أهالي ضحايا تفجير المرفأ والمحامون: المعركة واحدة


2021-07-13    |   

أهالي ضحايا تفجير المرفأ والمحامون: المعركة واحدة
الأهالي والمحامين معاً في مواجهة الفساد

يخوض أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت معركة عن الوطن بأسره ضدّ الطبقة الفاسدة، فما عادت مطالبهم تنحصر بالوصول إلى العدالة والحقيقة، بل بات لسانهم ينطق بمعاناة شعبٍ كاملٍ أرهقته الأزمات الخانقة. وقد نفذوا أمس الإثنين مع نقابة المحامين في بيروت يوماً تضامنياً طويلاً وكانت لهم وقفات في محطّات وأماكن عدّة حيث شدّدوا على دعمهم للمحقق العدلي في قضية تفجير المرفأ القاضي فادي بيطار ولنقابة المحامين في معركتها ضدّ الفساد المستشري في الجسم القضائي.  

قصر العدل المحطّة الأولى

البداية كانت عند الساعة الثالثة من أمام قصر العدل في بيروت حيث تجمّع حشد من الأهالي بالإضافة إلى عدد من المتظاهرين الداعمين، وكانت كلمة موجزة لإبرهيم حطيط، الناطق الرسمي باسم جمعية أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت وشقيق الشهيد ثروت حطيط. اختصر حطيط أسباب الاعتصام وهي أوّلاً: تأكيد الأهالي على دعمهم للقاضي بيطار بعد الهجمة المسعورة التي يتعرّض لها. حيث اعتبر حطيط أنّ المنظومة الحاكمة تحاول جاهدةً محاربة بيطار كونه قاضي جريء ولا يهاب أحداً. أما السبب الثاني للتحرّك فهو دعم نقابة المحامين “التي لطالما وقفت إلى جانبنا” في حربها من أجل استقلالية القضاء. وكانت نقابة المحامين قد بدأت قبل حوالي الشهر إضراباً عاماً من أجل المطالبة بإقرار قانون استقلالية القضاء ومنع التدخّلات السياسية والأمنية فيه، ورفضاً لتجاهل مطالب المحامين بتصحيح الواقع القضائي، فكان ما أسموه “انتفاضة المحامين الكبرى”.

بعدها حضر نقيب المحامين في بيروت ملحم خلف إلى مكان الاعتصام يرافقه وفد من المحامين العرب والأجانب الذين جاؤوا لدعم النقابة في معركتها  ضد الفساد، حيث وعد خلف في كلمةٍ مقتضبةٍ الأهالي بالوقوف إلى جانبهم دائماً ،”ما حدا نسي جرحكم وهيدا جرحنا إلنا كمان، بالتالي نحن معكم ولا ننساكم، اليوم ما في كلام الصمت هو المعبّر، أمامكم نحن مننحني ومنسكت”.

 

لو يسمع الفاسدون ما يحدث عند القبور 

على حافة الرصيف المقابل للعدلية، جلست والدة الشهيد محمد علاء الدين منهكة بالكاد تستطيع التقاط أنفسها، فقد استغرقت رحلتها في باص النقل العام من الشوف إلى بيروت حوالي الساعة والنصف، ودفعت مبلغ 30 ألف ليرة للوصول إلى مكان الاعتصام. حال هذه الوالدة التي رافقت الوفد في رحلته المتعبة هي حال معظم أهالي الضحايا المنتشرين في كل لبنان والذين لا يستطيعون تحمّل مشقّة الأزمة الاقتصادية وأزمة البنزين  للوصول ورفع صوتهم.

تروي كيف تذهب يومياً في رحلة من منزلها إلى المقبرة التي تبعد حوالي الساعة سيراً على الأقدم  لزيارة قبر محمد، “ما بيهدأ بالي إلّا لما بكون عند قبره، بقلّه يا محمد إشتقتلك أنا ما اشتقتلي؟، تعا يلا ما اتطوّل”. تُبكي هذه الوالدة الأمّهات المجاورات لها، فتبدأ كلّ واحدة بسرد ما يجري عند القبور. تقول والدة الشهيد عماد زهر الدين الآتية من الجنوب إنّ زيارة قبر عماد هو سبب استيقاظها كل يوم، حيث تمضي عند قبره ساعة في الصباح وساعة عند المغيب، تتحدّث إليه وكأنّه موجود قبالتها. “بسأله إذا بدّه شي، عايز شي، بسأله ليه مش عم يجي لعندي”، تعود لتمسح دموعها هاتفةً مع المعتصمين، ” إضرب إضرب يا بيطار نحن معك مهما صار”، “يا بيطار لا تهتز لبنان فيك بيعتز”. 

واعتبرت رئيسة اتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً سيلفانا اللقيس، أنّ ما يقوم به الأهالي من تحرّكات متتالية وأساليب ضغط هو شيء عظيم، داعيةً الناس والشعب اللبناني إلى الاستجابة لنداءات الأهالي والنزول إلى الشارع لدعمهم. “التحرّكات أكيد بتجيب نتيجة مش لازم نتعب أبداً”. من جهةٍ ثانية أدانت اللقيس ممارسات السياسيين وتمنّعهم عن رفع الحصانات  قائلةً: “هذا الانكشاف للسلطة السياسية معيب”، معتبرةً أنّ ما حدث لا يمكن قراءته إلّا بأنّه أسلوب للتغطية على الجريمة، مصنّفةً ما يقوم به القاضي بيطار بأنّه بارقة أمل وبصيص ضوء “الّي صار بيفضح أدّيه عنّا مجرمين لازم ينحطّوا بالحبس “. 

أما ويليام نون شقيق فوج إطفاء بيروت جون نون فاعتبر أنّ مسار التحقيق طويل والحصانات سوف ترفع عاجلاً أم آجلاً، وهم اليوم بصدد تكثيف وتيرة التحرّكات دعماً للقاضي بيطار الداعم لقضيّتهم “نحن معو لأنّ هو معنا”. 

النقيب خلف مع وفد من المحامين الأجانب في مركز فوج إطفاء بيروت

خلف والمحامون العرب دعماً للقضاء العادل النزيه

ومن أمام قصر العدل انطلق الجميع (الأهالي والمحامون) في مسيرةٍ سيارةٍ باتجاه مقرّ فوج إطفاء بيروت في الكرنتينا حيث وضع خلف مع وفد المحامين الأجانب إكليلاً من الورد على النصب التذكاري للشهداء في باحة المركز. وكانت كلمة للنقيب شدّد فيها على أهمية دور القضاء العادل قائلاً: “نحن اليوم كنقابتي طرابلس وبيروت نشهد تضامناً من كلّ نقابات العالم من أوروبا والدول العربية، الذين جاؤوا ليقولوا لنا تابعوا بحق الدفاع عن كلّ مظلوم ومسحوق، نحن هنا اليوم لنقول إنّ حق الدفاع في لبنان مش رح يسقط حتى يدافع عن كل موجوع”. وتوجّه إلى أهالي ضحايا التفجير قائلاً: “أنتم الموجوعون، مش رح نترككم وطالما في نقابة محامين عرفوا إنّه مش رح توقف العدالة، لأن نحن منآمن بالقضاء الكفوء والجريء لي بدّه يطمّن الناس، الناس موجوعة وما بيطمّنها إلّا وجود القضاء، ما فينا يضلّوا أهلنا على الطرقات حتى يطالبوا بالعدالة، العدالة لازم تكون طبيعية ومسار لكلّ الناس. أهلنا تعبوا ينزلوا على الطرقات خلّوهم بكرامتهم وكلّ واحد يشتغل شغلته، القضاء حجر زاوية لآمالنا، والآن سأنحني بصمت”.

بدوره يقول رئيس إتحاد المحامين العرب الأستاذ رجائي عطية لـ”المفكرة القانونية: إنّ “هذه الزيارة في ظاهرها تضامن مع نقابتي طرابلس وبيروت لكن جوهرها حبّاً بلبنان واعلاناً منا برغبتنا واتفاقنا بأن تكرس المحاماة والمحامون كل جهودهم للعودة بلبنان على ما كان عليه، لبنان كان قبلة العرب، تعلّمنا الحضارة والصحافة والإعلام والطباعة في لبنان، لبنان من هذه الفترة يتعرّض لهجمات عنترية غير منصفة، جئنا كي نعلن ليس فقط التأييد المعنوي بل للتضامن مع زملائنا المحامين أولاً في الدفاع عن الحق والعدالة والوقوف إلى جانب لبنان في ظل الظروف الصعبة”. ويضيف عطية أنّ “طريق الوصول إلى الحقيقة لطالما تصادف مناوءة” وبرأيه لم يحدث أن وصل الحق إلى غايته بسهولة، فقد اعتاد الناس على مقاومة الحق الذي ينتصر في النهاية. 

أما نقيب المحامين العراقيين والأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب ضياء السعدي فيعتبر أيضاً في حديث لـ”المفكرة”، بأنّ “المحامين يجب ألّا يوفّروا أي حماية لكلّ من تشير إليه أصابع الاتّهام بأنّه شريك أو قد ساهم بما حدث في مرفأ بيروت، ورفع الحصانات مقدّمة لتحقيق العدالة للجميع، إذ لا بدّ للقضاء من التحقيق معهم وإظهار الحقائق وانزال العقوبات بحق الذين ارتكبوا الجريمة النكراء والبشعة وغير المقبولة”.  

بعدها أكمل المعتصمون مع وفد المحامين طريقهم باتجاه مرفأ بيروت حيث عرّج النقيب على حي الكرنتينا الذي شهدت منازله وأبنيته أضراراً جسيمةً، وعند تمثال المغترب قبالة المرفأ كانت دقيقة صمتٍ عن أرواح الضحايا. بعدها انسحب المحامون وتوجّه الأهالي في مسيرةٍ سيارةٍ باتجاه منزل وزير الداخلية السابق النائب المدّعى عليه نهاد المشنوق حيث نفذوا وقفةً احتجاجية ورفعوا شعاراتٍ تطالب برفع الحصانة عنه ومثوله أمام القضاء.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، تشريعات وقوانين ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني