أهالي موقوفين لبنانيين في الإمارات يطالبون الدولة بالحماية


2023-05-17    |   

أهالي موقوفين لبنانيين في الإمارات يطالبون الدولة بالحماية

أثارت وفاة المغترب اللبناني غازي عز الدين البالغ من العمر 55 عاماً بتاريخ 4 أيار الجاري، أثناء توقيفه في الإمارات حالة من الغضب بين أهالي الموقوفين واستنكار منظمات حقوقية خصوصًا بعد ما أشيع عن ظروف غامضة لوفاته خلال التحقيق معه. وأوقف غازي عزالدين مع شقيقيه عباس وبسام (أفرج عنهما بعد وفاته) وسبعة آخرين (ما زالوا قيد التوقيف)، في تطوّر يُعيد التذكير بملف الموقوفين في الإمارات الذين أفرج عن بعضهم عبر وساطة قادها مدير عام الأمن العام اللبناني السابق عباس إبراهيم، فيما حكم على سبعة آخرين ما بين المؤبّد و20 عامًا.

وفي احتجاج نظّمته عائلات الموقوفين الجدد، أكّد أفراد منها أنّهم لا يعرفون أسباب توقيف أقاربهم ولا التهم الموجهة إليهم، كما لم تصدر الجهات الرسمية الإماراتية أيّ بيان بخصوصهم، كما لم توضح سبب وفاة عز الدين، ولم تسلّم جثّته إلى عائلتها ولم تمنحها الحقّ بالكشف الطبيّ للتأكّد من سبب الوفاة. 

ونفّذت عائلات وأقارب الموقوفين، باستثناء عائلة الموقوف المتوفّي غازي عز الدين، وقفة أمام وزارة الخارجية اللبنانية أمس الثلاثاء احتجاجًا على توقيف أبنائهم والتكتّم على التهم الموجّهة إليهم كما على ظروف وفاة عز الدين، وما اعتبروه تقاعس السلطات اللبنانية عن التحرّك رغم مرور أسابيع على توقيفهم. وفي ختام الوقفة، التقى وفد من الأهالي وزير الخارجية  عبد الله بو حبيب في مكتبه في الوزارة، وسلّموه رسالة، باسم عائلات المعتقلين في السجون الإماراتية، والمجتمع المدني في لبنان، تتضمّن أسماء الموقوفين في الإمارات وهم “الدكتور عبد الحميد عز الدين، إبراهيم سرور، رضا صفي الدين، غازي فضل عز الدين الذي توفي في مركز التحقيق، وشقيقيه بسام فضل عزالدين (أطلِق سراحه)، وعباس فضل عز الدين (أُطلق سراحه)، إضافة إلى مصطفى عز الدين، حسين عز الدين، عادل حمادة وإبراهيم متيرك”.

والتقى وفد من الأهالي رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي أفادهم أنّه سيوفد شخصية رسمية لبنانية إلى الإمارات لمتابعة الملف و”وعدهم خيرًا”.

وفاة غامضة

وفي التفاصيل، أنّه في 4 أيار الفائت، تلقت عائلة غازي عزّ الدين وهي من بلدة باريش الجنوبية، اتصالًا من مركز التحقيق الأمني في إمارة أبو ظبي لإبلاغها بوفاته. وبحسب منظمة العفو الدولية أنّ “غازي أوقف في ‎دبي في 22 آذار 2023 إلى جانب 8 آخرين، بمن فيهم اثنين من أشقائه. ولم تعطِ السلطات العائلة سببًا للاعتقال أو تسمح بالتواصل معهم وتوفي غازي في الاحتجاز في 4 أيار”. 
وتابع بيان المنظمة أنّه “في 10 أيار، تلقّى ابن غازي اتصالًا للتعرّف على جثة والده، لكن لم يرَ سوى وجه والده. ورفضت السلطات تسليم الجثمان إلى العائلة لإعادته إلى لبنان ودفنه، ودُفن تلقائيًا في الإمارات”.

وبالتزامن، أُفرِج عن شقيقَي غازي في 11 أيار لكن مُنعا من مغادرة ‎الإمارات فيما تردّد أنّهما أُبقيا قيد الإقامة الجبرية. وكان الأخوة الثلاثة يديرون مكتبًا لتخليص المعاملات وتؤكّد عائلاتهم أنّه ليس لأيّ منهم سجلّ جرميّ في الإمارات التي يقيمون فيها مع عائلاتهم منذ نحو ثلاثين عامًا.

وقالت منظمة العفو  في الخليج إنّ “الظروف المشبوهة المحدقة بوفاة المواطن اللبناني غازي عز الدين في الاحتجاز في ‎الإمارات تثير القلق خصوصًا أنّ السلطات لم توضح سبب الوفاة”، داعية الإمارات إلى فتح  تحقيق مستقلّ ومحايد في وفاة غازي عز الدين في الاحتجاز وأن تكشف عن النتائج للعلن”. كما دعا أيضًا المرصد الأورومتوسطي “السلطات الإماراتية إلى كشف الملابسات الكاملة وفتح تحقيق فوري وشفاف في ظروف الوفاة”.

ولاحقًا أصدرت وزارة الخارجية اللبنانية بيانًا قالت فيه إنّه بعد تواصل السفير اللبناني في أبو ظبي فؤاد دندن هاتفيًا مع زوجة المرحوم غازي عزالدين وشقيقه، تلقّى السفير رسالة خطية موقعة من العائلة تفيد بأنّ المغفور له توفّي جرّاء أزمة قلبية. 

الأهالي غاضبون

ودعا الأهالي من أمام وزارة الخارجية، ورئاسة مجلس الوزراء إلى “التدخّل فورًا لحلً هذه القضية وإعادة الموقوفين إلى لبنان مع جثمان عز الدين”، وفق ما قاله  رئيس لجنة أهالي الموقوفين في الإمارات عفيف شومان لـ “المفكرة القانونية” و”إذا لم يتم التجاوب مع مطالبنا سيكون هناك خطوات تصعيدية في الأيام المقبلة”. 

واحتشد أهالي وأقارب الموقوفين والمحكومين أمام وزارة الخارجية والمغتربين في رياض الصلح، رافعين لافتات كبيرة حملت أسماء الموقوفين وصور وأسماء المحكومين بالمؤبّد، وكتب على إحداها: “اعتقلوا منذ 7 أسابيع في الإمارات العربية المتحدة ولا يُسمح لهم بالتواصل مع عائلاتهم”، وطالبت لافتة أخرى  بالتحرّك قبل فوات الأوان، و”قبل تحوّل المعتقلين اللبنانيين إلى جثث كما حصل مع عز الدين، خصوصًا أنّ ثلاثة منهم في حالة الخطر” وفق ما قالته شقيقة أحد الموقوفين. 

لم تشارك عائلة الراحل غازي عز الدين في التحرّك أمس. وتناقل المشاركون أخبارًا عن تعرّض عائلات المعتقلين المقيمة في الإمارات للضغط من أجل التكتّم عن أية معلومات حول الموضوع، وأنّ عائلات مقيمة في لبنان تعرّضت أيضاً للضغط والتهديد لتتبرّأ من هذا التحرّك من أحزاب سياسية محلية، وفق ما قالت إحدى قريبات الموقوفين التي رفضت ذكر اسمها.
أسئلة كثيرة حملتها أمهات وزوجات وشقيقات وأبناء وبنات الموقوفين والمحكومين: “ماذا فعلوا؟، ما هي تهمتهم؟، من يدافع عنهم إذا كنّا ممنوعين من توكيل محامين لهم؟ لماذا لم تتحرّك الدولة اللبنانية؟ من ينصفنا؟ كيف سنحقق العدالة لهم أثناء محاكمتهم وغيرها الكثير من الأسئلة التي لا يلقون أجوبة عليها”.
رباب عز الدين قريبة عدد من الموقوفين تقول لـ “المفكرة”: “نحن الأمهات نصلّي ونصلّي كي يسافر أولادنا لتأمين مستقبل لهم، وليس ليعودوا في التابوت. كلّ عمرنا كنّا نعتبر أن البلاد العربية هي المتنفس الوحيد لأولادنا، لكن ماذا نقول عندما نجد أولادنا مسجونين في ليلة ما فيها ضو قمر. ما السبب؟ أعطونا أي معلومة، ليخبرونا ما هي تهمتهم. في كل قوانين العالم، كل متهم يحق له تعيين محام، لماذا نحن لا نستطيع تعيين محامين لأولادنا؟”
وتتّهم رباب الإعلام المحلي بالتقصير تجاه هذه القضية وتقول: “نطلب فقط أن يساندنا الإعلام لإلقاء الضوء على  هذه القضية. هناك تقصير من الإعلام، عندما ظهرت قصة وفاة غازي، انتظرنا الإعلام أن يخبرنا بشيء، ولكن لم يتحدث أحد عن الموضوع. طُويَت القصة ولكي لا تنطفئ نطلب اليوم من الإعلام البحث في هذا الملف، كل ما نريده أن نعلم ماذا يحدث. نطلب من الإعلام انصافنا ومتابعة تحرّكاتنا التي ستستمرّ. اليوم تفاجأت بلافتات ذكرت أسماء معتقلين وبأحكام مؤبدة، نحن لم نكن نعلم عن هؤلاء أي شيء. السبب هو الإعلام، لدينا في لبنان مساجين في الإمارات بأحكام مؤبدة ولا نعلم عنهم شيئًا. من المسؤول عن ذلك؟”.
فريال والدة  المحكوم بالسجن المؤبّد عبد الرحمن طلال شومان، تقول لـ “المفكرة” “قلبي محروق على ابني، لم أره منذ سجنه في الإمارات في تاريخ 14/1/2018، حُكمه مؤبّد. خلّفت أولادي بالسعودية وعاشوا فيها وكبروا على أراضيها، وبعد استكمال دراستهم العليا سافروا إلى دبي، للعمل والاسترزاق”.
وتتابع: “ابني كان موظفًا في دبي، وجّهوا إليه تهمًا عدة منها التخطيط لقتل صحافية لبنانية، العمالة لإيران، تبييض أموال. وتمّ تبرئته من كلّ التهم وأخيرًا تمّ اتهامه أنه عميل لحزب الله”.

هبة عز الدين زوجة الموقوف إبراهيم متيرك وشقيقة الموقوف مصطفى عز الدين وابنة أخت الموقوف حسين عز الدين، وابنة خالة الموقوفين إبراهيم سرور وعادل حمادة والدكتور عبد الحميد، تقول “الكلّ من عائلة واحدة، أخذوهم بين ليلة وضحاها، ولا أحد يعلم لماذا تمّ توقيفهم. ولا نعلم ماذا يحصل معهم. في تعذيب أم لا؟، لا نعرف. ما هي التهمة الموجّهة إليهم؟، لا نعرف، كلّنا من مواليد الامارات وأنا أيضًا، عشنا في الإمارات ونعلم كيف يعمل النظام، ونحترمه، لا أحد يتدخّل بالسياسة. يثيرون الكثير من القصص ومنها التعامل مع الحزب، تجارة مخدرات، تبييض أموال، كلّها تهم غير صحيحة. ما في أي إثباتات، لا تواصل معهم، لا نعرف عنهم شيئًا، عرفنا عن غازي عندما توفّى. وهذا أخافنا، كنّا ساكتين ولكن اليوم لم يعد باستطاعتنا السكوت”.

بيان الأهالي


وفي بيان وزّعه الأهالي، طالبوا الدولة اللبنانية “كسلطة تشريعية وتنفيذية ووزارات مختصة التدخل السريع لحماية المعتقلين من دون أي اتهام واضح منذ شهرين في سجون الإمارات”، مذكرين بوعد السفير اللبناني في أبو ظبي بـ “التواصل مع الحكومة الإماراتية لمعرفة مصير المعتقلين، لهذا اضطررنا  للانتظار والصمت كلّ هذا الوقت لإثارة القضية… وما زلنا ننتظر لتاريخه التواصل الموعود”. ووصفوا البيان الصادر عن وزارة الخارجيّة بـ “المخيّب لكلّ الآمال والتوقّعات في مساندة الدولة اللبنانية لقضيّة مواطنيها”، معتبرين أنه “يشارك في التستّر على مقتل غازي تحت التعذيب، وتحريف الحقيقة بتأكيده على أن الشهيد غازي توفّي من جرّاء أزمة قلبيّة”. واستغرب الأهالي “تجاهل البيان لمصير المعتقلين السبعة الآخرين من بينهم ثلاثة في حالة صحيّة متردّية وخطرة”، ليضيفوا “لا ضرورة للتذكير بأنّ كل المحتجزين في السجون الإماراتية يحملون الجواز اللبناني، ومن واجب الدولة متابعة القضية ومعرفة سبب احتجازهم  وتعذيبهم نفسيًا وجسديًّا، بالإضافة إلى الترهيب الذي تتلقّاه عائلاتهم يوميًا في الإمارات ولبنان لمنع إثارة القضية”.
وسأل الأهالي: “هل تنتظر الوزارة جثّة أخرى قادمة من معتقلات أمن الدولة في الإمارات؟ هل تنتظر المزيد من القتلى تحت التعذيب لكي تتحرّك؟ ولكي تصدر بيانًا تخبرنا فيه، ربّما، بأنهم “ماتوا  طبيعيًا” في الصحراء أو في حوادث سير. نتأسّف بأنّ الدولة أصدرت بيانًا كهذا تتخلى فيه عن كل معتقليها في السجون الإماراتيّة، فيما المنظمات الدولية لا تتوقّف عن التندّيد بجرائم السجون الإماراتيّة التي تنتهك كلّ القوانين الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان”. وطالب الأهالي “بالتحرك الحكومي السريع كي لا نضطرّ إلى اتخاذ إجراءات تصعيدية بحق كل من تجاهل وتعامى عن واجبه الإنساني والوطني. نصرّ على الخطوات التصعيديّة طالما أن أبناءنا ما زالوا معتقلين، رغم كل التهديدات والضغوطات السياسية التي تتلقاها العائلات في الداخل وفي الإمارات”.
بعدها التقى الوفد ميقاتي حيث أُبلغوا، كما قالوا، أنّ شخصية أمنية لبنانية ستتوجّه إلى الإمارات في الأيام المقبلة لمتابعة ملف المعتقلين اللبنانيين.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الحق في الحياة ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، احتجاز وتعذيب ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني