اقتراح التصويت الإلكتروني: حرص على نتيجة التصويت، حرص أقلّ على الشفافية

اقتراح التصويت الإلكتروني: حرص على نتيجة التصويت، حرص أقلّ على الشفافية
(تصوير ماهر الخشن)

ورد على جدول أعمال جلسة مجلس النواب في 29/3/2022 اقتراح معجل مكرّر مقدّم من كتلة لبنان القوي المقدّم بتاريخ 24/2/2022 والرامي إلى تعديل كل من المواد 81، 85، 87 و88 من النظام الداخلي لمجلس النواب[1] (أي في فصل التصويت).  يستبدل الاقتراح في هذه المواد التصويت برفع الأيدي وبالمناداة بطريقة التصويت الإلكتروني. ويبقى التصويت بالمناداة وفقه استثنائياً وفي حال حصول عطل في الأجهزة الإلكترونية وطلب خمسة نوّاب إعادة التصويت. وقد برّرت الأسباب الموجبة تقديمه ب “تعزيز الشفافيّة أكثر والعلنية بالتصويت على القوانين والتشريعات”.

وتقتضي الإشارة بدايةً إلى المادة 36 من الدستور التي تنصّ على التصويت بالمناداة على اقتراحات القوانين، مما قد يعطي حجة للنواب المعارضين برفض هذا الاقتراح على خلفية أن السير به يتطلب تعديلا دستوريا. وهذا ما سعتْ الأسباب الموجبة للاقتراح إلى نقضه بحجّة أنّ هذه الآلية “لا تحتاج سوى تعديل النظام الداخلي للمجلس، إذ أن المواد الدستورية التي نصّت على الموضوع تبقى سارية بطريقة المناداة أما التصويت فيكون إلكترونياً”.

إشكالية التصويت الحالية

طرح هذه الإشكالية ليس جديدا واقتراح “لبنان القوي” باعتماد التصويت الإلكتروني في المجلس النيابي ليس الأوّل من نوعه. فكان قد تمّ تقديم اقتراحين آخرين على الأقل بهذا الشأن:

  •  الأول مقدّم من النائب غسان مخيبر في 11/5/2006
  • والثاني مقدّم من النائب سامي الجميّل في 26/9/2011. ويُعتبر اقتراح “لبنان القوي” استنساخاً لهذا الاقتراح، وكان قد دار بشأنه عدّة سجالات بين مقدّمه النائب سامي جميّل ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، حول إمكانية تقديم مثل هذه الاقتراحات من دون تعديل الدستور. فأكّد الرئيس برّي  على وجوب تعديل الدستور ليتلاءم مع محتوى الاقتراح المقدّم في حينها وهذا ما حمل النائب الجميّل إلى تقديم اقتراح بتعديل المادة 36 من الدستور في 6/8/2012.

ويبقى تقديم كتلة “لبنان القوي” اقتراحاً جديداً بهدف اعتماد التصويت الالكتروني لافتاً، نظراً إلى تأكيد متابعي عمل البرلمان الحساسية الكبرى لدى رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي تجاه أي تعديل للنظام الداخلي، ووقوفه سداً منيعاً بوجه أي محاولة لإصلاحه. وما يؤشّر لذلك صعوبة سلوك الاقتراحات المتعلّقة بتعديل النّظام الداخلي للمجلس مسار المناقشة والدراسة والتصويت.

فكان قد شهد العام 2020 تقديم عدّة اقتراحات متعلّقة بتعديل النظام الداخلي، واحد للنائب جورج عقيص[2] واثنان للنائبة بولا يعقوبيان[3] وآخر للنائب سامي الجميّل[4] هدفت جميعها إلى تعزيز شفافية عمل البرلمان (لا سيّما إعلان نتیجة الاقتراع والفصل بها، وذلك خلال مهلة أسبوع، وإخضاع قرارات هیئة مكتب المجلس هذه لرقابة القضاء الإداري، وبما لا يقل أهمية جعل جلسات اللجان النيابية عامّة). واللافت أنّ الاقتراح الجديد تميّز عن الاقتراحات السابقة بأنه تم وضعه على جدول أعمال الهيئة العامة.

وقد شهدت العديد من الجلسات العامة إشكالية حول احتساب الأصوات – تتحوّل أحياناً جدلاً مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي. مثلاً في جلسة 29/3/2021 النيابيّة حول اقتراح القانون المعجّل المكرّر الرامي إلى منح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة لشراء المحروقات، كما ولدى التصويت على قانون الانتخابات النيابية في جلسة 19/10/2021. كما كان المرصد البرلماني في المفكرة القانونية قد أشار من خلال مراقبيه إلى تحكّم رئيس مجلس النواب نبيه بري بنتيجة التصويت من خلال إعلانها من دون إحصاء الأصوات وأحيانا بخلاف ظاهر الأيادي المرفوعة. وهذا مثلا ما سجلته في أعقاب التصويت على قانون المنافسة في الجلسة المنعقدة في 21/2/2022 “

هل يحل الاقتراح المشكلة؟

ويتبدّى من الاقتراح رغم إيجابياته بأنّه قد تتم عرقلته من زاويتيْن:

  • الأول في الشكل، في ظل إصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري على أنه يتطلّب تعديلا دستوريا (م. 36)، لكون الدستور نصّ على طريقة المناداة. ولهذه الغاية، يوجد اقتراح لتعديل الدستور تقدّم به النائب سامي الجميل في هذا الخصوص في العام 2012 كما ذكرنا أعلاه من دون أن يخطو ولا خطوة.
  • الثانية في المضمون، أنّ الاقتراح يتحدّث عن التصويت إلإكتروني وهو يحلّ مشكلة احتساب الأصوات الدائمة في جلسات المجلس النيابي، إلّا أنّه لا يزيد بحد ذاته من الشفافية كما تحدّثت أسبابه الموجبة. فالقانون يُحوّل التصويت من علني بالمناداة ورفع الأيدي (لا يُلتزم بأصوله حاليا) إلى تصويت إلكتروني من دون أن يضمن التعرف على هوية النواب ووجهة تصويتهم. لذلك، كان يُفترض أن يُضمّن الاقتراح نشر نتائج التصويت التفصيلية ليتمكّن المواطنون من معرفة مواقف “ممثليهم” الحقيقية داخل الجلسات ومحاسبتهم على أساسها.

[1] صدر النظام الداخلي لمجلس النواب بتاريخ 18/10/1994، وتمّ تعديله خمس مرات خلال جلسات الهيئة العامة لمجلس النواب (28 و29 أيار 1997 و10 و11 شباط 1999 و14/10/1999 و31/10/2000 و21/10/2003) وصدّق آخر تعديل له بتاريخ 21/10/2003
[2] تحت رقم 237 المقدم بتاريخ 27/2/2020
[3] تحت الرقمين 569 و570 بتاريخ 26/2/2020
[4] تحت رقم 633 تاريخ 12/5/2020
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني