“
أحد أبرز الشؤون التي ناقشتها الهيئة العامة للمجلس النيابي اللبناني في مساء الجلسة المنعقدة في 6 آذار 2018 اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي إلى الإجازة للحكومة باقتراض ما يعادل 19 مليار د.أ بالعملات الأجنبية (البند 8). ومن اللافت أن هذا الاقتراح تمثل بمبادرة نيابية، وتحديدا من النائب ياسين جابر، وذلك تحسبا لإيفاء الدولة بالتزاماتها في وقت كان لبنان يعاني فيها من فراغ حكومي. وقد تدخل بالنقاش 13 نائبا فضلا عن رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير المالية علي حسن خليل (وهما نائبان أيضا).
ويلحظ أن هذا النقاش يجري في حين قارب الدين العام 100 مليار دولار أميركي وسط أزمة اقتصادية ومالية خانقة وفي حين تبقى الحكومة متأخرى في تقديم مشروع الموازنة العامة لسنة 2019. كما يلحظ أنه كان سبق لمجلس النواب أن ناقش في عدد من المناسبات إمكانية الإقتراض بالعملات الأجنبية أو تحويل جزء من الدين من الليرة اللبنانية إلى هذه العملات، وإن لم يتطرق النقاش في هذه الجلسة إلى هذه المسألة. وللتذكير بأبرز هذه المناسبات، نحيل بشكل خاص إلى الجلسة المنعقدة بتاريخ 2 كانون الأول 2002 حيث رأى العديد من النواب أن من شأن تفاقم الدين بالعملات الأجنبية أن يهدد السيادة الوطنية وأن يزيد من حظوظ إفلاس الدولة.
بدأ النقاش من خلال سؤال وجهه النائب إدي أبي اللمع إلى الحكومة قائلاً: “هل المطلوب إعادة هيكلة الدين العام لتسديد مبالغ تخص الدين العام؟ نريد جوابا عن هذا السؤال، ونريد تفسيرا للإقتراض من شباط حتى اليوم، ونحتاج إلى أجوبة من الحكومة حول الإقتراض”. هذا الكلام دفع بوزير المالية إلى الرد فورًا معتبرًا أنّ: “هذا الاقتراح يأتي من ضمن الموازنة العامة بسبب تأخر الموازنة، حضرنا هذا الاقتراح وطلبنا من الزميل ياسين جابر أن يوقع عليه نظرا إلى حاجة الحكومة في هذا الصدد. هناك خلط بين الإجازة للحكومة إصدار سندات وبين تكليف الحكومة. وكنا مضطرين للبدء بإصدار السندات بالعملة الأجنبية، والاستحقاق الكبير هو في منتصف نيسان”.
ومن أبرز المداخلات خلال الجلسة، مداخلة رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان الذي قال: “اليوم هناك حكومة، وليتها تحترم الإنفاق على قدر الموازنة. هناك مشاريع لم تمر في لجنة المال. ولنسمع هذه الشروحات ونكوّن قناعة”. وقد تمنى أنّ لا تأتي هذه القوانين بصفة المعجل المكرر، فالمفروض أن يتم درسها من اللجنة المختصة. وأعلن النائب أسامة سعد رفضه للاقتراح.
وكان من اللافت أن النائب ياسين جابر مقدم الإقتراح، فقال: “الظروف التي أتى فيها الاقتراح لم تعد مناسبة، وأنا أسحبه ولتأتي الحكومة بمشروع”. وهنا تدخل الرئيس سعد الحريري: “قدم الاقتراح بغياب حكومة وعلينا أن نسدد الأموال، نحن نفضل أن يأتي المشروع من الحكومة. وعلينا تسديد المبالغ بأسرع وقت ممكن. وهذا أمر يحتاج إلى عمل. إما نسدد أو نفلس”.
بدوره اعترض النائب سامي الجميل على اقتراح القانون معتبرا أن الأسباب الموجبة لهذا القانون تقول أن الحاجة التمويلية لعام 2019 للدولة اللبنانية هي 19 مليار دولار، 10 مليار دولار منها سوف تذهب الى خدمة الدين وسداد الديون ونريد أن نعرف أين ستصرف الأموال الأخرى أي 9 مليارات؟
وأضاف: “لا يجوز أبدا الاستدانة عبر اقتراح قانون من ورقتين، من دون أن نعلم ما هي الأبواب التي سوف تصرف من خلالها هذه الأموال.هنا تدخل وزير المالية مجددًا للرد على النائب الجميّل، فقال: “معاشك ومعاش النواب سامي هنا عجز الدولة”.
ودعا الرئيس نجيب ميقاتي الى إقرار الاقتراح، وقال: “هذه استحقاقات رسمية إذا لم تنفذها الدولة نكون وقعنا في المحظور بموضوع إفلاس الدولة”. وشدد على ضرورة “عقد جلسة طوارىء مالية من أجل دراسة الوضع المالي من كل جوانبه”. أما النائب أنور الخليل، فقال: “نحن نستدين ونقول أن هناك نسبة مئوية بدل أن نقول 20 إلى 25%، كلما ارتفع الدين سيرتفع بالعملات الاجنبية، نحن الدولة الثالثة من حيث الاستدانة في العالم بالنسبة إلى الناتج المحلي”. وقال النائب جهاد الصمد: “ما دور مجلس النواب، فقد أصبحنا شهود زور، يريد أن نبصم على كل شيء”.
وتمنى النائب جورج عقيص “ألا يسجل على المجلس النيابي أنه يطلب الإجازة للحكومة إذ أنه عملا بمبدأ فصل السلطات الحكومة هي التي تطلب والمجلس يجيز ويراقب”. وقال: “وهكذا كأن المجلس يتنازل عن مسؤوليته الرقابية، مع كامل تقديري للأسباب التي أملت تقديمه باقتراح قانون”.
ورأى النائب ميشال معوض أن “علينا أن نواجه الاستحقاقات وألا نكمل من دون إصلاحات. يجب أن نواجه الاستحقاقات قصيرة المدى وألا نكمل من دون سياسة إصلاحية. وأنا مع إعادة الجدولة، وأقترح إعطاء إذن للاقتراض على قدر حاجتنا والباقي يكون ضمن الموازنة ويمر عبر لجنة المال.”
وطرحت صفة الاستعجال على التصويت، فصدق. وطرح الاقتراح على التصويت فصدق. واعترض نواب الكتائب وجميل السيد وفيصل كرامي وأسامة سعد.
مقالات ذات صلة:
نقاش نيابي حول الموارد البترولية في الأراضي اللبنانية: خلاف سياسي تحت غطاء خلاف حول صلاحية المؤسسات
النواب يستجيبون لدعوة وزير المالية بمخالفة الدستور: لبنان تحت حكم قاعدة الإثني عشرية مجددا
“