وزير التربية يفسخ عقد مدرّسة بسبب نضالها


2022-10-04    |   

وزير التربية يفسخ عقد مدرّسة بسبب نضالها

في سابقة لم يشهدها تاريخ التعاقد مع الأساتذة في المدارس الرسميّة، قرّر وزير التربية عباس الحلبي عدم تجديد عقد المدرّسة نسرين شاهين كمتعاقدة منذ أكثر من عشر سنوات. وفي حين ورد في قرار الوزير “انتفاء الحاجة لخدمات” هذه المدرّسة كمبرر للقرار، تضع شاهين وعدد من الأساتذة إجراء الوزير في خانة العقاب والكيديّة، وذلك لأنها وهي رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي الأساسي، أي شاهين، لطالما “رفعت الصوت بوجه سياسات السلطة التي قضت على التعليم بسبب الفساد” حسب تعبير إحدى المعلّمات. وتؤكد شاهين أنها طالبت دائماً “بمنصّة تبيّن الأموال التي تصل إلى الوزارة من الجهات المانحة، الأمر الذي لم يستسغه الوزير، فقرّر التخلّص مني” على حدّ قولها.

القرار الذي صدر بحقّ نسرين شاهين لم يدفع بعد روابط التعليم الرسمي أو لجان المتعاقدين إلى إصدار موقف: “لا نملك المعطيات الكافية لاتخاذ أي موقف تضامني” على حد قول رئيس رابطة التعليم الأساسي في لبنان حسين جواد، مكتفياً بهذا الردّ. وكرّر الكلام عينه مصدر في لجنة الأساتذة المتعاقدين قائلاً في حديث لـ “المفكّرة القانونية”: “كل التضامن مع نسرين بالشخصي، ولكن في ما خصّ القرار لا نعرف تفاصيله لنتّخذ أي موقف”.

وعلى الرغم من عدم صدور أيّ موقف رسمي من روابط التعليم ولجانها، تضامن عدد من الأساتذة مع شاهين في وقفة احتجاجيّة نفّذوها الثلاثاء أمام مبنى وزارة التربية، كما أغلقت بعض المدارس في التعليم الأساسي أبوابها ليوم واحد اعتراضاً على القرار.

وفي حين من المقرّر أن تقدّم نسرين شاهين طعناً أمام مجلس شورى الدولة بالقرار، أوضح رئيس الدائرة القانونيّة في جمعيّة “الشعب يريد إصلاح النظام” المحامي نجيب فرحات في حديث لـ “المفكرة” أنّ “القانون أعطى الإدارة، أي الوزير، في حالة نسرين حقّ التعاقد أو فسخ العقد مع أيّ أستاذ ولكن تحت مقتضيات المصلحة العامة وحسن سير المرافق العامة وليس لأسباب عقابيّة أو كيديّة”.

“القرار كيدي بهدف إسكاتي”

تبلّغت نسرين، الاثنين، من إدارة مدرسة شكيب إرسلان الرسمية حيث تعمل، قرار وزير التربية عباس الحلبي بعدم تجديد التعاقد معها للعام الدراسي الحالي والأعوام اللاحقة تحت ذريعة انتفاء الحاجة إلى خدماتها. ذريعة ترى مصادر معنيّة في القطاع التربوي أنّه لا يمكن تصديقها، ليس فقط بسبب عدد الأساتذة الذين تركوا التعليم خلال الأعوام الماضية فقط، بل أيضاً لأنّه كان بالإمكان نقلها إلى مدرسة أخرى في حال انتفاء الحاجة إلى خدماتها في المدرسة حيث تعمل، حسب ما كرّر أكثر من أستاذ. هذا وتساءلت إحدى المدرّسات إن كان قرار الوزير بانتفاء الحاجة  مبنيّاً على دراسة أو بيانات زوّدته بها المدارس.

صورة عن قرار الوزير بعدم التجديد مع نسرين شاهين

نسرين شاهين، وفي حديث مع “المفكرة”، أوضحت أنّ قرار الوزير جاء بعد سلسلة من التهديدات بفسخ عقدها كان يرسلها لها بطريقة غير مباشرة مع أساتذة وتربويين طلبوا منها عدم التصعيد ضدّه، وخفض سقف خطابها وعدم التطرّق إلى موضوع تمويل المنظمات الأمميّة والجهات المانحة. كما تحدّثت نسرين عن إبعادها عن الاجتماعات الأخيرة التي كانت تحصل بين وزير التربية وروابط الأساتذة بطلب شخصي من الوزير.

وترى نسرين أنّ القرار بحقّها هو كيدي بامتياز ولا يهدف فقط إلى إسكاتها بل إسكات كلّ أستاذ مطالب بحقوقه قائلة: “طالبت بفتح تحقيق في الوزارة يتعلّق بأموال المانحين تحديداً في ملف تعليم اللاجئين السوريين، وعدم إعطاء الأموال للوزارة، ووضع منصّة تضمن الشفافية، الأمر الذي لم يستسغه الوزير فتخلّص مني”.
 ًوتعتبر طلبها من وزير التربية توضيحاً حول عدم وصول المساعدة المالية التي قدّمتها الدول المانحة (90 دولاراً شهريا لكلّ أستاذ) إلى آلاف الأساتذة، سبباً إضافياً لاتخاذ القرار ضدّها.

وفي حين تؤكّد استمرارها في الدفاع عن حقوقها وحقوق الأساتذة والمطالبة بوقف الفساد ومحاسبة المفسدين في وزارة التربية، تشير نسرين إلى أنّها ستتجه إلى تقديم دعوى أمام مجلس شورى الدولة لإبطال قرار الوزير الحلبي.

“المفكرة” حاولت التواصل مع وزارة التربيّة للوقوف عند قرار الوزير إلّا أنها لم تلق أي ردّ. وكرّر أكثر من مصدر أنّ الوزير كان منزعجاً في الآونة الأخيرة من تصريحات شاهين التي “لا ترتكز على أدلّة”، والتي تصف فيها الوزارة بـ “مغارة علي بابا” وأنّ أكثر ما كان يزعج الوزير حديثها عن العمل للتواصل مع الجهات المانحة ودعوة هذه الجهات إلى عدم إعطاء الوزارة أي تمويل بل تحويل الأموال مباشرة إلى مستحقيها بسبب غياب الشفافيّة.

 يُشار إلى أنّ الوزير الحلبي كان بداية العام الماضي ومع تمسّك المتعاقدين بالإضراب هدّد بإنهاء عقودهم وإبرام عقود مع أساتذة غيرهم، كما نقل بعض الأساتذة أكثر من مرّة أنّه لطالما كان، وخلال اللقاءات معهم، يذكّر بأنّه يمكن أن يستغني عن الأساتذة المتعاقدين واستبدالهم في حال إصرارهم على الإضراب.

قرار الوزير غير قانوني

وكيلة نسرين المحامية فرانسواز كامل رأت في حديث مع “المفكرة” أنّ قرار الوزير غير قانوني وأنّه سيتم تقديم دعوى أمام مجلس شورى الدولة لإبطاله وذلك انطلاقاً من أنّ القرار “كيدي” فضلاً عن أنّ الوزير اتخذ القرار وهو في حكومة مستقيلة.

من جانبه أوضح المحامي نجيب فرحات أنّ القانون الإداري يكفَل حقّ الإدارة في التعاقد أو فسخ أي عقد معها، والإدارة، في حالة نسرين، هي وزير التربيّة، مذكّراً أنّ موضوع التعاقد وفكّ العقود هو في الأساس من صلاحية مجلس الوزاراء ولكن جرت العادة تفويض الوزير المختص (هنا وزير التربية)  بحجّة حاجة المدارس.

ويشرح فرحات في حديث مع “المفكرة” أنّ منح القانون هذا الحق للوزير لا يجعل قراره بحق نسرين قانونياً وذلك لأنّ ممارسة هذا الحق يجب أن تكون بناء لمقتضيات المصلحة العامة وحسن سير المرفق العام وليس على سبيل الكيدية والتعسف والانتقام أو المعاقبة، كي لا يخرج القرار عن الهدف الذي وضعه المشرّع.

وفي حين يرى فرحات أنّ وزير التربية بنى قراره أصلاً على وقائع خاطئة عندما ذكر انتفاء الحاجة للتعاقد مع نسرين شاهين في وقت تبدو فيه المدارس في أشدّ الحاجة للأساتذة في ظلّ تخلي نسبة كبيرة منهم عن التعليم وتركه، يسأل “كيف استنتج الوزير أنّه لا حاجة للتعاقد معها ليس هذا العام فقط بل أيضاً في الأعوام المقبلة، إذا لم يكن هدفه عقابها؟”.

من جهة أخرى يذكّر فرحات بأنّ الدستور اللبناني والاتفاقيات الدولية التي انضم إليها لبنان كرّست حقّ التعبير تماماً كما حقّ العمل النقابي وبالتالي لا يحقّ معاقبة نسرين شاهين على مطالبتها بحقوقها وحقوق زملائها.

ويعتبر فرحات أنّه إذا فرضنا جدلاً أنّ شاهين ارتكبت خطأ ما، فالوزير وبمحاسبته لها بهذه الطريقة يخالف الأصول التأديبيّة المحدّدة في القانون ويجرّدها من حقّها في الدفاع عن نفسها كضمانة قانونيّة وهو ما يُبطِل قراره أيضاً.

وقفة تضامنيّة وإضراب بعض المدارس

والثلاثاء 4 أيلول، نفّذ عدد من الأساتذة المتعاقدين وقفة تضامنيّة مع نسرين صباحاً أمام مبنى وزارة التربية فيما توقّف عدد من المدارس الحكومية في التعليم الأساسي عن التدريس في مختلف المناطق اللبنانية اعتراضاً على قرار الوزير وذلك رغم عدم إعلان رابطة الأساتذة في التعليم الأساسي أي إقفال أو تحرّك تضامني مع نسرين.

 وأكّد المعتصمون وقوفهم معها ضدّ قرار الوزير الذي وصفوه بالتعسفي وغير القانوني والانتقامي. ولفتت شاهين في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ الوقفة عفويّة وأنّ هناك عدداً من الأساتذة لم يتمكّنوا من المشاركة ولاسيّما بعدما وصلهم أنّ الوزير هددّ من يتضامن معها بفسخ العقد، مضيفة: “الوزير أوصل للأساتذة أنّ من يتضامن مع نسرين رح يلحقها”.

واعتبر المعتصمون أنّ تصرف الوزير “بعيد كلّ البعد عن مفهوم التربيّة” على حد تعبير إحدى المدرّسات التي أتت من طرابلس للمشاركة في الوقفة التضامنية.

واعتبرت المدرّسة في حديث مع “المفكرة” أنّ التضامن ليس مع نسرين بل مع حقّ الاستاذ بأن يطالب بحقوقه من دون أن يتعرّض للتهديد أو إيقافه عن العمل، ومع حقّه في الدفاع عن كرامته التي يجب أن تكون مصانة كما استقراره الوظيفي بعيداً عن مزاجيّة مدير أو وزير.

وفي الإطار نفسه، استغربت مدرّسة أخرى أنه بينما يعيش القطاع التعليمي أزمة غير مسبوقة، يجد الوزير وقتاً لاتخاذ مثل هذا القرار التعسّفي، مشيرة إلى أنّ القرار لن يثني الأساتذة عن المطالبة بحقوقهم.

ورفع المعتصمون لافتات تؤكد رفضهم للظلم الذي يتعرّض له الأساتذة هاتفين ضدّ وزير التربية الذي وصفوه “بوزير اللاتربية” و”البلطجي”.   

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكم إدارية ، حركات اجتماعية ، قرارات إدارية ، الحق في التعليم ، لبنان ، مقالات ، حقوق العمال والنقابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني