أعلن وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد مرتضى أنّه أحال إلى مجلس الوزراء اقتراح مشروع قانون أعدّه بنفسه بهدف معاقبة الترويج للمثلية الجنسية أو إمكانيّة التحول الجنسيّ. تأتي هذه الخطوة بعد أسبوع شغل فيه وزير الثقافة صفحات التواصل الاجتماعي من خلال مواقفه المتطرّفة والحادّة، سواء في قضية عرض فيلم باربي أو في تهجّمه على الاقتراح الذي قدّمه 9 نوّاب لإلغاء المادة 534 التي ما فتئت تستخدمها بعض الهيئات القضائية لملاحقة العلاقات المثليّة.
وقد اعتبر الوزير مرتضى أنّ النواب الذين قدّموا الاقتراح المذكور إنّما يسعُون من خلاله إلى فرض توجّهاتهم الحرّة على أبناء المجتمع بما يتعارض مع قيمه الإيمانيّة، فضلا عن تعارضه مع الدّستور. ومن أجل تبرير مواقفه المتشددة والتي بلغتْ مستوًى غير مسبوق من التنمّر والعنف الكلامي (مثل: وصف النواب بنوائب الشذوذ أو مخاطبة أحدهم وهو ذكر بصيغة المؤنث)، لم يجد الوزير حرجا في ادّعاء وجود مؤامرة تُحاك ضدّ “مجتمعنا” و”بلدنا”، مما يضع على عاتقه مسؤولية دستورية ووظيفية ووطنية (يكاد يقول تاريخية) ببثّ الوعي تصدّيا لها. ولم يفتْ الوزير أن يدّعي أنه إنما يرمي من خلال أداء هذه المسؤولية ببثّ الوعي إلى تحصين “مبدأ العيش المشترك معا” والحريات العامة ب “مفهومها الصّحيح” و”التي لا يمكن أن تُمارس إلا وفق الضوابط الدستورية والقانونية”.
ومن هنا، نفهم أنّ الاقتراح الذي أحالهُ الوزير إلى مجلس الوزراء إنّما يندرج في إطار اضطلاعه بالمسؤوليّة التي ادّعاها لنفسه بمعزل عن مدى توافقها مع مسؤولياته كوزير ثقافة (وهي ليست كذلك). وهذا ما يتأكّد بوضوح كلّي عند التّدقيق في أسبابه الموجبة ومضمونه، حيث بدا الوزير في معرض التصدّي لمؤامرةٍ كبيرة تهدف إلى التطبيع مع المثلية من خلال تجريم ما قد يمهّد لذلك وتاليا قمعه. فلا تكون المثلية وحدها معاقبا عليها، بل يصبح أيّ دفاع عن حقوق المثليين أو مطالبة بإسقاط التجريم عنهم كذلك، وذلك في مسعى منه إلى العودة عقدين إلى الوراء أي في زمن كانت ما تزال المثلية تخضع لتابوهات اجتماعيّة صارمة، أو بكلمة أخرى في مسعى منه إلى إعادة إحياء هذه التابوهات أو المسلّمات … مستعينا ليس فقط بفنّ الخطابة على وسائل التواصل الاجتماعي بل أيضا بقوة التجريم والعقوبات. وبإمكاننا أن نتخيّل الأثر السلبي الذي قد يترتب على هذا التوجه على الحريات العامة.
وبصورة أكثر تفصيلية، من المهم تدوين الملاحظات الآتية:
1- اقتراح مقدّم من وزير غير مختص
أول ما نلحظه هو أنّ الاقتراح المُقدّم من الوزير يخرج تماما عن صلاحيات وزارته. لا بل أنه يذهب في اتجاه يناقض تماما الاقتراحات التي كان يجدر بها أن تقدّمها. وليس أدلّ على ذلك من مراجعة المادة 3 من قانون تنظيم وزارة الثقافة رقم 35/2008 التي حدّدت صلاحيّتها في المجال التشريعي في “اقتراح مشاريع القوانين والأنظمة التي من شأنها أن تعزز تطبيق السياسات الثقافية المعتمدة وتنسيق التوجهات والأنشطة الحكومية في الميادين المنوطة بها وملاءمة هذه التوجهات والأنشطة مع الاحتياجات الثقافية”.
ولا يحتاج القارئ إلى معرفة قانونية واسعة ليدرك أنّ الاقتراح بمعاقبة الترويج للمثلية الجنسية أو إمكانيّة التحوّل الجنسيّ لا يندرج إطلاقا ضمن تطبيق أيّ من السياسات الثقافية المعتمدة، بل هو على العكس من ذلك يشكّل عامل تهديد وربما تهجير لأيّ شخص مثلي أو عابر، مما يؤدي حكما إلى إفقار الثقافة الوطنية وحرمان المجتمع من عدد كبير من العاملين فيها. وهو بالنتيجة يشكل تجاوزا لصلاحيّات وزير العدل الذي هو لم يدلِ بأيّ رأي في هذا الشأن، علما أن التيار الوطني الحرّ كان أصدر بيانات عدّة أعلن فيها احترامه لحقوق الأشخاص المثليين وأن النائبة ندى بستاني من كتلة لبنان القوي كانت وقعت على الاقتراح بإلغاء تجريم المثلية وأعادت التأكيد عليه رغم الضجيج الترهيبي الحاصل ضده.
انطلاقا من ذلك، يكون الاقتراح مقدّما خلافا لأحكام المادة 66 من الدستور التي تحدّد اختصاص الوزراء بإدارة شؤون وزاراتهم والمادة 2 من مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء التي تشترط لقبول أي اقتراح أن يصدر عن الوزير المختص. لا بل تفرض المادة المذكورة على الأمين العام لمجلس الوزراء دون إبطاء إعادة الملف المحال من أي وزير مختصّ والذي لا يجري تحضيره وفق أحكام المرسوم المذكور إليه، وهي مادة تنطبق من باب أولى في حال إحالة الاقتراح من وزير غير مختصّ أبدا.
2- احترام الأديان لا يعني الخضوع لمعتقداتها وقواعدها
ثاني ما نلحظه هو أن وزير الثقافة يتعامل مع اللبنانيين وكأنهم منضوون كلهم في أطر المذاهب الإسلامية والمسيحية ومحكومون بمعتقداتها، منكرًا عليهم أيّ حرية معتقد من خارج هذه الأطر. ولهذه الغاية، لا يجد الوزير حرجًا في تشويه مضمون المادتين 9 و10 من الدستور اللتين تنصّان وفق ما جاء ضمن الأسباب الموجبة للاقتراح “على واجب الدولة في احترام التعاليم الدينية والقيم الأخلاقية المنبثقة منها وعلى منع أي تعليم يناقضها”.
والواقع أن المادة 9 من الدستور لا تقول ذلك على الإطلاق، إنما تتميز على العكس من ذلك في توصيف الحرية التي تكفلها بأنّها “مطلقة”، وهو توصيف لا يُستخدم في أيّ مكان آخر في معرض ضمان أي حرية دستورية أخرى. وأن يصف الدّستور هذه الحرية بأنّها “مطلقة” إنّما يعني أنّ لا مجال للحدّ منها في أيّ ظرف، وذلك بخلاف الحريّات الأخرى التي تكون قابلة للتقييد في ظروف وبشروط معينة. وهذا ما تأكّد في معرض حملة شطب القيد الطائفي حيث عملت وزارتا الداخلية والعدل على هدى استشارة هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل (تموز 2007) التي اعتبرتْ أن المادة 9 من الدستور تضمن حريّة الفرد ب “الانتماء أو اللاانتماء إلى طائفة والتّصريح أو اللاتصريح عن خياره بهذا الشأن”. كما تأكّدت هذه الحرية في المادتين 18 من كلا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهما مادتان بات لهُما قوّة دستوريّة بحكم الفقرة ب من الدستور. ويلحظ هنا أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة وضعت في سياق شرحها للمادة 18 من العهد الدولي في تعليقها العامّ رقم 22 أن هذه المادة تحمي “العقائد التوحيدية وغير التوحيدية والالحادية، وكذلك الحقّ في عدم اعتناق أيّ دين أو عقيدة. وينبغي تفسير كلمتيْ دين وعقيدة تفسيرا واسعا”.
وبنتيجة وضوح المادة 9 من الدستور ومعها الالتزامات الدولية للبنان في هذا الشأن، فإنّ وزير الثقافة تعمّد القفز فوق حرية المعتقد وتوصيفها على أنها مطلقة (عمليا الجملة الأولى من المادة 9)، ليتوجّه مباشرةً إلى ما جاء ما بعدها، لجهة أن الدولة تؤدي فروض الإجلال لله تعالى. فإذا تمّ ذلك، أعلن من دون أي تردّد أن التزام الدولة بتأدية فروض الإجلال لله تعالى إنما تعني حكما الالتزام بالمعتقدات الدينية للمسيحية والإسلام والقيم الأخلاقية المنبثقة عنها ومنع أي تعليم يناقضها، فاتحا بذلك بابا واسعا للانقضاض على مجموعة من الحريات وفي مقدمتها حريتيْ المعتقد والتعليم.
والواقع أنّ هذا التفسير مغلوط جملة وتفصيلا لأسباب عدة، منها: (1) أنّ موجب تأدية فروض الإجلال ملقى على عاتق الدولة وليس الأفراد الذين تبقى حريّتهم بالاعتقاد مطلقة غير قابلة لأي انتقاص أو تقييد كما ورد في المادة نفسها، (2) أن تأدية فروض الإجلال تجد تفسيرها في احترام مختلف الأديان والطوائف وتمكينها من تنظيم أحوال أتباعها تحت سقف الانتظام العام، من دون إعلاء شأن أيّ منها على أخرى أو إرغام أيّ فرد في الانتماء إلى أيّ منها. وهذا ما أكّده المجلس الدستوري في قراره رقم 1 تاريخ 23/11/1999 والذي أعلن في سياق تفسيره للمادة 9 من الدستور أنّها “تنطوي على موقف محايد للدولة تجاه الأديان”، بمعنى أن الدولة في لبنان لا تتبنّى أي دين رسمي لها، ولا تهدف إلى فرض الأخلاق الدينية على المواطنين كونها دولة مدنية ومصدر شرعيّتها هي إرادة الشعب اللبناني صاحب السيادة وفقا للفقرة “د” من مقدمة الدستور. وما يعزّز هذه القراءة هو أصلا تعددية الأديان والمذاهب الدينية مما يجعل الالتزام بمعتقداتها ضربا من المحال في ظلّ تناقضاتها. وليس أدلّ على ذلك من موقف بابا روما فرنسيس من المثلية الذي أيضا اختار وزير الثقافة تجاهله والقفز فوقه (3) أن الدمج بين “احترام الأديان” و”الالتزام بقيمها” إنما يعكس تسلّطا دينيا غير مشروع وغير دستوريّ وفق ما أثبتته العديد من القرارات القضائية. ولعل أشهرها الحكم الصادر عن القاضي المنفرد الجزائي في بيروت في قضية إنشاد مارسيل خليفة لآيات قرآنية ضمن قصيدة “أنا يوسف يا أبي” (15/12/1999)، حيث جاء صراحة أن مخالفة القاعدة الشرعية المتمثلة في عدم إنشاد آيات قرآنية لا تشكّل تحقيرا للدين وأن الحرية الفنية لا تخضع للقيود الشرعية أو لما تحدده من مسموح وممنوع وأن إنشاد الآيات “المخالف للقاعدة الشرعية” لا يشكل تحقيرا للدين طالما أنه تمّ بوقار واحترام. وقد عاد القضاء ليكرر مواقف مماثلة في قرارات أخرى، وثقتها المفكرة القانونية وكلها ذهبت إلى التأكيد أن عدم الالتزام بالقواعد والمعتقدات الشرعية لا يشكل أيّ تحقير للدين، وأن أيّ تأويل مختلف إنما ينقلنا من نظام حرية المعتقد إلى نظام ديكتاتورية الأديان.
اللغط نفسه نجده في تفسير الوزير مرتضى للمادة 10 التي جاء فيها أن “التعليم حرّ ما لم يخلّ بالنظام العام أو ينافي الآداب أو يتعرض لكرامة أحد الأديان أو المذاهب”. حيث يتحصّل من هذه المادة هنا أيضا أن المبدأ هو الحرية وأنّ الاستثناء عليه هو عدم التعرّض لكرامة الأديان، الذي يقاس هنا أيضا وفق ما هو معقول من دون الأخذ بالتسلّط أو التعصّب الديني. وليس أدلّ على ذلك من مراجعة أهداف المناهج التربوية (مرسوم 1997) حيث ورد صراحة أنها “تتوخى تنمية شخصية اللبناني كفرد (وضمان قدرته على تحقيق الذات في مختلف الميادين بما فيها الميدان العاطفي والوجداني) وكعضو صالح ومنتج في مجتمع ديمقراطي حرّ وكمواطن مدنيّ ملتزم بالقوانين ومؤمن بمبادئ ومرتكزات الوطن كما أنها تستجيب لضرورات بناء مجتمع متقدّم ومتكامل يتلاحم فيه أبناؤه في مناخ من الحرية والديمقراطية والمساواة”. وإذ أكّدت أهداف المناهج في مكان آخر على الالتزام بالقيم والمبادئ الإنسانية وبالعقل وبلبنان وطنا للحرية والديمقراطية والعدالة، فقد ثمّنت التراث الروحي في لبنان مما يستوجب صونه وتعزيزه كنموذج للتفاعل والانفتاح الروحي والفكري ولكونه مناقضا للأنظمة والعقائد التي تقوم على التمييز العنصري والتعصّب الديني. مناهج كهذه تتعارض تماما مع العصبية واستبداد الأديان وحكما مع توجهات وزير الثقافة.
3- مسعى لإعادة إحياء تابوهات لم تعد كذلك
يبقى أن الاقتراح يمسّ ليس فقط بحريتي المعتقد والتعليم، ولكن أيضا بحرية التعبير وذلك من خلال تضمينه ما قد يفسّر على أنه مسعى لإعادة فرض تابوهات على أيّ نقاش من شأنه الدفاع عن حقوق المثليين أو التطبيع مع المثلية.
وهذا ما نستشفّه من العبارات الضبابية الواردة في الاقتراح. فعدا عن أنه هدف إلى معاقبة أي فعل (أو قول) يهدف إلى الترويج للمثلية أو لإمكانية التحوّل الجنسي، فإنه امتنع عن تعريف معنى الترويج. وما يزيد من ضبابية هذه العبارة هو اشتمال المعاقبة المقترحة إشارة إلى احتمال أن يحصل الترويج ليس بالضرورة بشكل صريح، إنما أيضا بصورة ضمنيّة. الضبابية نفسها نجدها بما يتصل باقتراح معاقبة تشجيع المثلية أو الحضّ عليها.
فهل تعتبر المطالبة الحقوقية بإلغاء تجريم المثلية ترويجا ضمنيا لها أو تشجيعا عليها؟ هل يعتبر تقديم اقتراح قانون بإلغاء المادة 534 ترويجا للمثلية على اعتبار أنّه يشكل وفق الوزير مرتضى مسّا بالقيم الإيمانية؟ هل يعتبر بيانٌ صادر عن الأطباء النفسانيين بأن المثلية هي ميل طبيعي وليست مرضا عملا بما انتهت إليه منظمة الصحة العالمية ترويجا أو تشجيعا للمثلية؟ هل يعدّ انتقاد الفحوصات الشرجية أو العنف المرتكب ضد المثليين أو رهاب المثلية ترويجا لها؟
هذه التساؤلات لا تنم عن تحامل أو تخوّف مبالغ به من مقاصد الوزير، بل هي تفرض نفسها على ضوء الأسباب الموجبة التي أدلى بها لوضع اقتراحه وفي مقدمتها أن لبنان يواجه “هجمة من شأنها إذا نجحت، لا قدر الله، أن يكون لها أبشع الأثر على المجتمع والأجيال الناشئة، وهذه الهجمة تتمثّل بسعي ممنهج من بعض العناصر التي تنشط متماهية مع أجندات بعض الجهات التي تعمل تحت ستار المنظمات غير الحكومية”، للتّرويج للشّذوذ الجنسي والتحوّل الجنسي والحضّ عليهما وتصويرهما على أنّهما من الأمور الطبيعية بل من المسلّمات وفق معايير الحداثة والترقّي الاجتماعي والتحضّر الإنسانيّ”.
وعليه، يتبدّى أنّ المُستهدف من هذا الاقتراح ليس التّشويق لممارسة المثلية أو إجراء التحوّل كبث أفلام جنسية مثلا، إنّما أيضا وربما قبل كل شيء أي قول أو ندْوة أو مؤتمر أو عمل فنيّ أو مقال حقوقيّ أو علميّ يتناول المثلية على أنها أمر طبيعيّ. وعليه، يظهر أن المستهدف هو بالدرجة الأولى النقاش العامّ المتّصل بالمثليين والعابرين والذي يعبّر وزير الثقافة عن رغبته في طمسه والسيطرة عليه، تماما كما كان يحصل في الأزمنة التي كان التداول في شؤون المثلية يخضع لتابوهات اجتماعية قمعية. وما يؤكد ذلك هو استهلال أسبابه الموجبة بشيطنة المنظمات غير الحكومية وتصويرها على أنّها أحصنة طروادة التي يتغوّل التطبيع مع المثلية في لبنان من خلالها. وليس أدلّ على ذلك من تضمين الاقتراح بنودا عدة على حلّ أي شخص معنوي من القانون الخاص (جمعية غير حكومية) في حال ارتكابها أي مخالفة للقانون المقترح.
من هذه الزاوية، يأتي هذا الاقتراح بمثابة ردة فعل على القرارات الصادرة عن مجلس شورى الدولة التي اعتبرت أن مناقشة قضايا المثليين وحقوقهم هي ممارسة لحرية يكفلها الدستور، فضلا عن أنه يتعارض مع المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وفق ما جاء في الشرح العام لها رقم 34 لجهة عدم جواز تقييد حرية النقاش الفكري في أي من القضايا العامة في مجتمع ديمقراطي. وما يزيد من قابلية الاقتراح للانتقاد هو أنه يبدو منقطعا تماما عن الواقع الناشئ عن العولمة والإنترنت، والذي يجعل أيّ رقابة على الفكر والنقاش العام أقرب إلى عمل قمعي للأصوات المعترضة، من دون أن يؤدي بأيّ شكل من الأشكال إلى الهيمنة على الأفكار والمعتقدات التي بات تشق طريقها عبر الدول من دون الالتزام بأيّ حدود. هذا أصلا عدا عن استحالة إعادة إحياء تابوهات سقطت منذ أكثر من عقدين. وليس أدل على ذلك من اضطرار الوزير على استخدام عبارة “العلاقات المثلية” للتعريف عما يقصده بالشذوذ الجنسي.
4- اقتراح يهدد العيش المشترك
أخيرا، نلحظ أن الوزير يواصل من خلال اقتراحه احتقاره لفئات وشرائح اجتماعية واسعة، مُستخدِما نعوتا مليئة بالآراء المسبقة، مثل “الشذوذ الجنسي” ووصف تقبل المثلية على أنه أمر بشع وله أثر هدّام ومخالف للطبيعة. ويبدو الوزير من خلال تكرار النعوت والأوصاف وكأنه يحاول تكثيف عبارات الشتم والكراهية من دون أن يترك لأحد مجالا للإفلات منها، أو كأنه يحاول من خلال هذه العبارات أن ينسف عقودا من الجهود للتخلص من هذه الأفكار المسبقة. وقد بدا موقف وزير الثقافة في هذا السياق بمثابة محاولة لتهجير ليس فقط المثليين ومتحولي الجنس، بل أيضا عائلاتهم ممن يحرصون تجنيب أبنائهم التهجم والتنمر الاجتماعي، بما ينقُض تماما مبادئ وحدة الدولة والعيش المشترك.
من هذه الزاوية، يكون الاقتراح المقدم أيضا مردودا طالما أنه يتعارض مع الفقرة ي من مقدمة الدستور التي تنص أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. فقرة تقود ليس فقط إلى إسقاط شرعية الاقتراح بل أيضا شرعية صاحبه.
ملاحظة طارئة:
بعدما أنهيت هذا المقال، تلقيت خبر تقدّم النائب أشرف ريفي باقتراح مماثل، معلنا بذلك بدء منافسة شعبوية على قتل الحريات وتهديد مبادئ العيش المشترك. فلننتظر المزيد.
للاطّلاع على مشروع القانون