارات غير السكنية. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن هذا الربح يتم ليس فقط على حساب المستأجرين الذي فقدوا حق التمديد، إنما قبل كل شيء على حساب المالكين القدامى الذين تفرّغوا لهؤلاء عن عقاراتهم لقاء أثمان متدنّية.
وهذه الاعتبارات إنما تفرض البحث عن نسبة المالكين الجدد من بين مجموع مالكي المآجير الخاضعة للإجارة القديمة (وهي نسبة ما برحت مجهولة بل مغيبة)، على أن يتم التمييز بين هاتين الفئتين في أي معالجة للوضع القائم.

لا أولوية لأصحاب المؤسسات في الحفاظ على أحد أبرز عناصرها: موقعها


ختاما، تجدر الإشارة إلى أنّ الاقتراح لم يأخذ قط بعين الاعتبار حق المستأجر القديم في الحفاظ على المأجور لحاجات نشاطه الاقتصادي، وبخاصة في الحالات التي يشكل فيها موقع المأجور عنصرا من عناصر مؤسسته التجارية، كأن يمنحه حق الأولوية في البقاء في المأجور مقابل تسديد بدل مثل. وهذا أمر آخر ينتقد الاقتراح عليه.

للاطلاع على اقتراح قانون الايجارات غير السكنية اضغطوا هنا

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، تشريعات وقوانين ، إقتراح قانون ، الحق في السكن ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني