أي نقابة نريد؟

أي نقابة نريد؟

يواجه لبنان أسوأ فترات وجودِه في ظلّ الانهيار الماليّ والاقتصادي، مما قد ينعكس سلباً على مجمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية. وما يزيد من سوء الأوضاع أنّ القوى التي تسبّبت بالانهيار بفعل الفساد وعدم المحاسبة وغياب الديمقراطية واستتباع الإدارة والقضاء ما زالت، رغم تناقضاتها وعجزها، تُمسِك بأدوات الحكم، وعلى جهوزية عالية للتصدّي لأيّ مسعى للمحاسبة أو التغيير كما لأي محاولة لمعالجة جذور الأزمة، بما فيها وضع الخطط الإصلاحية. أسوأ من ذلك، بات ثابتاً أنّها سخّرت وما برحت تُسخّر آخر الموارد الماليّة لخدمة شبكات المصارف والاحتكار والزبائنيّة التي تتحكم بها وهضم حقوق المودعين، بما يزيد من ثراء هؤلاء على حساب سائر المواطنين المحكومين بمزيد من التفقير والتهجير وفقدان الثقة في مؤسسات الدولة والقوانين التي تحميهم. ومنتهى هذا الوضع هو تنصّل السّلطات العامّة من مسؤوليّاتها وتفلّت كلّ ذي قوّة ونفوذ وفي مقدّمتهم القائمين بخدمة عامّة والمصارف وأصحاب الاحتكارات من أي ضوابط، مقابل تحويل المجتمع ومن ضمنهم المحاميات والمحامين إلى مجموعات مؤلّفة من الضحايا، أو بكلمة أخرى إلى مجتمع ضحايا.

وفي حين أعلنتْ نقابة المحامين في بيروت طوال المئوية الأولى من تاريخها التزامها بالمزاوجة بين دورها في حماية مصالح أصحاب المهنة ودورها الوطنيّ، نشهد اليوم بفعل الانهيار تلازماً غير مسبوق بين هذين الدورين. وهذا ما يتحصّل من ضياع مدخّرات آلاف المحامين وتراجع مداخيلهم وأيضاً من انعكاسات الانهيار المدمّرة على المرفق القضائي والموارد البشرية والمالية لتسييره.

فما هو الدور المُنتظر من نقابة المحامين في السنوات المقبلة، وبخاصّة لجهة تعزيز صمود المحامين والمحاميات ومعهم الموظفين والقضاة في ظل تداعيات الانهيار؟ ما هو الدور المنتظر منها لتمكين القضاء من أداء دوره في المحاسبة عن ارتكابات الماضي ومكافحة الفساد في المستقبل في موازاة حماية الحقوق والحرّيات المهددة بفعل هذا الانهيار أكثر من أي وقت مضى؟ وما هو الدور الوطني المُنتظر منها لإعادة دواليب الدولة الديمقراطية وضمان العدالة الاجتماعية بمنأى عن أيّ هيمنة أو استكبار أو استقواء؟

نحاول في البرنامج التالي الإجابة تفصيليّاً على هذه الأسئلة التي يزيدها إلحاحاً أنّ انتخابات نقابة المحامين تشمل في هذه السنة ثلثيْ مقاعد المجلس وأنّها تجري بعد الفوز الكاسح الذي حقّقته قوى المعارضة ضدّ أحزاب السلطة المُهيمنة في نقابة المهندسين في بيروت وأظهر بما لا يقبل الشكّ تغيُّراً في موازين القوى أقلّه لدى أصحاب المهن الحرّة، وهو تغيّر من شأنه أن يرفع الآمال بإمكانية انتخاب غالبية في المجلس قادرة على مواجهة التحدّيات الوطنيّة الهائلة. ومن هنا أهمية ألّا يحمل هذا البرنامج مرشحٌ واحدٌ، بل لائحة من المرشحين المتحالفين لوضعه موضع التنفيذ في حال فوزهم.

 

المحور الأوّل: المحور المهني

كما سبق بيانه، من أهمّ أدوار النقابة اليوم دعم صمود المحاميات والمحامين على ممارسة مهنتهم في مرفق قضائي يعمل وضمان ظروف حياة كريمة لهم ولعائلاتهم. وهذا الدور يزداد إلحاحا مع تزايد أعداد المحامين الذين أغلقوا مكاتبهم أو سلكوا دروب الهجرة.

ويفرض هذا الدور الأمور الآتية:

  1. مسح شامل وفوري لأوضاع المحامين:

إجراء مسح شامل وفوري لأوضاع المحامين المهنية تمهيدا لاتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية انطلاقا من معطيات واقعية ثابتة.

  1. تعزيز الطابع التضامني للنقابة: مأسسة الصندوق التعاوني للضمان الصحي ورفع المعاشات التقاعدية

في حين يجدر تعزيز الدور التضامني للنقابة في ظل أزمة تراجع مداخيل أعضائها من باب دعم قدرتهم في الصمود، فبإمكان النقابة تحقيق ذلك من خلال 3 بنود:

  • تخصيص نسبة أعلى من مواردها لهذه الغاية،
  • التخفيف من اشتراكات المحامين وعائلاتهم في الضمان الصحي قدر الممكن، في موازاة تطبيق القانون رقم 58/66 تاريخ 10/ أيلول/1966 المنشئ للصندوق التعاوني والسعي الجاد لضمان نظام وطني للتغطية الصحية الشاملة،
  • رفع قيمة المعاشات التقاعدية تبعا لانهيار قيمتها ضمانا لحق المحامي المتقاعد بالكرامة.

  1. دعم المصالح المهنية:

أكثر من أيّ وقت مضى، يجدُر أن تتنبّه النّقابة إلى ضرورة حماية المصالح المهنيّة في مواجهة الأزمة. يتم ذلك من خلال بنود عدة:

  • التخفيف من الأعباء المهنية:

وبخاصّة لجهة وجوب تخفيض بدلات إيجار المكاتب في فترات الإغلاق العامّ عملا بقانون الموجبات والعقود لما تشكله من عوامل قاهرة أدّت إلى حرمانهم من استخدام مكاتبهم أقله جزئيا وفق للغاية منها، كما لناحية تسهيل شروط تسجيل المكاتب مراعاة للأزمة وتشجيع الشركات بين المحامين والمحاميات وإنشاء مساحات للعمل والبحث working spaces في بيت المحامي.

  • وضع جدول جديد لأتعاب المحامين وتسهيل طرق تحصيلها:

في ظل تراجع مداخيل المحامين بفعل انهيار العملة الوطنية واعتماد أسعار صرف مختلفة للدولار فضلا عن إرساء ممارسات هجينة للتداول بالدولار المحجوز، يجدر أن تلتزم النقابة بالأمور الآتية:

من أهم الإصلاحات الواجبة في هذا المضمار:

  • وضع جدول جديد للحدّ الأدنى لأتعاب المحامين بما يمنع التلاعب بسعر الصرف أو استخدام بدعة “اللولار”،
  • دراسة إمكانية إقرار نظام سلف الأتعاب المُعتمَد لدى نقابة المحامين في طرابلس،
  • السعي لإقرار القانون المتعلق باعتماد الرسم المقطوع عند تقديم دعاوى أتعاب المحامين الذي أقرّته لجنة الإدارة والعدل النيابية بتاريخ 4 تشرين الأول 2017 والسعي لوضعه على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب وإقراره في أسرع وقت ممكن.

  • تسهيل عمل المحامين في المحاكم

في حين أنّ مسؤولية ضمان حسن سير المرفق القضائي تقع على عاتق وزارة العدل، فإنّ النقابة تجد نفسها في ظل الانهيار وتراجع الموارد المتاحة والخدمات العامة مدعوة لبذل جهود لضمان الحدّ الأدنى من الظروف اللوجستية للمحاكم (نظافة وأعمال الصيانة نظرا لافتقاد المحاكم والأقلام للإنارة والتّهوئة والتّبريد وانقطاع المياه عن المراحيض المعطلة أصلا وكذلك المصاعد الكهربائية المتوقفة).

ومقابل هذا الجهد، يجدر بالنقابة بالتعاون مع وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى الضغط في اتجاه اعتماد أصول المحاكمات الرقميَّة الإلكترونية وتفعيل جلسات التحقيق والمُحاكمة عن بُعد وتحديث قوانين أصول المحاكات المدنية والجزائية والإسراع في إصدار المراسيم التطبيقية لقانون المعاملات الإلكترونية وحماية البيانات ذات الطابع الشخصي واستحداث منصَّة إلكترونية توصلا لاعتماد آلية موحّدة ودقيقة لجداول الجلسات تشمَل إلزامياً جميع المحاكم والمراجع القضائيَّة في لبنان، وتُحدَّد فيها المواعيد، وذلك منعا لهدر الوقت وتحويل الجلسات إلى مناسبة لانتظارات طويلة.    

  1. صون مناقبية المحامين وآدابهم ومكافحة كل أشكال الفساد والمنافسة غير المشروعة والسمسرة القضائية:

من البيّن أن بعض أصحاب المهنة يستخدمون وسائل غير مشروعة كالانخراط في شبكات مصالح والسمسرة والرشوة والتدخل في أعمال القضاء مباشرة أو من خلال قوى نافذة، في أدائهم المهنيّ. وعدا عن أن هذه التصرّفات تؤدّي إلى زعزعة الثقة بمهنة المحاماة، فإنها تمسّ قبل كلّ شيء أصول المهنة. كما تهدد المنافسة المشروعة ومبدأ المساواة في الفرص بين المحاميات والمحامين. من هنا أهمية تفعيل آليات التأديب للحد من هذه الممارسات، مع مراعاة حق المحامي بالدفاع عن نفسه ومبدأ الشفافية والمساواة ونبذ كل أشكال المحاباة والمحسوبية.

كما يجدر تفعيل دور لجنة تنقية الجدول العام ووضع توصياتها موضع التنفيذ من دون محاباة أو محسوبية.

  1. ضمان استقلالية المُحامين وحريتهم في أداء أدوارهم الاجتماعية

من أهم أهداف النقابة ضمان استقلالية المحامي عن الضغوط التي قد تمارس عليه لمنعه من أداء عمله، ومنها إمكانية وقفه عن أداء المهنة بقرار قاضي تحقيق قبل تمكينه من الدفاع عن نفسه في محاكمة عادلة.

فضلا عن ذلك، لا تكتمل استقلالية المحامي إلا بضمان حرّيته في التعبير. فعدا عن أن من حقه إبداء آرائه مثل أي مواطن آخر وفق الدستور والمواثيق الدولية، فإنّ الدفاع عن قضايا الشأن العام في ظلّ ظروف الأزمات والتحوّلات الحاصلة والوضع المأزوم لمؤسسات الدولة يتطلب بشكل متزايد التصدّي لأي مسعى للضغط على المحامين أو ثنيهم عن أداء مهامهم وبخاصة في القضايا المتصلة بقوى نافذة، كما يتطلّب التوجّه إلى الرأي العام والاحتكام إليه.

من هنا ضرورة اتخاذ الخطوتين التاليتين:

  • الضغط من أجل تعديل المادة 111 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة،
  • إعادة النظر في نظام آداب مهنة المحاماة ومناقب المحامين وبخاصة المادتين 39 و41 منها.

 

  1. ضمان المساواة في ولوج المهنة على أساس الكفاءة ومعالجة أوضاع المتدرّجين:

إن شروط التدرج غالبا ما تحوّل سنواته إلى سنوات توظيف بالسخرة من قبل مكاتب المحاماة، علما أن هذه السنوات زادت عمليا من 3 إلى 4 أو 5 سنوات بفعل إجراءات قبول التدرج أو قبول التسجيل في الجدول العام.

ومن أهم نتائج ذلك هو دفع المحامين المتدرجين إلى القيام بأعمال أخرى مما يعيق تطورهم المهني أو أيضا حصر إمكانية الدخول إلى النقابة بالفئات الميسورة بخلاف مبدأ الكفاءة.

من هنا يجدر بالنقابة الاعتراف بضرورة معالجة هذا الوضع الذي يشكل سببا لتخفيض مستوى المهنة وإقصاء العديد من أصحاب الكفاءات عنها على أن يبحث فيها في الأمور الآتية:

  • تعزيز شفافيّة الاختبارات التي تُنظِّم الانتساب للنقابة أو الانتقال إلى الجدول العام ودرس سُبُل تطويرها وآلية وضعها والإشراف عليها بما يُبعدها عن المحسوبية والزبائنية،
  • النظر في إمكانية توسيع مروحة المراجع القضائيّة التي يحقّ للمحامي المُتدرِّج المثول أمامها تبعاً لتقدُّمه في سنوات التدرُّج، لعدم منطقيَّة النص الحالي الذي يحرم المحامي المتدرِّج من المرافعة في حالات أقلّ أهميّة من تلك المسموح له بها،
  • النظر في إمكانية تقصير مدة التدرج أو الحؤول دون تأخر انتقال المستحقين إلى الجدول العام،
  • خاعتماد بدل حدّ أدنى للمتدرّجين والعمل على منع أي استغلال في العلاقة بين المتدرّج والمحامي المسؤول عن تدرّجه،
  • تطوير مناهج معهد المحاماة وجهازه التعليمي بما يعزز معارف المحامين المتدرجين،
  • تعزيز حقوق المتدرجين في المشاركة في أعمال النقابة ولجانها.

  1. تعزيز الديمقراطية في العملية الانتخابية: توسيع حق الترشّح وحق الانتخاب وتطوير النظام الانتخابي:

 

من أهم الإصلاحات الواجبة في هذا المضمار:

  • توسيع حق الترشح لمجلس النقابة في اتجاه تخفيض الأقدمية المطلوبة للترشح لعضوية مجلس النقابة تمكينا للفئات الشابة من الترشح، كما ضمان تمثيل الحد الأدنى للنساء في المجلس، فضلا عن درس إمكانية زيادة أعضاء المجلس بعد تزايد أعداد المحامين،
  • ضمان حق الانتخاب لجميع المحامين والمحاميات، بما فيهم من هجرتهم وغربتهم الظروف المعيشية، من خلال مكننة العملية الانتخابية ومراجعة النصوص المانعة لذلك،
  • إصلاح النظام الانتخابي من خلال اعتماد النظام النسبي بدل الأكثري، فضلا عن وضع ضوابط للحملات الانتخابية ضمانا للمساواة بين المرشحين.

  1. تعزيز التنظيم الديمقراطي والشفافية والتشاركية والمسؤولية داخل النقابة:

مع تطور دور النقابة والآمال المعلقة عليها، يصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى العمل على تعزيز الديمقراطية فيها ومأسَستها وفق مبادئ حسن الإدارة والشفافية والتشاركية. وهذا ما يفرض تحقيق الأمور الآتية:

  • أن تكون قرارات مجلس النقابة علنية ومعللة،
  • الدعوة لجمعيات عمومية غير عادية للتباحث في القرارات الكبرى التي تمسّ بالمحامين،
  • توسيع حق المشاركة للمحامين في العمل النقابي وبخاصة في اللجان على أساس الكفاءة من خلال فتح باب الترشح لأي مركز نقابي أو لأي عضوية في هيئات رسمية (الرئاسة أو العضوية في مجالس التأديب أو معاهد النقابة أو لجانها أو العضوية في الهيئات الوطنية المستقلة كهيئة حقوق الإنسان وهيئة مكافحة الفساد والمجلس الاقتصادي ) والمداورة،
  • تفعيل أداء مراكز النقابة في المحاكم المنتشرة على طول إطارها الجغرافي وتعزيز خدماتها،
  • إتمام مكننة النقابة بكافة أجهزتها ولجانها واعتماد نظام المعاملات الإلكترونية فيها،
  • إجراء تقييم دوري لأداء جميع مجالس ومعاهد ولجان النقابة،
  • إعلان النقابة التزامها الكلي بقانون حق الوصول للمعلومات، ونشر تقرير سنوي عن أدائها بجميع أجهزتها،
  • إجراء مراجعة تشاركية لجميع النصوص المؤسسة أو الناظمة لمهنة المحاماة بهدف تحديثها وضمان توافقها مع الظروف المستجدة وتطور مهنة المحاماة ودورها.

المحور الثاني: القضاء

القضاء شأن عام واستقلال القضاء ليس امتيازا للقضاة إنما حق لكل مواطن، يدخل ضمن حقّه بالتقاضي والمحاكمة العادلة، وهو حق تؤتمن على تفعيله نقابة المحامين من خلال موقعها والدور المناط بها. وما يزيد من هذا الدور إلحاحاً هو الظرف السياسي الحالي حيث باتت “المحاسبة” عنوانا أساسيا لبناء المستقبل، وذلك على نقيض الممارسات المهيمنة حاليا والتي تسهم على العكس من ذلك تماما في ضمان منظومة الإفلات من العقاب. ومن أهمّ الخطوات الواجبة في هذا المجال، الآتية:

 

  1. إيلاء الأولوية لإعادة سير دواليب القضاء

أول المهام الطارئة بذل الجهد والضغط لإعادة سير المرفق العام بعد قرابة 3 سنوات من التعطيل لأسباب متفرقة. ويفترض هذا الأمر بذل جهود مكثفة قدر الممكن لمعالجة الأزمات المتعددة التي تعيق إعادة سير هذا المرفق، بالتنسيق مع الجهات المعنية وبالضغط عليها إذا اقتضى الأمر.

  1. مكافحة منظومة الإفلات من العقاب

إن استقلاليّة القضاء لا يمكن أن تتحقّق إلا بمُجابهة جميع أشكال الفساد القضائي وتفعيل المحاسبة في هذا الميدان والتصدّي لجميع أشكال الإفلات من العقاب بعيداً عن أي حصانة قانونيَّة أو فعليّة.

وفي هذا السياق، يقتضي بشكل خاص:

  • إلغاء النصوص القانونية التي تمنح حصانة إجرائية لجميع الموظفين العامين (المادة 61 من قانون الموظفين والمادة 13 من قانون الإجراءات الجزائية) ومراجعة النصوص الأخرى التي تنص على حصانات ومزايا إجرائية لفئات معينة،
  • إلغاء السرية المصرفيّة عن حسابات القائمين بخدمة عامة بمن فيهم القضاة كضرورة لجلاء الحقائق،
  • تعديل تنظيم النيابات العامة في اتجاه وضع حد لشخصنة الحق العام بشخص النائب العام التمييزي.

  1. المساهمة في وضع قوانين ضامنة لاستقلال القضاء وشفافيته وفق المعايير الدولية:

بهدف بناء الدولة الديمقراطية وضمان محاسبة ارتكابات الماضي، يتعين على النقابة بفعل موقعها ودورها، أن تؤدي دورا رياديا وفاعلا في الضغط على الجهات المعنيّة في اتّجاه إقرار قانونيْ استقلاليّة القضاء العدلي والقضاء الإداري وشفافيَّتها واللذين تبناهما ائتلاف استقلال القضاء والعالقين حاليا لدى لجنة الإدارة والعدل النيابية، مع التمسك على وجوب مراعاة الصيغة الأخيرة لهما للمعايير الدولية لاستقلال القضاء والمحاكمة العادلة.

كما ثمة ضرورة في انخراط النقابة في صياغة قوانين جديدة لاستقلال القضاء المالي (ديوان المحاسبة) والقضاء الشرعي والمذهبي وفق المعايير نفسها.

فضلا عن ذلك، لا بدّ من انخراط النقابة في تعديل آليات  تشكيل المجلس الدستوري واللجوء إليه  بما يفتح الباب أمام المتقاضين للطعن في مختلف القوانين عملا بالتوجهات الدولية في هذا المجال.

أخيرا، يفترض بالنقابة أن تؤدي دورا رياديا في إلغاء المحاكم الاستثنائية ومنها المجلس العدلي والقضاء العسكري والذي يفترض حصر صلاحيته في القضايا العسكرية حصرا.

  1. تعزيز دور النقابة في مراقبة حسن أداء المرفق القضائي:

من أهم الخطوات الإصلاحية الممكن اتخاذها في هذا الشأن:

  • مرصد العدالة

لا شك أن إطلاق مرصد العدالة في نقابة المحامين في بيروت في حزيران الماضي، هو خطوة مهمة جداً على صعيد تفعيل العمل القضائي وإبقاء النقابة على تواصل مُباشر مع المحامين في عملية رصد دائمة من خلال منصّة إلكترونية تمّ استحداثها لهذه الغاية تُتيح للمحامين عبر هواتفهم الذكيّة تسجيل كلّ المخالفات التي يرصدُونها خلال تأدية مهنتِهم في قصور العدل وخارجها، بغية معالجتها وملاحقتها من قِبَل النقابة أمام المراجع المعنيّة وفقاً للأصول. ونظراً للأهميّة البالغة لهذه الخطوة فإنه ينبغي العمل على استكمالها وتعزيزها وتطويرها بكل الوسائل المُمكنة.

  • ضمان محاسبة القضاة بصورة عادلة ورادعة

تبقى مساءلة القضاة بحدّها الأدنى محفوفة بالمحاباة والغطاءات السياسية، وهي تحصل عموما تحت ستار السريّة ممّا يمنع الجهات المتضرّرة من معرفة مآلها، تماماً كما يحصل في الملاحقات التأديبية للمحامين، وهو أمر يفترض تعديلُه في اتّجاه اعتماد مزيد من الشفافية. ندوّن إضافة إلى ذلك ممارسات أشار إلى خطورتها نادي قضاة لبنان، قوامها قبول استقالات قضاة من السلك القضائي وهم في معرض الملاحقة التأديبية، تهربا من تحمل مسؤولية أعمالهم بعد انفضاح مخالفات جسيمة مرتكبة منهم. ومن شأن هذا الأمر أن يعطل القوة الردعية للملاحقة. الأمر نفسه يسجل بشأن ملاحقة القضاة جزائياً والتي تخضع لإجراءات خاصة، أهمها حصر حق الادعاء بالنائب العام التمييزي، مما يشكل بابا آخر للإفلات من العقاب.

انطلاقا من ذلك، من المهم أن تسهر النقابة على حسن تفعيل المساءلة والمحاسبة داخل القضاة وردع التصرفات الخطيرة المرتكبة منهم، ضمانا لحقوق المتقاضين، على أن يتم ذلك في موازاة تطوير أدوات التأديب داخل جسم المحامين أيضا.

  1. ضمان الحق في الدفاع والتقاضي:

من أهم الخطوات التي بإمكان النقابة اتخاذها في هذا الخصوص:

  • ضمان التطبيق الكامل للمادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية:

بعد إقرار تعديل المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الرامي إلى تعزيز الضمانات الأساسية وتفعيل حقوق الدفاع بدفع من نقابتيْ المحامين، لا زالت العديد من النيابات العامة والمراجع الأمنية والعسكرية المولَجة بالتحقيق تتجاهَل أحكامه وتحاول التملُّص من تطبيقها، ما يدعونا إلى خطوات عملية وحقوقية للمُطالَبة بتطبيق هذا القانون كاملاً بحذافيره ودون أي اجتزاء.

  • تعزيز المعونة القضائية ورفع مستواها

استكمالا لدورها الهام في هذا المجال، لا بُد من العمل على تعزيز المعونة القضائيَّة ورفع مستواها من خلال التخصُّص والتطوير المهني والعلمي المُستمرّ للمحامين الذِيْن يتولوها، إضافةً إلى تأمين التّمويل اللازم والكافي لها خصوصاً في ظلّ انهيار قيمة العملة الوطنيّة وزيادة الأعباء المهنية وتفاقمها.

  • ضمان مجانية العدالة وفي مطلق الأحوال دستورية وشرعية الرسوم القضائية

برزتْ النزعة إلى فرض رسوم قضائية في العقود الأخيرة، وقد بلغت هذه النزعة منزلقا خطيرا منذ العام 2014 تبعا لفرض رسوم على التقاضي، من دون نص قانوني، وخلافاً لأحكام الدستور. هذه النزعة الخطيرة التي من شأنها جعل اللجوء إلى العدالة أكثر كلفة يوجِب مواجهتها بقرار نقابي موحّد.

  1. ضمان قرب المحكمة عملاً بمبدأ الإنماء المتوازن

من أهمّ الخطوات التي بإمكان النقابة الضغط من أجل تحقيقها:

  • إعادة النظر في نطاق الاختصاص الجغرافي المكاني لبعض المحاكم والدوائر القضائيّة، فضلاً عن تعديل عدد القضاة فيها بما يتناسَب مع مساحتها وحجم العمل القضائي فيها،
  • استحداث المحاكم والمراكز والدوائر القضائيَّة التي يستَتبِعها إنشاء 3 محافظات جديدة،
  • استحداث المحاكم الإدارية في المحافظات.

هذا فضلا عن وجوب الضغط لتنفيذ مشروع مكننة المحاكم المزمن وبخاصة في ظل أزمة المواصلات والمحروقات الحاضرة والتي يرجح أن تكون مزمنة.

  1. إقامة علاقات مؤسساتية مع الهيئات القضائية لضمان حسن سير المرفق العام بعيداً عن المجاملة أو منطق المصالح الفئوية:

غالباً ما أخذتْ العلاقة بين النقابة والهيئات القضائية (مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي ومعهد الدروس القضائية) طابع المناسبات أو المجاملة وقلما ما هدف هذا التعاون لوضع خطط واقعية مشتركة مع خارطة زمنية واضحة يؤمل تحقيقها لرفع الأداء المهني أو ضمان حسن أداء المرفق العام.

  1. تعزيز التعاون الإيجابي بين النقابة والتّيارات الإصلاحية داخل القضاء:

لبُروز التّيارات الإستقلاليّة داخل القضاء أثرٌ بالغٌ في تغيير الصُّورة النمطيّة للعمل القضائي. وقد أدى بروز هذه التيارات إلى تصحيح مفهوم “موجب التحفُّظ” فلا يتحوّل إلى موجب صمت ويطيح في حريتي التجمُّع والتعبير للقضاة مع ما يستتبع ذلك من تستر عن تدخلات في تنظيم القضاء وأعماله ويمنع الاحتكام للرأي العام في هذا الشأن. من واجبات النقابة تعزيز التواصل والتعاون الإيجابي مع التيارات الإستقلالية داخل القضاء، وضمنا التعاون العلمي والحقوقي، دون المرور بالهرميّات المُعقَّدة، في اتجاه تعزيز التوجهات الإصلاحية على جانجي العدلية وبلورة رؤية مُشتركة حول المسائل والإشكالات التي تطال أفراد المجتمع ككلّ لا سيّما على صعيد مكافحة الفساد.

 

المحور الثالث: المحور الوطني

 كما سبق بيانه، حيال الأزمة الخانقة وانعكاساتها السلبية وفق ما سبق بيانه، تجد النّقابة نفسَها اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى، أمام مجموعة من الاستحقاقات الوطنية الملحّة أهمّها الآتية:

  1. الدفاع عن سيادة الدولة:

الدفاع عن لبنان وحقوقه وسيادته وعدم ارتهانه للقوى الخارجية والعمل في الداخل والخارج على تحرير أرضه وترسيم حدوده وحماية حقوقه وثرواته الوطنية واسترجاعها.

  1. الدّفاع عن الحقوق والحريّات الأساسيّة:

إزاء تزايد الفقر والبؤس في موازاة تعنّت السلطات عن أيّ تغيير، تصبح النقابة مدعوة للدّفاع عن حرية الانتقاد والاعتراض والتظاهر وتكوين الجمعيات والأحزاب أكثر من أي وقت مضى.

وهذا ما باشرته من خلال ضمان حقّ المتظاهرين بحضور محام منذ اللحظات الأولى للتحقيق معهم، وهذا ما تكلل في تعديل المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي ما تزال حبرا على ورق.

من هنا أهمية إنشاء لجنة خاصة داخل نقابة المحامين لضمان الدفاع عن أي تعرّض لحريات الاعتراض، فضلا عن أهمية تفعيل معهد حقوق الإنسان داخل النقابة ومأسستِه.

  1. مناصرة القضايا الاجتماعية الكبرى:

أمام تفلت أصحاب النفوذ على اختلاف أشكالهم، وفي مقدمتهم القيمون على الخدمة العامة والمصارف وأصحاب الاحتكارات، من أي ضوابط، يكون من واجب النقابة أن تتدخل لإعادة بعض التوازن للعلاقات الاجتماعية ضمانا لإعادة حكم القانون.

وفي حين تخوض النقابة منذ آب 2020 معركة قضائيّة بالغة الصعوبة والتّعقيد في قضيّة تفجير المرفأ، من المهمّ بمكان أن تبقى النقابة على جهوزية للانخراط في القضايا الكبرى، ومن أهمها مواجهة تعسف المصارف والاحتكارات وضمان ديمقراطية الاستحقاقات الانتخابية القادمة، وفي مقدمتها الانتخابات التشريعية في ربيع 2022.

  

  1. تفعيل العمل التشريعي والحقوقي:

في حين كشف الانهيار عن مواقع الخلل في العديد من التشريعات والممارسات، فإن معالجة جذوره يتطلب في الكثير من الأحيان إطلاق ورشات حقوقيّة تتضافرُ فيها أوسع الجهود الاجتماعيّة. ومن هنا أهميّة أن تتحوّل نقابة المحامين في بيروت (بما يتماشى مع وصفِها بنقابة الحريّات) إلى منصّة للقضايا والنقاشات الحقوقيّة تُسهِم في تعزيز قدرة المجتمع على الدفاع عن حقوقه وتكريسها.

ومن أهمّ المجالات التي تكتسي في الحاضر طابعاً مصيرياً، معالجة الوضع الماليّ والمصرفيّ بما يعيد توزيع الخسائر بطريقة عادلة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي على نحو يخوّلها أداء دورها التّنموي ويبني اقتصاداً مُنتجاً يضمن المنافسة الحرّة وينبُذ الاحتكارات.

ومن المجالات الهامّة أداء دور رياديّ في الورش الدوليّة والوطنيّة واسترداد الأموال المنهوبة والمعتدى عليها (الأملاك البحرية) والضغط لإقرار قانون المنافسة ومكافحة الفساد في القطاع الخاص.

 

  1. تفعيل أدوار المحامين الأعضاء في الهيئات الوطنية المستقلّة:

أناطت قوانين إنشاء الهيئات المستقلّة بنقابة المحامين في بيروت تسمية محامين مرشّحين لعضويتها. ومن أبرز هذه الهيئات الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرا والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وهيئة الإشراف على الانتخابات، فضلا عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

وقد تمّ اختيار النقابة من ضمن هيئات التسمية على اعتبار دورها في تمثيل قضايا المجتمع والدفاع عنها. ومن المهم جدا ليس فقط العمل على تسمية أكثر المحامين كفاءة وقدرة في هذه الهيئات، ولكن أيضا وضع إمكانات النقابة في تصرف هذه الهيئات لتمكينها من إنجاز مهامها رغم العراقيل الجسيمة التي تواجهها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

نقابات ، حركات اجتماعية ، تشريعات وقوانين ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، حقوق العمال والنقابات ، المهن القانونية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني