اقتراحا قانون للتمديد لقادة الأجهزة الأمنية: أو “تشريع الضرورة” بخدمة الشخصنة والمحاصصة السياسية

،
2023-02-11    |   

اقتراحا قانون للتمديد لقادة الأجهزة الأمنية: أو “تشريع الضرورة” بخدمة الشخصنة والمحاصصة السياسية

تزامناً مع اقتراب انتهاء ولاية المدير العام للأمن العام عبّاس ابراهيم الشهر القادم، تحاول القوى السّياسية إيجاد صيغة للتمديد له تتوافق مع معاييرها، ألا وهي استفادة جميع الطوائف، وربما تهيئة المناخ المناسب للتمديد لحاكم مصرف لبنان مع قرب انتهاء ولايته في شهر تموز القادم. وقد سجّل في الأيام الأخيرة في قلم المجلس النيابي اقتِراحان بصيغة المعجل المكرر وسط حديث عن قرب انعقاد جلسة تشريعية قريبة مخصصة ل “تشريع الضرورة”: 

الاقتراح الأول قدّمه النائب علي حسن خليل (الصادرة بحقه مذكرة توقيف في قضية انفجار المرفأ ما تزال غير منفذة) في تاريخ 31/1/2023 وهو يرمي إلى تمديد تعيين المدراء العامين في الإدارات والمؤسسات العامة ورؤساء الأجهزة الأمنيّة الذين يُحالون إلى التقاعد بسبب بلوغهم السّن القانونية قبل تاريخ 31/12/2023  لمدة ثلاث سنوات. 

الاقتراح الثاني قدّمه نواب تكتل “الاعتدال الوطني” في تاريخ 1/2/2023، وهو يرمي إلى تمديد سنّ تقاعد لسنتين للمديرين العامين للأجهزة الأمنية (قوى الأمن الداخلي، الأمن العام، أمن الدولة) للذين سيحالون إلى التقاعد قبل 31/12/2024.

عمليّاً يؤدي الاقتراحان إلى نتيجة مشابهة بخصوص التمديد لعباس إبراهيم، وإن تضمنا تباينا لجهة مدة التمديد (3 سنوات أو سنتين) أو هوية الأشخاص الآخرين المشمولين به بحيث يشمل الاقتراح الأول جميع المدراء العامين الذين يبلغون سن التقاعد قبل نهاية 2023 فيما ينحصر الاقتراح الثاني بالمدراء العامّين في الأجهزة الأمنيّة فقط الذين يبلغون سن التقاعد قبل نهاية 2024. وقد بدا واضحا أن النية من تقديم الاقتراح الثاني بحثّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاني، هو تمكين اللواء عماد عثمان (الذي يبلغ سن لتقاعد في أوائل 2024)  من الاستفادة من التمديد إلى جانب اللواء عباس إبراهيم.  

ويّلحظ أنّ الأسباب الموجبة للاقتراحيْن استندتْ (1) على الظّروف التي تمرّ فيها البلاد من دون إمكانية تعيين خلف للذين سيحالون على التقاعد في المدى القريب بفعل كون الحكومة حكومة تصريف أعمال، و(2) على الأوضاع الأمنية التي لا تحتمل الشغور و”نتائجه السلبيّة على الأمن الوطني”. ولم ينسَ مقدمو الاقتراحين الحديث عن الانعكاس الإيجابي للتمديد على “حسن أداء المؤسسات الأمنية وعلى الحفاظ على الأمن والاستقرار وتعزيز الإجراءات الأمنية”(3). 

وقبل المضيّ في إبداء ملاحظاتنا على هذين الاقتراحيْن، يجدر لفت النظر إلى أمرين إثنين: 

أولا، أن اللجوء إلى أداة التمديد في الوظيفة العامة حصلت من قبل وإن بصورة نادرة جدا. فقد أقرّ مجلس النواب عام 1995 قانونا مدّد بموجبه سنّ الخدمة العسكرية متيحا بذلك للعماد إميل لحود (والذي انتخب رئيسا للجمهورية فيما بعد) البقاء في منصبه لثلاث سنوات إضافية، وذلك لضرورات تتعلّق “بالدفاع الوطني”. 

وثانيا، يجدر التذكير أن النائب علي حسن خليل مدّعى عليه في قضيّة انفجار المرفأ، على غرار المستفيد الأساسي من التمديد، أي المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم، الأمر الذي يشكّل مؤشرا إضافيا إلى التعاضد والتعاون بين المدعى عليهم في هذه القضية. هذا فضلا عن أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان امتنع بشكل منتظم عن تنفيذ مذكرات التوقيف بحقهم.

أولاً: التطبيع مع حالة الفراغ الرئاسي أو استغلالها 

أول ما يعكسه هذان الاقتراحان هو تهيؤ السّلطات العامّة للتأقلم مع طول أمد شغور سدّة رئاسة الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال. ويتبدّى ذلك واضحا من خلال المبادرة إلى تمديد سن التقاعد ليس لأشهر إنما لسنوات، وأيضا إلى تمديد سن التقاعد لمن يبلغ هذا السن قبل نهاية 2023 (الاقتراح الأول) أو حتى نهاية 2024 (الاقتراح الثاني). وهذا يعني إما أن توقعات القوى السياسية أننا ذاهبون إلى فراغ سيطول لأكثر من سنة، وإما أنها تستغلّ الفراغ الحاصل واحتمال أن يطول أمده في ظل المساومات السياسية لانتزاع تمديد لسنوات طويلة للأشخاص المستفيدين من هذا التمديد. 

ثانيّاً: تجنب الشغور في مراكز هامة أم تجنب الإخلال بقواعد تقاسم وتطييف هذه المراكز؟ 

تمّ تبربر الاقتراحين بخطورة شغور مراكز المدراء العامين المعنيين بهما، مما يفرض التمديد المقترح. إلا أن هذا المبرّر غير صحيح ويحافي القوانين المعمول بها والتي وضعت آليات واضحة لتجاوز الشغور. وهذا ما نستشفه بشكل خاص من المادة 34 من المرسوم رقم 2894/59 (تحديد شروط تطبيق بعض أحكام المرسوم الاشتراعي رقم 111/1959 المتعلق بتنظيم الإدارات العامة)، التي نصّت على إحلال الموظف الأعلى رتبة في ملاك المديرية المعنية محلّ المدير العام المتقاعد. وهذا ما حصل سابقا عند حلول اللواء إبراهيم بصبوص كمدير عام لقوى الأمن الداخلي بالإنابة محلّ اللواء أشرف الريفي آنذاك. 

وعليه، من البين أن الهدف من الاقتراحين ليس تفادي الشغور في مراكز هامة، إنما ضمان التمديد لأشخاص بعينهم في هذه المراكز بالنظر إلى رضى القوى السياسية الراغبة بذلك عليهم. ولا يستبعد أن يكون مبرر ذلك هو تفادي تولّي أشخاص من طائفة ما بفعل كونهم الأعلى رتبة مسؤوليات مخصصة لطوائف أخرى، مما قد تراه بعض القوى السياسية بمثابة إخلال بلعبة المحاصصة السياسية الطائفية. وهذا ما قد يحصل مثلا في المديرية العامة للأمن العام، بحيث أن من شأن تقاعد اللواء عبّاس إبراهيم أن يفتح الطريق أمام تعيين الموظف الأعلى رتبة داخل المديرية والذي هو من طائفة أخرى. من هذه الزاوية، يصبح الهدف الحقيقي للتمديد مخالفا للهدف المعلن له: فالهدف ليس تفادي الشغور في مراكز هامة، إنما التأكيد على تطييف هذه المراكز (وشخصنتها) تمهيدا لتسييسها، وهو هدف غير دستوري حكما لتعارضه التام مع المادة 95 من الدستور التي تمنع صراحة وبوضوح كلي تخصيص أي  مركز لأي طائفة. وتبعا لذلك، فإن الخطر الحقيقي الذي يتصدى له الاقتراحان ليس خطرا يمسّ بالدولة والصالح العام إنما هو خطر يمس بحصص القوى السياسية وإقطاعاتها (داخل إدارات الدولة) وتاليا بمصالح فئوية غير مشروعة. 

ثالثاً: عدم دستورية تمديد سن تقاعد أشخاص بعينهم   

انطلاقا من ذلك، أمكن القول بأن قبول الاقتراحين إنما يشكل مخالفة دستورية من زوايا عدة:

أولا، أنه يخرق الطابع العام للقاعدة القانونية والتي تكون غير دستورية في حال تم وضعها على قياس شخص واحد أو بعض الأشخاص. ولا يرد على ذلك أن واضعي الاقتراح اعتمدوا صيغة عامة للمستفيدين من التمديد (المدراء العامين عامة أو المدراء العامين للأجهزة الأمنية)، طالما أن أي تدقيق في أوضاع هؤلاء يظهر بوضوح أن هذين الاقتراحين يستهدفان أشخاصا بعينهم. بمعنى أن استخدام الصياغة العامة هو مجرد تجميل لقانون وضع على قياس أشخاص بصورة لا تحتمل أي نقاش. وفيما استهدف اقتراح خليل التمديد لإبراهيم، فإن اقتراح نواب الاعتدال الوطني هدف إلى إضافة مستفيد ثانٍ من خلال استبدال تاريخ حصول التقاعد للاستفادة من التمديد، بحيث أصبح 2024 بدل 2023 كما سبق بيانه. 

ثانيا، أنه يخرق مبدأ الفصل بين السلطتين الإشتراعية والإجرائية، وتحديدا الفقرة ه من مقدمة الدستور والمواد 16 و 17 و65 منه والتي أناطت تباعا السلطة المشترعة بمجلس النواب، والسلطة الإجرائية، ومن ضمنها تعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم بمجلس الوزراء. وهذا ما أكّده المجلس الدستوري في عدد من قراراته، ومنها القرار 2/2012 تاريخ 17/12/2012 والذي أبطل القانون رقم 244/2012  بترقية مفتشين في المديرية العامة للأمن العام. 

رابعا: تخوف من استخدام التمديد لمدراء الأجهزة الأمنية كتمهيد لتمديد ولاية حاكم مصرف لبنان: 

أخيرا، ثمة مخاوف مشروعة من أن يؤدي تمرير التمديد لمدراء الأجهزة الأمنية إلى التمهيد لتمديد ولاية حاكم  مصرف لبنان رياض سلامة، وذلك عملا بمقولة اشتهر بها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لجهة أن لا أحد يغير ضباطه وهو في قلب المعركة.

بقي أن نذكّر أن من شأن التمديد للواء عبّاس إبراهيم (المدّعى عليه في قضية المرفأ) أن يؤدي أيضا عمليا إلى تمديد سلطته ومعها حصانته الوظيفية بما يتصل بالأفعال الحاصلة في إطار أداء وظيفته.  وهذا الأمر إنما يخالف الحدّ الأدنى من المنطق الذي يفرض عند الاشتباه بشخص ما بارتكاب أفعال خطيرة كفّ يده عن القيام بمهامه، أقله إلى حين انتهاء محاكمته وذلك من باب الحيطة وحفاظا على حقوق المواطنين والصالح العامّ.  

الاقتراح الاول المقدم من النائب علي حسن خليل

الاقتراح الثاني المقدم من نواب تكتل “الاعتدال الوطني”

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، أجهزة أمنية ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، إقتراح قانون ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني