أطلقت وزارة التربية والتعليم العالي، بالتعاون مع المركز التربوي للبحوث والإنماء ومنظمة اليونيسف، “برنامج التعليم الدامج” في المدارس الرسمية للأشخاص المعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة، في احتفال أقيم صباح 22/5/2018 في قصر الاونيسكو، برعاية وحضور وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال مروان حماده.
تهدف الخطوة الى “تعزيز مبدأ الدمج في التعليم في لبنان وضمان جودته وتكافؤ الفرص التعليمية لجميع الأطفال، بما في ذلك الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والذين يعانون صعوبات في التعلم”.
ليس مشروع “الدمج التربوي” بمبادرة جديدة، وإنما هو حق يدخل في صلب القانون 220/2000، لم يكتب له أن يتحقق أو يبصر النور إلى يومنا هذا، نتيجة تقصير متعمد من قبل الجهات المعنية المتعاقبة على السلطة على مدى 18 عاماً. وإن كان إطلاق المشروع اليوم هو دليل حسن نية، إلاّ أن البرنامج سينطلق على نحو تجريبي وسيطال 30 مدرسة حكومية في مختلف المحافظات في لبنان. وهنا خوف المعنيين من ذوي الإعاقة من أن”تكون هذه المبادرة كسابقاتها من المبادرات التي سبق وأطلقتها الوزارة، محصورة في إطار زمني محدد وميزانية ومؤشرات محددة، ثم تنتهي وتتبخر مع انتهاء التمويل وعليه تنتهي التجربة بالرغم من أهميتها، وتصبح في خبر كان”.
إلاّ أن هذا الخوف المشروع تبعاً لتجارب الماضي المريرة، تصدت له مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية هيلدا الخوري باستباق السؤال” في كل مرة نكون بصدد إطلاق مشروع دمج أو نشارك بورشة عمل للإحتياجات الخاصة أشعر أن في عيون ذوي الإحتياجات الخاصة سؤال كبير: هل أنتم جادون كدولة ووزارة التربية أن يكون مشروعكم أبعد من احتفال؟ أود أن أخبركم اليوم أن هذا الحفل جاء بعد أن أصبحنا في منتصف المشروع. وبعد أن جلسنا مع المركز التربوي، والدكتورة سمر الأحمدية، ووضعنا الأطر النظرية، وبدأ التدريب المستمر مع الأستاذة رانيا غصوب في هذه المدارس مع الفريق التربوي والتربية المختصة في التوجيه والإرشاد”. وأضافت “جرت كذلك لقاءات تربوية في المدارس، وبات هناك أخصائيي تربية مختصة في المدارس وبدأوا العمل. لذا نحن هنا اليوم لإعطاء الأولاد حقهم وبالتعاون مع الجميع لا شيء سيوقفنا، فالدمج مسؤولية الجميع وما نطلقه اليوم هو البداية ونأمل بالتعاون مع الجميع ان نؤمن التعليم النوعي لجميع أولادنا”.
ويهدف البرنامج الذي ينفذ بتمويل من الحكومة الكندية، الى”زيادة معدلات التحاق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بالمدارس الحكومية، وتحسين نتائج التعليم لجميع الأطفال، كما سيعزز قدرات المدارس الحكومية وزيادة أمكاناتها وتزويد المعلمين والإداريين وغيرهم من الموظفين في قطاع التعليم، بالمعرفة اللازمة والمهارات الأساسية بهدف تأمين بيئة تعليمية متكاملة وشاملة للدمج. وفيما يعمل المشروع على جمع المعلومات والحقائق، يسعى ايضاً الى رفع معدلات الوعي بين الأسر ومقدمي الرعاية وصانعي القرار والقادة في المجتمع حول الحقوق الأساسية، والفرص المتاحة في التعليم الدامج، إضافة إلى أهمية التعاون الفاعل بين المدرسة والأسرة”.
وفي سبيل إنجاح المشروع استعانت وزارة التربية والتعليم العالي بمربيين متخصصين فجعلت “مربيا مختصاً لكل مدرسة من المدارس التي تم اختيارها لتوفير الدعم المنهجي للمدرسين حول تكييف المناهج الدراسية وأساليب التدريس والاستراتيجيات الخاصة بالتعليم، ولدعم الأطفال ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة والذين يواجهون صعوبات في التعلم وذلك بمواكبة جهاز الارشاد والتوجيه بكل وحداته وخاصة التربية المختصة. كما ستتولى ست فرق متنقلة يتألف كل منها من اختصاصي في علم النفس واختصاصي في معالجة النطق لدعم المدارس في توفير الخدمات اللازمة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة”.
ويرى المدير العام للتربية فادي يرق أن” إطلاق المدارس الثلاثين الدامجة هو مشروع رائد في التعليم الرسمي، وسوف تتم متابعته لكي يتسع إطاره وتتوافر له العناصر البشرية والتجهيزات اللوجستية والفنية اللازمة”. ويلفت الى أن”مجلس الوزراء، وافق للمرة الأولى، بعد القانون 46 على التعاقد مع متخصصين في التربية المختصة بمعدل مربية واحدة لكل مدرسة دامجة”.
وأمل أن تكون وزارة التربية قد”أسهمت بصورة فاعلة في التخفيف من التحديات التي يعاني منها الأهل والتلامذة”. ثم توجه بكلامه نحو رئيسة اتحاد المعوقين حركيا في لبنان سيلفانا القيس قائلاً:”منذ سبع سنوات عندما قمتم بالمسح لواقع الأبنية المدرسية وتبين أنه لا يوجد مدرسة من ال350 مدرسة التي جرى ترميمها تتمتع بالهندسة الدامجة، لكننا اليوم أخذنا بعين الاعتبار سهولة وصول من يعانون من صعوبات حركية وكذلك الحال بالنسبة للمدارس التي أنشأت حديثاً”. ولم ينس يرق أن يشير إلى العدد الكبير للمدارس الرسمية نحو 1300 وبالتالي فإن إعدادها يحتاج الى الوقت والمال . وقال “خلال مناقشة موازنة 2018 في اللجان النيابية استطاع وزير التربية مروان حمادة المحافظة على رقم معنوي يسمح لوزارة التربية تأهيل المباني المدرسية حتى تسمح بوصول كل ولد لديه حاجات اضافية، وهذه تستعمل في التعليم وكذلك عند التوجه للمشاركة في الانتخابات بكل سهولة”.
ورأت رئيسة المركز التربوي للبحوث والانماء الدكتورة ندى عويجان، أن”المدرسة الدامجة تتيح الفرصة أمام جميع المتعلمين على تنوع ذكائهم وحاجاتهم الخاصة الإنخراط في النظام التعليمي انطلاقا من مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص ووفق مناهج ومقاربات تعليمية وأنشطة تربوية مكيفة ووسائل ايضاح مناسبة. إذ إن المفهوم الشامل لعملية الدمج، هو أن تشتمل مدارس التعليم العام جميع المتعلمين بعيدا من اعتبارات الذكاء، والموهبة، والإعاقة، والمستوى الاجتماعي والاقتصادي والخلفية الثقافية للطالب”.
كما لفتت إلى أنه تم”اعتماد نظام الدعم المتعدد المستويات MTSS في الثلاثين مدرسة” التي ستطبق البرنامج وقالت:”تعتبر مقاربة هذا النظام، الطريقة الحديثة للتفكير في تحديد الإعاقة وتقديم المساعدة للتدخل المبكر للمتعلمين الأكثر ضعفا وغير المتفاعلين دراسيا و/أو سلوكيا في المدارس”. كما أشارت الى أن هناك سعي الى”تطوير هذا المشروع من خلال مشاريع ومبادرات محلية وأجنبية في هذا المجال، ليطال جميع المكونات والعناصر اللازمة من الناحيتين النظرية والتطبيقية لما فيه خير المصلحة الوطنية العامة”.
من جهتها، قالت ممثلة اليونيسف في لبنان تانيا شابويزا:” نحن بحاجة الى منح جميع الأطفال الفرص نفسها للنجاح في المدارس وفي مجتمعاتهم، وتعتبر المدارس الدامجة الطريق لبناء مجتمع دامج يحضن الكل بالتساوي”.
واعتبر وزير التربية والتعليم مروان حمادة أن “هذا اليوم قد يكون أجمل يوم في تاريخ ال 16 شهرا التي قضيتها في وزارة التربية”. ثم توجه بالتحية الى فريق عمله في وزارة التربية والى منظمة اليونيسف. وعرج على نحو سريع على الانتخابات النيابية الاخيرة، موجهاً التحية إلى سيلفانا اللقيس وقال:”اود ان اوجه تحية خاصة الى السيدة سيلفانا اللقيس التي كان عندها الجرأة والحكمة لأن تتصدى لكل ما ظهر من تجاوزات او تقصير او هفوات في تطبيق قانون الانتخاب، وكانت لها الجرأة أن تقول لا، وأن تخرج من هيئة الإشراف. فتحية لك، وان شاءالله تعطي مثلاً للكثير في هذا المجال”.
وعن موضوع الدمج التعليمي، شدد حمادة على استمرار التسهيلات لذوي الإحتياجات الخاصة في الإمتحانات أيضاً:” لكن التساهل لن يصل الى مرحلة الإعفاء الاّ في ظل ظروف استثنائية جداً، فنحن نؤمن بقدرة المعوق أيضاً على التفوق والنجاح” وبعدما إعتذر عن عدم تلبية رغبة الأهل الذين يريدون إعفاء ابنائهم، رأى “أن نجاحهم بكفاءتهم ووفقاً للأسئلة التي توضع لهم، يفتح لهم كل المجالات، ولذا لم ولن نعط اعفاءاً عشوائياً او اعتباطياً، انما هناك لجنة فيها كبار الأطباء في كبريات الجامعات في لبنان هم الذين أعطوا التقويم والتقدير”. وأشار وزير التربية إلى انه “برغم تدخلات بدأت من قمة السلطة الى كل مستوياتها صمدنا جميعا.ويمكن ان أقول العام الماضي 85 في المئة من هؤلاء نجحوا”.
واعطى مثالاً غريباً لتبرير عدم منح الاعفاءات يتعلق بعدد من الطلاب المصابين بالسرطان الذين قاموا بتقديم الامتحان في العام الماضي ونجحوا، علما ان السرطان غير مصنف عالمياً ضمن خانة الاعاقة الجسدية او الذهنية، وقال:”اذكر انني حضرت امتحانات العام الماضي في مركز سان جود للسرطان. الاولاد كانوا في حال شبه منتهية في موضوع السرطان ونجحوا في البكالوريا وواحد منهم كان من بين الأوائل، والحمد لله انه ما زال حيا وقد قاوم ويمكن ان جزءا من مقاومته هي هذه المعنويات الجديدة التي أعطاه إياها هذا النوع من العلم والإمتحانات”.
رأي إتحاد المعوقين حركياً
من جهتها، عقّبت رئيسة اتحاد المعوقين حركيا في لبنان سيلفانا اللقيس على إطلاق البرنامج بالقول:”إن هذا المشروع مهم جداّ وما تم طرحه اليوم هو أن يكون هناك تجربة نموذجية لعملية الدمج. وقد قالوا أنهم باتوا في منتصف الطريق وان هناك 30 مدرسة يتم العمل عليها” وتوقفت عند موضوع الجامعة و”أنه سيتم تدريس هذا الاختصاص”.
إلا أن اللقيس وإنطلاقاً من قاعدة أن “المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين”، لم تخف تخوفها من أن يكون هذا المشروع مؤقتاً تنتهي صلاحياته بتاريخ محدد. وقالت:”الخوف لدينا هو بعدم الانتقال من المبادرة التي تكون في صدد محاولة إختبار الدمج، الى أن يتحول المشروع سياسة وطنية تدخل ضمن برنامج تربوي”.
كما توقفت اللقيس عند بعض النقاط المطروحة في البرنامج فقالت:”إن كل المقومات التي تحدثوا عنها لتبقى وتستمر يجب أن يرافقها أمور أخرى”. ومن هذه الأمور “على سبيل المثال التعاقد مع أخصائيين بشكل ثابت كي لا ينتهي مع انتهاء المشروع”. كذلك عندما تحدثوا عن تطوير الأدوات، “يجب أن تدخل ضمن المنهاج التعليمي عامة، وألاّ تبقى ضمن هذه التجربة المحدودة الغاية”. كما شددت على نقطة مهمة وهي أن هذا المشروع لم يحدد عدد المستفيدين منه.
لم تشأ أن تكون سيلفانا متشائمة، فاعتبرت أنه”إذا أردنا الحديث بإيجابية يجب أن تكون هذه المرة آخر مرة يجري الحديث فيها عن تجربة، ونبدأ برؤية أرقام المستفيدين سنويا من البرنامج ويدخلون الى المدارس ويتخرجون منها”. وقالت:”نحن كجمعية كان لدينا مبادراتنا كذلك هناك جمعيات كان لها مبادراتها وكانت المقاربة شبيهة بما طرح اليوم، ولكن على الرغم من النجاح الذي كننا نحققه نحن وغيرنا ولا مرة استطعنا الانتقال الى مرحلة يتم فيها تبني المبادرات من قبل الوزارات فتتحول بذلك الى سياسة عامة مدعومة واساسية”.
وبسؤالها عن الضمانات لتطبيق المبادرة التي تم إطلاقها اليوم أجابت:”يجب عليهم أن يستفيدوا من مسألة أن هناك حكومة جديدة تبدأ وكذلك مجلس نواب جديد يبدأ. ولديهم فرصة إذا أرادوا أن تعيش هذه التجربة من خلال إدراج بند من الموازنة مخصص لمتطلبات هذه المسألة. كما أن يتم وضع خطة طويلة الأمد في موضوع التجهيز، ونحن عندما تحدثنا مع الرئيس سعد الحريري وعدنا أن يقوم بالإعلان عن هذا البند ونحن سنتابعه”.
أضافت:”كذلك يجب الإضاءة على التعليم المهني الرسمي الذي يجب أن يكون على الأجندة فيما هو غائب ونحن لسنوات عملنا في 22 ثانوية رسمية ونصف رسمية، لنقوم بتجربة مماثلة وكانت أصعب نقطة لدينا هي تعاطي الادارة العامة بالموضوع والتي لم تكن تأخذ خلاصة التجربة لتجعلها معتمدة”.
وختمت اللقيس محددةً إطاراً واضحاً للمرحلة المقبلة فقالت:”أنا أتوقع إما ستكون سنة مليئة بالإنتاج والعمل ويكون صناع القرار قد تعلموا من الدروس، أو ستكون حافلة بالتحركات المطلبية من أجل الوصول إلى الحقوق. ولكن ما أنا أكيدة منه أنه لا يوجد منطق بأن لا يكون لدى أشخاص معينين مكاناً في المدارس لمجرد أن لديهم إعاقة معينة، هذه جريمة ومن يقوم بها يجب أن يحاسب”.