إبراهيم منيمنة: لسنا مستعدين لنكون ضمن أي اصطفاف لصالح أي محور


2022-05-24    |   

إبراهيم منيمنة: لسنا مستعدين لنكون ضمن أي اصطفاف لصالح أي محور
تصوير: خالد عيّاد

في الشارع المؤدي إلى بيته الكائن في “الوتوات”، يبتسم من نسأله عن منزل النائب إبراهيم منيمنة، “النائب! هيدا جاري، هيدا بيشبهنا”، يقول صاحب بقالة صغيرة في الحي، وهو يشير إلى المبنى المقابل، “شفتي ما في صور، ما في مرافقة، هيدا بيشبهنا وحافظ وجعنا”.

يعرف هذا الجار المتحمّس لمنيمنة كما كثيرون ممن صوّتوا له، أنّ الأخير “ما إله بالقصر من مبارح العصر” وأنّه “من المبكر الحكم عليه، فأمامهم أربع سنوات يقيّمون خلالها عمله” ولكن ما يطمئنهم هو يقينهم بأنّ أصواتهم هي التي أوصلته إلى البرلمان، وهي التي ستقرر إعادة انتخابه من عدمه، وأنّه “المرشح الذي حصد أعلى نسبة أصوات بين المرشحين السنّة في بيروت من دون أن يعتمد على إرث سياسي شخصي، أو عائد لحزب شارك في السلطة، ولا على أموال وزّعت يميناً ويساراً، في العاصمة” على حدّ قول أحد المواطنين في إشارة إلى عدد الأصوات التي حصدها منيمنة متقدماً على فؤاد مخزومي ونبيل بدر وخالد قباني. وهنا، طبعاً لا يمكن إغفال تجربته مع “بيروت مدينتي” التي خاضت معركة مشرّفة في الانتخابات البلدية للعاصمة (2015)، وكانت على قاب قوسين من الفوز في وجه لائحة تيار المستقبل والسلطة في عزّ أيامهما، وهي مراكمة بُني عليها حيث كانت المواجهة المدنية المنظمة الأولى في وجه السلطة.  

وكسر الصورة النمطية لـمن يمكن أن يكون “سعادة النائب” ليس التغيير الأهم المنشود من قبل الشارع الذي صوّت لصالح وجوه جديدة منها منيمنة، ولكن “هذا الأمر ليس تفصيلاً”، تقول مواطنة انتخبت في منطقة المصيطبة، مضيفة: “لا يمكن للنائب القادم من الناس إلّا أن يلتفت لهموم الناس، انشاالله يكونوا قد الحمل وما يخذلونا” تضيف.

وعلى ضفّة غير المتحمسين لمنيمنة من أهالي بيروت، يتحوّل ما يحسب لصالحه إلى نقاط ضدّه “لي وراهم أحزاب كبيرة، ما طلع بإيدن ولم يشاركوا” يقول أحد المواطنين في إشارة لعدم مشاركة “تيار المستقبل” ومن خلفه سعد الحريري في الانتخابات، مضيفاً “ليجينا مهندس مبارح عرفناه ويوعدنا بالتغيير”.

من “بيروت مدينتي” إلى “بيروت تقاوم”

“لم أنخرط يوماً في صفوف أيّ حزب، حضرت اجتماعين لتيار المستقبل العام 1994، كنت حينها طالب جامعة وكان رفيق الحريري طالع طلعته، لم أشعر بالانتماء، وبقيت مراقباً 20 عاماً، مراقباً للشأن العام عن كثب حتى بروز أزمة النفايات العام 2015” يقول منيمنة الذي نزل مع آلاف المواطنين حينها إلى الشارع اعتراضاً على سوء إدارة ملف النفايات من قبل السلطة.

شعر منيمنة خلال تواجده في الشارع أنّه كمهندس معماري ومخطط مدني بإمكانه أن يؤدي دوراً أكبر، فكانت بداية انخراطه عملياً بالشأن العام من خلال التجمّع مع أصدقاء وأشخاص يشبهونه، كما يقول، في حملة “بيروت مدينتي” التي بدأت كردة فعل على عجز الدولة عن التعامل مع أزمة النفايات. وبالتالي ظهر اسم منيمنة بين الناس ولا سيّما أهل بيروت للمرة الأوّلى في العام 2015 من خلال “بيروت مدينتي” التي خاضت الانتخابات البلديّة في ذلك العام وترأّس منيمنة لائحتها ونالت حوالي 40% من الأصوات. بعدها خاض الانتخابات النيابية العام 2018 واستطاعت اللائحة التي نافس في صفوفها الحصول على نصف حاصل، وهو ما كان، بحسب منيمنة، مؤشراً بوجود كتلة مدنية في العاصمة في مواجهة الأحزاب واللاعبين السياسيين الأساسيين.

يؤخذ على منيمنة من بعض من تواجدوا معه على الأرض في العام 2015 أنّه استفاد من زخم “بيروت مدينتي” في انتخابات 2018 حين ترشّح من خارجها بعدما قرّرت الحملة نفسها عدم خوض الانتخابات النيابية، وهو شخصياً كان من الداعمين لهذه الفكرة بانتظار أن “تبلور الحملة خطاباً سياسياً واضحاً وتتحوّل من حالة اعتراضية وبرنامج بلدي إلى خطاب سياسي”. بعد ترشّحه في ذلك العام، استقال من “بيروت مدينتي” وبدأ العمل مع حملة “كلنا بيروت” التي تحوّلت إلى مجموعة تواجدت على الأرض خلال انتفاضة 17 تشرين.

أمّا فيما خصّ التحضير لانتخابات 2022، يقول منيمنة: “بعد تراجع وهج الانتفاضة، أخذنا مسافة بهدف  قراءة نقدية للمرحلة السابقة، تشاركْنا مع ممثلين من المناطق ومن خلفيات متنوعةـ وضعْنا طروحات نظرية يمكن الاستناد إليها واستخدمناها في برنامجنا الانتخابي. أطلقنا حملة “بيروت تقاوم” قبل خمسة أشهر من الانتخابات بهدف تشكيل إطار ديمقراطي تشاركي قاعدي بهدف وضع أطر لحالة سياسية في المدينة يُبنى عليها لانتخابات 2022، فكانت حملة “بيروت تقاوم” ومنها لائحة بيروت التغيير التي فاز من خلالها”.

حين يتحدّث منيمنة عن انخراطه في الشأن العام يصرّ دائماً على تبيان التراكم باعتبار أنّ التغيير مسار طويل، فهو العنيد والبارع في التخطيط على حدّ وصف المقربين منه، يكرّر دائماً أنّ الهدف من الترشّح للانتخابات عام 2018 كان بلورة هوية سياسية، “نجحنا” يقول، أمّا هذه المرّة أي في انتخابات العام 2022 فكان التحضير قاعدة للقوى التغييرية ولاسيّما أنّ ترشّحه كان قبل إعلان الحريري عدم المشاركة “عندما ترشّحت لم أكن أتوقّع الفوز، ما أردته هو التجهيز لمن سيأتي بعدنا، ترشحت من أجل التأسيس للاستمرارية، وطبعاً استفدنا من عدم وجود الحريري”.

بيع أصول الدولة خط حمر

يعي منيمنة النائب، جيداً أنّه كما غيره من النواب، أقلّه هؤلاء من اصطلح على تسميتهم بالتغييريين، “قيد التجربة” وفي حين يؤكّد أنّه سيولي اهتماماً كبيراً للجانب التشريعي في المجلس النيابي يلفت إلى أنّ للنائب ولاسيّما من وصل تحت شعار التغيير، دوراً إضافياً غير التشريع ومساءلة الحكومة يتمثّل بـ ” العمل مع الناس في ظل فراغ الدولة ليكونوا هم أيضاً يراقبون نوابهم في المجلس”. ويقول: “بدنا نكرّس هذا الأمر والناس واضح أنّهم متجهون لهذا الأمر، قالوا لي يوم فوزي من بكرا حنبلش نراقبكن”.

وعند سؤاله عمّا يجب أن ينتظر الناس منه، يجيب بهدوء العارف أنّ وصول نواب تغيريين إلى المجلس لن يصنع المعجزات ولكنّه سيؤسّس لتغيير إيجابي حتماً: “فلينتظر الناس مني الشفافيّة، والتواصل الحقيقي، ينتظرون نائباً ينقل صوتهم إلى داخل المجلس، وينقل ما يحصل في مجلس النواب لهم” مضيفاً: “الناس واقعيون، يعرفون أنّنا نقف بوجه وحش كبير، وعلينا أن نعمل ضمن قناعاتنا وفي ما يصب بمصلحة المواطنين”.

مصلحة المواطنين تُملي على المجلس الجديد، كما يرى منيمنة، البدء من مقاربة الملف الاقتصادي فهذا الملفّ برأيه “الأكثر إلحاحاً”، مشدداً على ضرورة تحصين الفئات الأكثر فقراً وتعزيز شبكة حماية وأمان اجتماعية تتضمن التغطية الصحية والنقل والتعليم قبل أو بالتوازي مع الذهاب إلى إصلاحات تفرض مرحلة تقشف وإجراءات صعبة.

وفي موضوع تحديد الخسائر والمحاسبة وتحديد المسؤوليات، يعتبر منيمنة أنّ المصارف تتحمّل النسبة الأكبر من المسؤولية “فهي من تصرّف بودائع الناس بشكل غير مسؤول وخارج عن القانون وكانت تعرف المخاطر فلا بد من إيجاد طريقة لتوزيع الخسائر انطلاقاً من هذا المنطق، من دون إغفال تشابك المصالح مع الطبقة السياسية”.

ويلفت منيمنة إلى ضرورة التنبّه إلى عدم تحميل “الدولة” المسؤولية بالمعنى الذي يوصل إلى بيع أصولها، ويقول “بيع الأصول خط أحمر أقلّه حالياً” مضيفاً: “أنا ضد بيع أصول الدولة بالمطلق، يمكن أن ننظر لاحقاً في أمور لا تتناسب أن تكون مع الدولة مثل كازينو لبنان، ولكن ليس اليوم، لا ثقة بهذه الطبقة لتدير ملفّاً بهذه الخطورة وبشكل يصب لصالح مصلحة الناس، فهي ستسعى، وكما استفادت من أموال المودعين، إلى الاستفادة مجدداً”.

يبدي منيمنة حماسة للانخراط في اللجان النيابية وتحديداً لجنة الأشغال العامة والنقل بالإضافة إلى لجنة أخرى قد تكون لجنة الشؤون الخارجية أو لجنة المال والموازنة، مشيراً إلى أنّ لديه ما يقدّمه في هذه اللجان من دون أن ينكر أنّه بحاجة إلى العمل على نفسه أكثر في مواضيع تقنية وفي موضوع التشريع “سأخضع إلى ورش تثقيفية في هذا الإطار وسأعمل جاهداً على تطوير هذا الجانب”.

“التغييري”، وكما يراه منيمنة، ليس من يحصر نفسه بموضوع الفساد أو سلاح حزب الله فهما نتيجة، بل هو من يرى الإشكالية حالياً في النظام السياسي الاقتصادي الإجتماعي ويريد التعامل مع هذه الإشكالية، “الإصلاحات السياسية مؤجلة منذ الاستقلال، الإصلاحات الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن واللامركزية كلّها قضايا يجب بتّها، وكذلك الإصلاح الاجتماعي والموضوع الطائفي، ما فينا نضل مكفيين بهذه الطريقة”، يقول.

عندما يتحدّث منيمنة عن نظرته للعمل داخل المجلس النيابي ومع الكتل النيابية المختلفة تشعر وكأنّه يضع ثلاث قواعد، أوّلها عدم الدخول في الاصطفافات التي تجهد السلطة على تكريسها، ثانيها العمل مع النواب التغييريين ككتلة تضع إطارا تشريعيا رغم التمايزات، والثالثة الانحياز للمشروع الذي يتوافق مع مصلحة الناس بغضّ النظر من يعمل عليه أو من طرحه، “لن ندخل في اصطفافاتهم، وسنكون كتلة ضمن إطار تشريعي، نحن منحازون دائماً لمصلحة الناس بعيداً عن النكايات السياسية”، يقول.

لن ننجرّ إلى اصطفافات ولن نخدم المحاور

حصد منيمنة ثاني أكبر نسبة أصوات في بيروت الثانية بعد مرشّح “حزب الله” النائب أمين شرّي الذي هنأ منمينة بالفوز هاتفيا ربما انطلاقا من “اللياقة السياسية” أو على أساس اعتباره “خصماً شريفاً” ضمن تصنيفات جديدة يحاول “حزب الله” نسجها بعد إعلان نتائج الانتخابات التي أوصلت كتلة نواب ارتبطت أسماؤهم بالتغيير وبحراك 17 تشرين.

لا يحبّ منيمنة التصنيفات التي يحاول البعض فرز النواب التغيريين على أساسها ويقول: “إذا ولا بد يمكن أن أكون أقرب إلى اليسار، أمّا في موضوع السيادة، فكلنا سياديون، ولكن العنوان السياسي تبع السيادة يضعك في اصطفاف وتصنيف معين، نحن لسنا مستعدين لنكون ضمن أي اصطفاف لصالح أي محور“.

ويرى منيمنة أنّ مقاربة موضوع سلاح “حزب الله” يجب أنّ يكون من مستوى وطني ودستوري ومساواة اللبنانيين بين بعضهم البعض في قرار الحرب والسلم، فكيفية حماية لبنان يجب أن يكون قراراً مشتركاً لكل اللبنانيين مع التشديد على حماية لبنان من إسرائيل واعتبار وجود سلاح حزب الله نتيجة”.

وفي حين يردّد منيمنة أنّه نائب عن الأمة يحرص على ذكر أنّه نائب عن دائرة بيروت ما يعني أنّ لديه دوراً في تمثيل هذه الدائرة، “مصالح الدوائر مختلفة” يقول.

وفي بيروت يعتبر منيمنة موضوع “سوليدير” أساسياً وهو يحتاج إلى معالجة سريعة، إذ لا يمكن أن يستمر الوضع بهذا الشكل: “وسط بيروت دائماً قلبها النابض، هناك مصلحة مدينة، يجب أن نفتح هذا الموضوع فهو ليس تابوها”.

السيرة الذاتية

هو إبراهيم حسن منيمنة، مواليد 1976 (46 عاماً) جدة السعودية، متزوّج ولديه 3 بنات، حائز على بكالوريوس هندسة معمارية من الجامعة العربية (1999)، وماجستير في التخطيط المدني من الجامعة الأميركية في بيروت (2010)، يعمل كمصمم مدني ومستشار في شركات عدة.

ينحدر منيمنة من عائلة بيروتية متوسطة فهو مهندس ابن مهندس، “عائلتي محافظة ولكن من دون تزمّت” يقول منيمنة الذي لم يفكّر مرتين حين سُئل عن رأيه من إقرار الزواج المدني الاختياري في لبنان في أحد البرامج التلفزيونيّة وسارع إلى رفع يده موافقاً.

وفي نظر المقرّبين منه، هو الهادئ اللّبق المستمع الجيّد وغير الانفعالي إلى درجة إتقانه “البوكر فايس” (poker face) حسب تعبير أحد أصدقائه، وهو العنيد الذي لا يساير ولا يرضى بأنصاف الحلول والمبالغ في احترام القوانين “إذا بتشوفيه كيف بسوق بتعرفي شو قصدي بموضوع احترام القوانين” يقول صديق آخر، أمّا جيرانه فيصفونه بالخلوق والجدّي جداً وربّما العابس، “بدّك تحضّيه ليفكّها” يقول صديق ثالث.

“البوكر فايس” الذي تحدّث عنه صديق منيمنة، يخفي عازف غيتار شغف بالموسيقى على أنواعها وبالقراءة والتصوير “عنده عدّة كاملة، وبروح رحلات بالطبيعة بهدف التصوير” يقول أحد أصدقائه مضيفاً: “لديه وقت لكلّ شيء حتّى أنّه سجّل صف يوغا مع ابنته ليس حبّاً باليوغا إنما ليكون قريباً من ابنته، فهو يحرص على تمضية وقت مع عائلته ويشارك بناته هواياتهنّ”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

البرلمان ، أحزاب سياسية ، مصارف ، أملاك عامة ، مقالات ، دستور وانتخابات ، انتفاضة 17 تشرين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني