سمع الجميع أمين عام مجلس الوزراء يتلو علانية مرسوم تشكيل الحكومة الذي أعلن استحداث “وزارة دولة لشؤون التأهيل الاجتماعي والاقتصادي للشباب والمرأة”. وقد أثار هذا الأمر لغطا كبيرا لناحية التسمية التي تحط من كرامة المرأة ما دفع البعض للمطالبة بتعديل التسمية. وبالفعل، تم التوافق على إجراء التعديل لكن المستغرب أن هذا الأمر تم من دون أن يسلك الطرق الدستورية السليمة.
فمن خلال مراجعة العدد السادس من الجريدة الرسمية الصادر في 1 شباط 2019 نلاحظ أن المرسوم رقم 4340 تاريخ 31 كانون الثاني والمتضمن تشكيل الحكومة ينص على تسمية فيولات خيرالله الصفدي “وزير دولة لشؤون التمكين الاقتصادي للنساء والشباب”. أي أن التسمية المنشورة في الجريدة الرسمية تختلف عن النص الرسمي للمرسوم ذاته الذي تلاه الأمين العام لمجلس الوزراء. والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه من الناحية القانونية هو كيف تم تعديل التسمية إذ أن هذا الإجراء يستلزم في المبدأ إصدار مرسوم جديد يتخذه رئيس الجمهورية ويوقع عليه أيضا رئيس مجلس الوزراء بتعديل مرسوم تشكيل الحكومة وتصحيح التسمية.
إن الأعمال الإدارية تصبح مكتملة وحائزة على توصيفها القانوني بمجرد توقيعها من قبل المراجع المختصة حتى لو لم يتم إذاعتها وشهرها (publicité) عبر الوسائل المناسبة وفقا للاجتهادين اللبناني والفرنسي ( CEF, syndicat national des chemins de fer de France et des colonies, 18 juillet 1913). أي أن عدم نشر المرسوم 4340 بالصيغة التي تلاها أمين عام مجلس الوزراء لا يعتبر سببا لتعديله بشكل خفي ودون اصدار مرسوم جديد بالأمر. فمجرد التوقيع على العمل من قبل السلطة المختصة يجعل منه مكتملا ويمنحه الوجود القانوني حتى لو لم يتم نشره بعد:
جراء ما تقدم يتبين لنا أن مرسوم تشكيل الحكومة أصبح مكتملا لحظة توقيعه من قبل رئيس الجمهورية وهو يختلف عن المرسوم المنشور في الجريدة الرسمية دون صدور مرسوم جديد ينشر لاحقا بتعديل المرسوم الأول وفقا لما يفرضه المنطق الدستوري ومبادئ القانون الإداري. وهذا ما حصل فعلا في السابق كالمرسوم رقم 3637 الصادر في 14 آب 2000 والقاضي “بتعديل تسمية بعض الوزارات في مرسوم تشكيل الحكومة” والمرسوم رقم 4369 تاريخ 29 تشرين الثاني 2000 القاضي بتعديل مرسوم تشكيل الحكومة رقم 4336 تاريخ 26/10/2000 بحيث تعدلت تسمية وزارة الدولة لشؤون الاصلاح الإداري كي تصبح “وزارة الدولة للتنمية الادارية”.
ولا بد لنا أن نؤكد أن هذا الأمر ليس مجرد ملاحظة شكلية بسيطة لأنها تجسد فعليا المفهوم الجوهري لدولة المؤسسات حيث أن الصلاحيات هي اختصصات مقيدة يمنحها القانون لأجهزة الدولة كي تمارسها حصرا وفقا لما يفرضه القانون وبالتالي لا يحق لرئيس الجمهورية ولا لرئيس الحكومة تعديل مرسوم تشكيل الحكومة عبر اتباع سبل غير علنية، وغير قانونية كالطلب شفهيا من أمين عام مجلس الوزراء أو مصلحة الجريدة الرسمية بتعديل تسمية الوزراة موضوع البحث. فلا بد من إصدار مرسوم جديد بحيث يتمكن من يتصفح الجريدة الرسمية ولو بعد سنين عديدة من معرفة أن تعديلا قد جرى على تسمية الوزارة. وحتى لو صدر مرسوم التعديل الآن لكن ذلك لا يبرر نشر مرسوم تشكيل الحكومة بشكل يخالف الصيغة الأصلية التي جرى التوقيع عليها.
يبدو أن الخوف من فضيحة التسمية الأولى مهد لفضيحة تجاوز الشروط الشكلية الخاصة بنفاذ المراسيم وتعديلها.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.