أسباب خفوت حراك صور: قمع وتوقيفات واستقالة الحكومة


2019-11-01    |   

أسباب خفوت حراك صور: قمع وتوقيفات واستقالة الحكومة

تضافرت عوامل عدة لتبقي على مظاهر خجولة لاستمرار حراك منطقة صور الجنوبية. فمع القمع الذي تعرض له ناشطو وناشطات المدينة في اليوم الثاني لثورة تشرين 2019، قمع وصل إلى حد إطلاق النار وانتشار المظاهر المسلحة لمناصري حركة أمل تحديداً، ثم بدء القوى الأمنية سلسلة توقيفات واستدعاءات طالت نحو 150 شابا من صور والقرى المحيطة بها، بينهم قُصّر، بالإضافة طبعا إلى إسقاط الحكومة في الشارع. وبالتالي اتخذ بعض فاعلي الحراك ومحركوه قرارا بتجميد نشاطهم مرحليا بانتظار الخطوة التالية لما بعد استقالة الحكومة مع التأكيد على جهوزيتهم لاستئناف الحراك في أي لحظة بناء على قرار الشارع وضرورة العودة إليه. وبذلك يقتصر حراك صور اليوم على الحزب الشيوعي وبعض اليسار والناشطين الذين اعتبروا أن المعركة لم تنته باستقالة الحكومة وإسقاطها في الشارع. (المحرر)

الأعداد في ساحة العلم خجولة لليوم الثاني بعد خطوة المجموعات بتعليق المشاركة. الساحة لم تُخلَ بشكل نهائي، إذ يواظب الحزب الشيوعي كونه جزءاً من هذا الحراك على الإستمرار في اعتصامه مع ناشطين مستقلين. وعلى الرغم من تعليق مشاركة معظم مكونات الحراك، إلا أنهم لم يتركوا الساحة نهائيًا بل واظبوا على القدوم للتأكيد على استمرارية الثورة وللمطالبة بالبدء بالإستشارات النيابية وتأليف الحكومة بالشكل الذي طالبوا به وليست كالحكومات الباقية والتي قامت على مبدأ المحاصصة.

وبحسب القائمين على الحراك أن ما قبل تاريخ 17 تشرين الأول ليس كما بعده إذ أرسى هذا التاريخ حق الشعب في تقرير دولة المؤسسات التي تناسبه.

أما في الخطوات اللاحقة، فيعمل الحراك على خلق حوار بين أبناء مدينة صور وحلقات توعوية تهدف إلى تفعيل النقاش فيما بينهم من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة تناسب الجميع وتضمن لهم سبل الوصول إلى استرجاع كامل حقوقهم. هذه الخطوة لا يهدف منها الوصول إلى محاورة الأحزاب في المنطقة (حزب الله وحركة أمل) كونهم جزءاً من السلطة الفاسدة بل ترحب بكل الأفراد الذين يطمحون من أجل تغيير الواقع، وفق ما يقولون.

وكان ناشطو/ات صور قد احتفلوا باستقالة الحكومة على وقع الأغاني في ساحة العلم في المدينة. غنوا ورقصوا بعد تحقيق المطلب الأول من لائحة مطالبهم الطويلة ووضعوا هذه الاستقالة في إطار الإنجاز الشعبي، منهم من رفض اعتبار هذه الاستقالة في إطار الطوعية مؤكدين على أن الشعب هم الذين أقالوا هذه الحكومة.

توقيفات واستدعاءات واحتجاز في صور

تزايدت الضغوطات التي تمارسها السلطة على المعتصمين في منطقة صورقبل أيام عدة. بعد الاعتداءات المسلحة على المعتصمين في يوم الجمعة بتاريخ 18 تشرين الأول واتهامات بالعمالة والتخوين، تمّ استدعاء ناشطين من الحراك على خلفية الدعوى التي قدّمها مالكي استراحة صور السياحية Rest House tyre بعد الحريق الذي تعرّض له مبنى الاستراحة وسرقة مقتنياته.  هذا في العلن، أما في باطن الأمر وبحسب الناشطين فإن الاستدعاءات أتت على خلفية تعبير الناشطين عن آرائهم من أحزاب المنطقة.

على مدى الأيام الثلاث الأخيرة، قامت القوى الأمنية واستخبارات الجيش بمداهمات لعدد من قرى قضاء صور  منها الشعيتية، المساكن، معركة وغيرها. تم إلقاء القبض على عدد كبير من الشبّان الذي يشتبه توّرطهم في حرق إستراحة صور السياحية. إلا أن الأهالي ومصادر من حراك صور أكّدت أن الاستدعاءات ليست فقط لالقاء القبض على المتورطين في حرق الاستراحة، بل تستهدف كل من شارك في الاعتصامات وقطع الطرقات في مدينة صور وتوجيه الشتائم للأحزاب السياسية، حيث طالت الاستدعاءات حوالي 150 ناشطًا بحسب مصدر من الحراك. صباح اليوم، وقد تخطت أعداد الموقوفين رهن التحقيق 30 شخصًا حتى يوم أمس، بينهم الطفل مهدي سرور البالغ من العمر 16 عامًا.

وقد تضاربت المعلومات حول ارقام الموقوفين اذا تقول مصادر أن عددهم وصل إلى ٣٠ موقوفًا، بينهم الطفل مهدي سرور البالغ من العمر 16 عامًا. وقد جرى اطلاق سراحه بعد ظهر الثلاثاء في 29-10 مع أحد عشر موقوفًا وأبقي على 14 قيد التحقيق بينما تمّ ترحيل 5 موقوفين إلى صيدا. علمًا أنه قد سبق وترحيل ملفات يُجهل عددها إلى صيدا بعد أن أثبت إدانة أصحابها في الاعتداء على إستراحة صور.

وقد سبق إطلاق سراح المعتقلين يوم الثلاثاء، اعتصامًا دعا إليه حراك صور أمام مخفر الشواكير الواقع في مدينة صور صباحًا للضغط على السلطة والإفراج عن الموقوفين. وقد  أصدر المنسقون في الحراك بيانًا قالوا فيه ” متابعةً للأحداث على الساحة اللبنانية ولا سيما في مدينة صور. فوجئنا باستدعاء مخفر صور لعشرات الشبان للتحقيق، ومن بينهم من هو قاصر وبينهم حالات مرضية“. وتابع البيان: “الأخطر في هذا الموضوع هو أسلوب التحقيق الغريب ذات دلالة مخيفة تظهر تدخل سياسي واضح من أحزاب السلطة وتوجيه أسئلة للموقفين عن مواقفهم على وسائل التواصل الاجتماعي. يهمّنا في الحراك أن نؤّكد أن من أهداف الثورة المطلبية التي انطلقنا بها تحرير المخافر ومؤسسات الدولة من الضغوط السياسية وما يحصل هو أكبر دليل على أحقية الاستمرار في مطالبنا“.وأكّد البيان أنه “لا يجوز بحجة الإعتصام والمشاركة في حقوق مطلبية استدعاء من شارك في الإعتصامات والأجدى التحقيق مع من قصّر في أداء واجبه بحماية الممتلكات العامة والخاصة من تخريب قام به بعض المندسين”. القائمون على الحراك أكدوا وقوفهم إلى جانب الأهالي وما يتعرّض له الشباب من ظلم، لكنهم ليسوا مسؤولين عن كل أحد له يد في تنفيذ أي اعتداء على مرفق خاص أو عام.

 دموع ووعود

على كرسيه المتحرك وصل والد الطفل المعتقل مهدي سرور صارخًا بالقوى الأمنية الموجودة في المحلة ومطالبًا بإطلاق سراح إبنه فورًا. ألقي القبض على مهدي مع اثنين من إخوته. بعد التحقيق مع الأخ الأكبر عبد الأمير حول مشاركته في التظاهر وحرق الاستراحة أطلق سراحه فيما بقي مهدي محتجزًا مع آخرين. يقول عبد الأمير في حديث للـ “المفكرة القانوينة” أن ” القوى الأمنية وصلت لإلقاء القبض عليّ مع إخوتي، المفارقة أن أخي الأكبر يعيش في الخارج ولم يأت إلى لبنان منذ 3 سنوات. أُحضرنا إلى المخفر، وبدأ التحقيق وأقوالنا بيّنت أن لا علاقة لنا بالإعتداء على استراحة صور، لكن الأسئلة خلال التحقيق توجّهت نحو مشاركتنا بالإعتصامات، وقد تم اجبار أخي الصغير على فتح هاتفه والتفتيش بداخله وعلى موقع الفايسبوك الخاص به. وقد أفرج عني بينما احتجزوا أخي الصغير”.

عدد الأهالي المعتصمين ليس كبيرًا، القوى الأمنية المتواجدة في المكان تفوق أعداد المعتصمين. الأمهات يجلسن على حافة الطريق ينتظرن بعد وعود لم تتحقق بالإفراج عن أولادهم. تقول لطيفة محفوظ، والدة الشاب محمد أسعد في حديث لـ “المفكرة القانونية  ” طلبت القوى الأمنية إحضار ابني لمدة ساعة فقط، فقام والده بإحضاره إلى المخفر، وحتى اليوم يتم احتجازه لثلاث أيام متتالية على الرغم من إبلاغي القوى الأمنية والجيش بأن محمد يعاني من سرطان في العضم وثقب في القلب، إلا أنه تم وضعه في غرفة بين  أكثر من 40 شخصًا بداخلها”. أما عصام فاخوري فهو أحد الأشخاص الذين تعرّضوا إلى الاعتداء في مدينة صور بطلق ناري يتساءل في حديثه ل”المفكرة” أن  ” السلطة تعرف الأشخاص المعتدين جيدًا من خلال الكاميرات التي كانت تقوم بتسجيل الأحداث، كما أنها تعرف من قام بتمزيق صور المقامات الدينية والسياسية في صور والأشخاص الذين قاموا بإطلاق النار علنًا، إلا أنها لا تلجأ إلى توقيفهم. وعند السؤال يقولون : ما فينا”. يأسف فاخوري للسياسة التي تنتهجها أجهزة الدولة بحق المواطنين الذين خرجوا إلى الساحات بشكل عفوي للمطالبة بحقوقهم، في الوقت التي تغض نظرها عن الأقوياء.

يُجمع الأهالي على براءة أولادهم، وأن هذه التوقيفات التي صدرت بحق أولادهم هي فقط بسبب مشاركتهم في المظاهرات وآرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي حيث تمّت مساءلتهم عن الشتائم التي أطلقت بحق سياسيي المنطقة. وبحسب الأهالي أن هذه الاستدعاءات تمّت بشكل عشوائي، وليس لأنهم يملكون دليلاً يدين الشباب، بل هي بلاغات قدّمتها جماعات تابعة لحركة أمل.

 يصنّف رائد عطايا، ناشط في حراك صور  هذه الاستدعاءات كنوع من الضغط على حراك صور الذي بدأ بممارسته منذ يوم إرهابنا  يوم الجمعة 18 تشرين أول على دوّار أبو ديب، حيث تمت مهاجمة المعتصمين البالغ  عددهم 35 معتصمًا من قبل  500  مسلحًا في الوقت الذي كان الجيش والقوى الأمنية حاضرين للمشاهدة،  فلماذا لم يتم استدعاء هؤلاء للتحقيق معهم ومساءلتهم؟ ألا يوجد حق عام هنا؟ وألا يعد السلاح الظاهر على الوسائل الإعلامية إخبارًا  أم أن الدولة تتدخل فقط عند وجود حق خاص؟

استمرار خجول

حراك صور الذي كان يتعرّض إلى محاولات عديدة لإيقافه بشتى الوسائل الممكنة، أتت استقالة الحكومة مقنعة بالنسبة لعديد من مكونات الحراك وصلت إلى نسبة 80 % من المشاركين في الحراك، منهم الدكتور حاتم حلاوي الذي علّق مشاركته في الاعتصام مع غيره من الأطراف. في حديثه إلى المفكرة القانونية يقول حلاوي أن المطلب الأول قد تحقق باستقالة الحكومة فارتأينا تعليق المشاركة إضافة إلى حملة مضايقات واسعة منذ اليوم الأول تستهدف الحراك. أما السبب الأخير هو استنزاف المشاركين في الحراك ماديًا وجسديًا. من هنا فضّلنا الابتعاد ومراقبة ما سينتج عن استقالة الحكومة. وقد أكد حلاوي أن ” قرار العودة إلى الحراك قد يُتخذ في أي وقت نشعر فيه أن وجودنا في الساحة ضروري لاسيما المدة التي تستلزم تشكيل الحكومة وشكل الحكومة الجديدة، كلها أسباب تجعلنا نعود إلى الشارع “.

وعليه، يستمر اليسار والحزب الشيوعي وحيدًا في اعتصامه في ساحة العلم حتى تحقيق كامل المطالب. فيما توجّه عدد من أبناء المدينة إلى بيروت للاعتصام.

استقالة الحكومة لم تكن وحدها السبب الأساسي لتراجع قسم من أبناء هذه المدينة عن الحراك، إذ بدأ يشعر المتواجدون في الشارع أن حراكهم يخفت وهجه يومًا بعد يوم ويتحوّل شيئًا فشيئًا إلى اعتصام رمزي مقارنة مع ما يحصل في ساحات أخرى. يُضاف إلى ذلك أن التهديدات باستهداف المعتصمين تتزايد لاسيما بعد كلمة السيد نصرالله الأخيرة من جهة، والجمعيات والتجار والقسم الآخر من أبناء المدينة الذين ارتفعت صرخاتهم في الآونة الأخيرة. أما آخر المضايقات كانت ليل البارحة، إذ نزل 4 أشخاص حزبيين إلى دوّار العلم وبدأوا بتكسير الخيم وقلب الطاولات، سرعان ما تم إلقاء القبض عليهم من قبل الجيش.

إذًا، محاولات التضييق على هذا الحراك نجح في مدينة صور بعد أكثر من 13 يومًا، وأخضع عدد كبير من المواطنين الصوريين، حيث أن اطلاق الشائعات والتهديدات التي بدأت تصل إلى المعتصمين أخافتهم بعد أن بات أمنهم مهددًا. هذا الأمر يرفضه الناشط الدكتور حسن حجازي، وهو أحد المشاركين في هيئة التنسيق في مدينة صور إذ أن “تعليق الاعتصام لم يحصل بسبب المضايقات بل بسبب تحقيق انتصار شعبي تمثّل باستقالة الحكومة”.

وعليه تستمر فئة قليلة بالاعتصام، كما أن الاجتماعات بين مكونات الحراك لمناقشة الخطوات المقبلة لم تتوقف حتى هذه الساعة. إذ أن الترقب سيكون سيد الموقف، ومراقبة تشكيل الحكومة. فأي مماطلة أو طرح أسماء استفزازية ستكون دعوة إلى استئناف الحوار مجددًا.

وبدأت الحياة تعود إلى مدينة صور على الرغم من أن طرقات المدينة لم تُقفل باستثناء اليومين الأولين من الحراك، وإقتصرالإقفال على الطريق المؤدية إلى دوّار العلم. منذ الصباح الباكر عادت حركة السيارات إلى طبيعتها في المدينة، واستأنفت المدارس عملها لاسيما المدارس التابعة او المؤيدة إلى الأحزاب.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني