إدارية صفاقس تكشف خطأ جسيما في مسار انتخابات تونس


2022-11-19    |   

إدارية صفاقس تكشف خطأ جسيما في مسار انتخابات تونس

في إطار نزاعات الترشح للانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها بتاريخ 17-12-2022، رفضت الهيئة الفرعية للانتخابات بصفاقس 1 بتاريخ 03-11-2022 ملف مترشّح للدائرة الانتخابية جبنيانة- العامرة “بحجّة خلوّ التزكيات المقدّمة من البرنامج الانتخابي”. طعن المترشح بهذا الرفض أمام الدائرة الابتدائية للمحكمة الإدارية بصفاقس على أساس أن الفصل 07 من قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عدد 25 لسنة 2022 يلزمه بإرفاق “موجز من البرنامج الانتخابي” فقط وهو ما تولاه فعلا .

بتاريخ 10-11-2022، أصدرت المحكمة برئاسة حمدي مراد وعضوية المستشارين سامي عبيد ورحمة الجلولي حكمها في النزاع والذي ورد في تعليله أن القرار المطعون فيه تأسّس على نصّ ترتيبي لم يُنشر في الجريدة الرسمية فيما أنّ الفصل 19 من القانون الأساسي المنظّم لعمل هيئة الانتخابات يفرض ذلك كشرط لنفاذه. وهو سبب يتعيّن على المحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها ولو لم يتمسّك به الأطراف كونه من متعلّقات النظام العام. وعليه، أذنت المحكمة لهيئة الانتخابات بقبول مطلب الترشح الذي استوفي كلّ شروط الفصل 21 جديد من القانون الانتخابي ولم يتعارض مع نص آخر له قوة نفاذ قانوني .

وإذ استأنفتْ هيئة الانتخابات هذا الحكم، أصدرت الدائرة الاستئنافية بالمحكمة الإدارية بتاريخ 16-11-2022 حكمها النهائي في النزاع والذي أقرّ في منطوقه الحكم الابتدائي ملزما الهيئة بقبول طلب الترشح. ويلحظ أن الحكم رد ما اعتبرتْه محكمة البداية خرقا للقانون ليذهب لكون نفاذ القرار الترتيبي مما يهم الخصوم ولهم وحدهم حق إثارته[1]  قبل ان يمضي  لمعاينة توفر شروط الترشح في المدعي ليستخلص أن رفض الجهة الإدارية لطلبه غير مبرر[2].

وقبل المضي في عرض الملاحظات التي تستدعيها هذه القضية، يجدر لفت النظر إلى القراءة الإحصائية للمنازعات الانتخابية التي قدمها بتاريخ 18-11-2022 عماد الغابري الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية[3] والتي تكشف أنه من أصل 15 طعنا قدمت من مترشحين، لم يقبل إلا واحد بالإضافة إلى القرار موضوع هذا التعليق.  

حكم إدارية صفاقس يكشف عن خطأ جسيم في المسار الانتخابي

نظريّا، لا يتجاوز أثر أحكام النزاع الانتخابي أطرافها لكون موضوعها يتعلّق بطعن في قرار فرديّ [5]. لكن من البيّن أن حكم إدارية صفاقس طرح إشكالا قانونيّا وسياسيّا تجاوز حكاية الطامح لمقعد في مجلس نيابي ليكشف عن خطأ جسيم في المسار الانتخابي برمته، وهو حكم سيكون له تأثير كبير على تقييم نزاهة انتخابات أرادها رئيس الجمهورية قيس سعيّد مُرتكزا في تنزيله للبناء الجديد الذي يبشّر به.

ولإدراك أهمية ذلك، يجدر التذكير بأن رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر ونائبه ماهر الجديدي عمدا بعد صدور حكم إدارية صفاقس إلى إبداء موقف رسمي من الجدل السياسي الذي تولد عنه في إطار حضور إعلامي كثيف. وقد تمسكا بأنّ نشر هيئتهما لقراراتها في موقعها يجعلها نافذة، محملين مسؤولية عدم النشر بالرائد الرسمي لرئاسة الحكومة. ولم ينسَ ممثلا الهيئة استهجان إثارة المحكمة عدم النشر من تلقاء نفسها محذّرين ممن قالا أنهم يتربصون بالمسار الانتخابي لغايات سياسية. تبعا لذلك، وفيما بدا مسعى لتجاوز الخلل، نشر بتاريخ 14-11-2022 القرار المتنازع فيه بالرائد الرسمي.

وقد كان واضحا هنا من المواقف التي صدرتْ أن تبريرات الجهة الرسميّة لم تقنع إلا من صدرتْ عنهم. فقد أجمع المختصّون في القانون ممن تدخّلوا في النقاش العام على أنّها تخالف صريح النص القانوني.

تمسك إدارية صفاقس بمهنيتها واستقلاليتها 

لم يهتمّ قضاة إدارية صفاقس في تحديد موقفهم القانوني مما قد يكون له من أثر على المشروع السياسي لسلطة قائمة. وكانوا في هذا أوفياء لقيم مهنتهم وهو أمر قد يبدو في السياقات التي تحترم مبدأ استقلالية القضاء عاديا. لكنه حتما يتميّز متى كان لمن يملك السلطة السياسية صلاحية مطلقة في تحديد مفهوم القضاء العادل وفي ترتيب ما قد يقرر من جزاء لمن لا ينسجم معه. وهو ما يميز الحكم الابتدائي عن حكم الاستئناف الذي هو اعتمد النتيجة نفسها ولكن بعد تنحية المستندات التي قد تلقي ظلال الشكّ على نزاهة العملية الانتخابية.  


[1] ورد في التعليل القانوني للحكم الاستئنافي: “وطالما ثبت أن العيب المنسوب للهيئة لا يتصل بنفاذ القرار الذي ينص صراحة على أنه ينفذ حالا في نطاق الاستثناء الذي يجيزه القانون فان عدم النشر بالرائد الرسمي يصبح من فئة المطاعن التي تهم مصلحة الخصوم ولا تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها بل يصير متصلا بمواجهة الغير به ويجب لذلك أن يثيرها الطاعن ..”

[2] في تصريح إعلامي لعماد الغابري الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية أكد أن  “الدائرة الاستئنافية لم توافق  اجتهاد دائرة صفاقس، فيما استندت إليه من جهة عدم شرعية قرار هيئة الانتخابات المتعلق بضبط شروط وصيغ الترشح على أساس عدم نشره بالرائد الرسمي، واعتمدت سندا آخر لقبول ترشح المعني بالأمر، بناء على استيفاء مطلبه كافة الشروط، وأساسا صيغة البرنامج الانتخابي.

[3] في تصريح لموقع الصباح نيوز بتاريخ  18-11-2022 أفاد الغابري أن الدوائر الاستئنافية للمحكمة الإدارية أنهت بذات التاريخ نظرها في 15 ملف نزاع انتخابي وأنها ألغت قرارين لهيئة الانتخابات برفض قبول طلب الترشح. وقد أقرت 06 أحكام ابتدائية ونقضت  04 لتحكم مجددا برفض الدعوى. كما اقرّت حكما واحدا مع تغيير مستنداته فيما قضت برفض 04 مطالب استئناف شكلا ،

انشر المقال



متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، محاكم إدارية ، قرارات قضائية ، استقلال القضاء ، مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني